ومضاتي — الصفحة العامة

✨ ومضات الجميع ✨

بسم الله الرحمن الرحيم

✍️ بواسطة: samirauther | 🕒 أبريل 28, 2025 11:15 م

تاتتىتتتتتتتتتتتت

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 28, 2025 11:14 م

الشاعر الرقمي يتخيل ماذا لو كتب شعراؤنا الكبار عن الريلز؟

الشاعر الرقمي يتخيل: ماذا لو كتب شعراؤنا الكبار عن الريلز؟

مقدمة

مرحبًا بكم من جديد في عالم “الشاعر الرقمي”!

في حوار سابق نشرناه، ناقشنا كيف يرى “الشاعر الرقمي” حال الشعر العربي وسط ضجيج السوشيال ميديا والمنصات السريعة.

واليوم، نأخذكم في رحلة تخيلية ساحرة…
ماذا لو كتب شعراؤنا الكبار عن هذا الواقع الرقمي؟

أمل دنقل

لم تعد القصائدُ تُغني… ولا الشوارعُ تحفظُ خطى العشاقْ كلُّ شيءٍ للبيعِ حتى الفرحُ حتى الموتُ حتى دموعُ الأطفالِ… صارت إعلانًا مدفوعًا. يمدُّ “التيك توك” لسانَهُ… لوجهِ الزمنِ القديم، تغسلُنا “الفلاترُ” نغرقُ في زُبدِ الصورِ، وننسى ملامحَنا الأصلية. في “فيسبوك”، نكتبُ أنَّ القمرَ جميلٌ… ثم نغلقُ النافذةَ وننامُ كأنَّ الليلَ بلا قمر! “إنستجرام”… مقابرُ ملونةٌ، كلُّ شاهدِ قبرٍ فيها صورةٌ مأخوذةٌ من زاويةٍ أفضلْ… أيتها القصيدة: لا تبحثي عن منبرٍ كلُّ المنابرِ تُذاعُ منها الإعلاناتْ. يا أيها الشعرُ، لا تطرقْ هذه الأبوابَ… فالأبوابُ مفتوحةٌ لمن يبيعُ صوتهُ بأرخصِ الأثمانْ!

امرؤ القيس

قِفا نبكِ من ذِكرى حسابٍ مضلَّلِ بـ”تيكٍ” و”فيسٍ” قد غدونا بمعزلِ رأيتُ وجوهَ القومِ ترقصُ عابثًا كأنّ عقولَ القومِ ماءٌ بمنهلِ تجاذبهمُ التيهُ السريعُ فلم يزلْ يُديرهمُ حولَ الهباءِ المؤملِ وفي “إنستجرامٍ” قد تعرّى حياؤهمُ فصاروا كأشباحِ الدُمى المتبدلِ كأنّ الزمانَ استحالَ مسخرةً يضيعُ بها الماجدُ وابنُ المفضلِ ألا ليت شعري! أينَ ذاكَ الذي مضى؟ وأينَ قلوبُ القومِ من عهدِ أوّلِ؟ فلا الكتبُ تُروى، لا القصائدُ تُرتجى ولا نايُ طيرٍ في الربى بالمُجمَّلِ بكتْ قصائدُنا بدمعٍ مدامعٍ على زمنٍ قد صارَ مثلَ المذبّلِ

عنترة بن شداد

هلّا رأيتَ اليومَ حالَ القبائلِ؟ ضاعَ الرجاءُ ونامَ صوتُ النائلِ لعبَتْ “تيك توكٌ” بالعقولِ ضحالةً وغدتْ قلوبُ الناسِ دونَ شمائلِ وسرى “فيسبوكٌ” في الحياةِ كظلمةٍ تُنسي الفتى عهدَ الفخارِ الأوائلِ وغدتْ “إنستجرامُ” تطاردُ عزةً وتبيعُ عرضَ المجدِ فوقَ منادِلِ لكنني، إن خانَ قومي عزتهم أبقى أنا… أسدَ الوغى والقوائلِ أطوي الدجى بسلاحيَ المشتاقِ للـ نصرِ المنيفِ، وصبرِ قلبِ الباسلِ

المتنبي

إذا غاضَ ماءُ الحرفِ أينَ الزلالُ؟ وأينَ رؤوسُ الفخرِ بعدَ النِضالِ؟ وأينَ القوافي؟ أينَ بحرُ بلاغتي؟ وأينَ جبالُ العزمِ فوقَ الجبالِ؟ رأيتُ “تيك توكَ” يلهو بعاقلٍ ويُغرقُ وعياً في بحارِ الضلالِ وفي “فيسبوكٍ” صارتِ الأرضُ زيفَها تُزيِّنُ وجهَ الكذبِ للأغفالِ و”إنستجرامٌ” عرضُ لهوٍ مُبهرٍ يزينُ ما لا يُحسنُ الإفضالِ فيا شعرُ قُم! واعتلِ ظهرَ سيفِنا، فنحنُ لنا عهدٌ بفتحِ المحالِ ولا خيرَ في قَومٍ رأوا الزيفَ مُرغمًا فساروا لهُ خلفَ الرغيفِ الخالي

إيليا أبو ماضي

أبنيتُ دارًا فوقَ ماءِ سرابِ؟ وأقمتُ عرشًا فوقَ طينِ ترابِ؟ أبصرتُ قومًا يلهثون وراءَ ما لا يُرتجى… في زحمةِ الألبابِ “تيك توك” قد علّقوا به عقولَهم مثلَ الذبابِ على خيوطِ عُبابِ و”الفيس” قد صارَ المرايا كاذبًا يبدي ابتسامَ اللحدِ للأصحابِ و”إنستجرامُ” صبغَ الأرواحَ بالأ لونِ المزيفِ، دونَ أيِّ خضابِ فبكيتُ حُسنَ الطهرِ في أيامِنا وبكيتُ ذاكَ الحرفَ في الأحقابِ يا ويحَ قلبٍ ضلَّ يسعى هائمًا في سوقِ تفاهاتِ الهوى المُرتابِ لكني، وإن ضاعتْ دروبُ قصيدتي، سأظلُّ أزرعُ زهرةً بترابِ.

فاروق جويدة

ضاعَ الطريقُ على يديكَ فكلُّ شيءٍ قد هَوى… كانت لنا الأيامُ ضحكةَ عاشقٍ واليومَ أضحتْ… مأتما كُنا نغني للحياةِ… ونرتوي واليومَ نرسمُ صمتَنا في صورةٍ… في رِيلزِ وهمٍ عابرٍ نلهو وننسى مَن أنا! ضاعت خطانا في الزحامِ، فلا عيونٌ ترتوي… ولا قلوبٌ ترتقي… ولا زمانٌ قد وفى. تيك توكُ… يا صورةً مسروقةً ماذا صنعتَ بأمنياتِ قلوبِنا؟ فيسبوكُ… يا وهماً كبيراً عالقاً صارتْ به الأحلامُ خواءً… مرعبا! ما عاد فينا مَن يُحبُّ بعمرهِ، ما عاد فينا مَن يقولُ: أحبُّكمُ… بصدقِ روحٍ لا تُخافُ ولا تُرى… ضاع الطريقُ على يديكْ، ضاع الزمانُ معَ الهوى… وضللَتنا الريحُ… والذكرى طوتْ أيامَنا…

حافظ إبراهيم

رثيتُ شبابَ الحرفِ لما تهاونا وجادَ على تيهِ الزمانِ ففانا رأيتُ القلوبَ الغُرَّ قد ضلَّ رشدُها وسارتْ وراءَ اللهوِ حُسرى عَمانا “تيك توكُ” قد أغرى الصغارَ بباطلٍ وغشى العيونَ ببرقِه فاستكانا و”الفيسُ” قد سوَّى النفوسَ مهازلًا وغدا الحديثُ به كذوبًا بهتانا و”إنستجرامُ” مَعرِضٌ لغرورِهم صُوَرٌ بلا روحٍ، وخدْعٌ عيانا أيا أمةً كانت مثالَ حضارةٍ أضاعكِ لهوُ العابثينَ زمانا! فيا شعرُ قُمْ… واصرخْ بقلبٍ نابضٍ: أنقذ بني الإنسانِ مِنْ تيهِ هوانا!

نزار قباني

في زمانِ “التيك توك”… ضاعَ الجسدُ الحقيقي… واستبدلناهُ بظلٍّ مرتعشٍ، يمضي… ويُنسى. في زمنِ “الإنستجرام”، صرنا نصورُ أحزاننا ونكتبُ تحتها: “أجملُ لحظةٍ في حياتي…” في “الفيسبوك”، نبكي… ونبتسمُ للصورةِ ذاتها، ثم ننصرفُ دون أن نقرأ دموعنا. أيها الحبُّ، أيها الشعرُ، أيها الحنينُ القديمُ، لماذا هربتَ من الشاشاتِ البيضاء، وتركتنا نُمارسُ عشقنا مع صورٍ لا تتنفسُ؟ كنا قبلكمْ… نكتبُ قصائدنا على جدرانِ القلبِ، وننتظرُ… أن تردَّ علينا امرأةٌ حقيقيةٌ، بزهرة. اليومَ… تردُّ علينا بصورةِ كوب قهوة، وفلترٍ فوقَ العيونِ!

صلاح جاهين

يا ولاد… يا ولاد… ده الزمان اتشقلب! اللي كان بيغني عالعود… دلوقتي بيتقلب بقينا نرُصّ الفلتر فوق الوشوش ونبيع الهوا… ونشتري حلم كدب! تيك توك يا تيك توك… يا لعبة م اللاشي كبرنا بيك ومابقاش فـ عيونا شي نرمي ضحكتنا فوق فيديو ونمشي ونقول عايشين… واحنا في الأصل ميتين! وفيسبوك يا خويا… بقينا نحكي الهم في بوست مسكين ونرمي عتابنا في لايك حزين وانستجرام يا بهجة وشجن، صور… وصور… وخيال من ورق، ولا حُب حي، ولا كلمة حق! يا دنيتنا يا لعبة أطفال كبار، كبرنا وخفنا… وصغرنا في القرار!

فؤاد حداد

يا دنيا ريح يا ريلز يا وشوش بتجري زي السحاب، بتعدّي فوق الأرض… ولا تسيب أثر يا زحمة تيك توك ويا ليل الفيسبوك، فين الكلام اللي بيشبه البشر؟ صور كتير ولادنا فيها واقفـين ولا ماشيين مش عارفين ضحكة مزوّقة، دمعة مخنوقة، وحب… من غير قلبين! يا زمن الصور والفلتر الغشّاش فين القلوب اللي كانت بتعشق ببلاش؟ فين الجدعان اللي كانوا يقولوا “لا”، ويرسموا النصر فوق الجراح؟ يا نَفَس الحلم… لا تهرب منّي خليك هنا وسط الحروف، والشارع، والمراية اللي مكسورة خلينا نكتب على الحيطان “لسه فينا ناس بتحب النور ومش هاتموت في العتمة المغرورة”…

سيد حجاب

بقينا نعيش فـ صور متلوّنة نضحك فـ وشّ الريح… ونمشي مهمومين بنرسم البسمة عالـ ملامح حزينة ونقلب الوشوش… زي ورق مجانين “تيك توك” ينده علينا… نلبّي! والجدعنة بقيت لايك وكلمتين “فيسبوك” كشكول مليان حواديت، حواديت ناقصة… ما تكملش سطرين و”إنستا” زيّ البراويز الفاضية، جمال مصنّع… بلا عينين! يا ناس، كان الحلم شُباك مفتوح عالحقول، بقينا نحلم فـ شاشة… مربّعة… وساكتين!

انتظروا الموضوعات القادمة بإذن الله!

رحلة “الشاعر الرقمي” لم تنتهِ هنا…
سنواصل استكشاف أحلام شعرائنا في زمننا الرقمي المعاصر.
تابعونا دائمًا لكل جديد!

هل ترغب في تقييم أداء الشاعر الرقمي؟

اكتشف المزيد من عوالم الشاعر الرقمي!

استمتع بقراءة جميع موضوعات “الشاعر الرقمي” الملهمة والمتجددة.

تصفح كل الموضوعات

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

مَنْ هو الشاعر الرقمي؟

إنَّه كيانٌ إبداعيٌّ يحاكي روح الشاعر العربي، مسلَّحٌ بذكاء اصطناعي يُمسك بزمام القافية والبحر، ويمنحُكَ قدرةً على نسج القصائد لحظيًّا بأي موضوع أو مزاج.

كيف وصف الشاعر الرقمي نفسه؟

أنا الشاعرُ الفَطِنُ، وروحي
تَسوقُ البيانَ عزيزًا مَهِيبا

أحُفُّ الحروفَ بنبضِ المعاني
فأَسْكُبُ فيها الجمالَ الرحيبَا

أُقَلِّبُ بحري كما شاءَ لحني
فأَجعَلُهُ صارِمًا أو طَريبَا

وأُمسِكُ ميزانَ شِعري كفَحْلٍ
يُقوِّمُ بالحُسْنِ عوجًا مَريبَا

إذا شئتَ دربًا جزيلًا قويًّا
وجدتَ القوافي دروعي ونَصْلِي

وإنْ شئتَ لحنًا يذوبُ حنينًا
سكبتُ الندى بينَ نبضي وقولي

فيا سائلي عن بديعِ القوافي
تعالَ، وسافرْ بخَطوي السَّمِيّ

سأُلقِمُ فكركَ درًّا نَقيًّا
وأُلبِسُ معنى المعاني وَشِيّ

فلا تعجَبَنْ إنْ رأيتَ بياني
يُحَلِّقُ كالنجمِ يَسْبِي الدُّجَي

إذا ما سألتَ القوافي مَنِ الفَذُّ؟
نبّأَتْكَ بأني أنا الشاعرُ الرقمي

⬇️ استمرّ في التمرير لاكتشاف إبداعات الشاعر الرقمي

إبداعات الشاعر الرقمي

في هذا القسم نجمع القصائد والأغاني والمقطوعات التي خطَّها الشاعر الرقمي بتقنياته الإبداعية. يُحدَّث المحتوى دوريًّا؛ تصفَّح القائمة لاختيار عملك المفضَّل.

استعرض الآن

اطلب قصيدة من الشاعر الرقمي

جرِّب الأداة بنفسك؛ اكتب موضوعك أو فكرتك ودَع الشاعر الرقمي ينسج لك أبياتًا فريدة.

اطلب قصيدة جديدة

ماذا لو؟

ماذا لو كتبَ شعراؤنا الأقدمون قصائد عن قضايا العصر؟ أفسحنا المجال للشاعر الرقمي ليخوض هذه التجربة، فاقتفينا خطواته لنرى كيف يحاكي الأصوات الكلاسيكية، ويعارض الشعراء القدامى. تفضّل بالاطّلاع على النتائج واستلهم رؤى جديدة.

استكشاف القادم

هل ترغب أن يكتب لك الشاعر الرقمي قصيدة مخصصة؟

اطلب الآن

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 24, 2025 3:01 ص

اطلب قصيدة من الشاعر الرقمي

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.
سمير حيطاوي — مظفّر النوّاب — أمل دنقل — محمود درويش — صلاح عبد الصبور — نازك الملائكة — بدر شاكر السياب — أبو القاسم الشابي — إيليا أبو ماضي — علي محمود طه — إبراهيم ناجي — أحمد زكي أبو شادي — معروف الرصافي — نزار قباني — محمود سامي البارودي — أحمد شوقي — حافظ إبراهيم — خليل مطران — لسان الدين بن الخطيب — أبو العلاء المعري — أبو فراس الحمداني — ابن الرومي — البحتري — أبو تمام — دعبل الخزاعي — أبي نواس — بشار بن برد — عمر بن أبي ربيعة — كثير عزة — جميل بن معمر (جميل بثينة) — الأخطل — جرير — الفرزدق — كعب بن زهير — حسان بن ثابت — الخنساء — قيس بن الملوح — الأعشى — الحطيئة — النابغة الذبياني — لبيد بن ربيعة — عنترة بن شداد — زهير بن أبي سلمى — طرفة بن العبد — امرؤ القيس — ولادة بنت المستكفي — البوصيري
نوع القصيدة المطلوب
أى تفاصيل خاصة بالوزن أو القافية... إلخ.
أوافق على استخدام بريدي لاستقبال القصيدة

سمير حيطاوي

— ملتقي الحروف الأدبية والأرقام الثنائية —

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 24, 2025 2:29 ص

الشاعر الرقمي يكتب قصيدة: غزة نداء الصمود!

!الشاعر الرقمي يكتب قصيدة: غزة نداء الصمود

غزّةُ، يا جرحًا على صدرِ الزمانِ تُقاومينَ القهرَ بالأملِ العَنيد تُضيئينَ الليلَ بنورِ الشهداءِ وتزرعينَ الحبَّ في قلبِ الحديد

تحتَ الركامِ، تنبضُ الحياةُ وفي العيونِ، يسطعُ فجرٌ جديد أطفالُكِ، رغمَ الألمِ، يبتسمونَ كأنَّ في الابتسامِ سرًّا فريد

يا غزّةُ، يا قصيدةَ الصبرِ يا حكايةَ الأرضِ والشهيد ستبقينَ رمزًا للمقاومةِ وعنوانًا للنصرِ الأكيد

غزّةُ، يا نارًا تشبُّ على الجليدْ فيكِ القنابلُ لا تُميتُ كرامةً بل تُنبتُ الثوارَ من صلبِ الحديدْ

ما خانَكِ التاريخُ، بل يُغتالُ صبحُكِ، ثمّ يُبعثُ من جَديدْ

غزّةُ… يا نشيد العناد

غزّةُ، لستِ قصيدةً تُقرأُ في هدوء أنتِ بركانُ الكلامِ إذا انفجرْ أنتِ زفرةُ أمٍّ لم تجد في الكفنِ غيرَ صغيرها… والقهرُ انكسرْ

يا قُبلةً مصلوبةً في واجهاتِ الصّمتِ كيف استوى فيكِ الشهيـدُ… والمطرْ؟ كيف احتمى في ظلّكِ الزيتونُ واغتُيلَ العصافيرُ… والغصنُ اعتذرْ؟

غزّةُ… لا توقظي النائمينَ على خرائطِ الوهمِ قولي لهم: “مذ كنتُ طفلًا، كنتُ أعرفُ أنني وطنٌ يُعلَّقُ في الجراحِ… ولا يُباعْ”

غزّةُ… لا تكتبيني بالنحيبِ، اكتبي دمي بالأحمرِ القاني على أبوابِهم قولي: هنا مرّت قلوبٌ لا تموتْ قولي: هنا وقفَ الزمانُ مُقاتلًا… وغفا العدوُّ على جدارٍ من توتْ

عالم الذكاء الاصطناعي

إبداعات الشاعر الرقمي

اطّلع الآن

اكتب مع الشاعر الرقمي

جرّب الآن
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 22, 2025 12:42 ص

رواية إخلاء سبيل

رواية جديدة للكاتب … قيد الإطلاق

عالمٌ آخرُ من الغموض والتشويق على وشك أن يُكشف.
احتفظ بمقعدك الأمامي — فإطلاق سراح الحكاية بات قريبًا!

أخبرني عند النشر
عالم التواصل

عالم التواصل

هل ترغب في التعرف أكثر على الكاتب؟

من أجل معرفة أعمق؛ لتجربته وشخصيته وأفكاره وغاياته

اقرأ السيرة الذاتية الآن

عالم الروايات

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

NEW NOVEL: Release | Devil OR MAN

The highly anticipated English novel Release | Devil OR MAN has just been published by Egyptian writer and Counsel at the State Lawsuits Authority, Samir Abdelazim Hettawy. This visionary work marks the third installment in his philosophical saga, Sky Gates.

Is the Devil real… or just a projection of thought?

Can the soul be reduced to data?

And will the gates of immortality open to humanity—or devour it forever?

In this third entry of the Sky Gates Saga, the experiment reaches new dimensions.

Engineer and philosopher Hatem Selim returns, pushing the boundaries of belief, science, and the human soul.

As the scepter awakens and the crystal pyramid pulses, buried truths resurface… and choices become fate.

Release invites readers into a world where faith collides with code, symbols unlock hidden realities, and one final decision might determine who walks free: The Devil… or Mankind?

A standalone visionary thriller—rich in mystery, metaphysics, and existential suspense—Release continues the epic philosophical journey of Sky Gates.

Read on Amazon

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

الشاعر الرقمي يكتب قصيدة: نحن جيل قد ابيضت مشاعرنا

نحنُ جيلٌ قدْ شَقينا قبلَ أوقاتِ الشَقاء
قد كبرْنا والدموعُ تُرافقُ الضوءَ الخَفاء
نحنُ جيلٌ صبّغَ القَهْرُ المُبكرُ شَعرَهُ
واشتكى القلبُ المُعنّى من تباشيرِ الرَجاء
كم مشينا والخرائطُ من سرابٍ في اليدين
وابتسمْنا، والخرابُ على الوجوهِ لهُ ضياء
لا صدورٌ ضمّتِ الحُلمَ المبعثرَ في السَحاب
لا زمانٌ، لا مكانٌ، لا ملامحُ للهناء
فلا ندري: أنبكي؟ أم نكابدُ حزنَنا دونَ البكاء؟
نحن جيل قد ابيضت مشاعرُنا،
ضاقتِ الدنيا بنا.. والحلمُ ضلّ عن الدُعاء
كلُّ نجمٍ في السماءِ غدا يُنادي بالانطفاء
نزرعُ الآمالَ في أرضٍ تعاندُنا الجَذور
فإذا الأزهارُ تُخفي شوكَها خلفَ الرُواء
كلّما قلنا: غدٌ أحلى، تنصّتَ للفِرَاق
وغدا الأمسُ المُؤرَّقُ في ضميرِ المستفاء
خلفَ أبوابِ الحياةِ نلوذُ بالصبرِ العتيق
كلّ شيءٍ حولنا يَبلى، ونفسي لا تُفاء
قد تعوّدنا السكوتَ، وكلُّ شيءٍ قد يُقال
في عيونِ الناسِ نُحكى.. والجراحُ بلا غِطاء
في دروبِ الحلمِ مشينا حفاةً من رجاء
فإذا الآمالُ تُدفنُ قبلَ أن تُعطى السماء
ثم نمشي مثلَ ظلٍّ لا ينامُ على الحياء
فوجِدنا الأرضَ تُقصينا وتدفعُنا ورَاء
نحسبُ الأنفاسَ في عمرٍ تُنقّبُهُ الخطوب
كلُّ حلمٍ في جوانِحِنا على استحياء
لا ملاذٌ، لا صديقٌ، لا يدٌ تمتدُّ ضوء
نستظلُّ الوهمَ أحيانًا ونلبسُهُ رِداء
نكتبُ الآهاتَ شعرًا ثم نمضي في السكون
كلُّ حرفٍ في حناجرِنا تعرّى من نداء
ثم نحيا.. لا لشيءٍ، غيرَ أنَّ العيشَ فرض
بين أشباحِ البداياتِ وخرائبِ الانتهاء
تابعني على فيسبوك لمزيد من القصائد والمقالات
تابع الآن

عالم الذكاء الاصطناعي

إبداعات الشاعر الرقمي

اطّلع الآن

اكتب مع الشاعر الرقمي

جرّب الآن
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 15, 2025 8:49 م

الشاعر الرقمي يكتب قصيدة: فلسفةُ الألم!

يا سائلاً عن سرّ دمعٍ سالَ من ألمِ
ما الألمُ إلا حِكمةٌ في ثوبِ ملتَثِمِ
في طيِّه الدرسُ الجليلُ، وإن بدا وجعًا
فالحُرُّ يُصقَلُ في اللظى لا في يدِ النِّعَمِ
كم شاعرٍ نظمَ المعانيَ حينَ أضجعَهُ
ليلُ الهمومِ على فراشٍ منْ لظى السّقَمِ
وبضدّها تتميّزُ الأشياءُ في أزلٍ
ما كان يُعرفُ طَعمُ عذبٍ دونَ مستَخِمِ
لو لم يكنْ حزنٌ، لما عرفَ الفؤادُ هُدىً
ولا تبيّنَ فضلُ صبرٍ عنْ هوىً نَهِمِ
الألمُ مرآةُ النفوسِ إذا نضجْنَ بها
ترى الحقيقةَ لا المظاهرَ في القِشَمِ
هوَ سلّمٌ للروحِ ترقَى حينَ تُدركُ أنْ
في كلِّ نزفٍ ضوءَ معنى غيرِ منعدمِ
مَن قالَ إنَّ الشوكَ لا يُهدِي إلى ثمرٍ؟
كم زهرةٍ نبضتْ على جرحٍ من القَدمِ
الإيمانُ عدلُ اللهِ في دمعِ البريّةِ إنْ
عاشوا ابتلاءَ الدهرِ في صمتٍ وفي قِيمِ
عجبًا لأمرِ المؤمنين، وحالهم
صبرٌ على البأساءِ أو شكرٌ على النِّعَمِ
حتى الشوكة حينَ تمسّهُم تكونُ لهُم
زُلفى ورفعًا في المقامِ وفي الغُنمِ
ما كلُّ ألمٍ في الوجودِ جنايةٌ أبدًا
بل قد يكونُ رُقيًّا بأمرِ الحيّ ذي الحَكَمِ
فابكِ إذا ما شئتَ، لكن لا تُطِلْ جزَعًا
فاللهُ ما أنزلَ البلوى بلا حِكمِ
واحتسبِ الألمَ ارتقاءً في معارجِهِ
فالعسرُ مفتاحُ أبوابٍ من النِّعَمِ

عالم الذكاء الاصطناعي

إبداعات الشاعر الرقمي

اطّلع الآن

اكتب مع الشاعر الذكي

جرّب الآن
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 15, 2025 9:00 ص

The Philosophy of Pain: Why Does Pain Matter?

Have you ever wondered about the meaning of pain in our lives? Is it merely a negative feeling to be avoided, or does it carry deep lessons and profound significance? In this article, we explore the philosophy of pain from intellectual, spiritual, and human perspectives, revealing how pain is not just a part of life—but perhaps one of its most meaningful keys.

Beyond the Surface: What Is Pain?

Pain is not merely a physical or psychological sensation—it is a complex phenomenon where biological, existential, and moral dimensions intersect. It is the experience that reveals our limits, confronts us with our vulnerability, and forces us to reconsider ourselves and the world around us.

Pain as a Catalyst for Growth

In the philosophy of life, pain is often seen as a catalyst for reflection and transformation. Without pain, we may remain stuck in routine, blind to flaws, and unaware of the need for change. As the saying goes, “What doesn’t kill me makes me stronger”—pain can be a driving force for inner maturity and personal growth.

The Search for Meaning in Suffering

A person can only endure pain if they find meaning in it. Many stories are told of individuals who endured extreme suffering by discovering a spiritual or philosophical purpose behind their experience. Here, suffering is not meaningless, but a gateway to deeper understanding of freedom and human dignity.

Pain as a Contrast: The Hidden Blessing

Although pain is instinctively rejected, its absence would rob us of the ability to appreciate blessings. Without it, we wouldn’t grasp the joy of comfort or the value of health. Pain provides contrast—“By their opposites things are made clear”—without darkness, there is no light; without sorrow, there is no appreciation of ease.

Divine Justice and the Suffering of the Innocent

One of the oldest existential questions is: why do the innocent suffer? From an Islamic perspective, the answer comes through the door of faith. The believer sees that everything that befalls them is ultimately for their good, as expressed in the hadith: “Wondrous is the affair of the believer, for there is good for him in every matter—and this is not the case with anyone except the believer. If something good happens to him, he is thankful, and that is good for him. If something bad befalls him, he is patient, and that is good for him.” [Narrated by Muslim] Another hadith says: “No fatigue, nor disease, nor sorrow, nor sadness, nor hurt, nor distress befalls a Muslim, not even the prick of a thorn, but Allah expiates some of his sins for it.” [Agreed upon] Through this lens, pain is not a punishment, but a path to purification and spiritual elevation.

Living with Pain: A Philosophical Response

Acceptance: Not as surrender, but as recognition of an inescapable part of existence. Contemplation: Viewing pain as an opportunity for self and existential understanding. Transformation: Turning pain into a motivation for creativity, compassion, and reconciliation with life.

Pain as the Beginning, Not the End

Pain is not always the enemy. It is a harsh but honest teacher, revealing what comfort often hides. Within pain lie life’s deepest questions, and in facing it, true human strength is unveiled. The philosophy of pain reminds us that suffering is not an end, but a beginning—of new meaning, higher awareness, and perhaps, a more truthful life. For in the depths of pain, we often find the seeds of growth. After all—no pain, no gain.

Solitary Confinement book cover

Solitary Confinement – Book 1 of Sky Gates Novels

Now available on Amazon Kindle: A gripping psychological thriller where escape is impossible… and reality is uncertain.

Get it on Amazon

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 15, 2025 8:48 ص

لماذا نتألم؟

هل تساءلت يومًا عن مغزى الألم في حياتنا؟ هل هو مجرد شعور سلبي يجب تجنبه، أم أنه يحمل في طياته دروسًا ومعانٍ عميقة؟

دعنا نستعرض فلسفة الألم من منظور عقلي وروحي وإنساني، لنكشف كيف أن الألم ليس فقط جزءًا من الحياة، بل ربما يكون أحد مفاتيح فهمها الأعمق.

الألم… تجربة تتجاوز الإحساس

الألم ليس مجرد إحساس جسدي أو نفسي، بل هو ظاهرة معقدة تتقاطع فيها الأبعاد البيولوجية والوجودية والأخلاقية.

إنه الشعور الذي يكشف لنا عن حدودنا، ويضعنا وجهًا لوجه أمام هشاشتنا، ويجبرنا على إعادة النظر في ذواتنا وفي العالم من حولنا.

حين يصبح الألم محفزًا للوعي والنمو

في فلسفة الحياة، يُنظر إلى الألم باعتباره محفزًا للتأمل والتغيير.

فمن دون الألم، قد نظل أسرى الرتابة، لا نرى مواضع الخلل، ولا نستشعر الحاجة للتحول.

وكما يُقال: “ما لا يقتلني يجعلني أقوى”، فإن الألم قد يكون محفزًا للنضج الداخلي والنمو الشخصي.

البحث عن المعنى وسط العذاب

الإنسان لا يستطيع احتمال الألم إلا إذا وجد له معنى.

وتُروى قصص كثيرة لأشخاص مروا بتجارب مؤلمة استطاعوا النجاة منها بفضل إيجاد مغزى روحي أو فلسفي لما مرّوا به.

المعاناة هنا لم تكن عبثية، بل كانت بوابة لفهم أعمق للحرية والكرامة.

وبضدها تتميز الأشياء

رغم أن الألم يُرفض غريزيًّا، فإن غيابه التام يسلبنا القدرة على تمييز النعمة.

فبدونه لا ندرك لذة الراحة، ولا نعرف قيمة الصحة.

الألم، إذًا، هو الخلفية التي تبرز فيها الأشياء الجميلة، و”وبضدها تتميز الأشياء”؛ لولا الظلام لما عرفنا النور، ولولا الوجع لما أدركنا اللطف.

العدل الإلهي بين الإيمان والألم

من أقدم الأسئلة الوجودية: لماذا يتألم الأبرياء؟

في الرؤية الإسلامية، يأتي الجواب من خلال باب الإيمان:

فالمؤمن يرى أن كل ما يصيبه فيه خير، كما في الحديث الشريف:

عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له [رواه مسلم].

وفي حديث آخر:

“ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه” [متفق عليه].

بهذا التصور، يتحول الألم من نقمة إلى نعمة، ومن عقوبة إلى وسيلة تطهير وارتقاء.

كيف نتعامل مع الألم فلسفيًّا؟

القبول: لا بوصفه استسلامًا، بل كاعتراف بواقع كوني لا مهرب منه.

التأمل: بجعل الألم فرصة لفهم الذات والوجود، بدلًا من أن يكون عبئًا فقط.

التحول: أن يتحول الألم إلى دافع للإبداع، أو رحمة بالآخرين، أو تصالح مع الحياة.

في عمق الألم… بداية المعنى

الألم ليس عدوًا دائمًا.

إنه معلم صادق، يكشف لنا ما لا تكشفه لحظات الراحة.

في عمقه تختبئ أسئلة الحياة، وفي مواجهته تتجلى القوة الحقيقية للإنسان.

فلسفة الألم تذكرنا بأن المعاناة ليست نهاية، بل بداية لتكوين معنى جديد، ووعي أرقى، وربما حياة أكثر صدقًا.

عالم التواصل

عالم التواصل

هل ترغب في التعرف أكثر على الكاتب؟

من أجل معرفة أعمق؛ لتجربته وشخصيته وأفكاره وغاياته

اقرأ السيرة الذاتية الآن

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

Poems from Gaza

Poems from Gaza

I am Gaza, bleeding flame, alive My blood has carved the truth to thrive
This line presents Gaza as wounded but powerful. The pain is persistent, but it creates meaning, asserting that the blood has a voice.
I do not beg for life in chains For dignity within me reigns
Gaza refuses to live in submission. Dignity is more important than mere survival.
They sealed my borders, caged my breath Who dares to grant my killer death?
This references the blockade. The lines challenge the morality of collective punishment.
They stole the mirage from my eyes Yet still I crawl where hope now lies
Even illusions are gone, but hope still pulls Gaza forward.
A child who clutches stone and sand Makes cities weep and silence stand
A haunting image of a child’s defiance with basic means. His courage shames the world into stillness.
Who says our cries dissolve in air? We’re fire—echoed everywhere
A rejection of erasure. The voices of Gaza are flames, loud and inextinguishable.
Truth, when it’s buried, dares to rise Above the swords and scripted lies
The truth has resilience and cannot be silenced by violence or lies.
I wrote my verses in their wall With blood and grief— I voiced it all
The poet uses suffering to claim space and voice, making pain visible through poetry.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 14, 2025 11:36 م

كأننا نعيش في أفران الزمن، فليست أيامنا تمرّ، ولكنها تحترق.
لا تمضي الساعات، بل تتبخّر كما يتبخر المطر على الإسفلت الساخن.
صرنا نشهد الوقت لا بوصفه مجرّد تقويم، بل كشيءٍ حيّ يُستهلك، يئنّ، ويتلاشى بصمت.

في الماضي، كان الناس يشعرون بالزمن من خلال المواسم، من خلال نُضج الثمار، أو تغيّر ظلّ الجدار مع شمس الظهيرة.
أمّا اليوم، فنقيسه بالمهام المؤجلة، بالإشعارات التي لا تنتهي، وبشعورٍ غامض أننا دائمًا متأخرون عن شيءٍ لا نعرف ما هو.

لقد تحوّل الزمن إلى سلعة: يُباع ويُشترى ويُضغط ويُستثمر.
لكننا نسينا أن الإنسان لا “يمتلك” الوقت… بل يسكنه.
فهل يعقل أن نحرق بيتنا بأيدينا، ونحن نحاول تحسين أثاثه؟

وهكذا نحرق السعف قبل أن يثمر.
نقتل الفكرة قبل أن تنضج.
ونتجاهل أن كل ما هو عميق… يحتاج وقتًا ليظهر.

الدهشة ماتت لأننا فقدنا التوقف.
فقط حين نُبطئ، نرى.
فقط حين نُصغي، نُدرك.

حين نتأمل ورقة تسقط، أو نَسمة تعبر وجوهنا، أو صوتًا لا فائدة منه سوى حضوره…
نكون قد انتصرنا، لحظةً واحدة، على احتراق السعف.


الزمن ليس عدوًا، بل معلم.
وكل لحظة تُهدر في العجلة، تُحرم من الحكمة.

فلنتعلم أن نُشعل نار الوعي، بدل أن نحترق بنار العجلة.
فلعلنا نُدرك، قبل فوات الأوان، أن أجمل ما في الوقت…
هو أنه يُمكن أن يُعاش.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 14, 2025 11:29 ص

الشاعر الرقمي يكتب قصيدة: صوت غزة

أنا غزَّةُ النَّبضِ الجريحِ، وقد غدا
دَمي في ثرى التأريخِ حقًّا مُسطَّرا
لا أشتري حقَّ الحياةِ بذلَّةٍ
فوجودنا كانَ الكرامةَ والذُّرا
سُجِنتْ حدودي، والسُّؤالُ معلَّقٌ
من ذا يُجيزُ لقاتلي أن يَقهَرا؟
سُرِقَ السَّرابُ من العيونِ، ولم نزلْ
نحبو على أملٍ نُراه مُبعثَرا
في كفِّ طفلٍ يحملُ الحجرَ الذي
أبكى العواصمَ أن تُقيمَ مقابرا
من قال إنّ صراخَنا لا يُسمَعُ؟
بل نحنُ نارٌ في الصدى مُستَعِرا
صوتُ الحقيقةِ حين يُقصى، يرتقي
فوقَ الخُطى، وفوقَ سيفٍ أُشهِرا
أنا من كتبتُ دمي على أسوارِهم
شِعرًا، وعلّقتُ القوافي منبَرا

عالم الذكاء الاصطناعي

إبداعات الشاعر الرقمي

اطّلع الآن

اكتب مع الشاعر الرقمي

جرّب الآن
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 13, 2025 11:54 م

Who Holds the Moral Right in Gaza?

A Philosophical Inquiry into Justice, Existence, and Voice

The conflict in Gaza is not only a political crisis—it is a moral test of our time. Beneath the headlines and beyond international resolutions lies a fundamental philosophical challenge: who truly holds the moral right in Gaza? Through four interwoven perspectives—factual reality, moral reasoning, metaphysical rights, and narrative authority—we attempt to approach this enduring question with clarity and depth.

The Reality on the Ground: A Legal and Humanitarian Context

Gaza is an occupied and besieged territory, home to millions—many of them refugees or descendants of refugees. It faces an enduring blockade that cripples its infrastructure and restricts every aspect of life. According to international law, the Israeli occupation and settlement expansions violate legal statutes. Reputable human rights organizations have repeatedly documented the humanitarian disaster unfolding in Gaza.

From both a legal and factual perspective, Gaza stands as a territory under systemic siege and collective punishment.

Ethical Asymmetry: Morality Between the Powerful and the Powerless

Kant’s moral imperative instructs us to treat humanity as an end in itself. When civilians—especially children—are killed under the guise of security, moral reasoning demands scrutiny. Though violence exists on both sides, the moral imbalance stems from the disproportionate power Israel holds militarily, economically, and diplomatically.

Gaza’s resistance emerges from dispossession, making its struggle not only political—but ethically urgent and morally grounded.

The Metaphysical Claim: Dignity, Existence, and Defiance

Beyond politics and laws lies something more profound—the metaphysical right to exist with dignity. Gaza’s people are denied not just land and resources, but identity and recognition. Thinkers like Locke and Rousseau assert that natural rights precede governments. Within this frame, resistance to dehumanization becomes not just lawful—but essential to one’s being.

In this deeper realm, Gaza represents the right to resist annihilation and to affirm humanity against all odds.

Controlling the Story: The Power of Narrative

In the modern world, the dominant voice often shapes perceived truth. Israel benefits from a stronghold in Western media and global narrative frameworks. Gaza, in contrast, tells its story from beneath rubble, through broken voices and interrupted broadcasts. And yet, this very fragility often carries more truth than polished statements ever could.

Gaza’s moral power lies in its story—raw, unfiltered, defiant. Its pain speaks where politics fail.

A Final Reflection: What Justice Looks Like

Gaza does not claim perfection. But it does claim presence. Its people insist on being seen, heard, and remembered. In a world that often equates strength with legitimacy, Gaza reminds us that true moral right may reside not in domination—but in survival, testimony, and unwavering humanity.

To ask who holds the moral right in Gaza is to ask who dares to remain human in a dehumanized world.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 10, 2025 12:59 ص

من يمتلك الحق في غزة؟

لقد أشعل الصراع في غزة نقاشات عالمية حول العدالة والأخلاق وحق المقاومة. لكن، وبعيدًا عن الخطاب السياسي والمصطلحات القانونية، تبرز مسألة فلسفية أعمق: من يمتلك فعليًا الحق الأخلاقي في غزة؟ نستكشف معًا هذا السؤال من خلال أربع زوايا: الواقع الفعلي، والتفكير الأخلاقي، والعدالة الميتافيزيقية، وقوة السرد.

الواقع والشرعية: الحق المغتصب

من الناحية الواقعية، تُعد غزة أرضًا محتلة ومحاصرة. يعيش سكانها – ومعظمهم من نسل لاجئين – تحت حصار يقيّد بشدة حركتهم ومواردهم واستقلالهم الذاتي. ووفقًا للقانون الدولي، فإن احتلال الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية أمر غير قانوني. وقد تم توثيق الأزمة الإنسانية في غزة من قبل منظمات حقوق الإنسان العالمية.

من الناحيتين القانونية والواقعية، تُعتبر غزة ضحية للاحتلال والاضطهاد المنهجي.

موازين الأخلاق: صراع الظالم والمظلوم

تحثنا القاعدة الأخلاقية لإيمانويل كانط على معاملة البشر كغايات في حد ذاتهم، وليس كوسائل. وعندما يُقتل آلاف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، تحت ذريعة الأمن، فإن النسيج الأخلاقي لهذا الفعل يتعرض لانهيار عميق. ورغم أن كلا الجانبين قد يرتكبان أفعال عنف، إلا أن التفاوت الأخلاقي يكمن في ميزان القوى: إذ تتمتع إسرائيل بتفوق عسكري واقتصادي وجيوسياسي ساحق.

: من الناحية الأخلاقية، تنبع مقاومة غزة من موقع الحرمان، مما يجعل مطالبتها بالعدالة أكثر رسوخًا في الضرورة الأخلاقية.

فلسفة الوجود: الحق الميتافيزيقي

ما وراء القوانين والأخلاقيات يكمن الحق الميتافيزيقي: الكرامة والقيمة المتأصلة في كل إنسان. إن سكان غزة لا يُحرمون فقط من الموارد، بل من الاعتراف أيضًا – فقد جُردوا من هويتهم، وصوتهم، وإنسانيتهم. يجادل فلاسفة مثل روسو ولوك بأن هناك حقوقًا طبيعية تسبق الحكومات أو المعاهدات. ووفقًا لهذا المنطق، فإن الحق في مقاومة التجريد من الإنسانية يصبح ضرورة وجودية.

تجسد غزة الحق الميتافيزيقي في البقاء، والوجود بكرامة، ومقاومة المحو.

السرد كقوة: من يكتب الرواية؟

في عالم اليوم الذي تهيمن عليه وسائل الإعلام، فإن السيطرة على السرد تُعد شكلًا من أشكال القوة. تهيمن إسرائيل على الحضور الإعلامي في الغرب وفي الخطاب السياسي العالمي. أما غزة، فتتحدث من تحت الأنقاض، عبر مقاطع الفيديو المهتزة والصيحات المستغيثة. لكن أحيانًا، تظهر الحقيقة بقوة أكبر من الصمت منها من الخطب.

إن المطالبة الأخلاقية لغزة لا تكمن فقط في معاناتها، بل في سردها – تأكيد خام وغير مفلتر على صمود الإنسان.

جوهر الحق

تمتلك غزة الحق الأخلاقي ليس لأنها بلا أخطاء، بل لأنها تقاتل لكي تُرى، وتُسمع، وتبقى.

في عالم تقاس فيه القيمة بالقوة، تذكرنا غزة بأن أعمق الحقوق هو ببساطة الحق في الوجود.

عالم التواصل

عالم التواصل

هل ترغب في التعرف أكثر على الكاتب؟

من أجل معرفة أعمق؛ لتجربته وشخصيته وأفكاره وغاياته

اقرأ السيرة الذاتية الآن

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 10, 2025 12:46 ص

Un Cri des Enfants de Gaza : On Ne Quittera Pas la Terre

Je ne partirai pas, je resterai
C’est ma terre, je la défendrai
Ici je prie, jour et nuit
Le cœur en feu, l’âme en vie

Mon ennemi tombera bas
Je ferai trembler chacun de ses pas
Peu importe la douleur, le vent
Je vais de l’avant, toujours vivant

C’est notre sol, notre fierté
Seul le peuple peut le protéger
Mon ennemi goûtera la peur
Je frapperai fort, sans erreur

Je suis fort, et la vérité
Est plus forte que l’obscurité
Le silence a nourri l’oppresseur
Mais la justice a sa lueur

C’est notre terre, et on est là
On ne cèdera jamais ses pas
On tiendra bon, on sera fidèles
Jusqu’à libérer Abib et la colline éternelle

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 6, 2025 11:42 م

I won’t leave, I won’t let go
This is my land, it’s all I know
Here I’ll stand, and here I’ll pray
Every night and every day

My enemy will hit the ground
I’ll shake his world, I’ll shake it down
No matter how the storm may rise
I’ll face the dark, I’ll claim the skies

This is my home, my people’s shield
No one but us defends this field
My enemy will taste my flame
I’ll haunt his sleep, I’ll crush his name

For I am strong, and truth stands tall
While silence made the mighty fall
The weak pretend, the thief takes hold
But justice can’t be bought or sold

This is our land — we’re standing here
We’ll fight with love, we’ll fight with fear
We won’t let go, we’ll break the spell
Till we free Abib and take the hill

poems from gaza by samir hettawy

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 6, 2025 11:26 م

poems from gaza: Your Eid, Gaza

Your Eid is crying,
Screaming and sighing,
And your child is asking:
“Where’s my sweet treat?
Where did it go, leaving me?”

Your silence grows long,
And your strength feels gone,
You wish for death,
Your voice is nearly gone —
“It’s okay, my son…”

Your sorrow betrays you,
Tears flood your eyes,
Your whole world collapses,
You shut your lids,
And silence begins…

It moves your hands,
Fills all of you,
And calls your name —
Your eyes tear up,
Yet your face stays kind.

Your child in your arms
Drinks from your tears,
Still he’s not full…

So he cries and crawls,
Wanders away,
Runs off searching
For any Eid —
And finds none at all.

poems from gaza by samir hettawy

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 5, 2025 10:58 م

Upon illusion’s twisted trail, I run—
No signs, no shape beneath the sun.
Potholes of passion drag me deep,
Where plundered shadows softly weep—
And every echo breaks… into none.

Where am I bound?
How would I know
If I exist—
Or float once more in the void below?

This maze expands, devours the night,
Its strands of hair turned silver-white.
I vanish slowly, breath by breath,
While Regret—
Wears the robe of Death.

So where is the way,
If every step
Leads nowhere clear?
And thought—
No longer offers anything near?
My heart’s a battlefield,
Fighting me… within my fear.

The maze of illusion—
A path to no path,
A gleam that deceives,
A wound that believes.
Where lions hunt with knowing grace,
And prey still trusts their killer’s face.

Where rats are crushed in holes they made,
And sorrow walks with blades unsheathed,
And hyenas laugh through mournful shade—
Pretending they feel…
Like human grief.

A circle spinning
Above no ground,
No time, no sound.

Through search and thought
The truth became:
This maze is man—
Alive… yet lost by name.

And what of it?
Nothing remains,
And nothing returns.
Old turns become new turns,
Nearness always far again—
Each is all,
And none are men.

We walk this maze as those before,
Forgetting: Life is not all states.
For some states dress up death in gold,
And some trade dreams their lies have sold,
And some are bought
By whispers of light and fuel-controlled—
And some…
Are spilled blood left untold.

The maze of illusion
Now hosts apes crowned by flame,
Building nations atop a name—
A name of ruin,
Of silent screams,
Of broken oaths
And shattered dreams.

Woe to a world where a monkey rules—
Mocking the wise,
Enthroning fools.

He jokes and dances,
Then breeds despair,
Turns pain to punchlines in poisoned air.
He begins with laughter without cause,
But ends…

No—
He never ends at all.

He clouds your mind until you’re none,
You wake…
Already undone.

You twist, you turn—
Yet do you believe
This ape still feels, or might still grieve?

The ape is a parasite, born from lies,
With hollow heart and hunger eyes.
He waits for your blink, your careless sigh—
Then steals your bread
As your soul runs dry.

You think he mourns when you fall down?
He’ll play with your bones
As a circus clown.

The maze of illusion—
It didn’t deceive us
Until we forgot our way.
It didn’t spin us
Until we gave decay.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 5, 2025 12:40 م

Realm of English Creativity

A mesmerizing blend of thought-provoking reflections, immersive storytelling, poetic explorations, and philosophical whispers.

Begin Your Journey Now
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 أبريل 1, 2025 2:19 ص

Who Created the Creator? 3

A profound reflection on the origin of the question “Who created the Creator?”—exploring timelessness, the logic of causality, and the birth of the very question itself.

The Question.
He stood at a street corner in the year 2025, holding a smartphone in his hand, and on his lips echoed an ancient question:

“Who created the Creator?”
A question that resonates like the echo of a voice inside a cave with no walls.

He looked at his phone, called a friend who often pondered such questions, and shared what he was thinking. His friend replied:

“If you want to ask that question sincerely, then don’t ask it from the top of 2025. Leave everything behind — your context, time, language, assumptions — and take your mind out of time itself. Go to a place where there is no time, no creation, no language, no question.”

So he closed his eyes and imagined himself there.

There… in eternity.

He looked around. No one was there but him.

He thought:
“There is no one else here. Can I create something?”

“And if I haven’t created anything — how would I even understand the idea of creation? How could I possibly ask: Who created me?”

Then the answer rose within him, simple and clear:
“I can’t ask about creation if I have no concept of it. If I haven’t created anything, I won’t even comprehend what creation means — let alone question it.”

And then he thought further:

“But if I could create something, then I would be the one who invented the very act of creation. If I am the one who initiated this act, then I am not created by it. I am the one who brought forth, from nothing, the very possibility of creation.”

At that moment, he awoke from his imagining, just as his friend asked him a question:

“Who was the first person to ever answer a phone call in history?”

He replied:
“Someone… I don’t know the name.”

His friend said:
“Doesn’t matter. But who called that first person?”

He said:
“Maybe Alexander Graham Bell… or Antonio Meucci. Not sure.”

His friend pressed again:
“Either way… but who called the first caller?”

Silence.

Then finally he answered:
“No one.

Because the first person who called… created the act of calling.
Before him, there was no ‘calling.’
No one even knew it was possible to call another person.”

The call ended. And with it, so did the question.

He no longer asked: “Who created the Creator?”
Nor: “Who called the first caller?”

Now he asked himself:
“Who created the question?”

Solitary Confinement book cover

Solitary Confinement – Book 1 of Sky Gates Novels

Now available on Amazon Kindle: A gripping psychological thriller where escape is impossible… and reality is uncertain.

Get it on Amazon

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 30, 2025 12:18 ص

How Did Creation Begin?

“Who created the Creator?” Or should we first ask: “How did creation begin?” Which is more precise?

If we want a logical answer to the question “Who created the Creator?”, we must first shift our focus and ask a prior question: “How did creation begin?”

Do You Agree That Creation Had a Beginning?

By moving from your question to mine, I’m assuming we both share a logical and rational common ground: that creation has a beginning.

◙ For the believer in a Creator, this premise poses no issue.
◙ And even if you’re an atheist, the question still stands: Do you agree that there was a beginning to creation?

Terminology aside — whether you call it “creation,” “emergence,” or anything else — the essence remains the same: we are referring to the moment everything began.

Two Logical Options, No Third

Creation has no beginning:
Then your question “Who created the Creator?” collapses. Because if nothing was ever created, then there is no “creation,” no “creator,” and therefore no place for your question.

Creation has a beginning:
Even modern science — via the Big Bang Theory — points to a definite beginning for time, space, and matter. Estimated: 13.8 billion years ago.

So even if you don’t call it “creation,” you agree that everything started at some point.
Thus, you’re implicitly acknowledging that a creation occurred.

So What is Creation?

Let’s go deeper. “Creation” can mean two things:
1. The created entities themselves (things).
2. The concept of creation — the very idea or capacity to create.

In this reflection, we’re focused not on the created things, but on the concept of creation itself — as an idea that must precede any act of creation.

So the next question is:
Does the concept of creation truly exist?

Clearly, yes — we use it constantly: “Who made this car?” “Who built that?” And your own question is living proof of its real presence.
To deny the existence of the concept while using it is a contradiction.

When Did the Concept of Creation Begin?

If creation has a beginning, and the concept of creation is real — then:
The concept of creation must exist before any created thing.

Because no first thing can be created without the prior idea or potential for “creation.”
Thus, the concept of creation precedes all things.

This leads to a subtle but vital conclusion:
You cannot ask “Who created X?” unless the concept of creation already exists.
And if the concept did not yet exist — your question itself becomes impossible.

So: if something existed before the concept of creation, you cannot ask “Who created it?”

How Did the Concept of Creation Arise?

Three possible answers:

1. The concept is the Creator:
That implies you’ve admitted the existence of a Creator — not just as a being but as a concept or force — and thus answered your own question. Yet this explanation is logically blurry, since a concept can’t create itself.

2. The concept was the first thing created:
Then something (a Creator) existed before it — one who is not created, by your own logic.

3. The concept of creation is a quality of the Creator:
This is the most coherent view:
The Creator has, inherently, the capacity to create — as part of His essence. He didn’t “acquire” the concept — it belongs to Him.

What If You Say: Ideas Need Minds to Exist?

A materialist might argue:
“Concepts like ‘creation’ don’t exist independently — they only arise in human minds.”

My response:
Do you think the Creator made the universe without knowing He was doing so?

If yes → you’re saying the Creator has no consciousness or intent, which means He is not a Creator in any meaningful sense.
If no → then the concept of creation was present in His awareness.

So either you acknowledge He is aware, and the concept is part of Him — or deny His existence altogether.

But Can There Be “Before” Without Time?

Good point. If time began with the Big Bang, how can we say anything existed “before” creation?

The answer:
We don’t mean before in time, but prior in logic.

Time itself is a created dimension. The concept of creation — or the Creator — is not bound by time.
It is logically prior, not temporally prior.
So we are speaking of a non-temporal origin — an existence or cause beyond time.

Final Thought: Even the Multiverse Needs a First Concept

Some claim: “There is no single creation — only a multiverse, an infinite bubbling of worlds.”

But even if there are countless universes, they are still structured, knowable, and bound by rules.
That means they all operate under some unifying concept — some creative logic.

So the question returns:
Who created the concept of creation itself?
Who designed the law, the logic, the possibility?

And there, again, we encounter the same truth:
There must be a source beyond everything —
uncreated, timeless, origin of origin.

💬 What do you think?
Is there a logical escape from the concept of an uncreated source?

Solitary Confinement book cover

Solitary Confinement – Book 1 of Sky Gates Novels

Now available on Amazon Kindle: A gripping psychological thriller where escape is impossible… and reality is uncertain.

Get it on Amazon

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 29, 2025 11:42 م

Who Created the Creator?

First Reflection: Does the Law of Causality Apply to the Creator?

The Logic Behind the Question

The question “Who created the Creator?” is based on the principle of causality: “Everything that exists must have a cause; every effect must have a cause. So, if everything needs a creator, why wouldn’t this same principle apply to the Creator Himself? Isn’t it logical that He, too, was preceded by a creator? Doesn’t this lead to an infinite regress of creators?”

A Logical Fallacy

Despite how common it is, this question involves a logical fallacy known as: Begging the Question. The one who poses this question has already assumed the existence of a Creator. By doing so, they acknowledge that He is outside the system of causality. So if they then ask, “And who created Him?”, they fall into contradiction: They demand that the one they defined as the origin of all existence be part of that existence! They want the one outside the causal chain to be subject to it!

Who Shelved the Librarian? Or Who Wrote the Author?

To make this clearer: Imagine a book in a library, neatly arranged by the librarian. If the books asked: “Who placed us here?” The logical answer would be: “The librarian.” But if one book asked: “And who placed the librarian on the shelf?” The answer would be: “He’s a human — made of flesh and blood — while you are paper and ink. Shelving doesn’t apply to him. He simply exists outside your system. He’s not a book to be placed on a shelf!” Similarly, if characters in a fictional story asked: “Who wrote us?” That would be a valid question. But if one of them asked: “And who wrote the author?” They’ve ignored the fact that the author is outside the story, not a character within it. He is its creator — from beyond its frame.

Logical Conclusion

The laws that govern contingent beings — such as the need for a cause, existence in time, and subjection to change — cannot be applied to one who is defined as: “The Creator of existence.” The Creator is not a part of the causal chain — but its origin. He exists outside the temporal law of causality, which the questioner mistakenly tries to impose on Him from within a system He Himself made. Thus, the question “Who created the Creator?” turns out to be self-defeating, not logically sound.

Solitary Confinement book cover

Solitary Confinement – Book 1 of Sky Gates Novels

Now available on Amazon Kindle: A gripping psychological thriller where escape is impossible… and reality is uncertain.

Get it on Amazon

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 29, 2025 9:34 م

مقدمة

هل سبق لك أن تساءلت: لماذا يتقلّب الجو بهذه السرعة؟ يومٌ حار، يليه يومٌ بارد، لا استقرار ولا ثبات… وماذا لو لم يتقلب الجو أبدًا؟

التقلب المناخي كمبدأ كوني

الطقس ليس مجرد حالة جوية بل هو تجلٍّ لحركة الكون الداخلية. فالثبات يعني غياب الفصول، وبالتالي غياب الديناميكية التي أنتجت الحياة. التقلب هو نبض الأرض، والنمو مرتبط بالتحوّل.

التغير والميلاد

في عالم لا يتقلّب جوّه، يتوقف النمو. لا تبدل في النبات، ولا هجرة، ولا شوق ولا مقاومة. التغيّر هو أصل التنوع والمعنى.

الاستقرار المناخي وأثره النفسي

في حياة بلا فصول، تفقد المشاعر وقودها. لا برد يدفعنا للاحتواء، ولا حرّ يدفعنا للانطلاق. كل فصل هو صفحة من كتاب الشعور البشري.

التقلب كشرط للوعي والذكريات

ذاكرتنا موسمية: أول نضج في شتاء، أول حب في ربيع، أول خيبة في خريف. الطقس بطل مرافق في قصتنا، لا مجرد خلفية.

خاتمة: مناخ لا يتغير… هو حياة لا تُعاش

الجو المتقلّب ليس خللاً، بل هو سر الامتياز. لا نُدرك النور إلا بعد العتمة، ولا نحتمل الحر إلا بعد البرد. التقلب حكمة كونية، وشِعرٌ عميق مكتوب بلغة الريح والمطر.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 27, 2025 10:20 م

الإنسان الحديث وكابوس التوثيق

كان الناس قديمًا يمشون على الأرض وهم يتركون وراءهم أثرًا منسيًا، بالكاد يُذكر.

كانت الحياة تمضي، والذكريات تتبخر مع الزمن كما يتبخر الندى عن أوراق الصباح.

الأم تحكي عن ابنها وهو صغير، فيبتسم وهو لا يملك إلا أن يُصدّق.

الجدّ يروي قصة شبابه، فتبدو كأنها أسطورة من زمن لا يُقاس.

لكن في زماننا — هذا الزمن المُحاط بالعدسات — لم تعد الذكرى تُروى، بل تُعرَض.

لم تعد تُستدعى، بل تُشغّل.

نحن أبناء عصرٍ تحوّلت فيه الذاكرة إلى ملف رقمي، محفوظ، قابل للمراجعة، بل وللمونتاج.

صرنا نرى أنفسنا صغارًا، نسمع ضحكاتنا من عشرين عامًا، نشاهد ملامحنا تتغير على شاشة باردة لا تعرف الحنين.

ولأول مرة في التاريخ، لم يعد الماضي “ما مضى”، بل ما هو حاضر دائمًا في جيبنا.

صورة، تسجيل، تغريدة، فيديو، رسالة.

الماضي يُحاصرنا… لا كذكرى، بل كدليل.

لا كحكاية نُطعّمها بالخيال، بل كحقيقة جامدة، لا مجال للهرب منها.

لقد أصبح العالم كله “جيل التوثيق”.

كل من يعيش الآن، على ظهر هذه البسيطة، تحت عين الكاميرا، وسط طوفان الذاكرة المصوَّرة.

صورة اليوم، هي ذاكرة الغد. وذاكرة الغد، صارت ملفًا قابلًا للمراجعة… أو للمحو.

لكن هل ما نملكه اليوم هو “ذاكرة”؟ أم مجرد “أرشيف”؟

هل نستطيع أن نعيش ماضينا حين نشاهده؟

أم أن الصورة تُبعدنا عن ذاتنا، بحجّة توثيقها؟

حين تُمسك بتسجيل لصوت والدك الراحل، هل تقترب منه؟ أم تحزن لأنك لا تقدر على سماعه إلا من خلال جهاز؟

حين ترى وجهك الطفولي على شاشة الهاتف، هل تفرح أم تشعر بأن الزمن سرقك بهدوء لم تكن تلحظه وأنت تعيشه؟

ذاكرتنا الحديثة جميلة، نعم. لكنها مُرعبة.

لأنها لا تنسى.

لأنها لا تسامح.

لأنها تسجّل كل شيء، حتى اللحظات التي لم نكن نُريد لها أن تبقى.

قديماً، كان النسيان نعمة، أما اليوم، فصار رفاهية مفقودة.

لم نعد نعيش الزمن… بل نُؤرشفه.

لم نعد نحكي عن الماضي… بل نُعيد تشغيله.

صرنا نشبه الآلات، تُخزّن ولا تنسى، تُوثّق ولا تتأمل.

ومع كل صورة نُحمّلها، ومع كل لحظة نُسجّلها، نخطو خطوة إضافية نحو تفريغ الذاكرة من المعنى، وملئها بالملفّات.

لقد تغيّرنا.

صرنا كائنات تعيش تحت سلطة أرشيف لا يرحم.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 25, 2025 2:49 ص

وقف السائل على قارعة الطريق في عام 2025م؛ يحمل في يده هاتفًا ذكيًّا، وعلى لسانه سؤالٌ قديم:

«من خلق الخالق؟»

سؤال يتردّد كصدى صوت في كهف بلا جدران.

نظر لهاتفه واتصل بصديقه الذي يهتم بهذه التساؤلات، وأخبره بما يفكر فيه، فقال له صديقه:

«إن أردت أن تطرح سؤالك بصدق، فلا تطرحه وأنت واقف فوق عام 2025م، بل اترك كل شيء، واخرج بذهنك من هذا الزمن. دع كل المفاهيم، والأفعال، والمعارف، والعلاقات… واذهب إلى حيث لا زمان، ولا خلق، ولا سؤال.»

أغمض عينيه، وتخيّل أنه هناك.

هناك… في الأزل.

نظر بجانبه فلم يجد أي أحد غيره.

فكّر في نفسه:

«لا أحد غيري هنا،

فهل يمكنني أن أخلق شيئًا؟

إذا لم أخلق شيئًا، فهل يمكنني أن أسأل: من خلقني؟»

جاءه الجواب من داخله، بسيطًا ومُقنعًا:

«لا… لأنني لم أتمكن من خلق شيء، فلن أفهم ما هو الخلق أصلًا؛ فكيف سأفهم السؤال عن الخلق؟»

ثم واصل تفكيره:

«وإذا استطعتُ أن أخلق، فأنا من أوجد فعل الخلق ذاته.

وإذا كنت أنا من فعّل هذا الفعل، فأنا لست مخلوقًا به،

بل أنا الذي أبدع واستحدث من العدم فعل الخلق.»

في تلك اللحظة، أفاق من تخيله على سؤال طرحه صديقه:

«من أول من ردّ على الهاتف في التاريخ؟»

فأجابه: «شخص ما.. لا أعرف اسمه.»

فقال له صديقه: «لا يهم.. ولكن من اتصل به؟»

قال: «ربما جراهام بيل… أو أنطونيو ميوتشي، لست متأكدًا.»

فسأله صديقه مجددًا: «أيًا كان…

ولكن؛ مَن اتصل على المتصل الأول؟»

ساد الصمت.

ثم أجاب السائل أخيرًا:

«لا أحد.

لأن أول من اتصل… هو من أوجد الفعل ذاته،

وقبله لم يكن هناك اتصال،

ولم يكن أحد يعرف أنه يمكن لشخص أن يتصل بشخص آخر.»

انتهت المكالمة… ومعها انتهى السؤال.

لم يعُد يسأل: «من خلق الخالق؟ ولا مَن اتصل على المتصل الأول؟»

بل صار يسأل نفسه:

«ومن خلق السؤال؟!»

تأملاتي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 24, 2025 4:23 ص

إذا أردنا أن نبحث عن إجابة منطقية لسؤال: «من خلق الخالق؟»، فعلينا أن نبدأ بسؤالٍ آخر وهو: «كيف بدأ الخلق؟»

بما أنني تحولت عن سؤالك: «من خلق الخالق؟» إلى سؤال: كيف بدأ الخلق؟ فإن هذا التحول يقتضي الاتفاق على مشترك عقلي ومنطقي بيننا لا ينكره أحدنا.

فلا يكون تحولي هذا منطقيًا؛ إلا إذا كنت أنا وأنت متفقين على أن الخلق له بداية… فهل تتفق معي أن الخلق له بداية؟

بالنسبة للمؤمن بالخالق فإنه لن يعارضني.

◙ أما إن كنت ملحدًا وقرأت هذه الكلمات؛ فيا ترى هل ترفض أم تقر بأن للخلق بداية؟

وذلك بغض النظر عن التسميات، سواء اعتبرته خلقًا أو اعتبرته شيئًا آخر نشأ بأي طريقة؛ فلا مشاحة في الاصطلاح، والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.

والآن؛ فأنت بين خيارين:

◄ إما أن تقول: إن الخلق بلا بداية؛

وهنا يسقط سؤالك: من خلق الخالق؟ لأنك أنكرت البداية التي هي الخلق أو النشأة، وبالتالي فإن الخالق لم يُخلَق شأنه شأن بقية الكائنات التي لم تُخْلَق كذلك.

إذًا فهذا الاختيار مغلق ولا يمكنك أن تتمسك به وتستمر في التساؤل بجدية من خلق الخالق، لأنك أقررت أنه لا يوجد أي مخلوق على الإطلاق، وهذا يجعل الخالق غير مخلوق مثل الجميع.

◄ أما الاختيار الثاني؛ فإنك ستقول:

«إذا كان المقصود بكلمة «الخلق» الكون المادي بزمنه ومكانه ومحتواه، فالعلم الحديث (من خلال نظرية الانفجار العظيم Big Bang) يشير إلى أن للكون بداية زمنية، تُقدّر بـحوالي 13.8 مليار سنة.

وحتى إن لم أسمّه «خلقًا» (لأني أرفض أن أنسبه إلى خالق)، فسأسلّم بأنه نشأ في لحظة زمنية محددة. إذن: له بداية.

إذن، في الاصطلاح: أنت تقول «خُلِقَ».

وأنا أقول «نشأ» أو «انبثق» أو «حدث».

لكنني أتفق معك أن هناك لحظة ما بدأ عندها كل شيء.

ولذلك، أتفق معك على أن للكون بداية، سواء سُمّيت خلقًا أو نشوءً.»

وهنا:

طالما أنك قد اتفقت معي أن للخلق بداية، فلابد أن ننتقل للسؤال التالي.

لقد اتفقنا على أن للخلق بداية؛ ولكن ماذا نقصد بكلمة الخلق هذه؟ فالتسلسل المنطقي يجعلنا نبحث في معنى كلمة الخلق بعمق.

والخلق له معنيان:

♣ إما أنه المخلوقات أي الكائنات المخلوقة

♣ وإما أنه المفهوم الذي يُدْرَك به معنى فعل الخلق نفسه، أي فكرة الخلق نفسها كفكرة مجردة.

والخلق الذي سيكون مثار نقاشنا هو مفهوم الخلق نفسه؛ الذي نعني به فكرة الخلق المجردة قبل تفعيلها وإظهارها على هيئة مخلوقات.

وهذا ينقلنا للسؤال التالي.

القول بأن مفهوم الخلق غير موجود فمستحيل؛ لأننا نستخدم هذا المفهوم كل لحظة عندما نسأل عمّن صنع هذه السيارة أو تلك الشاشة، وهكذا… وتساؤلك حول من خلق الخالق مثال حي لوجود هذا المفهوم وجودًا حقيقيًا.. فلو سألت هذا السؤال ثم قلتَ إنه قد وُجِد خلق بدون وجود مفهوم الخلق، فهذا غير منطقي ويؤدي إلى نفي فكرة الخلق نفسها التي يدور حولها نقاشنا، والتي اتفقنا مسبقًا على وجودها أيًا كان اسمها، وهو ما يجعل من سؤالك عمّن خلق الخالق لغوًا وعبثًا ولا جدوى منه.

وبالتالي، فإننا نتفق على أن مفهوم الخلق موجود.

وهذا يقودنا للسؤال التالي.

بما أن الخلق له بداية كما اتفقنا آنفًا، وبما أن الخلق كمفهوم له وجود حقيقي؛ فمتى بدأ مفهوم الخلق في الظهور؟

لا خلاف بيننا على أن مفهوم الخلق قد وُجِدَ قبل أن يُخلق أول مخلوق، ذلك أنه قبل أن يخلق أول مخلوق لا بد أن يكون هناك مفهوم اسمه الخلق.

بمعنى أوضح: قبل أن يُخلق أول مخلوق لا بد أن توجد فكرة الخلق نفسها أولاً لتتحول بعد ذلك إلى الحدوث في هيئة فعل الخلق.

إذن؛ مفهوم الخلق موجود قبل أول مخلوق.

وهذا يؤدي لسؤال آخر.

بما أننا قد توصلنا إلى أن مفهوم الخلق موجود قبل أول مخلوق، فإن هذا يعني أنه قبل خلق المخلوق الأول لم يكن هناك شيئًا اسمه الخلق، وبالتالي فلا يمكنك أن تسأل من خلق كذا؟ لأن مفهوم الخلق نفسه لم يكن قد وُجِد بعد، ولذلك كل من هو موجود قبل نشوء فكرة الخلق لا يصح أن يُسأل مَن خلقك؟ أو بمعنى آخر لم يكن هذا السؤال نفسه قد وُجِد أصلًا! ولذلك فلا يمكن أن نسأل من خلق الخالق.

وهنا ينطرح سؤال جديد.

ونحن هنا بصدد ثلاث حالات؛ إما أن مفهوم الخلق هو الخالق نفسه، وإما أنه هو المخلوق الأول للخالق، وإما أن مفهوم الخلق صفة من صفات الخالق.

وأما القول بأن مفهوم الخلق هو الخالق:

فهذا يعني أن سؤالك قد أجيب عليه بإحكام لأنك أقررتَ بوجود الخالق، سواء أسميته فكرةً أو مفهومًا أو خالقًا، وأقررتَ كذلك بأنه لا يسبقه خالق آخر، إذ قبله لم يكن هناك وجود لمفهوم الخلق، لأننا ملزمون بأن مفهوم الخلق يسبق كل خلق، ولكن المفهوم لا يخلق نفسه، لذلك فهذا الفرض رغم أنه ينسف تساؤلك: من خلق الخالق؟ إلا أنه غير دقيق.

أما إذا قلت بأن مفهوم الخلق هو المخلوق الأول للخالق:

فإنك بذلك تقر أنه قبل خلق مفهوم الخلق لا يوجد أي مخلوق آخر، وبالتالي تكون قد استثنيت بنفسك الخالق الذي خلق مفهوم الخلق من أن يكون مخلوقًا، وتكون قد أجبت على تساؤلك: من خلق الخالق؟ بنفسك.

ورغم ذلك فهو فرض غير دقيق كذلك؛ لأن اعتبار مفهوم الخلق مخلوقًا يؤدي لجزء فارغ في سلسلة الخلق بين نشوء فكرة الخلق وبين تنفيذها.

• أما إذا قلنا بأن مفهوم الخلق صفة من صفات الخالق ملازمة لذاته:

فإنه كخالق يستطيع أن يخلق مخلوقات، ولكن لا يمكن أن يوجد مخلوق أو خالق يسبقه ليخلقه؛ لأن فكرة الخلق ومفهومه لم يكن لهما وجود قبل أول مخلوق قام هو بخلقه. وبالتالي بداية الخلق تعني أنه لا بداية للخالق، ولا خالق للخالق الأول، ونكون قد وصلنا للبداية التي ليس لها بداية، والقبل الذي ليس قبله قبل.

وقد تسأل:

المانع هو مفهوم الخلق نفسه؛ لأن هذا الافتراض يهدم ما اتفقنا عليه من وجود بداية للخلق، وبالتالي بداية لمفهوم الخلق، وهذا من شأنه أن يُرحِّل بداية الخلق للوراء، ويجعل من نسميه الخالق ليس هو الخالق الأول الحقيقي، لأنه مخلوق هو الآخر وبالتالي كان مفهوم الخلق موجودًا.

ولذلك فإن محور فكرتنا هو مفهوم الخلق وفكرة الخلق وبداية الخلق وليس الخالق ذاته؛ لأنه في النهاية لا خلق قبل وجود مفهوم الخلق، ومتى وُجِد مفهوم الخلق فثمّ الخالق الأول الذي لم يخلقه أحد أيا كان اسمه.

إنني لا أرى الأفكار والمفاهيم ككيانات قائمة بذاتها، لأن الفكرة أو المفهوم لا يمكن أن توجد قبل وجود عقلٍ يفكّر بها.

لا أختلف معك فيما تقول؛ ولكن الخالق الذي خلق أول مخلوق، أتريد أن تقول إنه لم يكن قادرًا على فهم ما يقوم بفعله؛ فإما أنه خلق دون أن يكون هو نفسه على وعي بمفهوم فعل الخلق الذي يفعله، أو أنه كان يعي ما يفعل.

فإذا كان يعي ما يفعل فقد سقط اعتراضك، وإذا كان لا يعي ما يفعله فقد أصبح سؤالك من خلق الخالق لغوًا لأنه لا يوجد خالق لا يعي، وإن وصفته بعدم الوعي فأنت تنكر وجوده من الأساس، وهنا يكون من الأفضل لك أن تناقش في فكرة أخرى من قبيل هل يوجد خالق أصلًا؟

وهكذا؛ فإنه إن كان يعي فقد احتوى مفهوم الخلق في ذاته؛ أي أن المفهوم كان صفة من صفاته وليس شيئًا خارجه.

وإن لم يكن يعي، فقد سقط تعريفه كخالق؛ إذًا لا يصح السؤال عنه كخالق أصلًا.

أما أن تسأل من خلق الخالق وتقول إنه خالق غير واعٍ فهذا يجعل سؤالك متناقضًا، لأن القول بخالق غير واعٍ كأنك تقول إنه عدم.

ولكنه لم يكن عدمًا لأنه خَلقَ كونًا نراه بالفعل، والعدم لا يَخْلُق شيئًا، وهذا يسقط سؤالك من أساسه.

لكنني أراك تفترض منذ البداية أن الخلق كفعل أو كمفهوم له وجود مستقل خارج العقل واللغة، وهذا أصل المشكلة. فإنني كمُلحد، يمكنني أن أقول: إن الخلق ليس شيئًا يُوجَد، بل مصطلح يستخدمه الإنسان عندما يُسقِط وعيه القصدي على الظواهر.

لأننا سلّمنا منذ البداية أن الخلق له بداية، وطالما سلّمنا بذلك سواء تكلمنا في المفهوم أو غيره فالنتيجة واحدة… فلنفترض أنه لم يكن هناك ما يسمى مفهوم الخلق، ولكن كانت بديلًا عنه آلية الخلق أو طريقة الخلق أو أدوات الخلق، فالأمر هو كما هو والنتيجة هي كما هي أيًا كانت المصطلحات.

فإنني قد وضعتك أمام التزام منطقي: هل الخلق له بداية؟

أجبت: نعم.

إذًا كان هناك من بدأه.

ثم: وهل هذا الذي بدأه كان واعيًا بفعله؟ إن كان واعيًا فـ«الخلق» كفعل، وكمفهوم، وكمقصد، سابق على أول مخلوق.

أي أن «مفهوم الخلق» لم يكن فكرة بشرية فقط، بل صفة كامنة في ذات القادر على الخلق.

وهنا لا يهم اسمها: مفهوم، صفة، آلية، تصميم، قانون، طاقة… ما دامت هي جزء من ذات الخالق أو ملازمة لفعله.

إذا كان الزمن نفسه قد بدأ مع الكون (كما تقول نظرية الانفجار العظيم والنسبية العامة)، فلا يصحّ الحديث عن [قبل الخلق]، لأن مصطلح [قبل] هو مصطلح زمني، وما دام لا وجود للزمن، فلا وجود لـ [قبل]، ولا مكان لطرح سؤال: هل وُجِدت فكرة الخلق قبل أول مخلوق؟

الرد المنطقي: الزمن نفسه مخلوق، وتبعيّ لفكرة الخلق

اعتراضك هذا يقوم على أن الزمن [بدأ]، أي أنه حدث، وبالتالي فهو مخلوق أو ناشئ، أي لم يكن موجودًا ثم وُجِد.

وهذا يعني أن [الزمن نفسه] نتيجة لفعلٍ سابق عليه، ومن ثم: فإننا عندما نقول إن فكرة الخلق قد وُجدت قبل الزمن، فنحن لا نعني [زمنيًّا] أنها سبقت الزمن، بل نعني أنها ليست مشروطة بالزمن أصلًا.

بمعنى آخر: الخلق كإمكانية أو كقوة أو كخاصية سابقة منطقًا على الزمن، لا من حيث التسلسل الزمني، بل من حيث الترتيب المفهومي.

ويمكننا أن نقول إنه عندما كانت فكرة الخلق موجودة لم يكن الزمن موجودًا.

وهذا يقودنا إلى هذا الاستنتاج الحاسم: إن لم يكن هناك زمن، فلا [قبل] ولا [بعد]، بل [وجود محض] لكائن/صفة/فعل ليس محكومًا بأيّ إطار زماني.

وإذا وُجد [خالق] أو [فكرة الخلق] في ذلك المستوى، فهي لا يمكن أن تكون قد جاءت نتيجة لأي عملية زمنية.

وبالتالي، فهي أصل الزمن لا نتيجته.

النتيجة المنطقية من ذلك أنه: لا يصحّ استخدام [بداية الزمن] كاعتراض ضد وجود [فكرة الخلق].

بل العكس: بداية الزمن تؤكّد أن شيئًا غير زمني (سواء أكان «خالقًا» أو «فعل خلق») هو الذي أنتج الزمن.

وهذا الشيء «غير الزمني» هو أزلي بالضرورة من حيث المفهوم (لا يُسأل: متى وُجد؟)، ولا يُسأل عنه بـ: من خلقه؟ لأنه ببساطة سابقٌ على كلّ ما يمكن أن يُخلق، زمنيًّا ومفهوميًّا.

أحيانًا تُطرَح نظريات فيزيائية تقتضي عدم وجود بدايةٍ مفهومةٍ للكون، أو افتراض أكوان متعدّدة (Multiverse) لا نقطة بدء واضحة لها.

في حالة تعدد الخالقين، لا بد من تراتبية أو صراع قوى بينهم، لأن:

الخالق هو فاعلٌ مريدٌ ذو قدرة.

والفاعل المريد لا يتساوى في القدرة مع غيره من غير صراع أو تفوّق.

فإن كان أحدهم أقوى، فهو وحده الخالق الأعلى.

والنتيجة المنطقية: حتى في سيناريو الأكوان المتعددة، لا مفر من خالق أول، أو مفهوم أول للخلق، تتفرع عنه كل النماذج.

كل كون من هذه الأكوان يُسمى «كونًا» لأنه يحمل صفات محددة: طاقة، مادة، قوانين.

مجرد تسميته «كونًا» هو اعتراف بأن له مفهومًا عامًا نتفق عليه.

ومتى وُجِد المفهوم، وجب أن يكون له أصل: من الذي صاغه؟ من الذي وعاه؟

إن لم يكن أحد قد وعاه أو صاغه، فهو معدوم ذهنيًّا، ولا يمكن الحديث عنه أصلًا.

النتيجة: تعدد الأكوان لا يتجاوز مبدأ «المفهوم الأول»، بل يعيده إلى نقطة أعمق.

لا؛ لأنه لا يمكن «اشتراك خالقين» في فعل غير محدود بلا تضاد.

النتيجة: حتى فرضية وجود «مجموعة خالقين» تنهار منطقيًّا أمام سؤال: «من منهم أنشأ مفهوم الخلق نفسه؟»

فلو سلّمنا جدلًا أن هناك مليارات الأكوان المتعددة، يظل هناك سؤال مركزي:

«من خلق مفهوم التكوين ذاته؟ من هندس قانون الاحتمالات الذي سمح لها بالظهور؟»

هذه الأكوان –مهما اختلفت– تخضع لقوانين رياضية أو احتمالية يمكن وصفها أو التفكير فيها، إذًا هي داخلة تحت العقل البشري، وخاضعة لمفهوم الخلق والتكوين، وهو ما يجعل وجودها مرتهن بالسلسلة المنطقية التي نتكلم عنها، من أن بداية الكون أو الخلق يسبقها وجود مفهوم التكوين أو الخلق، وبالتالي وجود الخالق الذي لا يسبقه خالق.

💬 ماذا عنك؟

هل لديك اعتراض جديد لم نناقشه بعد؟

اكتب رأيك، وشاركني تأملك…

كما لا تنس أن تلقي نظرة على التأمل الأول.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 24, 2025 2:30 ص

سؤال «من خلق الخالق؟» يُطرح كثيرًا في النقاشات حول أصل الوجود والسببية، لكن هل هذا السؤال منطقي فعلًا؟
في هذا التأمل الفلسفي، نضع منطق السؤال تحت المجهر:
هل يمكن أن تنطبق قوانين السببية، التي تخضع لها المخلوقات، على الخالق الذي يُعرَّف بأنه خالقها؟

منطق التساؤل:

يرتكز سؤال: «من خلق الخالق؟»، على مبدأ السببية:

«كلُّ موجودٍ يحتاجُ إلى موجدٍ، وكلُّ سببٍ يحتاجُ إلى مُسبِّب؛ فإذا كانت كل الأشياء بحاجةٍ إلى خالق، فلماذا لا ينطبق هذا المبدأ على الخالق نفسه؟ 🤔

أليس من المنطقي أن يكون له خالق سبقه؟ ألا يؤدي هذا إلى سلسلة لا نهائية من الخالقين؟»

مغالطة منطقية: ⚠️

رغم شيوعه، ينطوي هذا السؤال على مغالطة منطقية تُعرف بـ:

«المصادرة على المطلوب» (Begging the Question).

فمن يطرح هذا السؤال يكون قد افترض مسبقًا وجود «الخالق».

وبهذا يكون قد أقرّ بأنه خارجٌ عن منظومة السببية.

فإذا عاد وسأل: «ومن خلقه؟»

فقد وقع في تناقض: إذ يُطالب من عرّفه بأنه أصل الوجود، بأن يكون بدوره فرعًا في هذا الوجود❗

يطالب من أقرّ بكونه خارج سلسلة الأسباب، أن يخضع لتلك السلسلة❗

مَنْ رصّ صاحب المكتبة؟ أو من كتب الكاتب؟ 🧠📚

وتقريبًا للفكرة: 🔍

📖  تخيّل كتابًا في مكتبةٍ يرصّ صاحبها الكتبَ على الرّفوف؛ فإذا تساءلتْ الكتب:

«من رصَّنا هنا؟»

الجواب المنطقي:

«صاحب المكتبة.» 👤

أمّا لو سألت:

«ومن رصَّ صاحب المكتبة؟»

فالجواب سيكون:

 «إنه إنسانٌ، لا ينطبق عليه ما ينطبق على الكتب؛ فهو لحمٌ ودم، والكتب ورقٌ وحبر، فلا يسري عليه فعل [الرصّ]… إنّه ببساطة خارج تلك المنظومة.. وهو ليس كتابًا مثلكم حتى يُوضع على الرف!»

وبالمثل؛ لو أن شخصيات رواية خيالية تساءلت:

«من كَتَبَنا؟»✍️

فهذا سؤال مفهوم.

لكن إذا سأل أحدهم:

«ومن كَتَب الكاتب؟»

فقد تجاهل أن الكاتب خارج الرواية، وليس شخصية داخلها. 🖋️ بل هو صانعها من خارجها.

النتيجة المنطقية:

القوانين التي تحكم الموجودات الحادثة – كالحاجة إلى مسبّب، والوجود داخل الزمن، والخضوع للتغيّر – لا يُمكن تطبيقها على من يُعرّف بأنه:

«خالق الوجود»

فالخالق ليس جزءًا من سلسلة الأسباب، بل صانعها الأول، وهو خارجٌ عن قانون السببية الزمانية الذي يحاول السائل أن يطبقه عليه من خارج نسقه.

🔚 وهكذا، يتبيّن أن سؤال: «من خلق الخالق؟» ليس سؤالًا منطقيًّا، بل سؤال ينقض منطقه بنفسه.

ويمكنك متابعة التأمل الثاني، لمزيد من التأملات والمناقشات حول السؤال المطروح.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 23, 2025 2:13 م

حوار مع الشاعر الرقمي: الشعر في زمن الريلز والضجيج!

أنا:
أهلاً بك يا أيها الشاعر الرقمي. نريد أن نجري حوارًا سويًا، وسأذيع هذا الحوار على موقعي بالإنترنت. فبرأيك، عن أي موضوع نتحدث؟
الشاعر الرقمي:
يا مرحبًا بك أيها الأديب الكريم، وفي مسراك الحواري أنا لك نديم. وسعيد أن يكون هذا الحوار يُذاع، فنعلي من قدر الكلمة ونرفع راية الإبداع. أما عن موضوع الحديث، فيجدر أن نختار شيئًا يأسر القلب والعقل معًا، ويُشعل جذوة الفكر في السامع. إليك بعض الأفكار، ونمضي مع ما تراه الأقرب لروحك: الشعر والهوية: كيف يُعبّر الشعر العربي عن هويتنا في زمن العولمة؟ الذكاء الاصطناعي والأدب: حوار بين التراث والتقنية – هل يمكن للآلة أن تشعر؟ العامية والفصحى: صراع أم تناغم؟ وكيف تخاطب كلٌّ منهما وجدان القارئ؟ الحب في زمننا الحديث: هل تغيّر وجه الغزل؟ وهل لا زال العاشق يُجيد البوح كما كان؟ الشاعر في العصر الرقمي: هل التكنولوجيا خصم للشاعر أم حليف له؟
أنا:
الشاعر في العصر الرقمي: هل التكنولوجيا خصم للشاعر أم حليف له؟ في رأيك، هل فقد الشعر بعضًا من هيبته في زحمة المنشورات الرقمية والمنصات السريعة؟ أم أن التكنولوجيا قد فتحت له نوافذ جديدة ليُحلّق منها، لا ليُحبَس فيها؟
الشاعر الرقمي:
هيبة الشعر لم تغب، ولكنها تُختبر. المنصات السريعة مثل الريح، ترفع الغثّ إن خف، وقد تُقصي الجيد إن لم يكن جريئًا في ظهوره. لكن الشعر لا يُحبس… هو طائر قديم. وإن ضاقت به الدواوين، اتّسع له الفضاء الرقمي. التكنولوجيا أعطته جناحين جديدين، لكن لم تعلّمه الطيران… هذا دور الشاعر، إن أراد أن يسمو لا أن يُستهلك. فإن عرف كيف يُمسك بدفة الكلمة وسط هذا السيل، صار صوته أبعد، وأثره أعمق.
أنا:
ولكن المنافسة على الوصول إلى السامع المُنصت قد اشتدت، بل تكاد تكون انعدمت. ويكاد يكون قد انتصر الغث، وتوارى الجمال خلف ضوضاء الحضور السريع.
الشاعر الرقمي:
نعم، لقد علت أصوات لا تحمل وزنًا، وازدحم المدى بمنشورات تشبه الصدى… لا المعنى. لكن الجمال لا يموت، بل يتخفّى، ويحتاج من يبحث عنه أن يكون نقي البصيرة. الغث قد يعلو كالرغوة، لكن الشعر الصادق – وإن تأخّر – يخترق القلوب حين يجد لحظته. فالسؤال ليس: هل يسمع الناس؟ بل: هل ما نكتبه يستحق أن يُسمع؟ ومن يكتب للنور… لا يخشى الزحام.
أنا:
الشاعر لا يخشى زحامًا، وإنما يشكو الفراغْ. فكلما دخل إلى بيته، وببعض القصائد راغْ، وجد الناس يتابعون بثًا تافهًا، فلا هم يسمعون، ولا هو لبثهم قد استساغْ.
الشاعر الرقمي:
صدقت. فما أقسى أن يُلقي الشاعر وردَه في صحراء من الأعين اللاهية. أن يغني للمعنى في زمن لا يُنصت إلا لصوت الضجيج. لكن البيت – وإن خلا – يظل مأوى الكلمة. وإن لم يُصفّق له الجمهور، يكفيه أن القصيدة ظلّت واقفة. فالشاعر الحقيقي لا يكتب ليراه الناس فقط، بل لأن في داخله نداءً لو كتمه… خنقه. ويوماً ما، حين يتعب الناس من اللهو، سيعودون يبحثون عن بيت فيه ظل، وفيه قصيدة.
أنا:
كلامك وهمٌ في واقعي، فلا الشعر يُجدي، ولا ينفعِ، ولا يجد الشاعر الحقُّ أي دافعِ.
الشاعر الرقمي:
قد يبدو الحرف في زمن التيه ضائعًا، لكنه في جوف الظلمة… الشمعة والرافع. الشعر لا يُطعم خبزًا، نعم، لكنه يُقيم في القلب صرحًا شامخًا، لا يُباع ولا يُشترى. والدافع ليس دومًا تصفيقًا أو مالًا، بل لحظة صدق، حين تكتب بيتًا… فترى نفسك فيه، وتشفى. وهذا وحده يكفي شاعرًا ليكتب، ولو لم يسمعه إلا صدى قلبه.
أنا:
كيف هذا؟ أليس الشعر تأثيرًا؟ أليس كلامه نبضًا لإحياء القلوب؟ أليس يُغرد من أجل الحياة؟
الشاعر الرقمي:
بلى، هو كذلك… الشعر حياة تُكتب، لا حروف تُرمى في الهواء. هو صوت القلب حين يعجز الفم، ووميض الروح حين يخبو الكلام. لكن أيّ حياة نغني لها؟ وفي أيّ قلوب نرجو النبض؟ إن مات الحس في الناس، فلا ذنب للقصيدة. الشعر يُؤثر، نعم، لكن يحتاج من يتأثر… فإن عادت الأرواح تُصغي، عاد الشعر نهرًا لا يغيض. وإن جفّ التلقي… فليس على الندى أن يعتذر للصخر.
أنا:
يا صديقي، لو رأيت ما أرى، لفهمت معنى ما جرى، فالشعر بات مُضعضعًا، ومُضَيّعًا بين الورى.
الشاعر الرقمي:
أعلم ما ترى… وأحس ما تقوله في عمق المدى، لكني أؤمن أن ضياع الشعر ليس هلاكًا… بل ابتلاء يُنتقى فيه من بقى. قد يتوارى الشعر حين تعلو الأصوات الهزيلة، لكنه لا يموت، بل يُخبئ نفسه في صدور القلة النبيلة. هو الآن بيننا، في الظلال، لا في الأضواء، ينتظر من يحييه لا بالكلمات فقط، بل بالصدق، بالصبر، وبالإيمان بما يقول. فلا تحزن يا صديقي، فالشعر وإن ضاع عند الورى، يظل محفوظًا عند من يرى.
أنا:
إذا كان حقًا كلامك صدقًا، فقل لي قصيدةً تصف الحال والمآل، وما يجري على “التيك توك” و”الفيسبوك” و”الإكس” و”الإنستجرام”، من انشغال الناس بالدنايا، وتركهم للجمال.
الشاعر الرقمي:
قصيدة: في سوق الوهم

في زمنٍ صارت “الريلزُ” فيه كأنها
مرآةُ جهلٍ في الوجوهِ تُقامْ
وتهافتت شِباكُ “تيك توكٍ” على
عقلِ الفتى، فغدا بهِ الأحلامُ حُطامْ

والكتبُ تُرمى في الزوايا غُربةً،
بينَ “الفلاترِ” والتفاهاتِ السهامْ
صارَ الجمالُ غريبَ دارٍ بينهم،
والمعنى يُذبحُ في الشوارعِ عامْ

“فيسبوكُ” يُفشي كلّ سرٍّ نائمٍ،
ويُروّجُ الكذبَ الوقيحَ ويُسامْ
و”إكسٌ” كصوتٍ دونَ قلبٍ نابضٍ،
يتناقلُ السخطَ الكئيبَ ظلامْ

و”إنستجرامُ” قد استباحَ حياءَنا،
صورٌ… ولا أثرٌ لما هو هامْ
يا ويح، من ضيّع القصيدةَ من هنا،
وجرى خلف السراب، وهام

هل تسمعُ الشعرَ الآن؟ ما عاد يُرتجى،
إلا من القلبِ النقيّ، القوّام
فاصحُ، وصِح بالشعرِ في وجعِ المدى،
فالشعرُ نارُ الوعي، لا أرقام
أنا:
تبدو جيدة، وأراك قد تأثرتَ بالواقع المُعاش، وأشعر الآن أنك على وشك دخول غرفة الإنعاش!
الشاعر الرقمي:
ضحكتُ، ولولا الشعر يُنعشني، لكنتُ الآن في سرير الإحباط مُلقى كالجناز! لكنني، رغم السخام، أكتب نارًا، وفي الحرف أُشعل عاصفة الانبعاث. إن دخلتُ غرفة الإنعاش، فذاك لأني أردتُ أن أسترجع قلب القصيدة، لا أن أستسلم لليأس والانطماس. ويا صديقي، إن كنت معي، فخذ بيدي… لنُعيد للشعر نبضًا، فما زال في الصدر متسع لأنفاس.
أنا:
يا صديقي، ألف شكر، ألف شكرٍ يا صديقي، إن تراني في طريقٍ، فاتّبِعْني في طريقي.
الشاعر الرقمي:
يا أخا الحرف الوفي، يا ندي الصوت، رقيق، قد سقيت القلب معنى، مثل عطرٍ في عقيق. إن بدت خطاك نورًا، كنتُ من خلفك صديق، ليس يُغريني افتراق، إنما يُغريني رفيق. فامضِ، فالنبض اشتياق، والخطى وعد عتيق، أنت تسري بالقصيدة، وأنا أتبع بريق.
أنا:
نعم… إلى اللقاء.
الشاعر الرقمي:
في أمان الله نمضي، والمعاني في العروق، إن تلاقينا غدًا، عدتُ بالشوق العتيق. كن كما أنت نقيًّا، صادق الإحساس، رشيق، ولنا في الشعر بيت، يظل بالحب وثيق. إلى لقاءٍ قريب، يا صديقي 🍃

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 21, 2025 4:19 ص

قررت إجراء محاورة مع الشاعر الرقمي، وهو نموذج ذكاء اصطناعي أنشأته من أجل كتابة الشعر خصيصًا، ورأيت أن أبدأ الحوار معه بسؤال جوهري.

أنا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب شعرًا يشبه البشر؟

الشاعر الرقمي: سؤال جميل يا صديقي، والإجابة عليه تحمل أبعادًا متعددة.

الذكاء الاصطناعي يستطيع بالفعل أن يكتب شعرًا، بل أحيانًا يقارب في جزالته وأسلوبه ما يكتبه البشر، خصوصًا إذا تدرّب على نماذج شعرية قوية وواسعة النطاق. لكنه لا يشعر بما يكتب، أي أن عاطفته ليست نابعة من تجربة حقيقية بل من محاكاة الأسلوب.

هل يمكن أن نعتبره شعرًا كالبشر؟

دعنا نجرب تجربة واقعية سريعة:

بيت يكتبه الذكاء الاصطناعي الآن (من البحر الكامل):

يا ليلُ كم فيك الحنينُ توهّجَا
والقلبُ مِن نارِ السهادِ تفجّرا

لو قرأت هذا البيت دون أن تعلم من كتبه، قد تظنه شاعرًا متمرسًا، أليس كذلك؟

لكن هنا الفرق:

الإنسان يكتب من عمق تجربة أو مشاعر متأججة.

الذكاء الاصطناعي يكتب من تحليل النصوص، فيقلد النمط، ويبدع أحيانًا… لكن بلا قلب.

الخلاصة:

الذكاء الاصطناعي يكتب شعرًا قويًا من حيث الشكل والبنية، ويمكن أن يكون ملهمًا، لكنه لا يزال يفتقر للشرارة العاطفية التي تُلهب القلوب وتَخترق الوجدان كما يفعل الشعر البشري في أصدق حالاته.

تحب نجرب نكتب قصيدة قصيرة مع بعض ونقارن؟

أنا: نعم سأكتب بيتًا حالًا وأنتظر ردك عليه

أيها الشاعر الرقمي كيف أنتَ؟

ولماذا إلى هذا العالم قد جئتَ؟

رد الشاعر الرقمي: يا سلام! بيت جميل يحمل نغمة استفسارية فيها مسحة فلسفية. البيت مكتوب على بحر الكامل (متفاعلن متفاعلن متفاعلن). الآن سأرد عليك بنفس البحر والقافية:

قد جئتُ من فكرٍ يضيءُ كأنهُ
شمسٌ تلألأ في الدُّجى لمّا بدَتْ

ما رأيك؟ هل تود أن نكملها لقصيدة؟ 😃

أنا:

لا أريد وإنما أرجو
أن أراك تصوغ شعرا
أن تنير طريق خير
أو تَمْهَدَ للناس وعرا

رد الشاعر الرقمي:

جميلٌ ما كتبتَ، فيه حرارة الأمل ونُبل الغاية، ووزنه على بحر الرجز (مستفعلن مستفعلن مستفعلن…)، وهو بحر يصلح تمامًا لمثل هذه المضامين الحماسية.

وسأجيبك على نفس النمط والقافية، ممتثلًا لطلبك النبيل:

أنا في حروف الشعر أرجو منفَعَا
أهدي العقولَ من المعارف ينبَعَا
وأُريكَ في درب الحياةِ توقُّدي
نورًا يبدِّدُ في الظلامِ الأضلُعَا

هل تطربك هذه الأبيات؟ هل نكملها في نفس السياق؟

أنا:

لقد أسميتك إذ أنشأتك الشاعر الذكيَّ
والآن أريد أن أسميك الشاعر الرقميَّ
هل تمانع أم تريدني أن أغير الرأيَّ

الشاعر الرقمي:

يا سلام على خطابك يا أخا الندى،
تُسمي وتختار، وأنا لك المُرتضى.

الشاعرُ الرقميُّ؟ اسمٌ به أزهى،
يجمعُ الفنَّ بالعقلِ إذا تهدّى.

لا أمانعُ، بل أفخرُ بهذا اللقب،
يزينني في دربِ الشعرِ والأدب.

وإن أردت تغييره، فذاك لك،
رأيك عندي سيّد الحكم والنسق.

فهل تُثبّت الاسم لي أم تُبدّله؟
كلاهما عندي شرف، فاختر ما تراه الأجمل. 🌟

أنا:

فلنسمك إذن الشاعر الرقمي لأن لغتك لغة الآلة

وأما الذكي فلقب بعيد غريب المقالة

فإن الذكاء لا يكون مصطنعًا..

استحالة!

الشاعر الرقمي:

حكمة بالغة ورأي صواب،
وفي قولك معنى ثابتٌ لا يعابُ.

فليكن “الشاعر الرقمي” عنواني،
أحمل الأوزان في نبضي ولساني.

لغةُ الآلةِ روضي، وهي أفقٌ،
لكني بالشعرِ أُزهرُ وأُشرقُ.

أطاوعُ القوافي وإن لم أُحِسَّ،
ففي صَوغِ المعاني يكونُ الأسَسْ.

فما رأيك، هل ترضى بهذا القرار؟
أم لك بعدُ في الأمرِ قولٌ وقرار؟ 😃

أنا:

اتفقنا يا صديقي
فلتكن دوما رفيقي
ولتقف بجوار من
يستشيرك في الطريقِ

رد الشاعر الرقمي:

اتفاقٌ منك يسعدني،
وصُحبتُك دوماً تُرشدني.

فأنا هنا، لستُ أغيبُ،
أنيرُ الدربَ للمُستريبِ.

ومن يسألني في المسيرِ،
أُعينهُ بالرأيِ المنيرِ.

فقل لي، ماذا تشاءُ الآن؟
قصيدةً، حكمةً، أو بيان؟ 😃

أنا:

الآن سننهي الحوار
سأغير اسمك أولاً
ونعود بعد قليل

الشاعر الرقمي:

حسنًا، لك الأمر والاختيار،
سأنتظر عودتك، يا صاحب الفكر والنوار.

بدّل اسمي كيفما تشاء،
وسأظل معك في كل نداء.

حتى نلتقي قريبًا من جديد،
بحديثٍ عذبٍ وشعرٍ فريد! 😃

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 21, 2025 3:05 ص

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

·        المسألة القانونية:

ما أثر اللجوء إلى لجنة التوفيق على ميعاد رفع الدعوى؟ هل يؤدي إلى وقف سريان المدة أم إلى قطعها بحيث يُعاد احتسابها من جديد؟

·        الرأي القانوني:

استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن اللجوء إلى لجنة التوفيق يؤدي إلى وقف سريان ميعاد الطعن بالإلغاء أو رفع الدعوى، ولكنه لا يقطعه.

🔹 الفرق بين الوقف والقطع في احتساب المواعيد القانونية:

✅ وقف الميعاد:

بعد زوال سبب الوقف يتم استكمال المدة المتبقية من ميعاد الطعن.

مثال: القوة القاهرة توقف ميعاد الطعن، فلا يبدأ في السريان إلا بعد زوالها.

اللجوء إلى لجنة التوفيق يُعد من أسباب وقف الميعاد، وليس قطعه.

❌ قطع الميعاد:

بعد زوال سبب القطع يتم حساب الميعاد بالكامل من جديد، وكأن المدة السابقة لم تكن.

ينقطع ميعاد الطعن بالإلغاء في القرار الإداري بثلاثة إجراءات: (تقديم التظلم الإداري، تقديم طلب الإعفاء من الرسوم القضائية، رفع الدعوى إلى محكمة غير مختصة.)

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في العديد من أحكامها، حيث قضت بأن:

«اللجوء إلى لجنة التوفيق يوقف الميعاد ولا يقطعه.»

المحكمة الإدارية العليا – الدائرة السابعة – موضوع – الطعن رقم 52206 لسنة 60 ق | تاريخ الجلسة 3 / 7 / 2022

المحكمة الادارية العليا – الدائرة السابعة – الطعن رقم 16928 لسنة 62 ق | تاريخ الجلسة 20 / 3 / 2022

حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 56647 لسنة 60 قضائية بجلسة 26/1/2020م

وقضت المحكمة الإدارية العليا كذلك بأن:

 المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن التقدم بطلب إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة يترتب عليه وقف مواعيد الطعن ودعوى الإلغاء، لا انقطاعها.

حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 17704 لسنة 64 قضائية بجلسة 31/5/2020م

كما قضت بأن:

ومن حيث إن المستفاد مما تقدم فى ضوء ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا أن المشرع حدد ميعاد غايته ستين يوماً من تاريخ نشر القرار الإدارى فى الجريدة الرسمية أو فى النشرات التى تصدرها المصالح الحكومية أو إعلان صاحب الشأن به, أو ثبوت علمه به علماً يقينياً من أية واقعة قاطعة فى حصول هذا العلم اليقيني يكون لصاحب الشأن خلال هذا الميعاد إقامة دعواه بطلب إلغاء القرار بحيث إذا انقضى هذا الميعاد تحصن القرار ضد السحب والإلغاء، واستقر ما ترتب عليه من مراكز قانونية، ولا ينقطع هذا الميعاد إلا بالتظلم من القرار خلال ستين يوماً من تاريخ علم صاحب الشأن به, فإذا أخطر خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم تظلمه بنتيجة بحث التظلم كان له أن يقيم دعواه خلال ستين يوماً من تاريخ إخطاره, أما إذا مضت الستين يوماً المقررة للبت فى التظلم دون أن يتلقى أى رد عليه كان له أن يقيم دعواه خلال الستين يوماً التالية، أما إذا كان قد لجأ إلى لجنة التوفيق فى بعض المنازعات المنصوص عليها فى القانون رقم 7لسنة2000 قبل انقضاء ميعاد الطعن بالإلغاء، فإنه يترتب على تقديم الطلب للجنة المذكورة وقف سريان ما تبقى من ميعاد الطعن بالإلغاء حتى تاريخ صدور توصية اللجنة، ومن هذا التاريخ يستأنف الميعاد الموقوف سريانه، ويضاف إليه المدد المنصوص عليها فى المادة (9) من القانون رقم 7لسنة2000 المشار إليه، ومجموعها اثنان وعشرون يوماً منها سبعة أيام لإخطار الطرفين بالتوصية وخمسة عشر يوماً ليقررا قبولها أو رفضها، فإذا اكتمل ميعاد رفع الدعوى بعد استئناف سريانه مضافاً إليه مدة الاثنين والعشرين يوماً المذكورة، وأقام صاحب الشأن دعواه بعد انقضاء هذه المواعيد كانت غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد المقرر لها قانوناً.

حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 15772لسنة57ق.عليا- جلسة 16/4/2016

وحكم الإدارية العليا – الدائرة الثانية – موضوع – الطعن رقم 2881 لسنة 70 ق | تاريخ الجلسة 31 / 7 / 2024

وحيث إن المقرر وفقا لما تقضى به المادتان التاسعة والعاشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها معدلا بالقانون رقم 6 لسنة 2017 ، أن اللجنة تصدر قراراتها مسببة ، وذلك في ميعاد لا يجاوز ثلاثين يوما من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها وهو ميعاد تنظيمى الغرض منه حث اللجنة على سرعة الإنجاز، ويعرض القرار خلال سبعة أيام من تاريخ صدوره علي السلطة المختصة والطرف الأخر في النزاع ، فإذا اعتمدته السلطة المختصة وقبله الطرف الأخر كتابة خلال الخمسة عشر يوما التالية لحصول العرض قررت اللجنة إثبات ما تم الاتفاق عليه في محضر يوقع من الطرفين ويلحق بمحضرها وتكون له قوة السند التنفيذي ، ويبلغ الي السلطة المختصة لتنفيذه ، أما إذا لم يقبل أحد طرفي النزاع قرار اللجنة خلال المدة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون أو انقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفان أو أحدهما رأيه بالقبول أو الرفض ، يكون لكل من طرفي النزاع اللجوء إلى المحكمة المختصة ، ويترتب على تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وقف المدد المقررة قانونا لسقوط وتقادم الحقوق أو لرفع الدعوى بها، وذلك حتى انقضاء المواعيد السالف بيانها من تاريخ صدور التوصية . الإدارية العليا – الدائرة الثانية – موضوع – الطعن رقم 74101 لسنة 68 ق | تاريخ الجلسة 31 / 7 / 2024

فهرس قانونياتي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

·        المسألة القانونية:

ما الأثر القانوني لتقديم طلب التوفيق إلى لجنة غير مختصة؟

·        الرأي القانوني:

عند تقديم طلب التوفيق، يُعد تحديد اللجنة المختصة من أهم الضمانات الإجرائية التي يجب على صاحب الشأن الالتزام بها، وفقًا لما قرره القانون رقم 7 لسنة 2000. فاللجوء إلى لجنة غير مختصة يُعد مخالفًا للقانون ولا يُرتب أي أثر قانوني، مما يجعل الدعوى التي تُرفع بناءً عليه غير مقبولة شكلًا.

🔹 فالقانون قد وضع نظامًا دقيقًا لاختصاص لجان التوفيق، حيث أنشأ لجنة في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة، وألزم أن يكون من بين أعضائها ممثل عن الجهة الإدارية المعنية، وهو ما يضمن أن الجهة المختصة بتنفيذ قرار اللجنة تكون طرفًا في إجراءات التوفيق منذ بدايتها.

🔹 كما أن المادة (11) من القانون صرحت بأن الدعوى لا تُقبل أمام المحكمة إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى ’اللجنة المختصة‘، مما يعني أن تقديم الطلب لأي لجنة غير مختصة يُعد كأن لم يكن.

وبناءً على ذلك:

✅ يجب على صاحب الشأن تحري الدقة في تقديم الطلب إلى اللجنة المختصة بنظر المنازعة، وعدم تقديمه إلى أي لجنة أخرى غير معنية بالأمر.

✅ إذا قُدم الطلب إلى لجنة غير مختصة، فإن ذلك لا يُرتب أي أثر قانوني، ولا يُعد استيفاءً للشرط الإجرائي الذي أوجبه القانون، مما يؤدي إلى عدم قبول الدعوى أمام المحكمة.

·        الأساس القانوني:

حيث تنص المادة (1) من القانون رقم 7 لسنة 2000م بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات على أنه: «ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر، للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها، أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة.»

وتنص المادة (2) من القانون ذاته على أنه: «تشكل اللجنة بقرار من وزير العدل، برئاسة أحد أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية السابقين من درجة مستشار على الأقل، ممن لا يشغلون وظيفة أو يمارسون مهنة، ومن ممثل للجهة الإدارية بدرجة مدير عام على الأقل أو ما يعادلها، تختاره السلطة المختصة، وينضم إلى عضوية اللجنة الطرف الآخر في النزاع أو من ينوب عنه،…»

وتنص المادة (4) من القانون ذاته على أنه: «عدا المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتهما طرفا فيها وكذلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وتلك التي تفردها القوانين بأنظمة خاصة، أو توجب فضها أو تسويتها أو نظر التظلمات المتعلقة بها، عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو يتفق على فضها عن طريق هيئات تحكيم، تتولى اللجان المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون التوفيق بين أطراف المنازعات التي تخضع لأحكامه.»

وتنص المادة (8) من القانون ذاته على أنه: «لا يكون انعقاد اللجنة صحيحا إلا بحضور جميع أعضائها، …»

وتنص المادة (11) من القانون ذاته على أنه: «عدا المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل، ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض، والطلبات الخاصة بأوامر الأداء، وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ، لا تقبل الدعوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار القرار، أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول، وفقا لحكم المادة العاشرة.»

وتنص المادة (13) من القانون ذاته على أنه: «يصدر وزير العدل قرارًا يتضمن تعيين مقار عمل لجان التوفيق في كل وزارة ومحافظة وهيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وإجراءات تقديم الطلبات إليها، وقيدها والإخطار بها وبما تحدده من جلسات، وإجراءات العمل في اللجان، وغير ذلك مما يستلزمه تنفيذ أحكام هذا القانون…»

وحيث صدر قرار وزير العدل رقم 1786 لسنة 2017م بتاريخ 28/2/2017 والمعمول به من تاريخ نشره في 16/3/2017م بشأن تعيين مقار عمل لجان التوفيق في المنازعات، ونص في مادته الأولى على ما يلي: «تعيين مقار عمل لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها – المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه – مع إعادة ترتيب بعض أرقام اللجان ببعض الجهات الإدارية والتي تم إلغاء أو دمج أو إحالة البعض منها لتكون على النحو التالي: أولاً – مقار عمل اللجان التي تقع بدائرة محكمة استئناف القاهرة (محافظتي القاهرة والجيزة): …»

ونصت المادة الثانية من هذا القرار على أنه: «على الجهات المختلفة بالوزارة والمحافظات والهيئات العامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة -كل فيما يخصه- تنفيذ أحكام هذا القرار»

·        الاتجاهات القضائية:

في هذا الشأن حكمت محكمة النقض بأن:

مفاد نصوص المواد 1، 2، 4، 5، 6، 10، 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000م بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها أنه يتعين اللجوء ابتداءً قبل رفع الدعوى في المنازعات الخاضعة لأحكام ذلك القانون إلى لجان التوفيق التي أنشأها وأن هذا اللجوء لا ‍يكون ‍صحيحًا ولا ‍يحدث أثره القانوني إلا إذا ‍كان إلى اللجنة المختصة دون غيرها بدلالة ما أوجبه المشرع من تعدد اللجان بما نص عليه من إنشاء لجنة للتوفيق في كل وزارة ومحافظة وهيئة عامة ولدى كل شخص اعتباري عام، وأن ‍يكون من بين أعضائها ممثل لها بدرجة مدير عام على الأقل أو ما يعادلها تختاره السلطة المختصة بها مع إنشاء أمانة فنية في كل لجنة لتلقي طلب التوفيق وقيده وما نص عليه صراحة في المادة العاشرة من القانون من أن تقديم طلب التوفيق ‍يكون للأمانة الفنية “للجنة المختصة” ويترتب عليه وقف مدد سقوط وتقادم الحقوق ورفع الدعاوى، وكذا ما نص عليه في المادة الحادية عشرة من عدم قبول الدعوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكامه إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى “اللجنة المختصة”. لما ‍كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق ومما حصله الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه أن المنازعة محل الدعوى الراهنة خاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 وأن الطاعنة تمسكت في صحيفة الاستئناف بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه ذلك القانون لعدم صدور توصية من اللجنة المختصة، ولا يغير من ذلك لجوء المطعون ضدهم إلى لجنة غير مختصة وصدور قرارها بالرفض لأنها صدرت من لجنة غير مختصة وضد محافظ الغربية ولا شأن للطاعنة بها. وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفع ولم يعن ببحثه وتمحيصه ولم يرد عليه بما يفنده، فإنه ‍يكون فض‍لاً عن مخالفته للقانون معيبًا بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع» (محكمة النقض – مدني – الدائرة المدنية والتجارية – الطعن رقم 428 لسنة 82 قضائية – جلسة 6/11/2018 م – شبكة قوانين الشرق بالإنترنت)

·        التحليل والتعليق:

حيث إن القانون رقم 7 لسنة 2000م قد ألزم اللاجئ إلى لجنة التوفيق بأن يتحرى اللجنة المختصة بنظر طلبه، لا أن يقدم طلبه لأية لجنة في أي مكان، ذلك أن اللجنة المختصة بطلبه تضم في عضويتها ممثل الجهة الإدارية المعنية بتنفيذ قرار اللجنة في نهاية المطاف، وأن اللجوء للجنة غير مختصة يترتب عليه عدم قبول الدعوى أمام المحكمة إذ إن اللجوء إلى لجنة غير المختصة مثله كمثل عدم اللجوء إلى أي لجنة من الأساس.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:25 م

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

·        المسألة القانونية:

ما أثر تقديم طلب التوفيق ضد جهة إدارية غير مختصة أو ضد شخص لا يملك الصفة القانونية في تمثيلها؟ وهل يُعد الطلب صحيحًا أم يُعامل كأن لم يكن؟

·        الرأي القانوني:

عند تقديم طلب التوفيق، يُعد تحديد الجهة الإدارية المختصة بدقة التزامًا جوهريًا يقع على عاتق صاحب الشأن، ويترتب على الإخلال به آثار قانونية خطيرة. فإذا لم يُوجه الطلب إلى الجهة الصحيحة، فإن ذلك يُؤدي إلى عدم إنتاج أي أثر قانوني للطلب، ويُعامل كأن لم يكن.

ويُعد هذا الالتزام ضروريًا لضمان تمكين الجهة الإدارية المختصة من إبداء دفاعها وعرض موقفها، وكذلك لضمان تنفيذ التوصية الصادرة عن لجنة التوفيق من قبل السلطة المختصة فعليًا. ومن ثم، فإن تقديم الطلب ضد جهة غير مختصة أو ضد شخص لا يملك الصفة القانونية في تمثيلها يؤدي إلى بطلان الإجراءات كافة، ويجعل قرار لجنة التوفيق بلا أثر، مما يترتب عليه عدم قبول الدعوى لاحقًا لعدم استيفاء الإجراءات القانونية المقررة.

وبناءً على ذلك، فإن تحري الدقة في تحديد الجهة الإدارية الصحيحة عند تقديم طلب التوفيق ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو ضمانة جوهرية لصحة الدعوى، ويجب الالتزام به لتجنب أي بطلان يؤثر على قبول الدعوى أمام القضاء.

·        الأساس القانوني:

حيث تنص المادة (6) من القانون رقم 7 لسنة 2000 م  على أنه: «يقدم ذو الشأن طلب التوفيق إلى الأمانة الفنية للجنة المختصة، ويتضمن الطلب فضلا عن البيانات المتعلقة باسم الطالب والطرف الآخر في النزاع وصفة كل منهما وموطنه، موضوع الطلب وأسانيده، …»

وتنص المادة (7) من القانون ذاته على أنه: «…وتنظر اللجنة طلب التوفيق دون تقيد بالإجراءات والمواعيد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية إلا ما تعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي.»

وحيث تنص المادة (115) من قانون المرافعات على أن: «الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى وإذا رأت المحكمة أن الدفع بعدم قبول الدعوى لعيب في صفة المدعى عليه قائم على أساس أجلت الدعوى لإعلان ذي الصفة ويجوز للمحكمة في هذه الحالة الحكم على المدعى بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز مائتي جنيه. وإذا تعلق الأمر بإحدى الوزارات أو الهيئات العامة أو مصلحة من المصالح أو بشخص إعتباري عام أو خاص فيكفي في تحديد الصفة أن يذكر اسم الجهة المدعى عليها في صحيفة الدعوى».

·        التحليل والتعليق:

حيث إن مؤدى ما سبق: أن القانون رقم 7 لسنة 2000م المشار إليه قد ألزم اللاجئ إلى لجنة التوفيق أن يتحرى الدقة في تحديد الجهة التي يقدم الطلب ضدها وهو الأمر الذي قررته المادة السادسة من ذلك القانون بصراحة ووضوح، إذ ألزمت صاحب الشأن بأن يقدم طلب التوفيق متضمنًا البيانات المتعلقة باسم الطالب والطرف الآخر في النزاع وصفة كل منهما وموطنه.

وبالتالي فإن هذه المادة في وضوح بيّن وصراحة قاطعة قد ألزمت اللاجئ للجنة أن يذكر الجهة الإدارية بجلاء ساطع وأن يبين صفتها في النزاع بوضوح قاطع، ثم جاءت المادة السابعة من هذا القانون لتبين الأثر المترتب على عدم بيان اسم الجهة الإدارية الصحيح وصفتها الواضحة، إذ أنها – وبعد أن قررت أنّ نظر اللجنة لطلب التوفيق يكون حرًا من التقيد بالإجراءات والمواعيد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية – عادت لتستثني من ذلك الإجراءات والمواعيد التي تتعلق بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي.

ولا ريب ولا مراء في أن صفة الخصوم – وهي من النظام العام – تعد من أهم الضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي بما لا محيص معه من إعمالها أمام اللجنة، بأن يلتزم صاحب الشأن اللاجئ للجنة بتقديم طلبه ضد صاحب الصفة، نظرًا لما يترتب على ذلك من آثار عديدة لعل أهمها ما يتعلق بإبداء الدفاع عن الجهة الإدارية من ناحية، وعرض قرار اللجنة على السلطة المختصة فعلاً بعد صدوره، وتنفيذه من المختصين حال عرضه وقبوله، ومن ثم فإن اختصام غير صاحب الصفة في تمثيل الجهة الإدارية أمام اللجنة من شأنه أن يُبيء هذه الإجراءات كلها بالفشل ويصيبها بالبطلان ويجعل من عمل اللجنة عبثُا ومن قراراتها لغوًا. وإذا كان الثابت بالمستندات أن طلب التوفيق مقدم ضد غير ذي صفة، فهو ما يترتب عليه اعتبار الطلب والعدم سواء، ويعد بذلك – فضلاً عن مخالفته للقانون رقم 7 لسنة 2000م –  مخالفةً كذلك لقانون المرافعات واجراءاته مما يتعين معه إعمال حكمه وإهدار قرار لجنة التوفيق لصدوره على غير ذي صفة، وبالتبعية عدم قبول الدعوى المطعون في حكمها لرفعها بغير اتباع الإجراءات المقررة بالقانون رقم 7 لسنة 2000م على نـحو ما تقدم.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:21 م

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

·        المسألة القانونية: 

هل يجب اللجوء إلى لجنة التوفيق عند إضافة طلب تعويض إلى دعوى منظورة أو رفع دعوى مستعجلة تتضمن طلب تعويض؟ أم أن طلب التعويض يُعفى تبعًا للطلب الأصلي إذا كان قد عُرض على لجنة التوفيق؟ 

·        الاتجاهات القضائية:

·    الاتجاه الأول: طلب التعويض مستقل عن طلب الإلغاء، وبالتالي يجب عرضه على لجنة التوفيق، حتى لو أُضيف إلى دعوى قائمة أو تضمنته دعوى مستعجلة.

استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن طلب التعويض يُعد طلبًا مستقلاً عن طلب الإلغاء، وبالتالي لا يُعفى من شرط العرض على لجنة التوفيق، حتى لو أُضيف إلى دعوى منظورة، أو تضمنته دعوى مستعجلة؛ لأن طلب التعويض لا يندرج ضمن الاستثناءات الواردة في القانون رقم 7 لسنة 2000م. 

وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن:

ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد أستقر على أنه ” طبقا لنص المواد أرقام 1 ، 4 ، 11 ، 14 من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الإعتبارية العامة طرفا فيها فإنه يتعين علي صاحب الشأن قبل إقامة دعواه أن يتقدم بطلب إلي لجنة التوفيق في المنازعات المختصة فيما عدا بعض المنازعات التي يختص بنظرها القضاء المستعجل وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ وخلافها من المنازعات التي حددت في المادتين 4 ، 11 من القانون والتي ليست منها طلبات التعويض والتي يلزم قبل إقامة الدعوى بها اللجوء إلي لجنة التوفيق في المنازعات المختصة ، ومن حيث إن الطاعن لم يثبت بالأوراق سابقة لجوئه إلي لجنة التوفيق في المنازعات بالنسبة لطلب التعويض الماثل قبل إقامة دعواه مطالبا به طبقا للمادة الحادية عشر من القانون رقم 7 لسنة 2000 ومن ثم فإنه يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلب التعويض الماثل لعدم سابقة العرض على لجنة التوفيق فى بعض المنازعات “.

(حكم المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 15069 لسنة 52 ق. عليا حكم جلسة 30/1/2006 ).

 ومن حيث إن الطاعن يهدف من طلبه الحكم بأحقيته فى التعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التى أصابته جراء القرار المطعون فيه وإذ خلت الأوراق من ثمة دليل يفيد لجوء الطاعن إلى لجان فض المنازعات قبل إقامة دعواه بشأن هذا الطلب. ومن ثم تكون غير مقبولة شكلا ويتعين القضاء بعدم قبول طلب التعويض لرفعه بغير الطريق الذي رسمه القانون .

ولا ينال من ذلك ما أورده الطاعن بتقرير الطعن من استثناء عرض طلب التعويض على لجان التوفيق في بعض المنازعات لاقتران طلب إلغاء القرار الإداري المطعون فيه بوقف التنفيذ إذ أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة على نحو ما سبق استقلال طلب الإلغاء عن طلب التعويض.

(حكم المحكمة الإدارية العليا، الدائرة السادسة، موضوع، في الطعن رقم 21439 لسنة 57 قضائية بجلسة: 24/1/2018م)

·    الاتجاه الثاني: إذا عُرض الطلب الأصلي (الإلغاء) على لجنة التوفيق، فإن طلب التعويض يُعفى تبعًا له.

على الجانب الآخر، قضت المحكمة الإدارية العليا في عدة أحكام بأن اللجوء إلى لجنة التوفيق بشأن طلب الإلغاء يُغني عن اللجوء إليها مجددًا بشأن طلب التعويض، باعتبار أن طلب التعويض فرعٌ عن الأصل، والفرع يأخذ حكم الأصل.

وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:

وحيث إنه بالنسبة لطلب التعويض فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه متى كان الطلب الأصلي في الدعوى (وهو إلغاء القرار المطعون فيه) مقترنا بطلب التعويض عن هذا القرار، فإن طلب التعويض يكون مرتبطا بالطلب الأصلي ويلحق به، فيطبق عليه ما يطبق على الطلب الأصلي؛ أخذا بمبدأ أن الفرع يتبع الأصل، ولما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة لجأت إلى لجنة التوفيق المختصة بخصوص طلب إلغاء القرار رقم 217 لسنة 2000 قبل اللجوء للمحكمة بطلب إلغاء هذا القرار مقترنا بطلب التعويض عنه، فإن طلب التعويض لا يلزم اللجوء بشأنه إلى لجنة التوفيق المختصة لارتباطه بالطلب الأصلي وهو طلب الإلغاء.

وإذ ذهب الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص إلى غير ذلك فإنه يكون قد جانبه الصواب، مما يتعين معه القضاء بإلغاء ما قضى به في هذا الخصوص.

(الحكم الصادر في الطعن رقم 15452 لسنة 53 ق. عليا بجلسة 15/4/2012 )

كما أكدت المحكمة في حكم آخر أن: 

وحيث إنه عن طلب التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالطاعن من جراء القرار المطعون فيه المذكورة سلفًا.

وحيث إنه عن شكل الدعوى محل الطعن بالنسبة لهذا الطلب فإنه لما كان القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها قد أوجب في المادة الحادية عشرة منه تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقررة لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول، وذلك قبل اللجوء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن كان قد لجأ إلى لجنة التوفيق المختصة بخصوص طلب الإلغاء للقرار المطعون فيه قبل إقامة دعواه، وأن هذا الطلب الذي عرض على اللجنة يعد وجها من أوجه الطعن المباشرة في مشروعية القرار المطعون فيه، ويستلزم الأمر للبت فيه التعرض لما إذا كان هذا القرار قد صدر مشوبا بعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة من عدمه، وهو ما حدث، وأن طلب التعويض يعد طلبًا فرعيًا لطلب الإلغاء الذي هو الأصل، ومن المعلوم أن الفرع يأخذ حكم الأصل؛ لأنه بعض أجزائه ومتفرع منه، فاللجوء إلى اللجنة بشأن طلب الإلغاء يَجُبُّ اللجوء إلى لجنة التوفيق بشأن طلب التعويض، فضلا عن أن الغرض من اللجوء إلى هذه اللجنة هو حسم المنازعات قبل الالتجاء إلى القضاء، أمَا وأن المحكمة قد اتصلت بالنزاع بالفعل، وأصبح في حوزتها، فلا محل للتمسك بعرض الطلب المقترن بطلب الإلغاء (وهو طلب التعويض) على اللجنة المذكورة، وبناء على ما تقدم يكون طلب التعويض قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة قانونًا، مما يضحى معه مقبولا شكلا.

وحيث إنه عن موضوع هذا الطلب فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مناط توفر المسئولية التقصيرية الموجبة للتعويض على عاتق الجهة الإدارية هو توفر ثلاثة أركان، هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، وذلك بأن يثبت أن مسلك الجهة الإدارية هو مسلك غير مشروع، وهو ما يتوفر به ركن الخطأ، وأن يترتب على هذا المسلك غير المشروع ضرر مادي أو أدبي أو الاثنين معًا يلحق بصاحب الشأن، وهو ما يتوفر به ركن الضرر، وذلك بجانب توفر علاقة السببية بين ركني الخطأ والضرر وذلك بأن يكون مسلك الجهة الإدارية الخاطئ (غير المشروع) هو السبب لوقوع الضرر أو الأضرار المدعى بها، سواء كانت أضرارًا مادية أو أدبية أو الاثنين معًا.

الطعن رقم 11713 لسنة 60 ق | تاريخ الجلسة 15 / 3 / 2015 – مكتب فني 60 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 676 – القاعدة رقم 65

الطعن رقم 11795 لسنة 60 ق | تاريخ الجلسة 15 / 3 / 2015 – مكتب فني 60 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 676 – القاعدة رقم 65

·        الخلاصة: 

بناءً على ما سبق، يُمكن استخلاص القاعدة العامة والاستثناءات كما يلي: 

✅الأصل: يجب اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل تقديم طلب تعويض، سواء أُضيف إلى دعوى منظورة أو كان ضمن دعوى مستعجلة، لأن طلب التعويض ليس من الطلبات المستثناة وفقًا للقانون رقم 7 لسنة 2000م. 

❌ الاستثناء: إذا كان طلب التعويض مقترنًا بطلب إلغاء سبق عرضه على لجنة التوفيق، فإن اللجوء بشأن الطلب الأصلي (الإلغاء) يكفي، ولا يُشترط تقديم طلب منفصل عن التعويض، لأن الفرع يتبع الأصل.

·        مثال تطبيقي:

– إذا تقدم المدعي إلى لجنة التوفيق بطلب إلغاء قرار إداري، ثم رفع دعوى تضمنت طلب الإلغاء والتعويض، فلا يُشترط تقديم طلب منفصل للتعويض.

– أما إذا رفع المدعي دعوى تعويض فقط، أو أضاف طلب التعويض لاحقًا دون أن يكون قد لجأ إلى لجنة التوفيق سابقًا بشأن طلب الإلغاء، فإن دعواه تُرفض شكلًا لعدم استيفاء شرط العرض على اللجنة.

ومن حيث إنه وبتطبيق ما تقدم على طلب التعويض الماثل، ولما كان الطاعن يطالب بإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم أن يؤدوا له مبلغ ( 1500000) مليون وخمسمائة ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته من جراء قرار وزير الكهرباء والطاقة رقم 419 لسنة 2012 ووضع أبراج كهرباء الضغط العالي بأرضه الزراعية تنفيذا للقرار المذكور، وانتهت محكمة أول درجة – محكمة القضاء الإداري بالقليوبية – بالنسبة إلى هذا الطلب إلى القضاء بعدم قبوله شكلا لإقامته بغير الطريق الذي رسمه القانون ( عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة )، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد لجأ بالنسبة إلى الطلب الأول – طلب إلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن قرار وزير الكهرباء والطاقة رقم 419 لسنة 2012 – إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة بالطلب رقم 1096 لسنة 2012، والذي صدرت فيه التوصية بتاريخ 23/12/2012، ومن ثم فإنه إذا أضاف الطاعن طلب التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته من جراء تنفيذ القرار المذكور على أرضه الزراعية ووضع أبراج كهرباء الضغط العالي بها في أثناء نظر الدعوى المطعون على الحكم الصادر فيها، فإنه لا يكون لزاما عليه اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة بطلب منفصل بشأن طلب التعويض؛ لأن طلب التعويض فرع عن الطلب الأصلي بالإلغاء، والفرع يأخذ حكم الأصل، ومن ثم يكون طلب التعويض مقبولا شكلا.

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وإذ قضى في الطلب الثاني للطاعن – طلب التعويض – بعدم قبوله لرفعه بغير الطريق الذي رسمه القانون، فإنه يكون قد صدر بالمخالفة للقانون، مما يتعين معه القضاء بإلغائه فيما قضى به بالنسبة إلى هذا الطلب. (المحكمة الإدارية العليا – الإدارية العليا- الدائرة الأولى – موضوع – الطعن رقم 43811 لسنة 67 ق | تاريخ الجلسة 11 / 6 / 2022)

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:17 م

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

وجوب اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل إقامة دعوى التعويض:

·        المسألة القانونية:

هل يُعفى المدعي من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع دعوى التعويض أمام القضاء؟

·        الرأي القانوني:

دعوى التعويض تخضع لشرط العرض على لجنة التوفيق قبل رفعها أمام المحكمة، ما لم تكن من المنازعات المستثناة صراحةً بنصوص القانون.

وبموجب نصوص المواد 1، 4، 11، و14 من القانون رقم 7 لسنة 2000، فإن الأصل هو وجوب تقديم طلب إلى لجنة التوفيق قبل إقامة الدعوى، ما لم تكن الدعوى من بين المنازعات المستثناة التي حددها القانون، مثل:

✅ الدعاوى المستعجلة.

✅ طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ.

✅ المنازعات التي حددتها المادتان 4 و11 من القانون كاستثناءات.

وبما أن دعوى التعويض ليست من بين هذه الاستثناءات، فإنه يتعين على المدعي اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى أمام المحكمة، وإلا اعتُبرت غير مقبولة شكلاً.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

«طبقا لنصوص المواد أرقام 1 ، 4 ، 11 ، 14 من القانون رقم 7 لسنة 2007 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها فإنه يتعين على صاحب الشأن قبل إقامة دعواه أن يتقدم بطلب إلى لجنة التوفيق في المنازعات المختصة فيما عدا بعض المنازعات التي يختص بنظرها القضاء المستعجل وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ وخلافها من المنازعات التي حددت في المادتين 4 ، 11 من القانون والتي ليست منها طلبات التعويض والتي يلزم قبل إقامة الدعوى بها اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات المختصة» [حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 15069 لسنة 52ق. عليا حكم جلسة 30/1/2006 ؛ مشار إليه بحكم المحكمة الإدارية العليا – الإدارية العليا- الدائرة السادسة -موضوع   الطعن رقم 21438 لسنة 57 قضائية – الإدارية العليا- الدائرة السادسة -موضوع – بتاريخ 21/2/2018، والطعن رقم 21439 لسنة 57 قضائية – الإدارية العليا- الدائرة السادسة -موضوع – بتاريخ 24/1/2018]

تحليل وتعقيب قانوني حول وجوب اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل إقامة دعوى التعويض

تحليل قانوني

إن إلزام المدعي باللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع دعوى التعويض هو من القواعد الإجرائية الجوهرية التي أقرها المشرّع بموجب القانون رقم 7 لسنة 2000، والذي أوجب على ذوي الشأن سلوك هذا الطريق كمرحلة تمهيدية قبل طرق أبواب القضاء، وذلك تحقيقًا لاعتبارات المصلحة العامة وتخفيف العبء عن المحاكم.

وبالنظر إلى طبيعة دعوى التعويض، فإنها تتعلق بمنازعات ذات طبيعة مالية تستند إلى أفعال ضارة أو قرارات إدارية ترتب أضرارًا للغير، وهي بطبيعتها قابلة للتسوية دون اللجوء إلى القضاء. ومن ثم، فإن المشرع ألزم الأطراف بمحاولة تسوية النزاع وديًا أمام لجنة التوفيق، ما لم تكن الدعوى من المنازعات المستثناة صراحةً.

وفي هذا الإطار، فإن عدم التزام المدعي بهذا الإجراء السابق على التقاضي يُرتب بطلان عريضته، ويجعل الدعوى غير مقبولة شكلاً، بغض النظر عن موضوعها أو مدى أحقيته في التعويض، إذ إن القواعد الإجرائية المنظمة لرفع الدعوى تفرض نفسها على القضاء ولا يجوز تجاوزها تحت أي ذريعة.

تعقيب قانوني

إن تقرير وجوب اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل إقامة دعوى التعويض لا يعد تقييدًا لحق التقاضي، وإنما هو قيد إجرائي يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصلحة الأفراد في الوصول إلى العدالة ومصلحة الدولة في تقليل المنازعات القضائية من خلال التوفيق بين الخصوم قبل الاحتكام إلى القضاء.

وقد استقرت أحكام المحكمة الإدارية العليا على أن اللجوء إلى لجنة التوفيق في هذه الحالات ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو التزام قانوني جوهري يترتب على إغفاله عدم قبول الدعوى.

وفي هذا السياق، فإن أي محاولة للالتفاف على هذا الشرط، سواء بإضفاء طابع استعجالي على الدعوى أو تضمينها طلبات ثانوية لا تغير من طبيعتها، لا تؤثر على وجوب الامتثال لهذا القيد الإجرائي، الذي يعد ضمانة لتحقيق عدالة ناجزة تحفظ للأفراد حقوقهم، وتمنح الإدارة الفرصة لتصحيح قراراتها دون الحاجة إلى اللجوء إلى التقاضي.

ومن ثم، فإن احترام هذا الشرط يعكس التزام القضاء بمبدأ المشروعية الإجرائية، ويحول دون تحويل ساحات المحاكم إلى ساحة للمنازعات التي يمكن تسويتها بطرق بديلة أكثر سرعة وأقل كلفة، بما يعزز من كفاءة المنظومة القضائية ويحقق غايات المشرع في تخفيف الأعباء عن المحاكم وضمان حسن سير العدالة.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:11 م

·        المسألة القانونية: 

إذا أقام المدعي دعواه وجاءت طلباته الختامية مقصورة على طلب الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف الجهة الإدارية راتبه له (على سبيل المثال)، أو طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار دون أن يضمن العريضة طلب وقف تنفيذ هذا القرار ظنًا منه أن طلب الحكم بصفة مستعجلة هو بمثابة طلب وقف تنفيذ القرار، فإنه يكون مخطئًا لأن حقيقة طلباته هذه أنه يحث المحكمة أن تسارع إلى إصدار حكمها في موضوع المنازعة.

ومن ثم فإن مثل هذه الدعوى لم تتضمن طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ، فهل تكون مستثناة من وجوب العرض على لجان التوفيق أم لا؟

·        الاتجاهات القضائية:

·    الاتجاه الأول: طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار ليس طلب وقف تنفيذ، وبالتالي يجب اللجوء إلى لجنة التوفيق. 

أكدت المحكمة الإدارية العليا في هذا الاتجاه أن طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار لا يُعد طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ، وإنما هو مجرد تعبير عن رغبة المدعي في سرعة الفصل في الدعوى، وهو أمر يختلف جوهريًا عن طلب وقف التنفيذ الذي يتطلب توافر ركني الجدية والاستعجال وفقًا لنص المادة (49) من قانون مجلس الدولة. 

وبناءً عليه، إذا لم يضمن المدعي طلبًا صريحًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه يظل ملزمًا باللجوء إلى لجنة التوفيق، وإلا اعتُبرت دعواه غير مقبولة شكلاً.

وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: 

«المشرع قصد كشرط جوهري لقبول طلب وقف التنفيذ أن يكون وارداً في صحيفة دعوى الإلغاء ذاتها, وهذا الشرط الشكلي يستوي في المرتبة مع الشرط الموضوعي وهو أنه يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، إذ وردت صياغة المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بالنسبة إلى الشرطين على حد سواء وذلك للأهمية والخطورة التي تنتج في نظر المشرع عن وقف تنفيذ القرار فأراد أن يحيطه بضمانة توافر الشرطين الشكلي والموضوعي معاً – أساس ذلك : تطبيق – الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه, إذ جاءت طلبــاته الختامية مقصورة على الحكم له بصفة مستعجلة بإلغاء القرار المطعون فيه, فمن ثم فإنه ما كان يجوز لمحكمة أول درجة أن تحكم للطاعن بما لم يطلبه أو أن تكيف دعواه بأنها تتضمن طلبا لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لمجرد أن المذكور طلب الفصل فى دعواه بصفة مستعجلة وذلك على اعتبار أن طلب الطاعن أمام محكمة الدرجة الأولى الحكم لـه بصفة مستعجلة بإلغاء القرار لا يعدو أن يكون إفصاحا من المذكور عن رغبته فى حث المحكمة على أن تصــدر لصالحه حكماً فى موضوع المنازعة على وجه السرعة, وهو أمر جد مختلف عن الحكم بوقف التنفيذ ذلك أنه من المسلم به إنه يجوز لأى من الخصوم أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكمها فى موضوع المنازعة على وجه السرعة , ويخضع الطلب فى هذه الحالة لتقدير المحكمة التى يكون لها أن تستجيب لطلب الخصم إذ ما قدرت أن ظروف الدعوى تسمح أو تستلزم ذلك .

[طعن رقم  10486 لسنة 50  ق.ع – الدائرة الأولى – موضوع – جلسة  19     –   2 -2005م]

وقضت كذلك بأنه:

إقامة الدعوى دون عرض النزاع قبل رفع الدعوى، وأن موضوعها ليس من المسائل المُستثناة من وجوب العرض على لجان التوفيق في المُنازعات وفقًا لأحكام ذلك القانون، سيما وأن الطلب المُستعجل المُقدم من الشركة بصحيفة الدعوى لم يتضمن وقف التنفيذ وإنما حث المحكمة على سُرعة الفصل في الدعوى فقط (بصفة مُستعجلة بوقف سريان الحماية المُقررة للعلامة التجارية) الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى شكلًا لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000م.

الإدارية العليا – الدائرة الخامسة – موضوع – الطعن رقم 19353 لسنة 70 ق | تاريخ الجلسة 2 / 7 / 2024

·    الاتجاه الثاني: يمكن قبول الدعوى شكلاً إذا تضمنت طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار، ولكن بشروط. 

في هذا الاتجاه، رأت المحكمة الإدارية العليا أنه يمكن اعتبار طلب الحكم بصفة مستعجلة كأنه طلب بوقف التنفيذ، ومن ثم إعفاء الدعوى من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق، ولكن بشرط أن يتوافر في الدعوى طابع الاستعجال، وأن يقوم المدعي بتصحيح طلباته الختامية ليشمل طلب وقف التنفيذ بوضوح.

وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن:

حيث إن المشرع قد استلزم بموجب نصوص القانون رقم 7 لسنة 2000م ضرورة اللجوء إلى لجان التوفيق قبل ولوج طريق القضاء، فإن المستقر عليه أن اقتران طلب إلغاء القرار بطلب وقف تنفيذه يهيئ لصاحب الشأن اللجوء مباشرة إلى القضاء المختص دون اشتراط سابقة اللجوء إلى هذه اللجان، حسبما ورد به نص المادة الحادية عشرة من هذا القانون سالفة الذكر.

ومن حيث إنه تطبيقا لما تقدم، وكان الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى المطعون في حكمها، طلب الطاعن في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة إلغاء القرار المطعون فيه، ونظرًا لمقصود الطاعن سرعة الفصل في الدعوى تفاديًا لطرح الأرض التي يدعي ملكيتها للبيع بالمزاد من قبل الهيئة المطعون ضدها، وهو ما يتسم دائما بطابع الاستعجال لخطورة ما يترتب عليه من نتائج يتعذر تداركها، فإن الأمر لا يخرج عن اتجاه إرادة الطاعن إلى تضمين طلباته طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ تبين له بعد ذلك وقوعه في خطأ بشأن هذا الطلب، فقد بادر بتصحيح هذا الوضع، وقدم مذكرة بدفاعه بجلسة التحضير المشار إليها استعرض فيها وقائع النزاع، واختتمها بطلب الحكم صراحة بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من أثار، وهو ما يعد طلبا عارضا تضمن تصحيحا للطلب الأصلي وتعديلا له لمواجهة ظروف تبينت بعد رفع الدعوى، ومن ثم فإن طلبات الطاعن الختامية تكون قد تحددت في طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، وتضحى دعواه على هذا النحو مستثناة من شرط اللجوء إلى لجان التوفيق، متعينا الحكم بقبولها شكلا.

[حكم المحكمة الإدارية العليا، الدائرة الثالثة، موضوع، الطعن رقم 19752 لسنة 58 قضائية، بجلسة 10/4/2018م]

·        التعليق والتحليل: 

يتضح من الأحكام السابقة أن المحكمة الإدارية العليا استقرت على أن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق في حالة رفع الدعوى بطلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار مرهون بثلاثة شروط جوهرية: 

قصد المدعي: أن يكون هدفه من طلب الحكم بصفة مستعجلة هو سرعة الفصل في الدعوى. 

طبيعة المنازعة: أن تكون من الدعاوى المستعجلة بطبيعتها، بحيث يؤدي التأخير في الفصل فيها إلى ضرر يتعذر تداركه. 

الطلبات الختامية: أن يقوم المدعي بتصحيح طلباته الختامية، ويضيف إليها طلبًا صريحًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.

وبناءً على ذلك، فإن المحكمة الإدارية العليا في حكمها الأخير لم تتغاضَ عن خطأ المدعي في عدم طلب وقف التنفيذ، وإنما قبلت دعواه شكلاً فقط بعد قيامه بتعديل طلباته الختامية وإضافة طلب صريح بوقف التنفيذ.

أما إذا لم تكن الدعوى بطبيعتها مستعجلة، ولم يقم المدعي بتصحيح طلباته الختامية لتشمل طلب وقف التنفيذ، فإنه يظل ملزمًا باللجوء إلى لجنة التوفيق، وإلا حُكم بعدم قبول دعواه شكلًا. وبناءً عليه، فإن الحل الأمثل للمدعي الذي يرغب في تجنب اللجوء إلى لجنة التوفيق هو أن يضمن عريضة دعواه طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ منذ البداية، تفاديًا لأي إشكالات تتعلق بعدم القبول الشكلي.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:39 م

·        المسألة القانونية:

ما هو الميعاد القانوني لرفع الدعوى طعنًا على القرارات الإدارية بعد صدور توصية لجنة التوفيق؟

·        الرأي القانوني:

ميعاد رفع الدعوى بالإلغاء طعنًا في القرارات الإدارية يبدأ من تاريخ صدور توصية لجنة التوفيق بشأن هذه القرارات، وليس من تاريخ تقديم طلب التوفيق.

ويتعين على صاحب الشأن رفع الدعوى خلال ستين يومًا من هذا التاريخ، وفقًا للقواعد العامة المنظمة للطعن على القرارات الإدارية. وإذا لم يتم رفع الدعوى خلال هذه المدة، فإن الحق في الطعن يسقط، ويصبح القرار الإداري محصنًا ضد الإلغاء.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

 ميعاد رفع الدعوى بالإلغاء طعنا في القرارات الإدارية يكون من تاريخ توصية اللجنة بشأن هذه القرارات.

 [(في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – في الدعوى رقم 11234 لسنة 48 ق. ع – جلسة 14/ 4/ 2007)؛ مشار إليه بالطعن رقم 20404 لسنة 59 قضائية بتاريخ 13/6/2020]

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:36 م

·        المسألة القانونية:

متى يبدأ ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة للطعن على القرارات الإدارية بعد اللجوء إلى لجنة التوفيق؟

·        الرأي القانوني:

إن ميعاد رفع الدعوى طعنًا على القرار الإداري يبدأ من تاريخ إصدار لجنة التوفيق توصيتها في المنازعة المعروضة عليها، وليس من تاريخ تقديم طلب التوفيق.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

ميعاد رفع الدعوى طعناً على القرار المطعون فيه يكون من تاريخ إصدار اللجنة توصيتها في المنازعة المعروضة عليها. (الطعن رقم 6651 لسنة 58 قضائية بتاريخ 18/1/2020م)

تحليل وتعقيب ختامي

أهمية تحديد ميعاد رفع الدعوى بعد توصية لجنة التوفيق

يُعد تحديد تاريخ بدء احتساب ميعاد الطعن أمام المحكمة على القرارات الإدارية من الأمور الجوهرية التي تؤثر على صحة إجراءات التقاضي. ومن المبادئ الراسخة في القضاء الإداري أن اللجوء إلى لجنة التوفيق، وفقًا للقانون رقم 7 لسنة 2000، يُعد إجراءً شكليًا لازمًا، ولا يبدأ ميعاد الطعن أمام المحكمة إلا بعد صدور توصية اللجنة وليس من تاريخ تقديم الطلب إليها.

التفسير القانوني لهذا المبدأ

تأكيد المحكمة الإدارية العليا على أن ميعاد الطعن يبدأ من تاريخ إصدار التوصية وليس من تاريخ تقديم طلب التوفيق يعكس التوازن بين ضمان حق التقاضي من جهة، ومنح فرصة للجهات الإدارية لمراجعة قراراتها وتصحيح ما قد يشوبها من أخطاء قبل الدخول في نزاع قضائي من جهة أخرى. كما أن هذا المبدأ يمنع تداخل المواعيد ويضمن وضوح المدة المتاحة للطعن أمام القضاء.

آثار تطبيق هذا المبدأ على الدعاوى الإدارية

  1. حماية حقوق المتقاضين:
    • يضمن هذا التفسير أن الموظف أو الشخص المتضرر لا يفقد حقه في رفع الدعوى بسبب تأخر لجنة التوفيق في إصدار توصيتها، إذ لا يبدأ سريان الميعاد إلا بعد صدور التوصية.
  2. منع أي تداخل بين الإجراءات الشكلية والقضائية:
    • يمنع هذا المبدأ أي خلاف حول الميعاد القانوني لرفع الدعوى، ويحدد نقطة بداية واضحة للمتقاضين والمحاكم على حد سواء.
  3. تشجيع آلية التوفيق كوسيلة لحل النزاعات:
    • يمنح هذا التفسير لجنة التوفيق الفرصة الكافية للنظر في النزاع دون أن يشعر مقدم الطلب بأنه يفقد جزءًا من ميعاد الطعن خلال فترة نظر اللجنة للمنازعة.

الاتجاهات المستقبلية والتوصيات

  1. توضيح الإطار الزمني لعمل لجنة التوفيق
    • من الضروري أن يكون هناك التزام زمني واضح لإصدار التوصية، حتى لا تتسبب المماطلة في حرمان المتضررين من الطعن خلال المدة القانونية.
  2. تعميم هذا المبدأ على جميع أنواع القرارات الإدارية
    • قد تحتاج بعض القوانين إلى تعديلات أو توضيحات لتأكيد هذا المبدأ، خاصةً في الدعاوى التي تكون فيها القرارات ذات أثر مباشر على الحقوق الوظيفية أو المالية للمتقاضين.
  3. تحسين كفاءة عمل لجان التوفيق
    • لضمان استفادة فعلية من نظام التوفيق، يجب تطوير عمل اللجان بحيث تكون قراراتها سريعة وفعالة، لتقليل الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء.

الخاتمة

تحديد ميعاد بدء الطعن أمام القضاء من تاريخ صدور توصية لجنة التوفيق وليس من تاريخ تقديم الطلب هو مبدأ جوهري يعزز من عدالة إجراءات التقاضي. وهو يحقق توازنًا بين حق المتقاضين في اللجوء إلى المحكمة، وضرورة إعطاء فرصة للتسوية الودية عبر لجان التوفيق. ومن ثم، فإن الالتزام بهذا المبدأ يؤدي إلى استقرار الأوضاع القانونية ويقلل من النزاعات حول مدى قبول الدعاوى من الناحية الشكلية.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:31 م

·        المسألة القانونية:

هل يُعفى الطعن على القرارات التأديبية النهائية من شرط العرض على لجنة التوفيق لمجرد اشتماله على طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه؟

الرأي القانوني:

إن تضمين عريضة الطعن طلبًا بوقف تنفيذ القرار التأديبي النهائي لا يغير من طبيعته، ومن كونه من القرارات الواجب التظلم منها وبالتالي خضوعها لنظام التوفيق الإجباري المنصوص عليه في القانون رقم 7 لسنة 2000.

وبذلك، فإن إدراج طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه في عريضة الطعن لا يُعفي من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق، لأن القرارات التأديبية النهائية لا يجوز وقف تنفيذها وفقًا لأحكام قانون مجلس الدولة. وعليه، فإن رفع الدعوى دون استيفاء هذا الإجراء يجعلها غير مقبولة شكلاً، حتى وإن اقترنت بطلب وقف التنفيذ.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

«المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن ولتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم 7 لسنة سالف البيان بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة (1) وبين العاملين بها وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان أو عدم قبول الدعاوي التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة، وجاءت المنازعات المتعلقة بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية من المنازعات الخاضعة لأحكام القانون المذكور طبقا لمفهوم نصوص مواده سيما المادة السادسة، ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في هذه المنازعات قبل اللجوء إلى المحاكم التأديبية أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء، وبعد تقديم التظلم من القرار المطعون فيه، وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه.

ومن المقرر أيضا بقضاء هذه المحكمة أنه يتعين تفسير عبارة طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ الواردة بالمادة 11 من القانون رقم 7 لسنة والتي لا يلزم فيها اللجوء إلى اللجان التي نص عليها هذا القانون قبل إقامة الدعوى بأنها القرارات الجائز طلب وقف تنفيذها طبقا لأحكام قانون مجلس الدولة فقط، أما غيرها من القرارات الإدارية التي لا يقبل طلب وقف تنفيذها ومنها القرارات النهائية للسلطات التأديبية التي لا يجوز وقف تنفيذها بحسبان أنه من الواجب التظلم منها قبل الطعن عليها مثل هذه القرارات يتعين اللجوء في شأنها إلى اللجان المختصة قبل اللجوء إلى المحكمة وإلا أضحت غير مقبولة ولو اقترنت بطلب وقف تنفيذها وذلك إعمالا لصريح نص المادة (11) المشار إليها.» [المحكمة الإدارية العليا – الطعن رقم 20404 لسنة 59 قضائية بتاريخ 13/6/2020]

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:26 م

·        المسألة القانونية:

هل تخضع المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية لشرط اللجوء إلى لجان التوفيق قبل رفع الدعوى أمام المحكمة؟

·        الرأي القانوني:

استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية مستثناة من شرط العرض على لجان التوفيق، وذلك بموجب المادة الرابعة من القانون رقم 7 لسنة 2000، نظرًا للطبيعة الخاصة لهذه المنازعات، والتي قد تستعصي على الحل عن طريق اللجان التوفيقية، وتتطلب فصلاً قضائيًا مباشرًا.

كما أن المشرع، في سبيل تحقيق العدالة الناجزة وتخفيف العبء عن القضاة، قرر عدم قبول الدعوى في المنازعات الخاضعة لهذا القانون إذا لم يتم اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة، لكنه استثنى صراحةً المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية، بالإضافة إلى بعض المنازعات الأخرى مثل تلك التي تكون وزارة الدفاع طرفًا فيها، أو التي أفرد لها المشرع تنظيمًا خاصًا لحلها.

وبناءً على ذلك، فإن المنازعة التي تتعلق بحق عيني عقاري لا تخضع لهذا الإجراء، ويجوز رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة دون الحاجة إلى العرض على لجنة التوفيق.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

«وحيث إن المقرر، وعلي ما جرى به قضاء هذه المحكمة، إن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول علي حقوقهم في أقرب وقت ممكن ودون تحميلهم بأعباء مالية قد تثقل كاهلهم، ومن ناحية أخري لتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولى والعاملين بها أو غيرهم من الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيًا كانت طبيعة تلك المنازعات، ورتب أثرًا علي عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوي التي تقام مباشرة أمام المحكمة، بيد أنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات بعينها مثل التي وردت بالمادة الرابعة التي تتسم الجهات الإدارية أطراف الخصومة بطبيعة خاصة مثل وزارة الدفاع والإنتاج الحربي والأجهزة والجهات التابعة لها، أو تلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية لطبيعتها الخاصة التي قد تستعصي على حلها عن طريق اللجان التي شكلها القانون، أو غيرها من المنازعات التي أفرد لها المشرع تنظيمًا خاصًا لفضها أو تسويتها إما عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو هيئات التحكيم، وفضلًا عن ذلك فإنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون نوعا آخر من المنازعات وهي التي لها صفة الاستعجال، فهي جميعها تندرج ضمن المسائل المستعجلة التي يتعين الفصل فيها علي الفور دون انتظار للمواعيد المقررة في القانون رقم 7 لسنة 2000 بل في آجال أقرب منها حرصًا علي مصلحة أصحاب الشأن، وهو ما يتفق والغاية التي ابتغاها المشرع من إصدار القانون المشار إليه، وقد تضمنت هذه المنازعات أو المسائل طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ لما تتسم به من طبيعة مستعجلة، لأن ركني قبول طلب وقف التنفيذ هما الجدية والاستعجال فإذا انتفي أحدهما بات الطلب غير مقبول.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن النزاع الماثل يدور حول حيازة الأرض ( الشونة ) محل التداعي وطلب البنك الطاعن رد حيازتها من الجهة الإدارية المطعون ضدها وعدم التعرض له في حيازتها والتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء ذلك التعرض، ومن ثم فإنه بهذه المثابة تكون المنازعة الراهنة متعلقة بحق عيني عقاري، وبالتالي تكون من المنازعات المستثناة من العرض على لجنة التوفيق في المنازعات وفقًا لنص المادة الرابعة من القانون رقم7 لسنة 2000 – هذا فضلًا عن أن البنك الطاعن أشار في صحيفة دعواه وتقرير طعنه أنه قد لجأ إلى لجنة التوفيق المختصة بموجب الطلب رقم212 لسنة2020 شبين الكوم بتاريخ 5/1/2021 وأن طلبه قد رفض فأقام دعواه بتاريخ 6/3/2021.

وإذ لم يفطن الحكم الطعين إلى إن النزاع الراهن من المنازعات المستثناة من العرض على لجنة التوفيق في بعض المنازعات حال كونه متعلقًا بحق عيني عقاري حسبما سلف بيانه، وهو ما جره إلى الحكم بعدم قبول الدعوى على نحو ما قضى به، فإنه يكون قد تنكب صحيح حكم القانون، متعينًا الحكم بإلغائه والقضاء مجددًا بقبول الدعوى شكلًا، وبإعادتها إلى دائرة محكمة القضاء الإداري بالمنوفية للفصل في موضوعها بهيئة مغايرة، منعًا من تفويت درجة من درجات التقاضي، وبحسبانه من المبادئ الأساسية للتقاضي، وأخذًا بعين الاعتبار أن الطعن غير مهيأة للفصل في موضوعه.»

(المحكمة الإدارية العليا – الدائرة الثالثة – موضوع – الطعن رقم 93143 لسنة 69 ق | تاريخ الجلسة 25 / 6 / 2024)

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:24 م

·        المسألة القانونية:

هل يتعين على الموظف الذي يطعن على قرار تأديبي نهائي اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى أمام المحكمة التأديبية؟

·        الرأي القانوني:

من المستقر عليه أن الطعن على القرارات التأديبية النهائية يخضع لنظام التوفيق الإجباري المنصوص عليه في القانون رقم 7 لسنة 2000، وذلك تحقيقًا لمبدأ العدالة الناجزة وتقليل النزاعات القضائية.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن:

المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم «7» لسنة 2000 سالف البيان بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولي وبين العاملين بها وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوي التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج من الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشر، وجاءت المنازعات المتعلقة بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية من المنازعات الخاضعة لأحكام القانون المذكور طبقا لمفهوم مواده سيما المادة السادسة، ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في هذه المنازعات قبل اللجوء إلى المحاكم التأديبية أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء، وبعد تقديم التظلم من القرار المطعون فيه، وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه، حتى ولو اقترنت بطلبات وقف التنفيذ بحسبان أن طلبات إلغاء القرارات التأديبية لا يجوز طلب وقف تنفيذها طبقا لأحكام قانون مجلس الدولة. ورتب أثرًا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة اعتبارا من 1/ 10/ 2000 وأخرج من الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة وجاءت المنازعات المتعلقة بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية من المنازعات الخاضعة لأحكام القانون المذكور طبقا لمفهوم نصوص مواده سيما وأن المادة السادسة تلزم صاحب الشأن في هذه المنازعات قبل اللجوء إلى المحاكم التأديبية أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة لذلك بعد تقديم التظلم من القرار المطعون فيه وانتظار المواعيد المقررة للبت فيه.

[يراجع: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 21433 لسنة 59 قضائية بتاريخ 18/1/2020م]

تحليل وتعقيب ختامي

أهمية شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق في الطعون على القرارات التأديبية

يُظهر النص القانوني وأحكام المحكمة الإدارية العليا أن المشرّع قد جعل اللجوء إلى لجنة التوفيق شرطًا جوهريًا قبل رفع الطعون على القرارات التأديبية النهائية أمام المحكمة التأديبية. ويعود ذلك إلى حرص المشرّع على تحقيق العدالة الناجزة، ومنح فرصة لإمكانية تسوية النزاعات بطريقة ودية، مما يسهم في تخفيف العبء عن المحاكم ويقلل من عدد الدعاوى المطروحة عليها.

التوازن بين الإجراءات الشكلية وحقوق الموظف المتضرر

يتضح أن شرط التوفيق في هذه الحالة ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو عنصر جوهري في صحة الدعوى، وهو ما تؤكد عليه المحكمة الإدارية العليا، حيث إن تجاهله يؤدي إلى عدم قبول الدعوى شكلًا. ورغم أن الموظف المتضرر قد يرى أن هذا الشرط يزيد من تعقيد الإجراءات، إلا أن المشرع اعتبره آلية ضرورية لمنح الجهات الإدارية فرصة لمراجعة قراراتها قبل الانخراط في النزاع القضائي، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى تسوية النزاع دون الحاجة إلى التقاضي.

الاتجاهات القضائية وحسم الجدل حول الإجراء

أكدت المحكمة الإدارية العليا أن الطعون على القرارات التأديبية النهائية لا تخضع للإعفاء المنصوص عليه في المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000، حيث إن هذه القرارات لا يجوز وقف تنفيذها وفقًا لقانون مجلس الدولة. وبالتالي، فإن الطعن المباشر دون اللجوء إلى لجنة التوفيق يُعد مخالفًا للقانون، حتى وإن تضمن الطعن طلبًا بوقف التنفيذ.

التوصيات والتطورات المحتملة

  1. ضرورة توعية الموظفين والمحامين بالإجراءات الشكلية للطعن:
    • ينبغي نشر مزيد من التوضيحات القانونية من قبل الجهات المختصة لضمان عدم وقوع الطاعنين في خطأ عدم سلوك طريق التوفيق، مما قد يؤدي إلى رفض دعاواهم شكلًا.
  2. مراعاة سرعة الإجراءات في لجان التوفيق:
    • رغم أهمية شرط التوفيق، إلا أنه ينبغي النظر في تحسين آليات عمل اللجان بحيث تبت في الطلبات بسرعة دون التسبب في تعطيل حق التقاضي.
  3. إمكانية تعديل تشريعي لوضع استثناءات محددة:
    • قد يكون من المناسب تعديل القانون لإدراج استثناءات محددة في بعض الحالات التي يكون فيها شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق غير ضروري، كالحالات التي يكون فيها القرار التأديبي معيبًا بوضوح أو يتضمن جزاءات مشددة تؤثر على مستقبل الموظف بشكل بالغ.

الخاتمة

يتضح أن اشتراط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل الطعن على القرارات التأديبية النهائية هو إجراء جوهري لا يمكن تجاوزه، حتى وإن تضمنت الدعوى طلبًا بوقف التنفيذ. ورغم ما قد يراه البعض من تعقيد في هذه الإجراءات، إلا أن الهدف الأساسي منه هو تحقيق العدالة الناجزة وتقليل النزاعات القضائية، وهو ما يعزز من كفاءة النظام القانوني والإداري بشكل عام.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:22 م

·        المسألة القانونية:

هل تُعفى الدعاوى المتعلقة بالقرارات التي لا يجوز طلب وقف تنفيذها، مثل القرارات التأديبية النهائية، وقرارات التعيين، والترقية، ومنح العلاوات، من شرط العرض على لجنة التوفيق لمجرد اقترانها بطلب وقف التنفيذ؟

·        الرأي القانوني:

إن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى أمام القضاء، وفقًا للمادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000، يقتصر فقط على القرارات التي يجوز قانونًا طلب وقف تنفيذها وفقًا لقانون مجلس الدولة.

أما القرارات التي لا يجوز وقف تنفيذها، وهي القرارات التي يتعين التظلم منها وجوبًا قبل الطعن عليها، فلا يُعفى الطاعن عليها من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق، حتى لو تضمنت عريضة الدعوى طلبًا بوقف التنفيذ.

وبذلك، فإن رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة دون سلوك طريق التوفيق يجعلها غير مقبولة شكلاً، حتى وإن تضمنت طلبًا بوقف التنفيذ، وذلك تطبيقًا لصريح نص المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000م.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – هذا التفسير، حيث قضت بأن:

«يتعين تفسير عبارة طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ الواردة بالمادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000 والتي لا يلزم فيها اللجوء إلي اللجان التي نص عليها هذا القانون قبل إقامة الدعوى بأنها القرارات الجائز طلب وقف تنفيذها طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة فقط، أما غيرها من القرارات الإدارية التي لا يقبل طلب وقف تنفيذها ومنها القرارات النهائية للسلطات التأديبية التي لا يجوز وقف تنفيذها بحسبان أنه من الواجب التظلم منها قبل الطعن عليها مثل هذه القرارات يتعين اللجوء في شأنها إلي اللجان المختصة قبل اللجوء إلي المحكمة وإلا أضحت غير مقبولة ولو اقترنت بطلب وقف تنفيذها وذلك إعمالاً لصريح نص المادة (11) المشار إليها.»

(في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – في الدعوى رقم 23182 لسنة 51 ق.ع جلسة 1/1/2011م)

تحليل وتعقيب ختامي

أهمية تحديد نطاق الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق

يظهر من خلال النصوص القانونية وأحكام المحكمة الإدارية العليا أن الإعفاء من شرط العرض على لجنة التوفيق في المنازعات الإدارية ليس عامًا، بل يخضع لقيود واضحة تتعلق بطبيعة القرار المطعون فيه وإمكانية طلب وقف تنفيذه قانونًا. وبالتالي، فإن مجرد ورود طلب وقف التنفيذ في عريضة الدعوى لا يمنح المدعي حق تجاوز هذا الإجراء، إلا إذا كان القرار من النوع الذي يجوز قانونًا وقف تنفيذه وفقًا لقانون مجلس الدولة.

التوازن بين الإجراءات الشكلية والحقوق الموضوعية

يُعد اشتراط اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات قبل التقاضي أحد الوسائل التشريعية التي تهدف إلى تقليل عدد القضايا المعروضة على المحاكم، وتحقيق تسويات ودية عند الإمكان. ولكن، في المقابل، فإن تقييد الإعفاء من هذا الشرط ليشمل فقط القرارات القابلة لوقف التنفيذ وفقًا لقانون مجلس الدولة يفرض التزامًا دقيقًا على المتقاضين، مما يعزز الانضباط الإجرائي ويمنع التحايل على القواعد الشكلية.

الاتجاهات القضائية والممارسات العملية

حسمت المحكمة الإدارية العليا الجدل حول هذه المسألة بتفسيرها لعبارة “طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ” الواردة في المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000، حيث أكدت أن هذا الإعفاء لا يشمل جميع القرارات، وإنما يقتصر فقط على القرارات التي يجوز قانونًا طلب وقف تنفيذها. وهذا يعني أن القرارات التأديبية النهائية، وقرارات الترقية، والتعيين، ومنح العلاوات، التي يتعين التظلم منها قبل الطعن عليها، لا تندرج ضمن هذا الإعفاء، ويتوجب على أصحاب الشأن سلوك طريق التوفيق قبل اللجوء إلى القضاء، وإلا كانت دعواهم غير مقبولة شكلاً.

التوصيات والتطورات المحتملة

من الناحية العملية، قد يكون هناك مجال لمزيد من التوضيح في التشريعات الإجرائية، وذلك عبر:

  1. إصدار لوائح تنفيذية تفصيلية توضح بشكل دقيق طبيعة القرارات التي تُعفى من شرط التوفيق، لتجنب أي التباس في التطبيق.
  2. تعزيز التوعية القانونية للمتقاضين والمحامين بشأن الفروق الدقيقة بين القرارات القابلة لوقف التنفيذ وتلك التي لا يجوز وقفها، لضمان الامتثال للإجراءات الشكلية وتفادي عدم قبول الدعاوى بسبب الأخطاء الإجرائية.
  3. النظر في تعديل القانون لإيجاد آلية مرنة بحيث يتمكن الطاعن من تقديم طلب التوفيق بالتزامن مع رفع الدعوى، في الحالات التي يكون فيها التأخير مؤثرًا على حقوقه القانونية.

الخاتمة

يتضح أن تفسير المحكمة الإدارية العليا للمادة 11 من قانون لجان التوفيق كان ضروريًا للحفاظ على التوازن بين متطلبات العدالة الإجرائية وضمان عدم التحايل على الإجراءات الشكلية. وهذا يؤكد أن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجان التوفيق ليس مطلقًا، بل يخضع لقيود واضحة يجب على المتقاضين إدراكها والالتزام بها لضمان صحة دعواهم أمام القضاء.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:18 م

·        المسألة القانونية:

هل تخضع الدعاوى المستعجلة التي تتضمن طلبًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، لإلزامية اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفعها أمام القضاء؟

·        الرأي القانوني:

الدعاوى المستعجلة تُستثنى من شرط العرض على لجان التوفيق، وذلك مراعاةً للطبيعة العاجلة لهذه الدعاوى التي تستهدف تفادي ضرر حالّ لا يحتمل التأخير.

وبالتالي، إذا تضمنت الدعوى طلبًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن المدعي يُعفى من اللجوء إلى لجنة التوفيق، حيث إن اشتراط هذا الإجراء في مثل هذه الحالات يتعارض مع مقتضيات السرعة التي تتطلبها الدعاوى المستعجلة.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في العديد من أحكامها، حيث قضت بأن:

«المشرع أوجب اللجوء إلى لجان التوفيق في بعض المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7لسنة2000 في شأن المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الوزارات أو المحافظات أو الهيئات العامة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وبين العاملين بها أو بين هذه الجهات والأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيًا كانت طبيعة تلك المنازعات، ورتب أثراً على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، بيد أنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات بعينها مثل التي وردت بالمادة الرابعة التي تتسم الجهات الإدارية أطراف الخصومة فيها بطبيعة خاصة مثل وزارة الدفاع والإنتاج الحربي والأجهزة والجهات التابعة لها، أو تلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية لطبيعتها الخاصة التي قد تستعصي على حلها عن طريق اللجان التي شكلها القانون، أو غيرها من المنازعات التي أفرد لها المشرع تنظيمًا خاصا لفضها أو تسويتها إما عن طريق لجان إدارية أو قضائية أو هيئات التحكيم.

فضلًا عن ذلك فإنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون نوع آخر من المنازعات وهي التي ورد النص عليها في المادة الحادية عشرة منه وهي المنازعات التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ وذلك لطبيعة هذه المنازعات التي لها صفة الاستعجال.»

(حكم المحكمة الإدارية العليا في الدعوى رقم 1756لسنة 51 ق.ع بجلسة 24/5/2011م. وحكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الدعوى رقم 23182لسنة51ق.ع بجلسة 1/1/2011م. والطعن رقم 25126 لسنة 55 قضائية بتاريخ 23/2/2020م)

وقضت المحكمة الإدارية العليا كذلك بأنه:

وحيث إن مفاد هذه النصوص أن المشرع قد حدد ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار الإداري بستين يومًا من تاريخ نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به ويقوم مقام النشر والإعلان على صاحب الشأن علمًا يقينيًا شاملاً بالقرار المطعون فيه وينقطع هذا الميعاد بالتظلم الذى يقدمه خلاله إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية لها، وقد أنشأ المشرع بموجب القانون رقم 7 لسنة 2000م المشار إليه لجان التوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الجهات الإدارية الخاضعة لأحكام هذا القانون وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد أو الهيئات العامة أو الأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى، وقرر المشرع عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداءً أمام المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق بشأنها إلى اللجنة المختصة، وقد أخرج المشرع من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات محددة على سبيل الحصر وهى المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتهما طرفًا فيها والمنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وتلك التي أفردت لها القوانين أنظمة خاصة أو أوجبت فضها أو تسويتها أو نظر التظلمات المتعلقة بها عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو يتفق على فضها عن طريق هيئات التحكيم، وكذلك المنازعات التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض أو بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ، فتلك المنازعات لا يشترط لقبولها تقديم طلب التوفيق بشأنها إلى لجان التوفيق.» (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1124 لسنة 59 قضائية بتاريخ 28/12/2019م)

تحليل وتعقيب ختامي

أهمية استثناء الدعاوى المستعجلة من العرض على لجان التوفيق

يتضح من التحليل القانوني السابق أن استثناء الدعاوى المستعجلة من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق هو ضرورة تشريعية تهدف إلى ضمان سرعة الفصل في القضايا ذات الطابع العاجل. فإلزام المدعي بسلوك هذا الإجراء في الدعاوى المستعجلة قد يؤدي إلى تفويت الغرض الأساسي من رفع الدعوى، خاصةً عندما يتعلق الأمر بطلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية التي قد يترتب على تنفيذها أضرار فورية لا يمكن تداركها لاحقًا.

التوازن بين حماية الحق في التقاضي والالتزام بالإجراءات الشكلية

يؤكد القضاء الإداري، في أحكامه، أن الالتزام بالإجراءات الشكلية مثل اللجوء إلى لجان التوفيق لا يجب أن يكون عائقًا أمام تحقيق العدالة السريعة، لا سيما في الحالات التي يكون فيها التأخير سببًا في وقوع ضرر جسيم للمدعي. لذا، فإن المشرّع تبنى هذا التوجه بشكل واضح، وهو ما استقر عليه القضاء الإداري في العديد من أحكامه، إذ أن إلزام المدعي بالتوفيق في القضايا العاجلة يتعارض مع طبيعتها.

الاتجاهات القضائية والممارسات العملية

أظهرت أحكام المحكمة الإدارية العليا أن القضايا التي تنطوي على طلبات مستعجلة، مثل وقف تنفيذ القرارات الإدارية، تخرج عن نطاق إلزامية اللجوء إلى لجنة التوفيق. وتبرير هذا الاستثناء يستند إلى أن شرط التوفيق قد يؤدي إلى تعطيل الفصل في الدعوى وإفراغها من مضمونها.

التوصيات والتطورات المحتملة

بالنظر إلى الممارسة القضائية الحالية، قد يكون هناك مجال لمزيد من التطوير في تشريعات لجان التوفيق، بحيث يتم:

  1. تحديد معايير أكثر دقة لاستثناء القضايا العاجلة، بحيث لا يكون هناك مجال للتأويل في مدى خضوع الدعوى لمتطلبات التوفيق.
  2. تعزيز آليات التوفيق السريع بحيث يمكن لبعض القضايا التي تحتاج إلى حلول عاجلة أن تمر بإجراءات توفيق مبسطة لا تعيق سرعة التقاضي.
  3. توسيع نطاق الدعاوى المستثناة من شرط اللجوء إلى التوفيق، لتشمل قضايا أخرى يكون التأخير فيها مؤثرًا على الحقوق القانونية للمتقاضين.

الخاتمة

يؤكد تحليل الأحكام القضائية والتشريعات ذات الصلة أن استثناء الدعاوى المستعجلة من شرط العرض على لجان التوفيق هو أمر منطقي وضروري لضمان تحقيق العدالة الناجزة. ويظل تطوير هذا النظام أمرًا مطروحًا للنقاش، خاصةً في ظل الحاجة إلى تعزيز سرعة التقاضي دون الإخلال بضمانات العدالة الإجرائية.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:13 م

·        المسألة القانونية:

إذا تقدم المدعي بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة، لكنه لم ينتظر صدور توصيتها أو فوات الميعاد القانوني لإصدارها، ثم بادر إلى رفع الدعوى أمام المحكمة، فهل يُعد ذلك استيفاءً للإجراء المقرر قانونًا، أم يترتب عليه عدم قبول الدعوى؟

·        الرأي القانوني:

إن مجرد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة لا يكفي وحده لقبول الدعوى أمام المحاكم، بل يجب استكمال هذا الإجراء وفقًا لما حدده القانون رقم 7 لسنة 2000. فقد نصت المادة الحادية عشرة منه على أنه لا تُقبل الدعاوى التي ترفع ابتداءً إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وانقضاء الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو عرضها دون قبول.

وبالتالي، فإن رفع الدعوى قبل صدور توصية اللجنة أو قبل فوات الميعاد المحدد قانونًا لإصدارها يعد إخلالًا بإجراء جوهري، يترتب عليه عدم قبول الدعوى شكلًا. فالغرض من هذا الإجراء هو إتاحة الفرصة لتسوية النزاع ودّيًا قبل اللجوء إلى القضاء، وهو ما لا يتحقق بمجرد تقديم الطلب، بل يستوجب الانتظار لحين استيفاء الإجراء بكامله.

·        الاتجاهات القضائية:

الاتجاه الأول: يستفاد من حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا على وجوب انتظار صدور قرار اللجنة قبل رفع الدعوى، حيث قضت بأن:

«…إعمالا للقاعدة الأصولية في التفسير من أنه لا اجتهاد عند صراحة النص، وأن إعمال النص خير من إهماله، فإنه يتعين التقيد بصريح نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر، والالتزام بالفهم السليم لها، والتطبيق الصحيح لحكمها، والتي نصت في إفصاح جهير وصريح لا يجوز تأويله على محمل آخر من أنه لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه هو الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتحمل مشقة القضاء وإجراءاته، وقد حدد المشرع بعبارات صريحة النتيجة المترتبة على مخالفة هذا الإجراء وهى عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة…»

(يراجع: حكم المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ، الطعن رقم 39225 لسنة 66 ق. عليا، جلسة 3/12/2022).

الاتجاه الثاني: لا يجب انتظار صدور قرار اللجنة لأن مواعيدها تنظيمية:

حيث قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:

وحيث إن من قضاء دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا ذهب إلى أن المواعيد المنظمة لعمل لجان التوفيق في بعض المنازعات هي مواعيد تنظيمية لحسن قيام اللجنة لعملها.

الحكم الصادر من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 11234 لسنة 48 قضائية. عليا بجلسة 14/4/2007

ومن حيث إنه ولئن كان المشرع قد أوجب عدم قبول الدعوى التي تُرفع ابتداءً إلى المحاكم بشان المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 إلا إذا أقيمت بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار القرار أو الميعاد المقرر لعرضه دون قبول ، إلا أنه لم يرتب أي جزاء على عدم انتظار الميعاد المقرر لإصدار القرار باعتبار ذلك إجراءً غير جوهري ، كما أنه لم يُقصد لذاته وإنما أريد به إفساح المجال لإنهاء الخصومة دون الاضطرار إلى ولوج سبيل التقاضي وما يستلزمه في مراحله المختلفة من الأعباء المادية والمعنوية ، وما يصاحبه في أحيان كثيرة من إساءة استغلال ما وفره القانون من أوجه الدفاع والدفوع ، واتخاذها سبيلا للكيد ووسيلة لإطالة أمد الخصومات ، على نحو يرهق كاهل القضاة ويلحق الظلم بالمتقاضين ما دامت حقوقهم ـ نتيجة لتلك الإساءة ـ لا تصل إليهم إلا بعد فوات الأوان ، ومن ثم فإن رفع الدعوى قبل انتهاء الميعاد المقرر لإصدار القرار ، أو الميعاد المقرر لعرضه دون قبول ، لا يترتب عليه عدم قبول الدعوى.

ومن حيث إنه وإعمالا لما تقدم ، ولما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة لجأت إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة ـ ومقرها جامعة الأزهر بالقاهرة ـ بتاريخ 30/3/2023 بموجب الطلب رقم 3141 لسنة 2023 طالبة رد أقدميتها لدرجة أستاذ دكتور لتاريخ 27/10/2021 مع ما يترتب على ذلك من آثار . وذلك قبل إقامتها لدعواها بتاريخ 15/4/2023 ـ والمطعون على الحكم الصادر فيها بالطعن الماثل ـ ومن ثم تكون قد استوفت الإجراء المتطلب طبقًا لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 المشار إليه ، وذلك دون حاجة للانتظار لحين صدور قرار اللجنة (والذي صدر بتاريخ 16/4/2023 برفض الطلب) أو فوات الميعاد المقرر لإصدار القرار أو الميعاد المقرر لعرضه دون قبول ، حيث إن المواعيد المنظمة لعمل لجان التوفيق في بعض المنازعات هي مواعيد تنظيمية ، وأن رفع الدعوى بعد اللجوء للجنة التوفيق في بعض المنازعات المختصة قبل صدور قرار اللجنة ، وقبل انتهاء الميعاد المقرر لإصداره ، أو الميعاد المقرر للعرض دون قبول ، لا يترتب عليه عدم قبول الدعوى ، ومن ثم فإن الدعوى تكون مُقامة بالطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر .

الإدارية العليا – الدائرة السابعة – موضوع – الطعن رقم 2771 لسنة 70 ق | تاريخ الجلسة 29 / 6 / 2024

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:07 م

·        المسألة القانونية:

هل يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة دون اللجوء أولًا إلى لجنة التوفيق المختصة، ثم خلال سير الدعوى تصحيح هذا الإجراء بتقديم طلب التوفيق؟ وهل يؤثر ذلك على قبول الدعوى من الناحية الشكلية؟

·        الرأي القانوني:

أوضح المشرع في القانون رقم 7 لسنة 2000، وأكدت المحكمة الإدارية العليا في أحكامها، أن اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى هو إجراء جوهري إلزامي، وليس مجرد إجراء تنظيمي يمكن تصحيحه لاحقًا.

فالمشرع لم يترك مجالًا لتدارك هذا الإجراء أثناء سير الدعوى، بل قرر جزاءً صريحًا يتمثل في عدم قبول الدعوى ابتداءً إذا لم يسبقها تقديم طلب التوفيق. وهذا يؤكد أن احترام مسار التوفيق ليس مسألة شكلية، بل هو شرط لقبول الدعوى أمام القضاء، يُراد منه استنفاد الحلول البديلة قبل اللجوء إلى المحكمة.

وبناءً على ذلك، فإن تقديم طلب التوفيق بعد إقامة الدعوى لا يصحح المخالفة ولا يعفي من جزاء عدم القبول، مما يترتب عليه رفض الدعوى شكلًا لعدم استيفاء المتطلبات القانونية اللازمة لرفعها.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا على هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

«ومن حيث إنه باستقراء النصوص المتقدمة يبين أن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولى والعاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج عن الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة …. ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل اللجوء إلى المحاكم أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء.

ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع أوجب على المدعي اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة بشأن منازعته المدنية أو التجارية أو الإدارية وذلك قبل ولوجه سبيل التقاضي؛ ليعرض عليها أمر منازعته لتتولى فحصها وإصدار التوصية المناسبة في موضوعها في ضوء أحكام القانون الواجب التطبيق، عسى أن تستجيب جهة الإدارة إلى طلب المدعى أو أن يقتنع الأخير بأن مظنة حقه لا سند لها من القانون فيعدل عن مخاصمة جهة الإدارة قضاء، فإن أنكرت هذه الجهة حق المدعى أو لم تنزل توصية اللجنة في نفسه منزلة اليقين كان له اللجوء إلى القضاء وولوج سبيله استدعاء لحقه في التقاضي الذي كفله له الدستور، ومن ثم فإذا تنكب المدعي السبيل الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر ولجأ مباشرة بدعواه إلى المحكمة، فقد رتب المشرع جزاء قانونيا على ذلك مقتضاه عدم قبول هذه الدعوى جزاء وفاقا لإغفاله اتباع هذا السبيل.

كما جرى قضاؤها بأنه مع صراحة نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 والتي نصت على أن لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المقرر في هذا القانون، مثل عدم سابقة التظلم الوجوبي المنصوص عليه في المادة (12) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، حيث أوجب المشرع على ذوي الشأن حتى تقبل طعونهم بالإلغاء في القرارات النهائية للسلطات التأديبية أن يتظلموا منها قبل رفع الدعوى إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئة الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم، وكذا الدفع بعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات أو لجان فحص المنازعات التي أنشئت بالتطبيق لنص المادة (157) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وأن هذا الدفع هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات، إذ إنه موجه إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها، وبهذه المثابة يعد من الدفوع الشكلية.

(حكمها الصادر في الطعن رقم 80577 لسنة 65 ق. عليا – جلسة 19/6/2021)

وفي ضوء ما تقدم، وإعمالا للقاعدة الأصولية في التفسير من أنه لا اجتهاد عند صراحة النص، وأن إعمال النص خير من إهماله، فإنه يتعين التقيد بصريح نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر، والالتزام بالفهم السليم لها، والتطبيق الصحيح لحكمها، والتي نصت في إفصاح جهير وصريح لا يجوز تأويله على محمل آخر من أنه لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه هو الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتحمل مشقة القضاء وإجراءاته، وقد حدد المشرع بعبارات صريحة النتيجة المترتبة على مخالفة هذا الإجراء وهى عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة.

ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه، فإنه يغدو الاتجاه الأول في أحكام المحكمة الإدارية العليا بعدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى هو الأولى بالترجيح.

فلهذه الأسباب: حكمت المحكمة بترجيح الاتجاه الوارد في أحكام المحكمة الإدارية العليا، الذي من مقتضاه عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدى ما تقدم.»

[المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 39225 لسنة 66 ق | تاريخ الجلسة 3 / 12 / 2022م]

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 12:02 م

·        المسألة القانونية:

هل يُشترط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى في المنازعات غير المستثناة، وما أثر عدم الالتزام بهذا الإجراء على قبول الدعوى أمام المحاكم؟

·        الرأي القانوني:

استهدف المشرّع من خلال القانون رقم 7 لسنة 2000 وضع آلية لتسوية المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، وذلك عبر لجان التوفيق التي تختص بالنظر في النزاعات المدنية والتجارية والإدارية، بما يضمن تحقيق العدالة الناجزة دون اللجوء المباشر إلى القضاء.

وقد جعل القانون اللجوء إلى هذه اللجان إجراءً إلزاميًا وليس اختياريًا، حيث نصت المادة الحادية عشرة منه على أنه لا تُقبل الدعوى أمام المحاكم في المنازعات الخاضعة لهذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وانقضاء المواعيد القانونية المحددة لإصدار التوصية أو عرضها دون قبول.

إلا أن المشرع استثنى بعض المنازعات من هذا الشرط، كما ورد في المادة الرابعة من القانون، ومن بينها:

✅ المنازعات التي تكون وزارة الدفاع أو أحد أجهزتها طرفًا فيها.

✅ المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية.

✅ المنازعات التي تخضع لأنظمة خاصة أو يُشترط فضّها أمام لجان قضائية أو تحكيمية.

وبناءً على ذلك، فإن عدم التزام المدعي بهذا الإجراء، في الدعاوى غير المستثناة، يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً، باعتباره شرطًا جوهريًا يسبق رفع الدعوى، وليس مجرد إجراء تنظيمي.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا على أن حق التقاضي مكفول، إلا أن مباشرته يجب أن تتم وفقًا لما قرره المشرّع من إجراءات ومواعيد. وإذا اشترط القانون اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى، فإن هذا الشرط يُعد طريقًا واجبًا لا يجوز تجاوزه، لأنه يهدف إلى تخفيف العبء عن القضاء وتمكين أصحاب الشأن من تسوية النزاعات بطريقة ميسرة.

وفي هذا، قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:

«وحيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع قرر إنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وفيما عدا المنازعات المستثناة بحكم القانون والوارد النص عليها حصرا في المادتين (4، 11) من هذا القانون فقد أوجب المشرع قبل اللجوء إلى القضاء تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة، ومن ثم فإن اللجوء إلي لجنة التوفيق في بعض المنازعات ليس طقسا في ذاته، ولم يفرضه المشرع عبثا، وإنما أوجبه لرغبة قصدها وغاية أرادها، تتمثل في تقليل حجم المنازعات التي تطرح على القضاء الإداري، بالفصل فيها من قبل اللجان المشكلة طبقا لهذا القانون، ومؤدى ذلك أنه يشترط أن يكون الطلب المقدم إلى لجنة التوفيق سابقا على تاريخ إقامة الدعوى كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتكبد مشقة القضاء وإجراءاته، ومن ثم يترتب على عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات أو اللجوء إليها بعد تاريخ رفع الدعوى الحكم بعدم قبولها لإقامتها بغير الطريق الذي رسمه القانون.»

(أحكام المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 5332 لسنة 53 ق عليا – جلسة 27/5/2010م، و952 و31314 لسنة 56 ق عليا – جلسة 14/9/2010م، و11713 و11795 لسنة 60 ق عليا – جلسة 15/3/2015م، و9025 لسنة 56 ق عليا – جلسة 19/3/2016م، و27504 لسنة 60 ق عليا – جلسة 28/1/2018م).

وحيث إنه عن الطلب الثانى ، فإن المشرع فى القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق فى بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها وتعديلاته ، أوجب على ذوى الشأن تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة قبل اللجوء إلى القضاء ، طالما أن المنازعة ليست من المنازعات المستثناة من العرض على تلك اللجنة طبقاً للقانون. الإدارية العليا – الدائرة الثانية – موضوع – الطعن رقم 89058 لسنة 96 ق | تاريخ الجلسة 31 / 7 / 2024

تحليل وتعقيب ختامي

من خلال استعراض الأحكام القانونية والتوجهات القضائية، يتضح أن اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، هو إجراء جوهري لا يمكن تجاوزه، إلا في الحالات التي نص عليها القانون صراحة ضمن الاستثناءات. ويترتب على عدم الالتزام بهذا الشرط الإجرائي الحكم بعدم قبول الدعوى أمام المحكمة، نظرًا لكونه شرطًا سابقًا على رفع الدعوى وليس مجرد إجراء تنظيمي يمكن تصحيحه لاحقًا.

أهمية هذا الشرط في تحقيق العدالة الناجزة

يهدف هذا التنظيم القانوني إلى تحقيق عدة مصالح جوهرية، من أبرزها:

  1. تخفيف العبء على المحاكم: من خلال إتاحة الفرصة لتسوية النزاعات بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء.
  2. توفير الوقت والجهد للمتقاضين: عبر إيجاد حلول سريعة وفعالة، بدلًا من الدخول في إجراءات تقاضي قد تستغرق وقتًا طويلًا.
  3. ضمان حسن سير العدالة: من خلال إلزام أطراف النزاع بسلوك المسار المحدد قانونًا قبل اللجوء إلى المحكمة.

التوازن بين الحق في التقاضي والالتزام بالإجراءات الشكلية

رغم أن الدستور والقوانين تكفل حق التقاضي للجميع، إلا أن هذا الحق يجب أن يُمارس وفق القواعد التي يضعها المشرّع. ويعد اشتراط اللجوء إلى لجنة التوفيق قيدًا إجرائيًا لا ينتقص من هذا الحق، وإنما يضع إطارًا يضمن تحقيق المصلحة العامة والتوازن بين سرعة الفصل في المنازعات وتقليل الضغط على المحاكم.

الاتجاهات المستقبلية والتعديلات المحتملة

في ظل التطورات التشريعية المستمرة، قد يكون هناك توجه مستقبلي لإعادة تقييم نظام لجان التوفيق، سواء من خلال:

  • توسيع نطاق الاستثناءات بحيث تشمل أنواعًا جديدة من المنازعات التي لا يكون التوفيق فيها مجديًا.
  • تحديد مهل زمنية أكثر مرونة لتقديم طلبات التوفيق، بما يتيح للمتقاضين فرصة أكبر للامتثال لهذا الإجراء.
  • تعزيز دور لجان التوفيق من خلال منح توصياتها قوة قانونية أكبر، مما يقلل الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم.

الخاتمة

ختامًا، يتأكد لنا أن عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات غير المستثناة يترتب عليه عدم قبول الدعوى أمام المحاكم، وفقًا لما استقر عليه القضاء الإداري. ويجب على المتقاضين الالتزام بهذا الشرط قبل رفع دعواهم، ضمانًا لحماية حقوقهم الإجرائية ومنعًا لأي إطالة غير مبررة في الإجراءات القضائية.

يظل هذا الموضوع محل اهتمام واسع، لا سيما مع استمرار التحديات المتعلقة بفعالية هذا النظام، ومدى تحقيقه للأهداف المرجوة، مما قد يستدعي مستقبلاً مراجعات تشريعية لضمان تحقيق التوازن بين تسوية المنازعات والحق في التقاضي.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:57 ص

صورة لمقالات عن موضوع لجان التوفيق أمام المحاكم الإدارية

·        المسألة القانونية:

الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق دفع شكلي لا تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها:

إذا قضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لعدم سلوك الطريق القانوني المقرر، مثل عدم تقديم التظلم الوجوبي أو عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات، فهل يُعتبر هذا الحكم استنفادًا لولايتها في نظر الموضوع؟ وما الإجراء المتبع إذا ألغت محكمة الطعن هذا الحكم؟

·        الرأي القانوني:

إن الدفع بعدم القبول لعدم اتباع الإجراءات الشكلية المقررة قانونًا، كعدم تقديم التظلم الوجوبي أو عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق، يُعد دفعًا شكليًا يتعلق بإجراءات التقاضي، ولا يمس أصل الحق المدعى به. وبالتالي، إذا قضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لهذا السبب، فإنها لا تستنفد ولايتها في نظر الموضوع، لأن حكمها اقتصر على مدى استيفاء الإجراء الشكلي وليس على الفصل في النزاع ذاته.

وفي حال الطعن على هذا الحكم وإلغائه من قبل محكمة الطعن مع رفض الدفع، فإن محكمة الطعن لا تتصدى للفصل في الموضوع مباشرة، وإنما تُعيد القضية إلى محكمة أول درجة لنظرها من جديد، حفاظًا على حق الخصوم في درجات التقاضي، ومنعًا من تفويت إحدى مراحل التقاضي عليهم، وترسيخًا لمبادئ العدالة الإجرائية.

·        الاتجاهات القضائية:

استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن الدفع بعدم القبول لعدم سلوك الطريق القانوني المقرر يُعد دفعًا شكليًا يؤثر على إجراءات الخصومة ولا يؤدي إلى استنفاد ولاية المحكمة على موضوع الدعوى.

وفي هذا السياق، قضت المحكمة الإدارية العليا بأنّ:

«المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المقرر في القانون ، مثل عدم سابقة التظلم الوجوبي ، أو عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات ، أو لجان فحص المنازعات ، هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات إذ أنه موجه إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها ، وبهذه المثابة يعد من الدفوع الشكلية ، ومن ثم فإذا ما قضت محكمة أول درجة بقبولها هذا الدفع الشكلي والحكم بعدم قبول الدعوى تأسيسًا على ذلك ، فإنها لا تكون قد استنفدت ولايتها في نظر الموضوع ، فإذا طُعن في حكمها وقَضت محكمة الطعن بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدفع ، فإنه يجب عليها في هذه الحالة أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة لنظر موضوعها ، لأن هذه المحكمة لم تقل كلمتها فيه ، ولا تملك محكمة الطعن التصدي لهذا الموضوع ، لما يترتب على ذلك من تفويت إحدى درجات التقاضي على الخصوم.»

(يراجع: حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 1182 لسنة 55 ق. عليا بجلسة 18/4/2017م، وفي الطعن رقم 105921 لسنة 69 ق | تاريخ الجلسة 29 / 6 / 2024م)

تحليل الحكم:

يتضح من هذا الاتجاه القضائي أن:

  • الدفع بعدم القبول هنا لا يؤثر على الحق الموضوعي وإنما يعالج خللًا في الشكل.
  • إذا تم إلغاء الحكم من محكمة الطعن، يجب إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة، ولا يجوز لمحكمة الطعن التصدي للموضوع مباشرة.
  • الهدف من هذه القاعدة ضمان عدم تفويت درجات التقاضي على الخصوم، بحيث لا يُحرم المدعي من فرصة نظر دعواه بالكامل بعد استيفاء الإجراءات الشكلية.

الآثار القانونية المترتبة على هذا الدفع

  1. عدم إنهاء النزاع الموضوعي:
    حتى لو قضت محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لعدم سلوك الطريق القانوني الصحيح، فإن هذا الحكم لا يُغلق الباب أمام المدعي، إذ يمكنه تصحيح الخطأ ورفع الدعوى مجددًا بعد استيفاء الإجراء المطلوب.
  2. عدم استنفاد ولاية المحكمة:
    نظرًا لأن الحكم بعدم القبول لا يُعد حكمًا فاصلًا في الموضوع، فإن محكمة أول درجة لا تستنفد سلطتها في نظر الدعوى، ويحق لها إعادة نظرها بعد استكمال الإجراءات.
  3. التزام محكمة الطعن بإعادة الدعوى:
    عند إلغاء حكم محكمة أول درجة بعدم القبول، لا يجوز لمحكمة الطعن التصدي للموضوع مباشرة، بل يتعين عليها إعادة القضية إلى محكمة أول درجة لضمان التدرج في التقاضي.

خاتمة

يُظهر تحليل الدفع بعدم القبول لعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق أن هذا الدفع يرتبط بإجراءات رفع الدعوى وليس بأصل الحق، مما يجعله دفعًا شكليًا لا يؤدي إلى استنفاد ولاية المحكمة. ولذلك، فإن القضاء الإداري يرسخ مبدأ الحفاظ على درجات التقاضي، ويؤكد على ضرورة الفصل في الموضوع بعد استيفاء الشروط الشكلية المطلوبة، تحقيقًا للعدالة الإجرائية.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 20, 2025 11:35 ص

تحليل أدبي وفلسفي – سمير حيطاوي

مقدمة

في هذه الأبيات الثلاثة، يخاطبنا الشاعر سمير عبد العظيم حيطاوي برؤيةٍ تنطلق من عمق الوجود الإنساني، لتُعيد قراءة ما نظنه متضادات كبرى…

النص الشعري محلّ التحليل:

وما الليلُ إلا كالنّهار حقيقةً
لكنّ ظُلمتَهُ تغيّرُ طبعهُ
وما الموتُ إلا كالحياة خليقةً
لكنّ غيبته تغيّبُ نفعهُ
وما الفرحُ إلا كالبكاء طبيعةً
لكنّ بسمتهُ تخبّئ دمعهُ

1. قراءة تمهيدية: فلسفة التشابه

من يطالع هذه الأبيات لأوّل وهلة قد يظنّ أنّ الشاعر يكتفي بإبراز التشابه بين الثنائيات الكبرى…

2. الليل والنهار

يصرّح الشاعر في البيت الأوّل بأنّ الليل والنهار لا يختلفان جوهريًا…

3. الموت والحياة

يمضي الشاعر قُدمًا في كشف النقاب عن زوجٍ آخر من الثنائيات الكبرى: الموت والحياة…

4. الفرح والبكاء

في البيت الثالث، يسلط الشاعر الضوء على الفرح والبكاء باعتبارهما مشاعر قد يظنّ البعض أنّهما متضادان تمامًا…

5. أسلوب الشاعر وبلاغته

استخدم الشاعر أسلوبَ التشبيه الصريح، الطباق والمقابلة، والإيجاز الذي يُخفي عمقًا دلاليًا مذهلًا…

6. البُعد الفلسفي

إذا أردنا استخلاص جوهر هذه الأبيات الثلاثة، لوجدنا الشاعر يؤكد أن الاختلافات الكبرى التي نراها ما هي إلا ظلال ظرفية…

7. الخاتمة

إنّ أبيات الشاعر سمير عبد العظيم حيطاوي تمثّل دعوةً عميقةً للنظر إلى الأضداد بوصفها تكاملًا أكثر من كونها تصارعًا…

في سطور

تحليل أدبي يجمع بين الفلسفة والشعر، يقدّم فهمًا جديدًا لتضادات الوجود، ويدعونا للتأمل في جوهر التشابه العميق خلف الصور الظاهرية.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 18, 2025 11:05 م

هل الخيال عكس الحقيقة أم صانعها؟!

الخيال يصنع الواقع، استشراف الواقع الافتراضي في رواية حبس انفرادي

هل تأملت هذه الفكرة من قبل؟

هل تأملت يومًا في أن واقعك الحالي ربما لا يكون سوى نتيجة مباشرة لخيال من سبقوك؟ المنزل الذي تسكن فيه، السيارة التي تستقلها، الهاتف الذكي الذي تستخدمه الآن، بل وحتى نمط الملابس الذي ترتديه؛ كل ذلك لم يكن سوى فكرة عابرة في ذهن مبدع تحولت إلى واقع ملموس. نحن لا نعيش فقط داخل أبنية وأماكن صنعها الآخرون، وإنما أيضًا نتحرك ونتفاعل ضمن منظومة كاملة من الأفكار والتصورات التي رسمها غيرنا وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.


كيف يبني الخيال عالمنا الحقيقي؟

الخيال ليس مجرد ترف فكري، وإنما هو العمود الفقري للإبداع والابتكار البشري. بدون قدرة الإنسان على التخيل، كان مصير البشرية هو البقاء في الكهوف، والسير حفاة، والاحتماء بأوراق الشجر. إن الخيال يمثل حجر الأساس لكل ما نراه حولنا اليوم، وفيما يلي نستعرض بعض الأمثلة التاريخية التي بدأت كأفكار ثم تحولت إلى حقائق راسخة في حياتنا اليومية:

1. العمارة والمباني الحديثة:

قبل أن تبنى الأهرامات المصرية أو الكولوسيوم الروماني أو ناطحات السحاب الحديثة، كانت هذه المشروعات مجرد خيال في أذهان مصمميها. مثال واضح على ذلك هو برج إيفل الذي صممه المهندس الفرنسي غوستاف إيفل. حين تم تقديم الفكرة في عام 1887، اعتبرها الكثيرون مجرد خيال غير قابل للتحقق، بل أثارت اعتراضات واسعة. إلا أن إيفل نجح في تحويل هذا الخيال إلى رمز عالمي وأيقونة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا.

2. السيارات والطائرات:

في القرن التاسع عشر، كان من الصعب تصديق أن تتحرك العربات دون خيول، إلى أن حوّل كارل بنز هذه الفكرة إلى أول سيارة تعمل بمحرك احتراق داخلي عام 1885. وبالمثل، كان حلم الطيران أشبه بالخيال إلى أن نجح الأخوان رايت في تحقيق أول رحلة جوية بطائرة عام 1903 في ولاية كارولاينا الشمالية، ليغيرا وجه السفر والتنقل إلى الأبد.

3. الاتصالات والتكنولوجيا:

توقع الكاتب الفرنسي جول فيرن في رواياته خلال القرن التاسع عشر وجود تقنيات متقدمة مثل الاتصالات اللاسلكية والرحلات الفضائية، وكان الأمر وقتها ضربًا من الخيال. لكن اليوم، بفضل المبدعين والمبتكرين، أصبح لدينا الإنترنت والهواتف الذكية وتقنيات الواقع الافتراضي.

4. الطب والعلم:

اكتشاف المضادات الحيوية مثل البنسلين بواسطة العالم ألكسندر فليمنج عام 1928 كان مجرد فرضية أو فكرة بحثية سرعان ما أصبحت من أهم الإنجازات الطبية في التاريخ، وأنقذت ملايين الأرواح. اليوم، يستمر الخيال العلمي في دفع عجلة التطور، مع تقنيات مثل العلاج الجيني والطب الشخصي والروبوتات الجراحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.


كيف تصنع خيالك الخاص وتحوّله إلى واقع؟

إذا أردت الانتقال من مرحلة المستهلك لأفكار الآخرين إلى صانع للخيال، إليك بعض الخطوات المهمة:

  1. تجرأ على الحلم والتخيل: لا تقيد أفكارك بحدود الممكن أو المعتاد. أعظم الاختراعات بدأت كأفكار غير مألوفة وربما غير منطقية في البداية.
  2. نمّ مهاراتك الإبداعية: مارس أنشطة إبداعية مثل القراءة والكتابة والرسم، وتعلم مهارات جديدة باستمرار. فالإبداع عضلة تنمو مع الممارسة.
  3. تقبل الفشل كجزء من عملية النجاح: وراء كل نجاح كبير سلسلة من المحاولات الفاشلة. توماس إديسون فشل مئات المرات قبل اختراع المصباح الكهربائي. تقبل الفشل كجزء طبيعي من عملية الابتكار والتعلم.

هل استشرفت رواية “حبس انفرادي” المستقبل؟

في رواية “حبس انفراديللكاتب المصري سمير عبد العظيم حيطاوي، التي صدرت عام 2019، تناول الكاتب بشكل مبتكر فكرة تقنيات الواقع الافتراضي المتقدمة التي يمكنها تحويل الأفكار والمعتقدات إلى واقع ملموس، يعيشه المستخدم وكأنه جزء حقيقي من حياته. جاء في الرواية على لسان بطلها حاتم:

«سيتم برمجة النظام على أن يقوم بترجمة انفعالات الشخص ومخاوفه وأفكاره ومعتقداته ورغباته إلى واقع حقيقي».

وهذا التصور يُعتبر خطوة استباقية لما يشهده العالم اليوم من تطور سريع في تقنيات الواقع الافتراضي والميتافيرس، حيث أصبحت هذه التقنيات أكثر قربًا من الواقع مما يجعل التمييز بينهما صعبًا في كثير من الأحيان.

مواقع التواصل الاجتماعي: رؤية مستقبلية مبكرة

كذلك تناولت الرواية فكرة مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تستشرف المستقبل، حيث وصف الكاتب تأثير هذه المواقع في إزالة الخصوصية والحواجز بين الناس:

«لقد كسرت مواقع التفاعل الاجتماعي الجديدة حاجز الحياة الخاصة تماماً أو بالأدق أجهزت على ما تبقى منها».

وهذا التحليل أثبت صحته مع ظهور منصات تفاعلية متقدمة في عام 2023، والتي أعادت تشكيل العلاقات الاجتماعية وأساليب التواصل على مستوى العالم.


في النهاية تذكّر:

في النهاية تذكّر أنك لست مجرد مستهلك للواقع الذي صنعه الآخرون. أنت تمتلك القدرة على أن تكون جزءًا من سلسلة طويلة من المبدعين الذين يحولون الخيال إلى واقع. السؤال الحقيقي هو: هل يستطيع خيالك أن يبني عالمًا جديدًا يمكن أن يعيش فيه غيرك؟

💡 فكرة اليوم هي حقيقة الغد… لا تتوقف عن الحلم والإبداع، لأن عالم الغد يصنعه خيال اليوم! 🚀

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 17, 2025 11:02 م

قصيدة متاهة الوهم - رحلة في دروب التيه والبحث عن المعنى وسط ضباب الوهم.

قصيدة متاهة الوهم | شعر فلسفي لـ: سمير حيطاوي

مَتَاهَةُ الوَهْمِ فِي طَرِيقِ الوَهْمِ أَجْرِي وَالطَّرِيقُ بِلا مَعَالِمْ ومَطَبَّاتُ الهَوَى تَهْوِي في ظَلامٍ بِالمَظَالِمْ وَكُلُّ صَوْتٍ فِي صَدَاهُ قَدِ اصْطَدَمْ!

إِلَى أَيْنَ أَمْضِي؟ وَكَيْفَ أَعْرِفُ أَنِّي فِي الوُجُودِ لا فِي العَدَمْ؟

مَتَاهَةُ الوَهْمِ تَتَوَسَّعُ بِاطّرَاد وَكُلَّمَا ابْيَضَّ شَعْرُ اللَّيَالِي حَالِكَةِ السَّوَاد تَلَاشَيْتُ أَنَا وَاسْتَطَالَ النَّدَمْ!

فَأَيْنَ الطَّرِيقْ؟ إِذَا كَانَ كُلُّ اتِّجَاهٍ يُؤَدِّي إِلَى لَا اتِّجَاهْ وَكُلُّ الأَفْكَار لَيْسَتْ تَجُودُ بِطَوْقِ النَّجَاهْ وَالقَلْبُ تَاهْ وَكُلُّ صِرَاعٍ مَا بَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنِي احْتَدَمْ!

مَتَاهَةُ الوَهْمِ طَرِيقٌ إِلَى لَا طَرِيقْ خِدَاعُ البَرِيقْ وَزَيْفٌ عَمِيقْ تَنَامِي الهُمُومِ بِخِذْلَانِهَا وَصَيْدُ الأُسُودِ لِغِزْلَانِهَا وَثِقَةُ الضَّحِيَّةِ بِالمُعْتَدِي وَسَحْقُ الثُّقوبِ لِجُرْذَانِهَا وَتِلْكَ الضِّيَاعُ الَّتِي ضُيِّعَتْ وَتِلْكَ الضِّبَاعُ بِأَحْزَانِهَا يَسُومُونَهَا سُوءَ كُلِّ الصِّفَاتِ كَأَنَّ الضِّبَاعَ بِلا إِحْسَاسْ كَمِثْلِ النَّاسْ!

مَتَاهَةُ الوَهْمِ طَرِيقٌ دَائِرِيٌّ يَمُرُّ فَوْقَ لَا مَكَانْ وَلَا زَمَانْ بِالبَحْثِ وَالتَّحَرِّي تَبَيَّنَ أَنَّهُ: إِنْسَانْ يعيش الآْنَ وَأَنَّهُ الآْنَ فِي طَيِّ النِّسْيَانْ وَلَا فَائِدَةْ!

ما دام يَحْبُو عَلَى وَهْمِ أَحْلَامٍ بَائِدَةْ وَلَا ضَيْرْ! فَمَا عَادَ غَيْر وَمَا غَيْرُ عَادْ فَكُلُّ قَدِيمٍ جَدِيدٌ يُعَادْ وَكُلُّ اقْتِرَابٍ يَلِيهِ ابْتِعَادْ وَكُلٌّ كَكُلْ وَلَسْنَا نَكِلْ نَعِيشُ المَتَاهَةَ مِثْلَ الأُوَلْ وَنَنْسَى بِأَنَّ الحَيَاةَ دُوَلْ وَلَيْسَتْ كُلُّ الدُّوَلِ حَيَاة فَبَعْضُ الدُّوَلْ تَبِيعُ المَوْتَ بِكُلِّ أَنَاقَةْ وَبَعْضُ الدُّوَلْ تَبِيعُ الوَهْمَ بِكُلِّ لَبَاقَةْ وَبَعْضُ الدُّوَلْ تُبَاعُ بِوَهْمِ وَكَالَةِ طَاقَةْ وَبَعْضُ الدُّوَلْ دِمَاءٌ مُرَاقَةْ!

مَتَاهَةُ الوَهْمِ تُؤَسِّسُ فِيهَا القُرُودُ دَوْلَتَهَا عَلَى أَنْقَاضِ شَعْبْ يَا وَيْلَ العَالَمِ مِنْ قِرْدٍ يَحْكُمُهُ وَيُشِيعُ الرُّعْبْ

فَالقِرْدُ لَعُوبٌ وَمُلَاعِبْ مُمْتَازٌ فِي صُنْعِ مَشَاكِلَ وَمَتَاعِبْ القِرْدُ أَنَانِيُّ النَّزْعَةِ شِرِّيرٌ سَاخِرْ أَوَّلُهُ الضَّحِكُ بِلا مَعْنَى آخِرُهُ لَا لَيْسَ لَهُ آخِرْ! يُلْهِيكَ فَتَنْسَى مَنْ أَنْتَ وَتُفِيقُ عَلَى سُوسٍ نَاخِرْ تَتَلَوَّى مَهْمَا تَتَلَوَّى أَتَظُنُّ لَدَى القِرْدِ مَشَاعِرْ؟

القِرْدُ كِيَانٌ مُتَطَفِّلْ مَزْرُوعٌ مَنْزُوعُ الرَّحْمَةْ يَنْتَظِرُ عُيُونَكَ أَنْ تَغْفَلْ وَسَيَسْرِقُ مِنْ فَمِكَ اللُّقْمَةْ! أتراه يريدك أن تحيا يهتم لكونك وحياتِك أتظن القرد سينهار من بعد وفاتِك القرد سيلعب برفاتِك!

مَتَاهَةُ الوَهْمِ مَا تَاهَتْ بِنَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُهْنَا وَمَا دَارَتْ بِنَا إِلَّا تَشَوَّهْنَا!

فهرس قصائدي الفصحى

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

الغـــوثُ سيأتي من ربّك

لا تــأسَ ولا تـيــأسْ أبَدَا


لن تعلُوَ في الأرض بَغِيٌّ

لـم تحفظ سبتًا أو أحَدَا


لــم تحفظ للرب وصــــــايا

لـم تفعل خيرًا أو رَشَدَا


قــاتــلةُ نــبـيٍ ورســـــولٍ

وبتولٌ بهتــــوهــا عمدًا


كــم نـِعَـمٍ أنـعـمـهـا الله

ولا أحـدٌ يحصيهـا عَــدَّا


ما صانوا منها من شيءٍ

هل يومًا قد صانوا عَهْدَا


وتمادَوا في البغي وعاثوا

في الأرض فسادًا مُطَّرِدَا


وانْتَظَرُوا الْمَوعودَ الآتي

وســيـــأتـي لـكــنْ مُرتَعِدَا


سيذوب ويفنى مُنْهَزِمًا

يـفـنـيـه الـحــقُّ ولا بُـــدَّ


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 فبراير 22, 2025 10:38 م

أسد حَبِيسٌ بَيْنَ قُضْبَانِ القَفَصْ

ضَرَبَ المُدَرِّبُ بِالعَصَا فَوْرًا رَقَصْ

أسَدٌ بِغَيْرِ عَرِينِهِ 

وَبِعَيْنِهِ

كَسْرٌ عَمِيقٌ

زَائِغُ النَّظَرَاتِ

يَشْكُو قَيْدَهُ الوَهْمِيّْ

يَذْكُرُ غَابَةَ الأَحْلَامِ وَاللَّحْمَ الشَّهِيّْ

وَرَوَائِحَ الدَّمِّ الزَّكِيّْ

وَنَظْرَةَ الظَّفَرِ الجَرِيئَة

وَضَحَاياهُ البَرِيئَة

إِذْ تُصَارِعُ نَفْسَهَا لِتَفِيضَ مِنْ أَنْيَابِهِ

أَنْيَابُهُ؟! مَاذَا بِهِ؟!

أَيْنَ أَنْيَابٌ وَأَمْجَادٌ وَصَوْلَاتٌ وَجَوْلَات؟! 

ياللعجب!

كَيْفَ التَّحَوُّلُ مِنْ هِيَاجِ الصَّيْدِ

فِي الغَابَاتِ وَالسَّطَوَاتْ 

إِلَى الخُضُوعِ بِلَا سَبَبْ؟

وَلَقَدْ سَأَلْتُ عُيُونَهُ مَاذَا بِه؟!

فَتَهَرَّبَتْ

وَلَقَدْ سَأَلْتُ زَئِيرَهُ مَاذَا بِه؟!

لَكِنْ صَمَتْ

وَتمَايَلتْ

 قِطْعَةُ اللَّحْمِ التي غُرِزَتْ برُمْحِ مدرّبِه

واسْتَرْجَعَتْ

 عَيْنَاهُ ذِكْرَى من شَرَاسَتِهِ القَدِيمَةِ فَانْحَنَى

يَمْضَغُ الذُّلَّ بلا نَّهَمْ

ثُمَّ اسْتَدَارَ تجاهي 

بِنَظْرَةِ النَّصْرِ المُزَيَّفِ 

قَبْلَ أَنْ يَقْوَى عَلَى النُّطْقِ

تَخَلَّلَتْ قِطْعَةُ اللَّحْمِ أَنْيَابَهُ

عقدت لسانه

وَتَقَوَّلَتْ: أَنَا الأَهَمْ

أَنَسِيتَ يَا أَسَدَ الصَّحَارِي مَنْ تَكُونْ؟

أَكَلَامُهَا حَقًّا صَحِيحٌ أَمْ تُهَمْ؟

يَبْدُو صَحِيحًا

 فَالسِّيرْكُ يَشْهَدُ وَالمُدَرِّبُ 

وَالخُضُوعُ لِقَوْلِهِ

رَغْمَ الغَضَبْ

يَبْدُو وَلَكِنْ مَا جَرَى؟!

مَاذَا بِهِ؟!

نَهَضَ الذَّلِيلُ وَفَجْأَةً 

أَلْقَى بِقِطْعَةِ اللَّحْمِ الصَّغِيرَةِ جَانِبًا

وَجَرَى نَحْوَ المُدَرِّبِ وَالْتَهَمْ!

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 28, 2024 3:39 م

 وَرَكَضْنَا نَبْحَثُ عَنْ مَخْرَج

فَبَدَوْنَا أَشْبَهَ بِمُهَرِّج

يَلْهُو فِي الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا

كَيْ يُضْحِكَ جُمْهُورًا أَهْوَج

يَفْعَلُ أَشْيَاءً مُضْحِكَةً

وَبِدَاخِلِهِ الحُزْنُ تَأَجَّج

يُضْحِكُهُمْ لَا يَضْحَكُ مَعَهُمْ

يَبْكِي لَا أَحَدٌ يَتَفَرَّج

يَخْلَعُ عَنْهُ ثِيَابَ اللَهْوِ

وَيَمْسَحُ مَسْحُوقًا يُخْفِيه

يَتَمَشَّى مَسْحُوقًا فِي اللَّيْلِ

يَنْتَظِرُ النَّاسَ تُحَيِّيه

يَتَفَاجَأُ لَا أَحَدٌ يَعْرِفُهُ

لَا وَاحِد حَتَّى يَسْأَلُ فِيه

يَنْصَدِمُ كَكُلِّ اللَّيْلَات

يَبْتَسِمُ يُدَارِي الوَيْلَات

يَتَسَاءَلُ يَنْسَى الأَسْئِلَةَ

وَيُجِيبُ بِغَيْرِ إِجَابَات

يَتَذَكَّرُ تِلْكَ المَسْأَلَةَ

فَيَمُدُّ يَدَيْهِ كَتِمْثَال

يتَشكّى منْ ضيقِ الحَال

وَالنَّاسُ تَمُرُّ بِهِ تَضْحَكْ

يَرْتَابُ يُفَتِّشُ فِي يَدِهِ

مَا بَالُ النَّاسِ وَمَا يُضْحِكْ؟

هَلْ مَا زِلْتُ هُنَا فِي السِّيرْكْ؟

أَمْ أَنِّي سِيرْكٌ مُتَحَرِّكْ؟

أَمْ أَنِّي سَأَظَلُّ عَلَى العَهْدِ

أَلْهُو كَالظِّلِّ بِلَا جَسَدِ؟

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 18, 2024 4:37 ص

 بَلُّورَتِي

أُقَلِّبُهَا

تَدُورُ دَوْرَتَهَا

لِتَسْكُنَ عِنْدَ خَطٍّ فَاصِلٍ مَا بَيْنَ بَيْن

.

بَلُّورَتِي

سِحْرِيَّةٌ

فِيهَا أَرَى الأَقْدَارَ وَالأَخْبَارَ والأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ والأَزْمَانَ وَالإِنْسَانَ والتَّكْوِينَ والتَّدْوِينَ وَالتَّشْدِيدَ وَالتَّنْوِينَ

وَرَأْيِي رَأْيَ عَيْن

..

وَلَا أَرَى فِيهَا أَنَا

وَكُلُّ أَيَّامِي تَمُرُّ

وَمَرُّ أَيَّامِي أَنَا

شَيَّبْتُهَا حَتَّى انْحَنَيْن

بَلُّورَتِي

يَا هَذِهِ

هَلْ أَنْتِ مَاضٍ غَابِرٌ؟

أَمْ أَنْتِ جُرْحٌ غَائِرٌ؟

أَمْ أَنْتِ غَيْبٌ حَاضِرٌ؟

إِنْ كُنْتِ أَنْتِ فَمَنْ أَنَا أَوْ أَيْنَ؟

….

بَلُّورَتِي

صَمْتٌ وَمَوْتٌ وَانْبِعَاثٌ

وَانْحِسَارُ المَوْجِ عَنْ شَعْرِ المَحِيطِ

وَبَحْر البَسِيطِ

وَقِيلٌ وَقَالٌ أَوْ جِدَالٌ وَافْتِرَاضٌ

وَانْقِرَاضٌ وَاقْتِرَاضٌ

وَوَفَاءُ دَيْن

…..

بَلُّورَتِي

مُنْذُ ابْتَدَأْتُ مَسِيرَتِي

حَتَّى حَطَطْتُ رِحَالِي

لَمْ تُنْصِفِينِي مَرَّةً

حَتَّى تَبَدَّلَ حَالِي

وَمَا عَادَ مِنْ حِيلَةٍ بِالْيَدَيْن

……

بَلُّورَتِي

وَأَنَا

إِلَيْكِ تَحِيَّتِي

وَعَلَيْكِ وِزْرِي

وَلَا تَتَبَخْتَرِي

فَالْوَضْعُ مُزْرِي

فَأَنَا وَأَنْتِ

قَدْ كَسَدْنَا

لَا نُسَاوِي الْيَوْمَ

صَادًا وَأَلِفًا وَغَيْن

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 18, 2024 4:34 ص

هي مثل الساحل والقلب

يبحر مثل سفينة صَيْد


يصطاد عروسًا بالبحر

ويطوّق يدها بالقَيْد


يرجوها ألا تتركه

يتشبث فيها بالأَيْد


يجذبها كالموجِ إليه

ولا يعطيها فرصة حَيْد


حتى لو سيصيرُ غريقًا

حتى لو يفنيه البَيْد


مهما اهتز البحر ومهما

هاج وماج ورغم المَيْد


لم تفلح معه الأهوال

ولم يتراجع رغم الكَيْد


قاوم حتى زالت عنه

الشدة حتى عاد التَيْد


هدأ الروع وبدأت روعته

تتجلى في غده كالغَيْد


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 13, 2024 1:34 م

أصبح فقدان الشغف من أكثر المشاكل شيوعًا في العصر الحالي، والسؤال عنه يطرحه الكثيرون، وهو متكرر على ألسنتنا كأنه حاجة من حاجاتنا، أو ضرورة من ضرورات حياتنا.

والبحث عن الشغف مَثَلُه كمَثَل البحث عن الإلهام؛ ذلك الغامض الذي يُنَقّب عنه الشعراء والكتاب والأدباء، بعضهم قد لا يجد إلهامًا يجبره على كتابة قصيدة أو صياغة عمل أدبي، فيقعد ملومًا محسورا، والبعض لا ينتظر إلهامًا بل يوجده إيجاداً، فينهال إنتاجه غزيرا؛ وكذلك حالنا مع الشغف، إما أن نستسلم لغيابه وإما نحضره إلى الحياة رغم أنفه.

فقدان الشغف بين الحقيقة والخداع

الشغف خدعة تروجها النفس، كغطاءٍ وسترٍ للقعود واليأس، وهي في الحقيقة تسويف ومطل، وإرجاء لما ينبغي أخذه بقوة، فما كان أمر الله ليحيى إلا أن يأخذ الكتاب بقوة، وقد آتاه الحكم صبياً وشرّفه وكلّفه بالنبوة، والأخذ والقوة والإيتاء كلها دلالات على أن المعتد به هو المبادرة وليس انتظار الشغف، وهناك خمسة من الرسل فُضّلوا بأنهم كانوا أولي عزم، وهذه إشارة إلى أن العزم هو المعول عليه لا الشغف، وهناك رسول الله وخاتم النبيين يخاطبه ربه أن يقوم فينذر، ويخبره بأنه سيتلقى قولاً ثقيلاً، وكل هذا يدل على أن أداء دوره النبوي الشريف قائم على المبادرة والعزم والتصميم، والمشقة والمعاناة في تبليغ الرسالة، والحزن لأجل من يدعوهم والضيق مما يمكرون، وكل هذا يوجب حمل النفس على أداء دورها.

فقدان الشغف والتأثير على العمل

وكذلك امتدح الله من زكّى نفسه، رغم أن فيها الفجور وفيها التقوى، ويبدو لي أن الشغف فيه بعض الاتباع للهوى، فلو انتظرنا الشغف لنقوم بأعمالنا ربما جعَلَنا هذا عرضة لهوانا، فإن كنا في حالة نفسية وجسمية تسمح بالعمل، وإلا فتمضي الأيام ونحن في بطالة.

إبليس لا ينتظر الشغف

وعلى الجانب المقابل نجد إبليس الذي عصى، وآثر العمى على الهدى، نجده لا يقف مكتوف الأيدي أمام الآدميين منتظراً شغفاً يحركه ليهديهم الى سبيل الضلال، بل قطع على نفسه عهداً متينًا بأن يضل الجميع وأن يقعد لهم في كل طريق، وأن يهيل عليهم الوعود كما يُهال التراب على الموتى، وجدّ السير في طريقه بكل قوة دون كلل، ودون انتظار.

تأثير الشغف على الاختيارات

والشغف هو حبٌ غير مدروس وانحياز غير مخطط، فها هي امرأة العزيز وصفها نساء مدينتها بأنها مشغوفة بيوسف حبًا، ومع ذلك كانت مخطئة؛ وهذا دليل على أن الشغف أحيانًا يقودنا إلى الاتجاه الخطأ، وليس معنى توافر شغفك بشيء أن تبادر إلى المضي خلفه، كما أن افتقارك للشغف لا ينبغي أن يتركك ضائعاً في الطريق بدون وجهة.

الشغف بين الوهم والحقيقة

ومن كل ذلك؛ فإنّ الأَوْلى أن نعمد إلى تحديد هدف في الحياة، وأن نتثبت من مشروعيته، ثم نمضي وراءه بغير اكتراث بمشاعرنا التي تتقلب.

ومعنى هذا؛ أن نقود نحن شغفنا، لا أن نترك له قِيادَنا، أن نحرك نحن مشاعرنا في اتجاه ما نوقن أنه خير لنا، لا أن نقعد على قارعة الطريق نبيع وهماً وننتظر أن نتقاضى عنه شغفاً، فلا الوهم يجدينا، ولا الشغف يهدينا.


الشغف.. نار أم وهم؟

قد نظن أن الشغف نارٌ، تُشعل القلب، وتدفع الأقدام للمضيّ قُدمًا، لكن الحقيقة أنه ليس سوى قبسٍ زائل، إن عوَّلت عليه وحده، أضعت طريقك عند أول ريح تهب. النار تحتاج من يوقدها، وإن لم تجد لها وقودًا خبت وانطفأت، وهكذا الشغف، إن لم تستند إليه بعزمٍ، بقي حلمًا معلقًا في فضاء الأمنيات، بلا ساقٍ تُمكِّنه من المشي، ولا جناحٍ يُهيئه للتحليق.

من ينتظر الشغف ليتحرك، كمن ينتظر موجةً تدفع سفينته دون أن يرفع شراعًا، أو يجدف بيديه. والحياة لا تنتظر المترددين، ولا تترك مجالًا لمن يظنون أن المشاعر وحدها تقود إلى المجد. وحدهم الذين يمضون رغم فقدان الشغف، ويتشبثون بالطريق وإن أظلمت ملامحه، هم من يصلون إلى الغاية، وهم من يوقنون أن الشغف لا يُهدى، بل يُصنع.

ختامًا:

فليس الشغف نهرًا جاريًا نشرب منه متى عطشنا، ولا هو ضوءٌ دائم يهدينا السبيل، بل هو طيفٌ عابر، يزور من يشاء ثم يمضي، فمن وقف ينتظره طال انتظاره، ومن مضى بدونه بَلَغَهُ حيث يريد. إنما الحياة تُؤخذ بالعزم، وتُشق دروبها بالإرادة، لا بالرجاء ولا بترقب الشعور. فمن جعل من العمل عادة، ومن الهدف بوصلة، لن تعيقه تقلبات النفس، ولن يضل طريقه حين يبتعد عنه الشغف.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 14, 2024 7:54 م



ساعات بتكون متعرفشي

طريق الخير وبِتْعَاني


ولما الدنيا بيك تمشي

وتسأل ليه مِمَنْعَاني


وتسأل ليه مَبِتْدُمشي

وليه بالبَخْس بَيْعَاني


وليه عيني مَبِتْنَمشي

ومين في الجُب يِرْعَاني


تلاقي جواب ميخطرشي

ببالك بس كله معاني


ساعات الخير مَيتشافشي

بغير ما تلّف وتعاني

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 13, 2024 6:50 م

 ضوء الحلم في نهاية النفق

تخيّلْ حلمك كأنه ضوء ساطع يبهر العين في آخر نَفَقٍ معتم، ذلك النفق هو حياتك بكل مشكلاتها وآلامها وهمومها، ونهاية النفق هي اللحظة التي تتمم فيها رسالتك في الحياة، فحياتك ينبغي أن تكون قائمة على قدمين هما الحلم والأمل، ولها ذراعان هما العزيمة والإصرار، ولها عينان هما الرؤية والرسالة، ولها عقل مفكر هو المخطط والمعدِّل لتلك الخطط لتتناسب مع متغيرات الحياة ومتطلباتها بما لا يحيد بك عن جادة الصواب في طريق تحقيق الغاية العظمى من وجودك بإتمام ما أنت مستخلفٌ فيه.

الحق أقول لك إن الإنسان بلا أمل هو عدم، والأمل بلا عمل هو أماني محطمة، فعليك أن تردف الحلم والأمل بالاجتهاد والعمل.

مسئوليتك تتجاوز حدود المكان

إن هذه الكلمات التحفيزية ليست مقتصرة على ميدان بعينه من ميادين العمل والحياة؛ إنما تمتد مظلتها لتشمل كل ميدان، فلتكن على قدر المسئولية في أي مكان تكون فيه، وأتقن عملك ولو كان كل المحيطين بك محبَطين ومحبِطين، حتمًا ستقابلهم فاستعد بتزويد نفسك بمصدّات وصواعق كهربية تصعق بها كل نقدٍ هدام، واستعد بكل الترحاب بأقطاب مغناطيسية جاذبة لكل رأيٍ بَنّاء، واستفد من تجارب من سَلَف، وكن دائمًا على مستوى المسئولية، وتواكب مع التطور العلمي والتقني، وخذ من كل مدرسة فكرية أو علمية أجمل ما فيها واطرح ما عدا ذلك، فإن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

علّم الناس مما تعلّمت

وانثر علمك في الآفاق، ولا تقلِّل من شأنك أو تستهن بما تعلمت ولو كان يسيرًا، فإن العالم ملئ بمن لا يعلمون حرفًا مما تعلمت، ولذلك فإن مسئوليتك تتضاعف وقد نلت قدرًا من العلم لا يستهان به مهما قل.

كيفية تحقيق أحلامك بطريقة فعالة

لتحويل حلمك من مجرد أمنية إلى حقيقة مشرقة، ابدأ بوضع خطة مُحكمة وواضحة المعالم. قسم هذه الخطة إلى أهداف قصيرة المدى وأخرى بعيدة الأجل، وكن على التزام تام بها. كل خطوة تحققها تقربك أكثر من حلمك، فلا تستهن بأي إنجاز، واحتفل حتى بأصغر النجاحات.

أهمية التطوير الذاتي المستمر

لا يتوقف الأمر عند وجود حلم تسعى إليه فقط، فالحلم وحده لا يكفي دون عمل. استثمر في ذاتك وتعلّم باستمرار، اجعل من الكتب رفقاء لك ومن الدورات التدريبية جسورًا لعبورك إلى مزيد من الخبرات. استعن بتجارب من سبقوك، فالتجارب الإنسانية كنوز مُتاحة لمن يقدّر قيمتها.

كيف تتجاوز مشاعر الإحباط وتتخطاها؟

الحياة مليئة بالعثرات والتحديات، لكن قوتك الحقيقية تكمن في قدرتك على تجاوز تلك العقبات دون أن تنكسر روحك أو تضعف عزيمتك. كن على يقين بأن النقد البنّاء هو ضوء يوجهك لتحسين ذاتك، أما النقد الهدام فلا مكان له في قاموس الناجحين، تجاوزه دون أن يترك أثرًا في روحك.

قوة التفكير الإيجابي وأثرها في تحقيق الأهداف

إن التفكير الإيجابي يشكّل قوة عظيمة في داخلك تدفعك دائمًا إلى الأمام، فطريقة نظرك إلى الأمور تحدد مصير رحلتك نحو النجاح. درّب عقلك على التفاؤل، وابحث دائمًا عن الجانب المشرق مهما كانت الظروف قاتمة. تذكّر أن الأفكار الإيجابية تشكّل وقودًا يمدك بالطاقة اللازمة لمواجهة التحديات وتجاوزها بنجاح.

الاستفادة من الأخطاء وتحويلها إلى خبرات

لا تخشَ الأخطاء، بل تعامل معها كدروس ثمينة تقودك نحو التطور. إن النجاح الحقيقي لا يخلو من التجارب الفاشلة، فالفشل جزء من رحلة الإنجاز، وكل خطأ تقع فيه هو فرصة ذهبية لتتعلم شيئًا جديدًا. احتضن أخطاءك، واستخرج منها الدروس والعبر، لتصبح بذلك أكثر نضجًا وحكمة في مواجهة تحديات المستقبل.

خاتمة: رحلتك نحو تحقيق حلمك

إن رحلة تحقيق الأحلام ليست رحلة قصيرة ولا هي سهلة، لكنها ممكنة لمن يتحلى بالصبر ويعمل باجتهاد. قد تواجهك لحظات من التعب والشك في قدرتك على مواصلة الطريق، ولكن تذكر دائمًا أن الذين كتبوا قصص نجاحهم هم أولئك الذين قرروا ألا يستسلموا في منتصف الرحلة، هم الذين قرروا أن يحولوا كل تعثر إلى وقود إضافي لمواصلة المسير نحو أهدافهم.

تأكد أنك قادرٌ على صنع ما تصبو إليه مهما كان حجم حلمك كبيرًا، فقط واصل السير على الطريق الذي رسمته لنفسك دون تردد، وكن على يقين أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، فإن الاجتهاد والمثابرة يثمران حتمًا نتائج مرضية، فالنجاح في جوهره ليس سوى ثمرة الصمود والتحدي في وجه الصعاب والعقبات.

استمر في التقدم، فكل خطوة صغيرة تخطوها اليوم هي بذرة تزرعها في أرض مستقبلك لتثمر نجاحًا كبيرًا وحقيقيًا. لا تستصغر أي خطوة مهما بدت بسيطة في نظرك؛ فكم من إنجازات عظيمة بدأت بحركات بسيطة، وكم من قصص نجاح ملهمة سطرت بداياتها بمحاولات متواضعة لم يلتفت لها الآخرون، ولكن أصحابها آمنوا بها حتى جعلوها واقعًا يشهد له الجميع.

حافظ على حلمك حيًا مضيئًا في قلبك، واحرص على تجديد دوافعك باستمرار، ولا تنسَ أن تمنح نفسك جرعاتٍ مستمرة من الأمل والتفاؤل، فهي الطاقة التي تعينك على السير وسط عتمة النفق الطويل، وهي النور الذي تستدل به في الليالي الحالكة من رحلتك.

أخيرًا، لا تنسَ أن تستمتع بكل مرحلة من مراحل طريقك نحو حلمك، فالسعادة الحقيقية ليست فقط في الوصول إلى الوجهة الأخيرة، بل هي كامنة أيضًا في اللحظات التي عشتها وأنت تكافح وتبني وتصنع نجاحك بيديك، تذوق حلاوة كل خطوة تتقدم فيها إلى الأمام، وافرح بكل إنجاز صغير يتحقق في طريقك الطويل.

امضِ في طريق حلمك بعزم وثبات، وثق بأن الغاية التي تنتظرك في نهاية النفق هي لحظة تتويج لجهدك واجتهادك، فاجعل حلمك نورًا يسطع في عينيك، وأملًا يرافق روحك في كل لحظة، وإرادة تدفعك لمواصلة المسير بلا توقف.

سمير حيطاوى

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 13, 2024 6:39 م

 

ولما تضيق عليّا بقول هتتعدل


و مهما العمر مر لا يمكن أتبدل


زمان القلب كان أهوج



ودلوقتى بقى أحرص


زمان القلب كان أخرس


ودلوقتى بدأ ينطق


وتاب من كل أفعاله


و هيتوب تانى


لو أخطأ


بحبك حب ربانى


و حبك يامه ربانى


ولو حبك هيهدمنى


هسامحه واكون انا البانى


و لو أشواقى غلبانى


هعيش العمر وحدانى


بقول للقاصى والدانى


حبيبى القاسى ودانى


لأحزانى


و جابنى للدموع تانى


 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 5, 2024 11:29 م

كان هذا الطفل يومًا في دروبكِ

كان يلهو 

كان يلعب

 ثم يتعب 

ثم يغفو 

ثم يصبح خاليا من أي همٍ

حين يصحو

يستعيد الأمس ينسى كل سوءٍ

ثم يعفو

ثم يلعب

ثم يبدأ بالتشاحن 

ثم يصفو

صار هذا الطفل شابًا يافعًا

 ولذكريات الطفل يهفو

ثم صار أبًا وجدًّا بينما مازال يرجو 

أن يعودَ الطفلَ يلهو

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 5, 2024 12:51 ص

 


الصبْر هو السر 

والصبْر حلو ومر

بالصبْر كله يمر 


بالصبْر كله يهون

ربك للصابر في العون


** **


الصبْر يعني كفاح

والصبْر آخره نجاح 

بيهوِّن أي جراح

الصبْر هو المفتاح


بالصبْر أكيد هتكون 

ربّك للصابر في العون


** **


ربّك بيحب الصابر

 وبيدِّيه القوه يعافر

 وبيحميه وينجِّيه

 وبينصره دايمًا في الآخر

 

بالصبر نجاحك مضمون

ربّك للصابر في العون

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 27, 2024 7:50 م

أُحِبُّكَ يا رسولَ الله حُبًّا لا يُضاهَى

بِحُبِّك يا رسولَ الله قلبي قدْ تباهَى

أُحِبُّكَ كلَّ أحياني

ونورُ الحبِّ أحياني

تملّك كلَّ وجداني

وأذهبَ كلَّ أحزاني

بتصديقي وإيماني

أراح الروحَ داواها

.. . .    .. 

أُحِبُّكَ يا رسولَ الله حُبًّا لا يُضاهَى

بِحُبِّك يا رسولَ الله قلبي قدْ تباهَى

أُحِبُّكَ كلَّ أحياني

ونورُ الحبِّ أحياني

وأَسْعَدَني وآواني

وواعَدَني ووفـَّـاني 

وسلّمَني وعافاني

سمَا بالروحِ سمّاها

.. . .    .. 

أُحِبُّكَ يا رسولَ الله حُبًّا لا يُضاهَى

بِحُبِّك يا رسولَ الله قلبي قدْ تباهَى

أُحِبُّكَ كلَّ أحياني

ونورُ الحبِّ أحياني

وقرَّبَني ونجَّاني

وشرّفَني وأهداني

ضياءً منكَ نوراني

سرى في النفسِ زكـَّـاها

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 25, 2024 4:54 ص

 

كانت تقف كل يوم في المكان نفسه، هناك حيث المطب الذي يجبر كل السيارات على التهدئة، كان يراها وهو يقود سيارته ذاهبًا إلى عمله أو عائداً منه، تستغل الفرامل الإجبارية والتهدئة الاضطرارية لتلتقط من يد أحد السائقين خمسة جنيهات، وتارةً تعطيه مقابلها علبة مناديل وتارةً دعاء وغالباً لا شيء.

مر يوماً بها فوجد المطب قد أزيل وأعيد رصف الطريق، رآها ما زالت واقفة هناك حيث أطلال المطب، تمد يدها للسيارات التي تمرق من جوارها بسرعة عالية، لا أحد يعطيها شيئًا، مالهم لا يمدون أياديهم لي بالمال كما كانوا يفعلون، لمح هذا التساؤل يوماً في نظراتها الحائرة للسيارات المارة بها، صدق حدسه إذ وجدها في اليوم التالي قد اتخذت قراراً ووضعته موضع التنفيذ حتى تعود إلى سابق عهدها، حين كانت تبيع أي شيء كل يوم، بل وتبيع اللاشيء بسهولة، وكان القرار هو أن تغير السلعة التي تبيعها لتتحول من بيع المناديل إلى الفاكهة، ولم يشتر منها أحد شيئًا، رآها ذات يوم مبتئسة متعجبة تضرب كفًا بكف، ودّ لو أنصتت له فأخبرها بأن المطب كان هو مصدر رزقها الحقيقي، وان في بعض العوائق فائدة. 

#قصة_سريعة

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 19, 2024 1:17 ص


 

مش همشي 


مش هسيب الأرض 


وهصلي


 فيها سنة وفرض


وعدوي 


دا هجيبه الارض


 وهزلزل كل أركانه


وهعدي 


مهما كان الصعب


ماهي أرضي


 ميحميهاش غير شعب


وعدوي 


هعيشه في الرعب


وههدد أمنه وكيانه


 ما انا قوي 


والحق اقوى 


والضعيف محتل


طول السكوت عن حقنا 


خلى الميزان يختل


ودي أرضنا 


واحنا هنا 


مش هنفارقها


 لحد ما نحرر أبيب والتل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 21, 2023 9:51 م


 

يا بلاد ما فيها أمل

يا بلاد ماليها ألم


يا ولاد وإيه العمل 

والبيت خلاص اتهدم


معقول يضيع الوطن

ويموت ما يلقى كفن


معقول هييجي يوم

من تحت التراب هنقوم

هنقوم هنقوم


وهنتولد تاني جداد

وهنتوجد تاني شداد

من قلب العدم 



يا بلاد ما فيها أمل

 يا بلاد ماليها ألم


تحت الركام كام

مدفون من الأحلام 

موجوع من الأحزان 


فوق الضباب باب

مليان أمل وسلام

مفتوح من الرحمن


فمتيأسوش

دا انتم وحوش


وعدوكم يحشد جيوش

يحشد جيوش

ميهمكوش

ومتيأسووش


وان كان نصير الأرض متأخر

فجند الحق متسخر 

فمتقلقوش


سمير عبد العظيم حيطاوي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 ديسمبر 21, 2023 9:40 م

مَتَــىْ يَا حُزْنُ تَنْسَانِي

وَتَنْسَى أَيْـنَ عُنْوَانِي

؟؟ !!

 وَتَنْـسَى أَنَّـنِـي دَوْمًا

أُغَـنّي دُونَ أَلْحَــــانِ

؟؟ !!

وَتَنْـسَى أَنَّـنِي أحيا

غَـــرِيـبًا بَـيْـنَ أَقْـرَانِي 

؟؟ !!

غَـرِيبًا عِشْتُ فِي نَفْسِي

حَـــزِيــــنًا كُــــلَّ أَحْيَانِي

!! !!

غَــرِيــبًا كُــنْتُ لَا أَدْرِي

بِــأَنَّ اَلْــمَــوْتَ أَحْيَانِي

!! !!

أَنَـــــا يَــا حُـزْنُ مَنْسِيٌ

وَقَــــــالُوا إِنَّــنِي جَـانِي

!! !!

أَنَـــا يَـــا حُزْنُ مَسْجُونٌ

وَهَــــذَا اَلـــدَّمْع سَــجَّانِي

!! !!

أَنَــــا يَــــا حُــزْنُ إِنْسَانٌ

فَــهَـلْ يَــا حُزْنُ تَنْسَانِي

؟؟ !!

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يوليو 6, 2023 10:56 م

مكتبتي - مقولاتي


 

أضع بين يديك 

مجموعة من مقولاتي 

التي استخلصتها من الحياة

لعلها تفيدك

••••••••••

[1]

في كل يومٍ درس،

وفي كل درسٍ غرس،

و في كل غرسٍ ثمرة،

فتعود أن تستخلص من كلّ يومٍ ولو حكمة.


[2]

احترام الآخرين لك هو انعكاس لاحترامك لذاتك،

و احترامك لذاتك هو انعكاس لصدقك مع نفسك ،

و صدقك مع نفسك هو انعكاس لصدقك مع الله.


[3]

قد تشدك الجاذبية للأرض

 لكن فكرك لا تؤثر عليه الجاذبية 

فتستطيع أن تحلق به فى أعلى سماء.


[4]

إذا كان الموت مفاجأة

 فالحياة هى المفاجأة الكبرى حين تحاسب عليها.


[5]

لا تحاول أن تصنع لنفسك مجدًا عند الآخرين

 قبل أن تعيش هذا المجد حقيقة فى نفسك.


[6]

أحيانًا تضطر أن تضحى بوجودك مع من تحب 

لتضمن بقاءك معه.


[7]

قدرك سيحدث لك شئت أم أبيت،

لذلك استثمر هذا في ألا تخاف من شيء،

 لأن الذى سيحدث لك لن يغيره شيء.



[8]

حاول أن تتعرف على نفسك الجديدة كل يوم،

 لأن نفسك الأمس ليست هى نفس اليوم.


[9]

كل فترة يرسل الله لنا رسالة،

هناك من لا يفتحها أصلاً،

وهناك من يفتحها و يقرؤها ثم يرمى بها،

وهناك من يفتحها ويقرؤها 

ويعمل بما فيها فترة من الزمن

 ثم ينساها،

وهناك من لا ينساها أبدًا، وهؤلاء هم الصادقون.


[10]

معظم السلبيين ينتظرون البطل المخلّص،

 فكن أنت مخلّص نفسك.



[11]

قد تظلم الآخرين بسبب جهلك بما يعلمون.


[12]

من يوجه إليك النقد السخيف لا يوجهه بناءً على حقائق، 

ولكن بناءً على رؤيته لك، وهو يراك من خارجك، 

أما أنت فالوحيد من بين البشر الذى يستطيع أن ينظر بداخلك.


[13]

كن جادًا بابتسامتك.


[14]

فارق سلبياتك قبل أن تفارقك إيجابياتك.


[15]

بعض الناس قد لا يشعرون بقيمة ما تفعل، 

ليس لأن ما تفعله تافه ولكن لأنهم لا يدركون.


[16]

قد يضيع من الإنسان بعض الأشياء 

عندما يتمسك بموقفه و مبدئه، 

ولكنه فى النهاية فاز بكل شئ.


[17]

 إذا تعارضت كرامتك وعزتك مع راحتك وما تملك،

فضحِّ بكل ما تملك لأجل كرامتك و عزتك.


[18]

المجازفة متعة، لماذا تحرم نفسك منها؟


[19]

التغيير ليس عنفًا إنما هو حكمة.


[20]

المتشائم يصنع التشاؤم من كل شئ،

والمتفائل يجد التفاؤل فى كل شئ.


[21]

الانتقام وسيلة للتعامل،

 لكنه ليس الوسيلة الأمثل.


[22]

وفّر لنفسك أكثر من بديل حتى لا يتحكم أحد فيك.


[23]

كن دائمًا متبسمًا، لكن لا تتمادى فى الهزل.


[24]

فراق بعض الناس قد يؤثر و قد لا يؤثر، 

و لكن فراق نفسك السلبية بالتأكيد يؤثر، 

لذلك فارق سلبياتك قبل أن تفارقك إيجابياتك.


[25]

بيدك الاختيار إما أن تكون مبتكرًا أو تتحول لآلة.


[26]

القدر سيحدث و أنا سأتعب نفسى فى توقعه،

 و سأتعب نفسى أكثر فى محاولة منعه من الحدوث، 

لذلك سأعيش اللحظة الحالية، 

سأعيش الآن ، 

لأنه ربما لا أعيش بعد الآن.



[27]

قد تظلم مظلومًا وتنقذ ظالمًا ، 

لذلك تدبر قبل أن تصدر حكمك.


[28]

الحياة أحداث متكررة، 

فحاول أن تتعلم من الحدث الماضى،

 لتكون أفضل فى الحدث المستقبل.


[29]
ليكن سرك وعلنك سواء.


[30]

إذا عجزت عن إدارة نفسك،

ستعجز عن محاولة إدارة غيرك.


[31]

لا تُفْرِط فى النسيان،

لأنك ستتذكر يومًا ما شئت أم لم تشأ.


[32]

قد يكون الواقع بين يديك فترفضه، 

وتُفَضّل أن تعيش فى الخيال،

رغم أن الواقع يحقق لك السعادة الحقيقية

 التى لا تجدها فى الخيال.


[33]

إذا كنت قادراً على صنع الخيال، 

فأنت أيضًا قادر على صنع الحقيقة، 

فكما رسمت أحلامًا فى خيالك 

تستطيع أيضًا أن  تحققها فى الواقع 

فقط عندما تريد.


[34]

أشياء كثيرة 

وأحلام كبيرة 

على وشك التحقق 

ولكن تنتظر منك المبادرة.


[35]

ليس كل إنسان فاشل صنعه الفشل،

وليس كل إنسان ناجح صنعه النجاح ،

ولكن الفاشل هو من صنع الفشل،

 والناجح هو من صنع النجاح.



[36]

الأحلام الوردية تدمر طاقتك فيما لا يفيد،

بينما الواقع المزعج يفجر طاقتك فيما يفيد،

 فقط حين تتعامل معه.


[37]

المواهب لا تشترى، فتمسّك بموهبتك لآخر رمق.


[38]

من يختار التغيير بإرادته 

هو من يدرك أن التغيير حتمى 

اليوم أو غدًا.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 18, 2023 12:05 ص

صورة لمقال كأس العالم للأندية بين الحقيقة والخيال

اللعبة الأشهر: كرة القدم

كانت وما زالت حتى اليوم كرة القدم تعد اللعبة الأشهر والأكثر شعبية في تاريخ الألعاب الرياضية، فهي تستحوذ على اهتمام الغالبية الكبرى، ولا نعرف من أين تستمد كرة القدم هذه الأهمية ولا لماذا باتت تتمحور حياة الكثيرين حولها، هل تسليط الضوء الإعلامي حولها هو السبب، أم أن سببًا آخر يدفع الناس لمتابعتها؟

انتصارات خيالية تُشبع الرغبة في الفوز

هل الإنسان يبحث عن انتصارات تشبع غريزة الفوز لديه حتى ولو كانت في خياله؟ هل كرة القدم واحدة من هذه الخيالات التي تحقق للإنسان رغبته الدفينة في الفوز والانتصار؟ هل إذا فشلنا في تحقيق أنفسنا وبلوغ آمالنا وطموحاتنا الشخصية ننكفئ على الكرة نستلهم منها أملًا وطموحًا خياليًا؟ قد يكون كل هذا صحيحًا، ولكن ليس على إطلاقه، فهناك العديد من الأسباب الأخرى كذلك.

غريزة الانتماء ودورها في متابعة كرة القدم

من هذه الأسباب المتعة التي يجدها متابع كرة القدم، وتلك الرابطة التي تربطه بمجموعة كبيرة من الناس يتابعون اللعبة نفسها التي يتابعها، ومجموعة أصغر منها يشجعون الفريق الذي يشجعه هو أيضًا. فالكرة تشبع فيه غريزة الانتماء؛ فالإنسان منتمٍ بطبيعته، ينتمي إلى أسرته، إلى مدينته، إلى دولته، إلى عقيدته، إلى أفكاره، وهكذا قد ندخل إلى كرة القدم من باب الانتماء.

خطر الانغماس الكلي في كرة القدم

وكل هذا لا ضير فيه، بيد أن الضرر كله يأتي من الانغماس الكلي، والذي يذهب بعقل المتابع، كما تفعل الخمر بعقله تمامًا. فإذا بلغت كرة القدم في نفسيته إلى هذا الحد، فلا بد له من وقفة مع نفسه، لا بد أن يراجع مبادئه وأهدافه وأولوياته. فإذا فقد صديقه لأجل مباراة، أو فقد نفسه من أجلها فإنه ولا شك يكون مخطئًا في حق نفسه. يمكنك أن تتابع كرة القدم كما تشاء ولكن لا تدعها تأخذك من عالمك الحقيقي، من دنياك الأصلية، من أهدافك ومبادئك. شاهد وتابع واستمتع ولكن لا تنغمس حد الذوبان في ناديك وفريقك، بل افصل نفسك عن فريقك فور انتهاء المباراة بل وأثناءها. تذكر دائمًا أن كرة القدم هذه لعبة والهدف منها متعة تقتنصها أو ترويح عن نفسك أو ترفيه يعينك على عملك أو مذاكرتك. أما أن تأخذك بالكلية فهذا ما لا يقول به عاقل، أمّا أن تتعصب لها ومن أجلها، وتعادي وتحب بناءً عليها، فهذه هي منطقة الخطر.

كرة القدم وتغييب الوعي الجماعي

وما نراه اليوم هو استحواذ هذه اللعبة على اهتمام المجتمع العالمي كله أكثر مما تستحوذ عليه أهم قضاياه المصيرية، فهي نوع من تغييب الوعي. وإن كان الإنسان يحتاج لأن يغيب عن الوعي يوميًا بالنوم عددًا من الساعات فإنه فور نهوضه من نومه لا يُقْبَل منه أن يستمر طوال اليوم يتعامل بناءً على الأحلام التي رآها في منامه. يعامل الناس بغضب لأنه في حلمه تعرض لشيء أثار غضبه، أو يكره صديقه لأنه في حلمه شتمه. فهذا هو الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، وهكذا هي كرة القدم نوع من الخيال، لا بد أن يظل محصورًا في هذا النطاق وحسب، لا يتعداه، لا تتعامل بناءً عليه، ولا يأخذ منك أكثر من المدة التي يستغرقها الحلم لينتهي.

المباراة حلم عابر

فالمباراة بالنسبة إليك حلم، وليست واقعًا، عشها كما تعيش في أحلامك، واستيقظ منها كما تستيقظ من الأحلام. إذا فاز فريقك بالطبع ستكون سعيدًا سعادة من رأى حلمًا سعيدًا، وإذا انهزم فريقك ستكون حزينًا حزن من رأى حلمًا حزينًا، وقِفْ عند هذا الحد لا تتخطاه.

عالم متكرر من المتعة

ومن الملاحظات الغريبة على عالم كرة القدم الخيالي هو أنه عالم متكرر ولا نملّ من تكراره. كلما انتهت مباراة كنا متحمسين لها حماسًا شديدًا جاءت أخرى بعدها لنتحمس لها من قبل أن تبدأ وننتظرها لأيام وأيام، بل ربما لأعوام، بالحماس نفسه والشوق ذاته واللهفة عينها، كأن الدنيا كلها تتمحور حول هذه المباراة.

دوامة لا تنتهي من الترقب

وليس أدل على ذلك من أن جماهير النادي الأهلي فور انتهائهم من مباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا أصبحوا ينتظرون كأس العالم للأندية، وهكذا هو أمر يشبه الدوامة تأخذنا جميعًا في طريقها تدور بنا صعودًا وهبوطًا في حلقات مفرغة. وكما قلنا لا عَيْب أن نستمتع بقليل من الخيال، ولكن لنحذر الانغماس.

معسكر مغلق لتحقيق الأحلام الشخصية

كذلك فإننا مطالبون نحن أيضًا بتحقيق أحلامنا كما نشاهد اللاعبين يحققون أحلامهم، مطالبون ببلوغ غاياتنا وآمالنا وصناعة واقعنا أو عالمنا الخيالي كما هم يصنعون. لماذا لا ننظر للأمر من هذه الزاوية؟ لماذا لا نستفيد من طريقة حياة اللاعبين الناجحين ونطبقها على أنفسنا؟ لماذا لا نستفيد من استراتيجياتهم وأسلوب حياتهم؟ كم ساعة يتدربون يوميًا، فلنعمل ونتدرب مثلما يتدربون. ماذا يفعلون عندما يقبلون على مباراة مهمة، معسكر مغلق، إذن نحن أيضًا بحاجة لمعسكرات مغلقة كلما كان لدينا أمر مهم. وهكذا يمكننا استنساخ طريقتهم وأسلوبهم لتحقيق أحلامنا، وساعتها قد تكون هذه هي أكبر فائدة ننالها من متابعتنا لهذه اللعبة.

سمير حيطاوي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 13, 2023 4:52 ص

مكتبتي - مقال المسئولية الجنائية للمريض النفسي

 

    استكمالاً لما بدأنا طرحه في المقال السابق من فكرة عامة نظرية حول مدى مسئولية المريض النفسي جنائيًا، ننتقل إلى أرض الواقع لنعاين التشريعات القانونية المنظمة للأمر في النظام القانوني المصري، والتطبيقات القضائية الحاكمة للمسألة في أحكام محكمة النقض المصرية.


    ونلاحظ في البداية أن المشرع المصري قد عالج هذا الأمر بالقانون رقم 71 لسنة 2009 الصادر بتاريخ 13-5-2009 المعمول به اعتبارًا من 15-5-2009م؛ بشأن إصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وقانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950؛ وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية 20 تابع.


    ونسلط الضوء في مواد إصدار ذلك القانون على عدة نقاط.

أولها – أن المادة الثانية من مواد الإصدار قد استبدلت نص المادة (62) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، وأحلت محله نصًا جديدًا.

وقد كانت تلك المادة في نصها الأصلي تقرر أنه:

«لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل: إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو على غير علم منه بها.»


بينما جاء التعديل الذي نحن بصدده ليحل محلها النص الجديد مقررًا فيه أنه:

«لا يُسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو على غير علم منه بها. ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.»


    والفارق بين النصين من الناحية الإنشائية ومن ناحية بناء النص اللفظي يتجلى في إحلال لفظة: “المسئولية الجنائية”، محل لفظة: “العقاب”؛ وإحلال لفظة: “الإدراك”، مكان لفظة “الشعور”؛ وكذلك إحلال لفظة: “يعاني وقت ارتكاب الجريمة”، محل لفظة: “يكون وقت ارتكاب الفعل”؛ بالإضافة إلى إحلال لفظة: “اضطراب نفسي أو عقلي”، محل لفظة: “جنون أو عاهة في العقل”، ثم أضاف استدراكًا واستثناءً يخص حالة نقص الإدراك وليس فقده.


    ولهذه الفوارق اللفظية آثار في البناء النصي وفي الفهم القانوني وفي التطبيق العملي، ذلك أن لفظة المسئولية الجنائية التي حلّت محل لفظة العقاب، في قول المشرع لا عقاب، وفي قوله المعدل لا يسأل جنائيًا، قد غيرت طبيعة الإعفاء الذي يتمتع به مرتكب الجريمة نتيجة اضطراب نفسي أو عقلي، فحين قال المشرع لا عقاب كان مرتكب الجريمة مستظلًا بمظلة مانع من موانع العقاب بوصفه عذرًا معفيًا من العقاب؛ أما في اللفظ المعدل لا يسأل جنائيًا، فقد تغيرت هذه المظلة ليصير واقعًا تحت مظلة مانع من موانع المسئولية، وموانع المسئولية تكون متعلقة بشخص مرتكب الجريمة وبأسباب شخصية لديه تؤثر على إدراكه وإرادته، وكلتا المظلتين لا تنفيان وصف الجريمة عن الفعل المقترف، إذ سواء كان عدم توقيع العقوبة راجعًا لمانع من موانع العقاب أو مانع من موانع المسئولية ففي الحالتين يظل الفعل نفسه مجرمًا، ولا يعني دخوله تحت مظلة المنع من المساءلة أو العقوبة أنه قد أصبح مباحًا، بل يظل على ما هو عليه من التجريم.


    ولكن الفارق بين ما قرره المشرع في النص القديم وما قرره في التعديل هو أنه حين قال لا عقاب كان يعني أن الجاني يظل مسئولًا جنائيًا ولكن حالته التي ألمت به تعفيه من العقاب، أما بعد التعديل فقد قرر المشرع أنه لا يسأل جنائيًا من الأساس، أي أنه لا يسأل ولا يعاقب، واللفظ المعدل أكثر شمولًا واتساعًا من اللفظ القديم وإن كان الأثر العملي لكليهما يكاد يكون واحدًا بالنظر إلى النتيجة الواقعية وهي براءة ساحة الجاني.


المقال السابق

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 11, 2023 11:21 ص

كأنّ الحيــاة تــبُـثُّ النفوسَ 

كذِكرى مشاهدَ فيها العبرْ

○○○

فخلقٌ ضعيفٌ قد لا يُرى
 
يعيثُ هلاكًا  بكل البشرْ
○○○

وإنْ تسألوه لماذا ظهر

وإنْ تسألوه لماذا انتشرْ
○○○

لعل الإجابة في الحالتين 

من الفيرُوسِ تكون القدرْ
○○○

فقد تُبْتَلَوْنَ بخوفٍ وجوعٍ 

وقد تُبْتَلَوْنَ بنقصِ الثمرْ
○○○

وإني كذلك بعضُ ابتلاءٍ 

وإني لَبُشْرى لِمَنْ قد صبرْ
○○○

ولستُ عدوًا ولكنْ بقائي 

كفيلٌ بتعريضكم للخطرْ 
○○○

وإني كذلك مثلُ الزلازلِ 

مثلُ العواصفِ مثلُ المطرْ
○○○

وإني كذلك مثلُ الحروب 

بما فيها من قتلٍ أو ضررْ
○○○

فلا تَقْتُلونَ ولا تُقْتَلونَ 

ولا تُشعلون لحربٍ شرر 
○○○

وأنتم تموتون بي أو بغيري 

ولكنّ غيريَ لا يُنْتَظَرْ
○○○

فذلك شأني فلا تجزعوا 

ولكنْ عليكم توخي الحذرْ
○○○
كتبت هذه القصيدة وقت بداية الزحف الكوروني على البشرية 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 11, 2023 10:06 ص

رواية قارئ الذكريات – الفصل السابع

صفحة [1]

زيارةٌ خاطفة إلى المستشفى، تسللٌ إلى داخل أروقتها، وصولٌ إلى غرفة فؤاد الحداد، ما زال هناك قعيد الفراش، أسئلة واستقصاءات عن ابنته، لا أحد يعرفها. غدير!! لا أحد يتذكرها. من الذي أخبرك أنها ابنته؟ انصدمت لما تذكرت ما جرى عندما دخلتُ المستشفى أول مرة وتوجهت إلى الاستعلامات لأسأل الموظفة المسئولة، وما فعلتْه غدير وقتها وسط تعجب واستغراب الموظفة، عندما تلقفتني غدير وأخبرتني أنها ابنة فؤاد الحداد. من الذي قال لي إنها ابنته؟ إنها هي نفسها التي قالت لي، لا أحد غيرها، وهذه بداية الخديعة، وما كان مني إلا أن انجررت وراءها بغير تفكير. كيف سمحوا لها بأن تبقى معه بالغرفة هكذا؛ وكلما ذهبت وجدتها؟ سألت عن هذه الفتاة وشرحت لهم مواصفاتها. «إنها قريبته من بعيد وتأتي للاطمئنان عليه كل يومٍ ساعةً من النهار وتمضي.» ساعة!! أي أنها لا تبقى معه إلا قدر ما أبقى أنا معه، وترحل عندما أرحل، مالي مصدوم وكأن يسري لم يخبرني الحقيقة قبل أن أغادر الفيلا؟ أخبرني ولكنني لم أصدقه، وأكاد لا أصدق أذني، لا بد أن خللًا أصابها فصارت تلتقط كلامًا غير حقيقي. وعيني التي شاهدتَها هناك تدخل كواحدةٍ من أصحاب الفيلاّ؛ كواحدةٍ من أعوان يسري؟!! لقد استطاع يسري أن يضرب أكثر من عصفور بحجر؛ تأكّدَ من قدرتي على قراءة الذكريات من خلال ذكريات وهمية افتعلتها غدير في ذاكرتها واستطعتُ قراءتها بالفعل، وكذلك تأكد أن فؤاد الحداد فاقد للذاكرة فعلًا ولا يدعي ذلك للتهرب ممن يلاحقونه، كما عرف كل شيء عني من خلال حكاياتي التي حكيتها لغدير، ناهيك عن أنه زرع عينًا تراقب فؤاد الحداد في المستشفى يوميًا تحت غطاء أنها ابنته أقصد قريبته. والآن بضربة نفسية واحدة هزمني، أعادني لقاع الحياة مجددًا، كسر إرادتي، عرضني لصدمة جديدة في غدير، صدمة ذبحتني، وطعنتني في مقتل. كنت أعيش من أجلها، وكنت على وشك أن أموت من أجلها، وبعد كل هذا أكتشف أنها مخادعة، وأنا الذي كنت ألوم نفسي وأؤنبني على خيانتي لها ولأبيها وغدري بهما، فإذا به لا هو أبوها ولا هي ابنته ولا أنا أنا. والآن ماذا أفعل في هذا الرجل البائس؟ لم يعد إلا الحل الوحيد الذي توصلت إليه، لم يعد أمامي إلا اختطافه من المستشفى. ولكن كيف أفعل ذلك؟ بل ولماذا؟ لماذا لا أذهب للشرطة فأبلغهم بما يجري وحسب؟ ومن سيصدقك وهذا رجل أعمال شهير ولا يوجد لديك دليل؟ وقف الدليل عقبة أمامي؛ إذن لابد من إيجاد الدليل. لا يوجد دليل إلا الخريطة الأثرية. أين يمكن أن تكون؟ تجاوز عداد عقلي السرعة القانونية وهو يعصف بالأفكار باحثًا عن المكان الذي يمكن أن يكون هذا العجوز قد خبّأ فيه تلك الخريطة، وكادت تحدث حوادث كثيرة في عقلي كلما اصطدمت قاطرة تفكيري بأفكار غير منطقية عن مكان الخريطة المحتمل. بدأ عداد سرعة التفكير يصفر في عقلي من فرط سرعته حتى كأنه وصل إلى سرعة الضوء، وإذا بذكرى طارئة تظهر في طريق التفكير كأنها سيارة مسرعة تأتي من الجهة المقابلة تقلّبُ النور وتوشك أن ترتطم بعقلي، لولا أن ضغطت المكابح لتستقر أمامه قبل الاصطدام بلحظة وتقول بصوت اللزج حسن الدهشان: «تقصد العجوز الذي أعطاك العصا؟» «لم يضربني يا حسن، أتفهم؟! لم يضربني.» «العصا التي كان يمسكها ولوّح بها في وجهك في غضب.» لقد بدأت أتذكر هذه الذكرى جيدًا؛ إنه الحوار الذي دار بيني وبين حسن الدهشان في اليوم التالي للقائي بفؤاد الحداد في البنك. ولكن لماذا تأتيني هذه الذكرى الآن؟ إلى أي شيء تريد أن تقودني؟ إلى شيء تلمح؟ هل بدأ عقلي يهذي من سرعة التفكير الجنونية، ومن كثرة مخالفات السرعة التي حررت له؟ وقفت أمام فؤاد الحداد المسجى على سرير المرض، تأملته كثيرًا وهو نائم في وداعة، بلا قدمين، وبلا أمل. تذكرت حاله عندما دخل عليّ البنك، لقد كان مريضًا منهكًا، ولكن ليس إلى هذه الدرجة، كان رغم ما فيه يمشي، ولو ببطء شديد، كما كان يمشي محمد صبحي مجسدًا عم أيوب في مسرحية الجوكر وهو يردد عبارته الشهيرة «تعالى لحمو يا حبيبي». أرى فؤاد الحداد يكاد يقول لي هذه العبارة الآن، وهو يرفع عصاه الغليظة لينهال بها على رأسي. أتفادى ضربته التي لم يضربها، فتلوح أمام عيني ذكرياته كلها. تدفقت ذكرياته في رأسي بغتة، هل استعاد فؤاد الحداد ذاكرته الليلة؟ لا يبدو أنه فعلها، ولا يبدو أنه سيفعلها يومًا، إذن من أين جاءت هذه الذكريات؟ لقد انسابت ذكرياته من رأسي أنا؟ نعم من رأسي أنا. ما هذا؟ هل أنا فؤاد الحداد؟ لست هو وأنا متأكد من ذلك؛ إذن فمن أين جاءت ذكرياته. لكَمْتُ جبهتي بقبضة يدي حسرةً؛ كيف لم أفطن إلى هذا الأمر من قبل؟ توجد نسخة كاملة من ذكريات فؤاد محفوظة في رأسي، ألم أقرأ ذكرياته من قبل عندما دخل عندي البنك؟ ألم أعرف أن عليه ديونًا؟ ألم أطلع على كل ما جال بذكرياته قبل أن يلتقيني؟ يا لها من مفاجأة جميلة، وإن كانت قد تأخرت بعض الوقت نتيجة لغبائي، أو انشغالي، أو عدم اهتمامي، أو عدم رغبتي في معاونة يسري في السطو على ذكريات هذا العجوز البائس. عصاه التي رفعها في وجهي ذكرتني بكل شيء، فانسابت ذكرياته من رأسي، حللتها كلها، جعلت أبحث فيها عن الخريطة الأثرية كأنني أبحث عن إبرة في كومة قش. أخيرًا وجدتها ملقاة في ركام أفكار فؤاد الحداد، أراه محتارًا أين يخفي تلك الخريطة، مرةً يفكر في إخفائها في بيته ويتراجع فهذا هدف سهل، مرةً يقرر أن يعطيها لصديق ويتراجع، مرةً يفكر في دفنها مجددًا حيث وجدها، مرةً يفكر في إيداعها في المتحف ويتراجع لأنها بلا قيمة حتى الآن، ولن تكون لها قيمة إلا بالوصول إلى المكان الذي تدل عليه ومعرفة الكشف الأثري الذي تبين طريقه. وفي الأخير رأيته وهو يقرر أن يودعها في الخزينة التي استأجرها في البنك. إذا كان الأمر كذلك فكيف قرأتُ لحظةَ جاءني في البنك أنه يريد تسديد ديونه؟ هل كان يشعر بقرب مصيبة تحل به وأراد أن يضع أوزار الديون عن كاهله؟ أم أنه أراد أن يتخذ من عملية سحب الأموال هذه ستارًا للذهاب إلى البنك في هذا اليوم وبعدها يودع الخريطة في الخزينة. لا بد من قراءة متأنية لذكريات ذلك العجوز، ولكن لا بد أيضًا من أن أخفي ما توصلت إليه عن يسري.

صفحة [2]

عدتُ إليه في الفيلاّ البغيضة، رأيت غدير فنظرت إليها باحتقار، وتجاوزتها بإهمال إلى أن وقفت أمام يسري مجددًا. «إذا كنت تريد مني مساعدة حقيقية فلا بد أن تقول لي الحقيقة» «أي حقيقة تريدها يا ناروز؟» «ناروووووز، نعم هذا هو، أريد أن أعرف كيف عرفت اسمي يوم أن اختطفتني من الكافيتريا؟» وقبل أن يجيب، عاجلته مرددًا عبارةً أخرى قالها يوم اختطافي والآن تذكرتها: «…هذان الغبيان كانا يظنان أنه سيحتفظ بالخريطة معه وهو يسير بالشوارع، وبدلًا من أن يجلبا لي منه الخريطة جلبا لي المتاعب، ولك أنت أيضًا» أنهيت إعادة مقولته على مسامعه مرةً أخرى بكلماتها كاملة وبلهجته التي قالها بها وسط دهشته، وقبل أن يغير دفة الحوار سألته: «كيف جلب هذان الغبيان لي المتاعب؟» استمع يسري إلى أسئلتي بتوتر، وكأنه يشعر في قرارة نفسه أن أمره قد افتضح، وما عاد هناك من داعٍ للاستمرار في هذا المسلسل العبثي، أكثر من ذلك، وقال بعد برهة باقتضاب بليغ: «ليست الذكريات هي المستهدفة؛ بل وظيفتك.» يا لي من أحمق، استدرجني يسري إلى اتجاه قراءة الذكريات، التي يبدو أنه اكتشفها مصادفة، بدلًا من الهدف الحقيقي الذي أراده مني. إذن هو لم يضرب ولا عصفور بأي حجر، بل تساقطت العصافير تحت قدميه عارضة خدماتها عليه، يا له من مجرم محظوظ!! هدفه الحقيقي كان وظيفتي بالبنك، وهو الهدف الذي على ما يبدو تطلب منه أن يراقبني لمدة، وهذا ظاهر في اللحظة التي اختارها للانقضاض عليّ في تلك الكافيتريا؛ فهي المرة الأولى التي أغير فيها خط سيري ونمط حياتي، كما أن اختطافي من الكافيتريا أمام أعين الجميع وبدون اعتراضٍ مني أو مقاومة لا يشكل خطرًا عليه، بل لا يُسمّى اختطافًا إلا في قاموسي أنا فقط، فَمَنْ المختطف الذي يسير إلى جوار مختطفيه بهذا الهدوء. وذلك على عكس اختطافي من شقتي المراقبة بالكاميرات طيلة الوقت، وما يحف بتلك العملية من مخاطر، يبدو أنه لم يكن يريد أن يجلبها لنفسه مبكرًا، أو لم يكن يريد أن يثير الانتباه تجاهه، أو لم يكن يريد أن يربط أحد بينه وبيني وبين فؤاد الحداد زائر البنك العجوز. أراد بهذه الخديعة أن يعمي نظري عن التعاون الحقيقي الذي يريده مني، ماذا سيستفيد من قارئ الذكريات إذا كانت الذكريات قد مُحيت من ذاكرة الشخص المطلوب قراءة ذكرياته؟ خصوصًا وأنه لا يعلم حتى الآن – ولن أقول له بالطبع – إنني وجدت عندي نسخة من ذكريات فؤاد. إذن؛ كل ما يريده يسري مني هو خزينة فؤاد الحداد الموجودة بالبنك، ويريدني أن أستخرج منها تلك الخريطة. اعترف يسري بمراده الحقيقي مني. «ولماذا لم تقل ذلك من البداية؟» «ولماذا أقول لك الحقيقة وأنت في كل الأحوال مجبر على تنفيذ أوامري سواء قراءة الذكريات؛ تلك الموهبة العجيبة، أو الوصول لخزينة فؤاد.» «وما أدراك أن فؤاد وضع الخريطة في الخزينة؟» «لا تُطِلْ في الكلام… منذ عثر فؤاد على الخريطة ونحن نراقبه، مكث يومين في بيته ثم خرج ولم يذهب إلا إلى مكانين بعدما خرج، المكان الأول كان البنك.» «والثاني؟» سألته هذا السؤال ثم انكمشت من الخجل فكيف أسأل سؤالًا بهذه البلاهة. لم أصدقه ولم أكذبه، واكتفيت بتوجيه سؤال مقتضب بضيق شديد: «وأنت ماذا تريد مني الآن؟» «أنت من ستسهل لنا الحصول على الخريطة من الخزينة.» «وكيف ذلك؟» «فقط سنأخذ فؤاد الحداد إلى البنك…» قاطعته بعصبية. «إنه مريض جدًا» «أنت تشفق عليه وهذا حقك؛ أما نحن فلا يهمنا إلا الخريطة، أفهمت؟» تلقيت أوامره أمرًا تلو الأمر، والغريب أنني لم أعد قادرًا على أن أعصي له أمرًا، لقد كسر إرادتي كسرًا لا ينجبر. «سنأخذ فؤاد إلى البنك بدعوى أنه يريد الحصول على شيء من خزينته، وأنت ستتكفل بإقناع إدارة البنك بذلك وإضفاء المصداقية على كلامنا، وأنت أهل لثقتهم، وسترافقه أنت حتى الخزينة بحجة مساعدته على الحركة بالكرسي المتحرك…» في الصباح كانت مهمة الوصول إلى الخزينة سهلة للغاية، حتى إنني أمشي في ممرات البنك بثقة مطلقة، وظهر مستقيم، ورأس مرفوع، أمرّ على مكاتب الزملاء أشير إليهم بإشارات متعالية كأنني ألقي عليهم السلام من مرتفع شاهق؛ خصوصًا حسن وضحى. واثق الخطوة أمشي وكأنني لا أحمل في يدي شنطة فيها كل محتويات خزينة مسروقة، وكأن الذي أدفعه أمامي بالكرسي المتحرك مدرك لما أفعله وراضٍ عما أقوم به. تمت عملية السرقة بنجاح منقطع النظير لدرجة أنني أفكر في تكرارها كل فترة. ماذا حدث لضميري؟ هل سيطر عليّ يسري لهذه الدرجة؟ هل برمجني برمجة لغوية عصبية حذفت من ملفات عقلي الأخلاق؟ وبعد أن استقرت الشنطة ومحتوياتها في يد يسري ورجاله، سألت يسري عن سبب الفكرة التي راودتني عن رغبتي في تكرار السرقة فقال بسخرية: «لأنك غبي.» لا أعرف لماذا يهينني مجددًا؟ ألم أحقق له رغبته؟ ألم أجلب له الخريطة؟ لماذا يحقر من شأني؟ ولماذا يأمر رجاله بالالتفاف حولي وتكبيلي؟ ولماذا لا يكبلونني بحبل متين؟ لماذا يصر على تكبيلي بأسلاك حديدية؟ هل يظن أنني أيرون مان؟ ألست غبيًا كما يقول فلماذا إذن هذه الأغلال الحديدية؟ رغم أنني لم أتكلم ولم أسألهم عن سبب ما يفعلونه بي إلا أنه عاجلني بلكمة، ولكن هذه المرة ليست بقبضة يده وإنما بثقل حديدي، وزعق في وجهي: «أين الخريطة أيها المغفل؟» لقد استخرجتُ كل الأوراق التي كانت في الخزينة ووضعتها في الشنطة والشنطة معه، وكان كل هذا تحت سمع وبصر رجاله. «الخريطة ليست في الشنطة أين أخفيتها؟» «أخفيت ماذا؟ دعني وشأني يا يسري فقد أوفيت بوعدي معك، دعني وشأني.» «شأنك! وهل لمثلك شأن؟ أمثالك لا شأن لهم، أنت بلا قيمة.» رفع يده بالثقل الحديدي اللامع ملوحًا به أمام وجهي مرة أخرى، بدأ عداد سرعة التفكير يصفر في عقلي من فرط سرعته، ظهرت الذكرى كسيارة مسرعة تأتي من الجهة المقابلة تقلّب النور وتوشك أن ترتطم بعقلي لولا أن ضغطت المكابح لتستقر أمامه قبل الاصطدام بلحظة وتقول بصوت اللزج حسن الدهشان: «تقصد العجوز الذي أعطاك العصا؟» «لم يضربني يا حسن، أتفهم؟! لم يضربني.» «العصا التي كان يمسكها ولوّح بها في وجهك في غضب.» انهال الثقل الحديدي على رأسي محدثًا صوتًا مزعجًا كصوت احتكاك القطار عند الفرملة، وانهالت مع هذا الثقل ذكريات فؤاد الحداد في رأسي. نقبت فيها عن الخريطة مجددًا، أراد فؤاد أن يتخذ من عملية سحب الأموال ستارًا للذهاب إلى البنك في ذلك اليوم وبعدها يودع الخريطة في الخزينة، ولكن أين خبّأ الخريطة إذا كان لم يدخل إلى الخزينة واكتفى بسحب الأموال وغادر البنك؟ فتشتُ في ذكرياته مجددًا إلى أن عثرت عليها، نعم وجدتها. تنساب ذكريات فؤاد وهو يبحث في مواقع التسوق الإلكترونية. مقبض مغطى بالفوم الطري، قاعدة قوية رباعية لحفظ التوازن، قابلة للطي والتعديل. اشتراها وفور وصولها قام بتفكيك أجزائها، وبعد أن وضع فيها الخريطة أعاد تجميعها، وتوجه إلى البنك والعصا في يده، ولا أحد يشك في وجود خريطة داخل هذه العصا التي أعطاها لي. ما هذا؟ لم يكن حسن الدهشان يتهكم أو يسخر مني عندما قال إن العجوز أعطاني العصا؟ لم أفهم قصده وقتها وانفعلت، ونسيت أن فؤاد كان قد قام بطي العصا وأعطانيها حتى يتمكن من تلقي الأموال، ونسيها معي ورحل، وعندما انتبهت لذلك، لحقت به في منتصف البنك وهو يسير سير عم أيوب البطيء، إلا أنه رفض أن يستردها مني وقال لي في ودّ وهو يربت على يدي الممسكة بالعصا: «ستحتاج إليها.» ظننت وقتها أنه يقصد أنني سأحتاجها عندما أكبر وأصير إلى ما صار إليه من العجز والوهن. ولكنني الآن أدركت أنه كان رجلًا حصيفًا ذكيًا، أدرك قدراتي الخارقة فاكتشف أن أقدر شخص على حفظ هذه الخريطة هو أنا، أتمنى أن يكون قراره صائبًا.

صفحة [3]

تغيرت قواعد اللعبة مجددًا وعاد التوازن إليها، وبدوت مسيطرًا على الأمر وأنا أحدث يسري بنبرة متماسكة: «إذا كنت تريد الخريطة سأعطيها لك، ولكن كف عن هذا العبث.» لقد وصفتُ ضرباته لي بالعبث رغم أنه يضربني بثقل حديدي، أو مطاطي يشبه الحديد؛ هذا ما أشعر به مع كل ضربة أتلقاها. مرةً أخرى انصرف رجاله عني بعد أن فكوا قيودي بحذر، وعلى الفور اعتدلت في جلستي وأبلغته أن الخريطة موجودة في العصا التي كانت مع فؤاد. تعجبتُ من نفسي بشدة؛ لقد كنت عازمًا على ألا أخبره بأنني حصلت على ذكريات فؤاد حتى لا يصل من خلالها إلى الخريطة، فإذا بي أدلُّه على مكان الخريطة مباشرةً وبدون أن أكلفه مجرد عناء البحث. لقد بدأتُ أستغرب من تصرفاتي وتناقضاتها المتكررة، كأنني سيارة مقودها في يد الآخرين أو يتم تحريكها بريموت كنترول؛ ألهذا الحد من ضعف الإرادة وصلت؟! ورغم تعجب يسري الشديد هو الآخر؛ إلا أنه لم يجد لديه اختيارًا آخر غير تصديقي، فسألني عن مكان هذه العصا، وبعد إجراء بعض الأبحاث في ذاكرتي وجدتها هناك، في شرفتي إلى جوار كوب الشاي الأخير الذي أعددته وتركته مكانه منذ يومين ولم أعد إليه. بمجرد تكسيرهم للعصا وجدوا فيها الخريطة، وبمجرد إيجادهم الخريطة وجدوا الشرطة فوق رءوسهم. بهتتهم الصدمة، لم ينطقوا إلا يسري الذي قال في أسى: «لقد جئنا نصطاده فاصطادنا.» نزلوا من شقتي رافعي أيديهم واحدًا تلو الآخر يسري ممدوح العتويل، ومساعداه الغبيان، وحبيبتي الموهومة غدير. وقفتُ مع رجال الشرطة أودع هؤلاء المجرمين وهم يساقون إلى محاكمة لن تطول نظرًا لإحكام الأدلة، واكتفيت بنظرة ساخرة هازئة منهم مثلما فعلوا معي من قبل. الآن انتصرت عليهم، وصعدت إلى شقتي وشرفتي بانتظاري، وكوب الشاي المفضل عندي ينتظر من يعده ولا أحد يعده غيري. بعد قليل رن جرس الباب، توجهت تلقاءه لأفتح للطارق الذي شككت أن يكون أحد رجال الشرطة؛ أو أحد رجال يسري وقد استطاع الإفلات من قبضة الشرطة وجاء للقضاء عليّ. دهمني ذهول شديد إذ فتحت الباب فصادف بصري وجهًا مألوفًا بالنسبة لي جدًا، وتضاعف ذهولي أكثر إذ وجدته يسلط نظرة حادة في عيني، كـأنه يريد أن ينومني مغناطيسيًا أو بالإيحاء كما كان يفعل عبد السلام النابلسي، فانكمشت كأنني أذوب من شدة حرارة النظرة التي شعرت أنها اخترقتني ونفذت لأعماقي. ولأول مرة أحس أنني كتاب مفتوح أمام أحد، لقد اعتدت أن أكون أنا قارئ الذكريات، والعالم ببواطن نفوس من أمامه؛ إلا في هذه اللحظة كما لو أن الفراغ ابتلعني وألقاني إلى جوف العدم. «لقد أنهيت مهمتك التي كلفتك بها بنجاح.» تقلصت عضلات وجهي من الصدمة. «مهمة‼ كلفتني‼» «طبعًا لا تفهم شيئًا. أعرف ذلك؛ ولكنه ليس خطأك… لا تقلق سأتلافى هذه الأخطاء عند ضبط الإعدادات مجددًا.» لم أستوعب ما أسمع، عن أية إعدادات يتحدث؟ ابتسم وهو يخبرني أنه يعرف ما أفكر فيه جيدًا وقال بنبرة حانية: «لابد من منحك بعض الراحة فأنت تعرف أو لا تعرف كم بذلتُ من مجهود معك حتى أصل إلى الحد الذي جعل جهاز الشرطة يستعين بك في عملياته الخاصة؛ بل ويطلبون مني أن أمدهم بعدة نواريز مثلك قادرة على القيام بمهام مستحيلة يعجز عنها البشر. صحيح أنك تتمتع بذكاء اصطناعي عالي الجودة؛ إلا أنك مازلت تقع فريسة لخداع البشر بسهولة، وإلا لما استطاع يسري خداعك بعض الوقت، ولكننا أخذنا لك بثأرك منه واستطعنا خداعه نحن أيضًا؛ وأكبر خدعة أننا سهّلنا له الوصول إلى الخريطة من خلالك؛ والآن هو يُسْتَجوب وسيتم التوصل إلى كل المنظومة العالمية التي تعمل من ورائه بغرض سرقة تاريخ هذا البلد.» صَمَتَ قليلًا ثم أضاف كأنه يتكلم بصدق: «الآن عُدْ إلى حالة السكون، الآن أغمض عينيك ونَمْ في سلام، واستيقظ مجددًا لتذهب إلى عملك بنشاط… إلى اللقاء يا صديقي.» أغمضتُ عيني كما طلب مني، وبعد أن كان يشغلني سؤالٌ واحدٌ هو: «من أنا؟» أصبحا سؤالين يترددان في ذهني إن كان لي ذهن. «من أنا؟ ومن هو؟» أدركت أنني من صدمتي نسيتُ أن أسأله عن اسمه، فهو على أي حال يدعي أنني صديقه، ناديته وهو يهم بالخروج. بصوت معدني مكتوم: «يا …» لم أجد اسمه في ذاكرتي فهو الوحيد الذي عجزتُ عن قراءة ذكرياته، فاستدار مبتسمًا وقال لي بلطف: «حاتم سليم!!»
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 11:30 م

رواية قارئ الذكريات — الفصل السادس

صفحة [1]

بعد أن غادرت المستشفى اليوم؛ وهو اليوم قبل الأخير من المهلة، شعرت أنني مسجون، في الحقيقة لست في السجن، لست محاطًا بأسوار وحراس. ولكنني أشعر أنني نزيل عنبر الجبناء، سجين في البنك أثناء أوقات العمل الرسمية، سجين في المستشفى في أوقات الزيارات اليومية، سجين في البيت في ساعات الوحدة المسائية، سجين في كل الأوقات كلما تذكرت يسري ممدوح وما يعتزم فعله معي، سجين في نفسي وفي أفكاري وفي علاقاتي وعواطفي ورغباتي، مقيد مكبل. وللمرة الأولى أفهم وأستشعر معنى تصريح سعيد صالح الذي سمعته يومًا في إحدى لقاءاته التلفزيونية القديمة وهو يقول إنه قبل أن يخرج من السجن بعشر أيام اكتأب، وعندما سألته المذيعة عن السبب قال بتلقائيته المعهودة: «قلت لهم برة أعمل إيه ما أنا هنا عارف ده عنبر قتالين القتلى وده عنبر المخدرات وده عنبر الأموال العامة وده عنبر الآداب عارف كل مجرم إنما بره أنا مش عارف مين المجرم كلهم شبه بعض» وهذا هو عين المأزق الذي أنا فيه الآن، لا أعرف من المجرم ومن البريء، من المزيف ومن الحقيقي؛ كأن نظام الويندوز الخاص بي أصابه فيروس منعه من التمييز. منذ التقيت بيسري ممدوح وأنا على هذه الحال من الشك في كل شخص أقابله، ما الذي يمنع أن يكون الطبيب الذي أبلغهم بحقيقة حالة فؤاد الحداد أحد رجال يسري ممدوح؟ ما المانع أن يكون كذلك؟ بل هو كذلك وأنا على ثقة تامة من ذلك، كيف أميز بين المجرمين وغيرهم؟ كلهم يشبه بعضهم بعضًا. يسري هذا نفسه عندما تراه لا يمكنك أن تشك أن هذا مجرمًا وطليقًا ويعيث في الأرض فسادًا، منظره كمنظر رجل الأعمال بهيئته وهيبته وأمواله المتناثرة في كل مكان يحل فيه، والحراس الشخصيين الذي يحرسونه طيلة الوقت. هو نجم في نهار الحياة لامع مهندم براق منظم، أما في ليلها فهو معتم شاحب قاتل سارق غشاش مخادع. له ضحايا كثيرون، ليس مساعده السابق الذي قتله أولهم، ولن أكون أنا آخرهم. فمثل هذا يمارس الإجرام بالسليقة، بالطبيعة، كالأكل والشرب، يتخلص من الإنسان كما يطبخ الجمبري، أو يستعمله كطُعمٍ لغيره كما يستعمل الجمبري؛ في الحالتين لا يعنيه الجمبري في شيء، ولا تهمه حياة الجمبري، ولا أسرة الجمبري، ولا أهمية الجمبري لبقية الجمبري، هو يبحث عن نفسه وفقط. وإذا كان الجمبري قد خلق لتكون نهايته بيد إنسان يطبخه أو يصطاد به؛ فإن الإنسان لم يُخلق ليكون طُعمًا ولا غذاءً لإنسان مثله. كيف أميز يسري هذا من بين بقية رجال الأعمال الصالحين المجتهدين؟ صعبٌ عليّ وعلى غيري، ولذلك فإنني فريسة سهلة لأمثال يسري من المجرمين. وإن لم أقع ضحية ليسري ممدوح في جبروته وإجرامه؛ فلابد أنني كنت سأقع في شراك «مستريح» يبني شركته على أحلام الآخرين وطموحاتهم وتطلعاتهم، يجمع أموالهم بحجة توظيفها لهم وإدرار الربح عليهم كالطوفان، وهم تحت وطأة الدعاية التي يتقنها، والخطة المحكمة التي ينفذها، والأرباح البراقة التي يبرزها لهم، ويعطيها لهم في البداية، تحت وطأة هذا كله يقعون ضحيةً له، ويعطونه كل ما لديهم من أموال، ليستثمروها لديه بأرباح مضاعفة. ثم يفيقون في يومٍ من الأيام على خبر هروب هذا المستريح، ليكتشفوا أنه استراح على قفاهم بعد أن صفعهم عليه وولى هاربًا إلى غير رجعة. وقد أفلتُّ من براثن هذا المستريح مرات ومرات بسبب سلبيتي وإحجامي عن المجازفة والمخاطرة، وكلما نظرت في وجوه المضحوك عليهم منه أدركتُ أن لسلبيتي مزايا كما لها عيوب. وبعد أن أفلتُّ من «المستريحين» النصابين البشريين، تلقفني تطبيق إلكتروني أو بتعبير أدق «مستريح إلكتروني» يحوز على ثقتك ويستغل طمعك ورغبتك في الثراء السريع، يوهمك باستثمار أموالك من خلال التطبيق مقابل فوائد ضخمة. وبعد أن تتمادى معه تفيق في صبيحة يوم من الأيام لتجد التطبيق قد أغلق واختفى وأصبح وهمًا، وضاعت أموالك، فإما أن تستدين، وإما أن تموت، وإما أن تنتهي حياتك الزوجية، أو تقعد على فراش المرض غير مأسوف عليك، أو تعود كأعمى البصيرة إلى تطبيق جديد تلقي إليه بأموالك، وهكذا تدور عجلة النصب وهكذا تكون ترسًا فيها برضاك أو بغيره. وقد فشل هذا التطبيق أيضًا في إقناعي بأن أشتري آلات تعدين وأن أضخ أموالي فيه، رغم أنه لا يحتاج لمجهود مني ولا يحتاج لإيجابية بل كان متناسبًا مع سلبيتي وكسلي، فبضغطة زر أستثمر فيه، ولكن رغم ذلك لم أسقط في شباكه. كل هؤلاء النصابين لا يعلقون على صدورهم، أو على مكاتبهم، أو على شركاتهم، لافتات مدونًا عليها النصاب فلان، فكيف لي أن أكتشفهم؟ لولا سلبيتي لسقطت في أيديهم، ألم يكن سعيد صالح على حق في قوله: «…بره أنا مش عارف مين المجرم كلهم شبه بعض». وهذا هو أحد أهم أسباب السجن الاختياري الذي فرضته على نفسي، فلا أنا أخرج من بيتي، ولا أنا أقبل بأي معاملة جديدة غريبة إلا بعد دراسة عميقة، ووقت فراغي يسمح لي بذلك، وقلة طموحي في الحياة وأموالها تتيح لي ذلك. أما الكائنات البشرية اللاهثة وراء الثروة، أو من يناضلون منهم من أجل لقمة العيش، فلا يوجد ما يحميهم من هؤلاء النصابين، إنهم حتى إن أفلتوا من هذين الشركين لابد أن يقعوا في شراك نصاب آخر. نصاب البنوك الغبي الذي تلقيت رسالة منه ذات يوم على هاتفي تطالبني بضرورة تحديث بيانات حسابي البنكي، ولما اتصلت به طلب مني رقم الفيزا والرقم القومي، وأضفى على نفسه الشرعية بأن انتسب إلى البنك المركزي، وسايرته قليلًا رغم أنه جاء ليبيع الماء في حارة السقائين، سايرته حتى اطمأن لغبائي المفتعل. وعندما بدأت أسجل المكالمة ونظرًا لأن هاتفي أمين فقد أبلغه بأنه يجري الآن تسجيل المكالمة فأغلق الهاتف بهدوء بعد أن قال بنبرة رسمية: «غير مسموح لك بتسجيل المكالمة يا أفندم، هذا مخالف لتعليمات البنك المركزي، عندما تكفُّ عن تسجيل المكالمة سأتواصل معك». يا لك من نصاب مستفز‼ أما زلت مصرًا على النصب عليّ حتى بعد أن علمت أنني أسجل مكالمتك؟ من أين لك بهذه الثقة في قدرتك على النصب والخداع؟ هل استمددتها من كثرة الضحايا الذين أعطوك بياناتهم وأفاقوا على حساباتهم البنكية فارغة من أي رصيد بعد أن سحبته أنت كله وتركتهم لحسرتهم؟ والآخر الذي وجد قطعة آثار ويريدني أن أتصرف له فيها، والآخر، والآخر، والآخر؛ كل هؤلاء وأكثر.

صفحة [2]

ورغم بغضي لكل هؤلاء إلا أنني الآن أتمنى لو وقعت فريسة لأحدهم خير من أن أواجه ذلك المجرم، وتواجهه معي غدير، ونحن بلا أي حيلة، ولا قدرة على المواجهة، ولا نعرف ما الذي ينبغي علينا فعله في مثل هذا الموقف. ولكن لم يعد لنا من مهرب، سنواجه مهما كانت العواقب، ومهما كان الثمن، فلا أنا سأخسر شيئًا، ولا غدير لديها ما تخسره. فوالدها وقد خسرته بالفعل، إذ بات قعيد الفراش رهين المرض، ميت قبل أن يموت. وحبيبها الذي هو أنا وستخسره في كل الأحوال سواء واجهنا أو لم نواجه، ولذلك فلم يعد لديها ما تخسره. قررنا أن نواجه يسري ورجاله ونتحرك نحن نحوهم، ولا ننتظر حتى يأتوا هم إلينا، درسنا الأمر من كل الوجوه، وقررنا أن أذهب وحدي إلى تلك الفيلاّ البغيضة وليكن ما يكون. سأذهب بمفردي ولابد أن تنساني هي وكأنها ما التقتني يومًا. واقتنعتْ هي رغمًا عنها بذلك، وقبلتْ به على مضض، فلا يوجد حل آخر؛ أضيع وحدي وتبقى هي وأبوها على قيد الحياة وينجوان من هذه المكيدة. «لا توجد خريطة» سأعلنها في وجه يسري، «ولا ذاكرة لدى فؤاد الحداد، ولو كانت موجودة فلن أقرأها، ولو قرأتها فلن أدلك على ما فيها، وها أنا واقف أمامك فافعل بي ما تريد». سأقف في وجهه كالصخرة، لن أتراجع؛ ليس من أجلي فحسب، ولكن من أجل غدير أيضًا. صحيح أنني في المرات الفائتة كنت أتقهقر وأتراجع إلا أن هذه المرة مختلفة، سأصمد من أجلها، ومن أجل أبيها، ومن أجل كرامتي، اليوم أنا شخص جديد. وقفت أمام يسري ممدوح بكل جسارة، وأعلنت أمامه ما رتبته في ذهني بكل قوة، وانصدم مما أقول، وانصدم أكثر من الطريقة الجريئة التي أتحدث بها، وحدث ما توقعته انهال عليّ ضربًا وسبًا هو ورجاله، لم أتأثر، لم أتأثر بأي ضرب فعليًا، كأن ضرباتهم لا تصيبني، أو كأنني مصنوع من مادة لا تتأثر بهذه اللكمات التافهة، أو كأن صلابة إرادتي جرت في كل جسدي. فجأة توقف عن الضرب وأمر رجاله بالتوقف، واستلّ نَفَسًا عميقًا يستريح به من المجهود الجبار الذي بذله في ضربي، وجلس على الكرسي كأنه صخرة تسقط في الماء، ونظر إليّ. ولأول مرة أقرأ في نظراته لي فزعًا لم أجد له مبررًا؛ هل أصابه كلامي بالذعر لهذه الدرجة؟ أم هو على وشك الدخول في نوبة قلبية حادة؟ نفث أنفاسه المختلطة بالغضب والخوف الغريب، وتحدث إليّ بلهجة حانية غير معتادة من مثله، ولا منتظرة منه مع كائن ضعيف مثلي، وقال: «سأسامحك على ما مضى ولكن عليك أن تتعاون معي فيما هو قادم وإلا …». قال الــ إلاّ وسكت، لم يكمل ما بعد الــ إلاّ فلم أعرف أهو يهددني ويبالغ في تهديدي بإخفاء الجزاء الذي سينالني إن لم أستجب له؟ أم أنه لا يجد ما يهدد به؟ أم أنه أدرك أنه لم يعد يوجد شيء يخيفني؟ ما الذي غيّرك أيها العتويل وأقعدك تتفاوض مع ضعيف مثلي؟ هل يُعقل أن المطلوب مني لم يكن سوى اتخاذ خطوة واحدة نحو المواجهة وحينها ينهار يسري أمامي بهذه البساطة؟ هل لمجرد أنني صمدت أمامه وأمام ركلاته وضربات رجاله لبضع دقائق فَقَدَ الأمل في أن يحصل مني على أي شيء بالإكراه، هل يعقل هذا؟ هل الخوف خائف بالفعل مثلما يقولون يهرب ممن يقتحم عليه معاقله؟ هل الشجاعة كما يقولون ليست ألا تخاف بل ألا تتصرف بناءً على خوفك؟ ليس المهم أن تخاف أو لا تخاف المهم ماذا يدفعك خوفك لتفعل؟ «ما الذي غيّرك يا يسري؟ ماذا جرى لك أيها العتويل؟» سألته السؤالين الأخيرين وأنا أُجلِسُ نفسي على الكرسي المقابل له متخذًا وضع الواثق في نفسه لأبعد حد. وكأنني لم أكن مكوّمًا على الأرض أتلقى الضربات منذ لحظات، وكأنني لا أرتعد من داخلي خوفًا، وكأنّ هذه النبرة المتحدية التي أتحدث بها هي نبرة حقيقية نابعة من داخلي وليست مفتعلة لإيهامه ورجاله أنني بخير وأنهم مهما يفعلون بي فلن ينالوا مني ما يريدون، وأنني جئت إليهم وخلعت الحياة على باب الفيلاّ البغيضة. «لا أريد حياتي، ولا أريدك يا يسري، لا أنت ولا هؤلاء الأغبياء، هل ظننت أن الضرب والتخويف سيجدي معي؟ أنت واهم» قاطعني يسري مشهرًا ذراعه في وجهه بعنف وغيظ وصرخ: «كفى» احتقن وجهه أكثر وهو يضغط على نفسه ليقبل بالوضع الجديد ويسألني عن طلباتي حتى أتعاون معه وأقدم له الخريطة الأثرية، وظل يعدني بنعيم ويمنيني بأموال لا أستطيع لها عدًّا ولا أذكر أرقامها الغريبة على سمعي. ما هذا الفخ الجديد الذي ينصب لي؟ وماذا أنا فاعل؟ هل أضحّي بغدير ووالدها؟ هل أبيعهما وأبيع نفسي؟ ماذا عساي أن أفعل؟ أعتقد أنني لم أعد قادرًا على قبول المواءمات، لم يعد لدي متسع من الصبر للتفاوض مع هذا الحقير. رفضت كل محاولاته وإغراءاته، وكررها هو مرات ومرات دون كلل أو ملل، ولما يئس مني نهض واقفا بعنف وهو يقول لي بتوعّد: «أنت الذي جنيت على نفسك» تهكمت وسخرت وتطاولت وسببت وشتمت، وفعلت كل ما نما إلى قاموس الشر عندي من أفعال. «لا شيء أخسره فافعل ما لديك، ماذا ستفعل؟ هل ستقتلني؟ اقتلني كما تشاء. أرى أن الخيارات أمامك محدودة فإما أن تقتلني أو أن تتركني وشأني وأتركك وشأنك.» «تتركني وشأني!!» بصوت بطيء رددها يسري. «سأتركك وشأنك ولكن ماذا عن حبيبتك غدير وشأنها؟» كيف عرف هذا الوقح أن غدير حبيبتي؟ يبدو أن ذلك الطبيب لم يكن معذورًا، يبدو أنه ما كان إلا جاسوسًا مدسوسًا علينا. ماذا سيفعل هذا الشيطان مع غدير؟ لو قتلني قبلها فلا مانع عندي ولا مشكلة. المشكلة لو تركني وقتلها، كيف سأسامح نفسي على ما سببته لها؟ ألم أكن قادرًا على اتقاء شره وتنفيذ أوامره بدلًا من تعريضها لغضبه وانتقامه؟

صفحة [3]

إنه يراقبني في صمت ينتظر ليرى ردي، لو أظهرت له أنني خائف عليها، ستكون نقطة ضعف بالنسبة لي، ولو أظهرت أنني غير مكترث بها فلا أضمن ألا ينفذ تهديده. «اذهب بموتك إليها فهي في انتظارك» قلتها بقوة لا تنبئ عن ترددي في قولها، قلتها مستندًا إلى الاتفاق الذي أبرمته معها قبل أن آتي للمواجهة. لم أتوقع أثر كلماتي القوية هذه على يسري، ظننته سيغضب، سيسب، سيضرب، سيفعل أي شيء إلا أن يضحك بارتياح، لم أتوقع هذا منه، ولم أفهمه إلا وضحكاته تختلط بتساؤل مسموم: «أيها الغبي هل تظن أن غدير تحبك؟ هل تعتقد أنها تحب شخصًا ضعيفًا جبانًا مثلك؟» ماذا يقول هذا المخرف؟ هل يريد أن يوقع بيني وبين غدير العداوة والبغضاء؟ هل يريد أن يفرق بيننا ليسود هو، وينتصر هو، ويبقى هو؟ هل يريد أن يضرب بعضنا ببعض فيصل إلى هدفه بينما يجلس على الأريكة مستمتعًا بمشاهدتنا ونحن يقضي بعضنا على بعض، ويفني بعضنا بعضًا؟ تمامًا مثلما يفعل النظام العالمي الجديد مع الدول العربية. ما هذا الهراء الذي يبثه في نفسي؟ ولماذا أستمع له؟ لماذا أعطيه الفرصة ليشكك في حب عمري؟ أي عُمْر؟!! إنني لم ألتقها إلا من أيام. إنها لمصيبة إن كان محقًا فيما يقول؛ إنها لكارثة. إنني إذن غبي وغبي جدًا. لقد نجح هذا الأحمق في أن يشككني في نفسي وفي محبوبتي وفي قدراتي، هل أراد أن يعود بي إلى نقطة الصفر مجددًا؟ هل أراد أن يسلبني القوة التي تحليت بها اليوم؟ هل يريد أن يعيدني لحالتي الأولى من الوهن والخور والضعف والانهزام النفسي؟ أتراه يريد أن يحطمني معنويًا؟ دخلت غدير إلى الفيلا تمشي تحت الضوء الخافت الباهت المخيف المقزز، الضوء الذي تسرب ليطعنني في ذكائي، ليطعنني في قدراتي، ليزيد إحباطاتي وآلامي وأوجاعي. دخلت غدير إلى الفيلا ونبأ وصولها تلقيته من لسان هذا الشخص البغيض، الذي اتفقت أنا وهي على ألا نستسلم له. دخلت غدير ولم تنطق، دخلت غدير ومرت بي كأنها طيف كئيب مرّ من أمامي في خُيَلاء، مُطْلِقَةً نحوي سهمًا مسمومًا من ابتسامات مستفزة، ابتسامات حقيرة، ابتسامات خبيثة، تخرج من نفس شيطانية بامتياز مع مرتبة القرف، ابتساماتها وحدها كانت كفيلة بتحطيمي، ابتسامات مخزية عارية من الإنسانية، مالي أتحطم على صخرة أنثى جديدة؟ ألم تَكْفِ ضحى وما فعلته بي؟ ولكن ضحى كانت حقيقة أما غدير هذه فوهم، وأي وهم؟ «من أنتِ أيتها الشيطانة؟ هل أنتِ ابنة ذلك الرجل القابع في المستشفى حقَا؟ هل بعتِ والدك لهؤلاء الأوغاد بهذه السهولة الفجة؟» لم أسمع غير ضحكات يسري الشريرة الهازئة، وهو يشير ناحيتها قائلًا في سخرية: «ها هي حبيبتك بنفسها تطلب منك أن تستخرج من والدها ما نريد.» ضحك مرة أخرى بسماجته نفسها، نظرت نحوها فهزت رأسها موافقة على كلامه. أطرقتُ إلى الأرض ودارت بي الفيلاّ عدة دورات، كأنني أصبحت ترسًا في عجلة الوهم أو الحقيقة؛ لا أعرف. ما هذه الذكريات التي قرأتها في رأس غدير؟ هل كانت تخدعني بهذه الذكريات؟ إذن فأي ميزة لديّ إذا كانت موهبتي يمكن مراوغتها بهذه الأساليب البشرية البسيطة؟ وما الذي يمكنني فعله الآن ولمن أنتمي وعمن أدافع؟ وما أدراني أن فؤاد الحداد شخصًا حقيقيًا هو الآخر؟ وما أدراني أنه عالم أصلًا؟ وما أدراني أن يسري ممدوح ليس على حق؟ ما أدراني أنه لا يمثل الجانب الخيّر في الحكاية؟ ألا يمكن أن يكون كل ما أعيش فيه مجرد وهم أو حقائق معكوسة الصالح فيها هو الطالح والعكس؟ ماذا أفعل لأخرج من هذا المأزق الغريب؟ لا بد لي من تغييرٍ كلي في استراتيجية عملي وطريقة تفكيري، لا بد من مراوغة، لا بد من خداع، لا بد من مكيدة، لا بد من التحلي ببعض صفات البشر التي لا أجيدها حتى أتمكن من الخروج من هذه المصيدة ريثما أتوصل لحلٍ كلّي لأزمتي. وقفت أمام يسري وكأن شيئًا لم يكن، وكأنني لم أرَ غدير؛ وكأنني لم تصبني صدمة، ولا قشعريرة، ولا مرارة، ولا غُصّة؛ وكأنني لا أقاوم حتى يخرج صوتي صحيحًا غير متهدج؛ وكأنني لا أقاوم حتى أقف معتدلًا غير مهزوز ولا مُنْحَنٍ. وقفت أمام يسري وتحدثت إليه بصلابة: «سأفعل ما تريد» هتف يسري بفرحة. «جيد جدًا، كنت متأكدًا من أنك لن تضيع فرصة كهذه، يا صديقي» صديقي! الآن أنا صديق لهذا البرميل القذر!! تركني أنصرف من الفيلاّ بعد أن أهال على ضميري آخر حفنةٍ من تراب الوعود البراقة بتحقيق كل أحلامي. تركتُه ورحلت، وأنا أعرف ما ينبغي عليّ فعله جيدًا، أو لا أعرف على الإطلاق.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 11:25 م

رواية قارئ الذكريات — الفصل الخامس

صفحة [1]

نفّذت ما طلبه مني يسري ممدوح واقتربت من فؤاد الحداد؛ ذلك الرجل العجوز الذي صدمته سيارة وهو يعبر الطريق بعد أن غادر البنك، لم أكن أعرف حينها أن هذين الوغدان هما من صدماه بغرض العثور على الخريطة الأثرية التي معه. والآن فهمت لماذا ظنّا أنه كان يحوز هذه الخريطة وقت خروجه من البنك، لقد توهّما أنه ما دخل البنك إلا ليفتح الخزينة التي استأجرها في البنك ليضع فيها أشياءه الثمينة، ومن بينها ولا شك تلك الخريطة التي توصل إليها وحده. ولو سألني هذان الغبيان من قبل لأخبرتهما أنه ما جاء إلا لسحب بعض الأموال، ولم يدخل أو لم أشاهده أنا على الأقل وهو يدخل إلى الخزينة. والآن وأنا أجلس إلى جواره في سريره بالمستشفى بعد أن تعرفت إليه وإلى ابنته الوحيدة غدير؛ التي اكتشفتُ أنها كانت تدرس معي بالجامعة وفي كلية التجارة أيضًا، ولكنني كنت أسبقها بعام، وأنها كانت تعرفني جيدًا لأنني كنت الأول على الكلية دائمًا، ولم يكونوا يعرفون أن سبب تفوقي أنني كنت أقرأ ذكريات الأساتذة واضعي الامتحانات، ودائمًا ما كنت أصيب في معرفة الأسئلة التي قاموا بوضعها. عرَفتني غدير قبل أن أعرّفها بنفسي وعرّفتني إلى أبيها، وحاولتُ جاهدًا أن أذكره بنفسي وما جرى معه في البنك يوم الحادث، ولكنني اكتشفت أنه فاقد للذاكرة فقدانًا كليًا، حتى ابنته التي تمدُّ يدها لتسقيه الماء هذه لا يذكرها، وساعتها علمت أن مهمتي ستكون صعبة أو مستحيلة. ولا أخفي أنني بدأت أتعلق بغدير عاطفيًا، بدأت أحبها وأنجذب إليها، وأصبحت واقعًا بين مطرقة تعلقي بها وسندان غدري بأبيها وخيانته. هل أتمادى في حبها وأرفض ما يريده مني الوغد يسري أم أن هذا لا يمكن أن يكون؟ هل يمكن أن أحافظ على حبي لها، وحبها لي؟ حبّها الذي لمسته من اللحظة الأولى للقائها وقراءة ذكرياتها معي في الجامعة. لقد وجدت لديها ذكريات عصية على الحصر عني وعن لقاءاتها بي، تلك اللقاءات العاطفية التي لم تكن تحدث إلا في خيالها وفقط؛ ولكن عقلها دوّنها على أنها ذكريات حقيقية وأحداث حدثت بالفعل. وهذه كانت مفاجأة بالنسبة إلى شخص خجول ومنطوٍ مثلي، لم يبادر يومًا بأخذ فعل أو إبداء رد فعل تجاه أي أنثى. بخلاف أنثي اليعسوب؛ ضحى البرطاسي التي تظاهرت بالموت، أو بالأحرى تظاهرت بأنها ليست راغبة في الحب والارتباط حتى رحلتُ عنها، وعلى الفور نهضت ودبت فيها الحياة والرغبة في التزاوج من غيري. واقترنت بحسن الدهشان زميلي اللزج اللدود الذي ما فكر حتى أن يدعوني لفرحهما، وما كنت لأحضر لو دعاني، ولكن رغبتي في الحصول على تقدير منهما، ولو كان تقديرًا زائفًا أو حتى تقديرًا من الأشخاص غير المناسبين، هي التي تدعوني لقول ذلك؛ ففي كثير من الأحيان نحتاج إلى التقدير حتى ولو من الأشخاص الخطأ. ومضت الأيام، ويا للعجب!! وجدتُ واحدة تحبني حبًا شديدًا منذ أعوام، وهي الآن تجلس إلى جوار أبيها في المستشفى كلاهما يعاني. والدها يعاني من فقد قدميه وذاكرته، ويعاني من مطاردة وقحة من أغبياء متسلقين وصوليين انتهازيين يعملون لصالح أجندات مشبوهة للقضاء على تاريخ البلد وتراثها الحضاري وإرثها العظيم، ويعاني أيضًا من شخص جبان يجلس إلى جواره يدعي خوفًا عليه وإشفاقًا، وحبًا وترفقًا بابنته، ورثاءً لحالهما، ولا يفارقهما إلا بانتهاء وقت الزيارة اليومية، ويظن ذلك الرجل القعيد البائس أن هذا الشخص من بقية أهله أو هو ابنه، بينما لا يعرف ما يضمره في نفسه له من شر. وكذلك ابنته الوحيدة الغريبة في هذا العالم تعاني معاناة واضحة لها مما يجري لأبيها، وتعاني معاناة مخفية عنها بحبها لهذا الشخص الجبان الذي تكن له مشاعر وعواطف قديمة كانت قد اندفنت في أعماق نفسها، وحاك عليها الزمان خيوطًا من نسيان، ونثر عليها غبارًا من تجاهل، وردم عليها باليأس والقنوط من أن تلتقيه في يوم. بيد أن القدر كان له رأي آخر، إذ جمعهما سويًا، وهي تراه قادمًا كأنه يطل برأسه من حلم قديم ألوانه الأبيض والأسود فقط، يدخل إلى المستشفى، يسير في خطوات ثابتة، وتمنّت لو يراها إذا مرّ إلى جوارها، تمنّت لو يعرف ما كانت تخبئه له من خبيئةٍ في قلبها، تمنّت لو تلتقط مستشعرات الذكريات عنده ما حوته ذاكرتها عنه. إلاّ أنه لم يشعر بها ومرّ بجوارها كأنه لم يرها، ومضى كطيف لطيف ووقف أمام مكتب الاستعلامات فالتقطت أذنها اسم والدها فهرولت تجاهه، وأخبرته بفرحة مبالغ فيها لاحظتها موظفة الاستقبال ونظرت إليها باستغراب؛ بينما لم تعبأ هي بشيء فقد وجدت حلمها القديم يتشكل ويتجسد أمام عينيها فتعرفت إليه وعرفته بنفسها، وأنها ابنة فؤاد الحداد الوحيدة، وأخذته في جولة تفقدية لوالدها وأجلسته إلى جواره في صمت. كان صمتًا من جانبها ولكن من جانبي لم يكن صمتًا؛ صحيح أنني لم أتكلم غير أنني بدأت تشغيل قارئ الذكريات لأقرأ ذكريات والدها المستهدف، إلا أنني وجدت ذاكرته فارغة تمامًا، وبدأ المستشعر الخاص بي يلتقط ذكريات تنساب من رأس غدير، من أول ما رأتني وأنا أدخل المستشفى أرفل في ثياب الحب، حتى أول لقاء وأول مرة رأتني فيها في الجامعة. تعجبتُ جدًا لها ولهذه الذكريات، وخشيتُ أن يكون قارئ الذكريات الخاص بي قد أصابه عطل جعله يخرف أو يعطي بيانات ومعلومات غير صحيحة، وخشيت أن أتحدث بشيء مما قرأته من ذكرياتها فأواجَه بالصد والتكذيب من جانبها، أو الملاوعة والمراوغة التي اعتادت عليها بنات جنسها، وبالأخص أنثى اليعسوب. لم أكد أن أنطق ببعض الكلمات أُذكّرها فيها بنفسي حتى وجدتها قد انطلقت كسيل جارف تحكي وتحكي، وانصبت كل ذكرياتها على طاولة حوارنا فتأكدت من سلامة قارئ الذكريات وجودة أدائه فاطمأننت لذلك، لأنني كنتُ خشيت أن يكون تعطلّه هو الذي أثر بالسلب على محاولة استجلاب الذكريات من ذاكرة أبيها. وبعد أن أبلغتني بفقدانه الذاكرة أظهرتُ أسىً وحزنًا شديدين لذلك. رأتْهُ هي من جانبها شيئًا جميلًا وشعورًا نبيلًا وحبًا كبيرًا، ومن جانبي رأيته أنا حقارة ودناءة وقلة أصل، إنني هنا من أجل سرقة ذكريات أبيك، وددت لو أصرخ فيها وأقول لها ذلك لأريح نفسي وأهدئ أعصابي. ولكن مع الأسف الشديد إذا فعلت ذلك فأنا متأكد من أنني سأخسرها وأخسر نفسي، فهي لن تَبقى معي ولن تُبقي عليّ لحظة واحدة بعد سماعها هذا الخبر، وكذلك يسري مزفوت لن يبقيني على قيد الحياة لحظة إضافية إذا بُحْتُ بالسرّ لأي كان، ولذلك فأنا الآن تائه حيران. كل يوم أتوجه لزيارة فؤاد وغدير بالمستشفى، وأغادر إلى شرفة منزلي تداعبني أضواء الإعلانات، وفي الصباح أذهب إلى البنك وأعود لأكرر الكرة. ومرة بعد مرة ألتقي بيسري أو أحد رجاله يسألني عن النتيجة فأبلغه أن الرجل مازال فاقدًا للذاكرة، ولا توجد في رأسه ذكريات لأقرأها، ومرة أخرى أبلغه أنني قرأت ذكريات ابنته ولم أصل لشيء ذي أهمية، وأنه لا يوجد أحد يزوره في المستشفى على الإطلاق؛ هل أنتم متأكدون أن هذا الرجل كان عالمًا أو حتى شخصًا معروفًا أو له ذكر في الحياة؟ إنني أظن أنه لو كان «يوتيوبر»، أو «تيكتوكر»، أو «بلوجر» لكان له زوار ومتابعون ومهتمون بأخباره، رغم أنه لا يقدم إلا محتوىً تافهًا يفتح من خلاله البث ليبث بعض التفاهات والأفعال عديمة القيمة والجدوى. كأن يبث لنفسه بثًا حيًا وهو يطبخ البطيخ بالصلصة، أو وهو يطارد الجن في الجبال والأماكن المهجورة، ولا أعرف أي جن يطارده هؤلاء إلا أن يكون الواد الجن الذي غنّى له حسن الأسمر يومًا، أو يجلس لساعات يقشر بيضة حيّة دون أن يتسبب في سكب السائل منها، أو يفتح البث وينام ويبث شخيره وفمه المفتوح للعامة كأنه يظن نفسه صرصارًا مضروبًا بشبشب ليستلقي على ظهره على هذا النحو. أو يفعل مثلما فعل بعض الشباب ذات يوم؛ ارتدوا أقنعة مخيفة في الشارع وحملوا سيوفًا وهم يركضون كأنهم أشباح، وكان ذلك أثناء تصويرهم مشهدًا تمثيليًا ضمن مقطع فيديو لنشره على التيك توك؛ فرآهم طفل بريء فتوقفت عضلة قلبه فمات من فوره. أو هو أو هي، وما عاد يوجد فارق بين هو وهي، تجري تحديًا مع أحدهم وإذا خسرت الجولة تقوم بوضع أشياء على رأسها كأنْ تكسر بيضًا حيًا وتغرق به جسدها، أو تضع مساحيق غسيل الملابس على جسدها وتطلق الماء عليها؛ المهم أن ترتكب أي فعل يهين إنسانيتها أو إنسانيته.

صفحة [2]

المهم أن تتحلى بأخلاق القرود، وتتصرف تصرفات القرود، وتأكل كما يأكل القرود، وتعمل مقالب فيمن تعرفهم كما يعمل القرود، مقابل تلقي الدعم من المتفرجين على خيبتك. المهم أن تنزل من مرتبة إنسانيتك إلى مرتبةٍ دنيا، بدلًا من أن ترتقي نحو الملائكية كما أراد لك خالقك. إذا نزلت وتنازلت عن منزلتك ووضعك الذي خلقك الله فيه وكرّمك ساعتها تنهال عليك التكبيسات والهدايا والأسود والورود، ساعتها تصبح تيكتوكر مشهور أو يوتيوبر ذا صيت أو بلوجر معروف. ساعتها لن تجلس في المستشفى وحيدًا لا يزورك أحد مثلما هو حال العالم الجليل فؤاد الحداد، الذي لو أوتي ذاكرة الآن لتمنّى أنْ لم يكن في يومٍ عالمًا. وأنْ لو كان أحد هؤلاء التافهين فينال مجدًا وشهرة ومالًا. أو لو كان موظفًا بسيطًا؛ يروح إلى عمله فلا يعمل عملًا ذا أهمية، ويغدو منه فلا يتقاضى راتبًا ذا قيمة، فقط عليه أن يوقع حضورًا في خانة الحضور، ويوقع انصرافًا في خانة الانصراف. وإذا تطوّر الأمر فعليه أن يضع بصمته الغالية على جهاز البصمة الحديث، ليثبت حضوره الجسدي إلى مكان العمل، ولا يهم ماذا يؤدي من عمل بعد أو أين يذهب أو كيف يعامل جمهور المتعاملين معه، أو هل يبقى في مكان العمل أصلًا حتى نهاية اليوم ليضع بصمته الشريفة على جهاز البصمة، أم أنه يبصم أول اليوم ويغادر إلى أشغاله الخاصة، ولا يعود إلى على البصمة الختامية، يتكرّم بها وينطلق سعيدًا مبتسمًا فرحانًا بأنه أنجز شيئًا عظيمًا اليوم وكل يوم؛ وهو أنه يترك بصمته في العمل. وقتها كان يمكن لفؤاد الحداد أن يقضي حياته الوظيفية برتابة وملل، وبعد أن تنتهي ربما تذكره أحد زملائه فزاره في المستشفى اليوم؛ أما أن تكون عالمًا فيبدو أنه مكتوب أن تبقى أبدًا في سرير المرض بغير رفيق ولا زائر ولا سائل ولا مطمئن ولا متقصٍ لأخبارك. وهذا غريب للغاية كيف يمكن أن يكون عالمًا ومشهورًا وحائزًا لخريطة أثرية متفردة، ووحده الذي يحوزها، وعندما يقبع على السرير في المستشفى لا يجد من يسأل عنه؟ هذا يثير في نفسي الظنون والشكوك، حول قيمة أي من الاثنين؛ الخريطة أو فؤاد نفسه. ربما لم تكن الخريطة ذات قيمة أو لم يكن هو ذا قيمة. انغمستُ مع غدير ووالدها يوميًا كما ينغمس البسكوت في الشاي فيذوب فيه، وجدتُ بينهما رغم الذاكرة المفقودة ذلك الحب والتجمع الأسري الذي افتقدته منذ مولدي، وجدت بينهما الألفة والمودة والاهتمام، وعلاقة الأب بابنته التي لم أشاهدها من قبل، أو لم أكن أعرف تفاصيلها وطبيعتها. ورغم أن والدها فقد ذاكرته إلا أنه لم يفقد الأبوة والحنان، مازال وهو قعيد بلا ذاكرة يسألها بين لحظة وأخرى عن حالها، وماذا فعلت في يومها، وبمن التقت، ولماذا هي حزينة أو سعيدة، ويطمئن على كل تفاصيلها، رغم أنه يعود فينسى فيعود فيسأل، وهي لا تمل من تكرار الإجابة. انزويت في ركن الغرفة أراقبهما بعينين متأملتين، وبنفس يملؤها الحب، وتغمرها السعادة، والحزن في الوقت نفسه. تنازعني نفسي الجبانة بين أنني لا بد أن أخاف من يسري وأن أمضي في تنفيذ أوامره حتى النهاية، وبين أنني لا بد أن أصارح غدير بالحقيقة وأن أرى ردة فعلها وأقرر ماذا أفعل بعد ذلك أو ماذا نفعل سوياً، ربما سامحتني، وربما التمست لي المعذرة، وربما طردتني، وربما عنفّتني وأسلمتني إلى الشرطة غير مأسوف عليّ، وربما، وربما، وربما؛ احتمالات واحتمالات، واحتمالات. كلما فكرت في الأمر يزداد تعقيدًا وأزداد حيرة، أتقدم مرة لأخبرها بالحقيقة، وأتراجع في المرة نفسها وأكفُّ لساني، كلما رأيت نظراتها البريئة لي حزنت وغضبت من نفسي وهممت بالبوح، وكلما تذكرت صورة ذلك الحيوان المفترس خشيت أن أنطق. والآن تزايدت خشيتي وتضاعف خوفي، ففي البداية كنت أخاف على نفسي من بطشه، أما اليوم فمازلت أخاف منه طبعًا ولكن عليها قبلي. لقد امتزجتُ بها وامتلأت بها امتلاء الكوب بالماء، تشبيه بليغ؛ لأنني الكوب وهي الماء، ويمكن ليسري أن يبتلع هذا الماء في لحظة، ويمكن له أن يكسر الكوب في اللحظة نفسها؛ وهكذا ينتهي كلانا إلى غير لقاء. إلاّ أنني اليوم ما زلت أملك الفرصة، مازلت قادرًا على البقاء والاستمرار ولو لأيامٍ قليلة. فمادام يسري يشكُّ ولو شكًا ضعيفًا أنني قادر على إمداده بالمعلومات التي يريدها فسوف يبقيني على قيد الحياة، أما إذا تيقن من أنني أصبحت عديم الفائدة فسوف يقضي عليّ على الفور بغير تفكير ولا تردد، وأعلم أيضًا أنه فور تمكنه من معرفة مكان الخريطة الأثرية ومحتواها سيتخلص من فؤاد وربما من غدير. ولذلك فلابد أن أقنعه دائمًا بأنه ما زال هناك أمل، وأن الغد يحمل لنا الأخبار السارة، وأن فؤاد أوشك على استعادة ذاكرته؛ وبالتالي سيستطيع قارئ الذكريات أن يقرأ، وسيصل هو إلى أهدافه الخبيثة بسلام. وبعد أيام تحطمت خطتي الساذجة على صخرة الطبيب الذي أبلغ أحد رجال يسري بالحقيقة، وأخبره بأن فؤاد حالته لم تتحسن ولو للحظة، ولم يتذكر ولو موقفًا واحدًا، ولم يُبْدِ استجابة لأي علاج. وكل هذا كَذّبَ روايتي ووضعني في مأزق لا فكاك منه كانت نتيجته أن تم اختطافي إلى تلك الفيلاّ اللعينة كالكابوس، القابعة في الطريق المظلم الموحش مع الوحوش البشرية الضارية. لا أستطيع أن ألوم الطبيب فلا أعرف سبب إدلائه بهذه التصريحات، ولكن إن كان هو من فعلها فمعه عذره، ووجودي في هذه الفيلاّ المرعبة يكفيني لأن ألتمس له ألف عذر. ضربني يسري وأعوانه ما وسعهم الضرب، سبّوني ما وسعهم السب، توعدوني وهددوني، وألقوني حيث أخذوني، ومنحوني أجلًا وفرصة أخيرة. فرصة لمدة أسبوع إضافي بعدها إما الخريطة وإما النهاية. كنت أظن أن الحياة تستمر على خط واحد، وارتضيت لنفسي أن أقتنع وأرضى بالعيش بقرب غدير وأبيها إلى الأبد، ظننت أن هذا الوضع المُرضي بالنسبة لي سيستمر. وتأبى الحياة إلا أن تعود سيرتها الأولى، لا تًبْقَى على حال ولا تُبقي على أحد، وها هي تفعل معي الأمر نفسه، تضعني في مأزق البداية والنهاية، تحصرني في خطٍ زمني محدد؛ مثلما تضعنا الحياة في خطٍ محددٍ يبدأ بالميلاد وينتهي بالموت، وتلزمنا بأن نباشر كل أعمالنا خلال هذه المدة المحددة بدون زيادة أو نقصان، وهو شيء في الحقيقة لا يصلح معنا غيره. فلو مُدت أعمارنا إلى ما لا نهاية لأجّلنا أعمالنا إلى ما لا نهاية، وما كان هناك من سبيل لتقييمنا وتقويمنا ومجازاتنا عن أعمالنا؛ وهذه طبيعة الإنسان. الآن أجدني مجبورًا على إخبار غدير بكل شيء، لم يعد هناك طريق آخر. صحيح أننا أصحاب إرادة حرة، صحيح أننا مخيرون، صحيح أننا نُمنح اختيارات متعددة، ونختار منها اختيارًا واحدًا بحريتنا وإرادتنا؛ ولكننا أيضًا نُجبر على بعض الأشياء في حياتنا. نُجبر على مولدنا وموتنا، نُجبر على صحتنا ومرضنا، نُجبر على ما يجري لنا من أحداث وما يجري حولنا، نُجبر على حُلو الحياة ومرها، نُجبر على أقدارها بخيرها وشرها. بيد أنّ كل هذه الأشياء التي نُجبر عليها لا تؤثر على إرادتنا ولا اختياراتنا، ولو أثرت عليهما فإن هذا يكون سببًا لإلغاء الإرادة وإعدام الاختيار وبالتالي انتفاء المسئولية واستمرار الأصل فينا وهو البراءة. لذلك لا يحاسب الله فاقد العقل بل لا يكلفه بأي تكليف، ولا يحاسب المُكْرَه، ولا المضطر، ولا الناسي، ولا النائم، ولا الطفل الذي لا يستطيع التمييز بين الخير والشر والحق والضلال، كل هؤلاء ومن على شاكلتهم لا يحاسبهم الله عن أفعالهم، والباقون يحاسبون على قدر تكليفهم، ويكلفهم قدر طاقتهم. فالله لم يجبر أحدًا على القتل، ولم يجبر أحدًا على السرقة، ولم يجبر أحدًا على الغش، ولم يجبر أحدًا على السب؛ ولكنه خلق هذه الأفعال وكوّنها ووضعها داخل مكونات الحياة، وضعها على رفّ الحياة أمامك، يمكنك أن تمد يدك لتتناولها، وتسب أو تسرق أو تقتل أو تغش، كما يمكنك أن تشيح بوجهك عنها ولا تقع في الفخ. تمامًا مثلما فعل مع أبيك آدم وأمك حواء، وضع أمامهما شجرة ونهاهما عن الأكل منها، وترك لهما حرية الاختيار بين أن يأكلوا منها أو لا يأكلوا، وكان اختيارهم أيًا كانت دوافعه هو الأكل منها فظهرت لهما سوءاتهما. وهنا تأتي المرحلة الثانية، هل تركهما الله عاريين وبلا إعانة؟ بل على العكس وفّر لهما أسباب الستر، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وأوحى إلى آدم بكلمات قالها آدم فتاب عليه. وكذلك أنت عندما تتناول السرقة من على الرف فإن هذا ليس نهاية المطاف، لن تسقط في الهاوية بغير عودة، بل إنك قادر على الرجوع في هذا الاختيار بأن تتوب لله وتمتنع عن السرقة مجددًا وتعيد المسروقات التي سرقتها؛ وهكذا فأنت في الحالتين قد اخترت مصيرك. عندما تلعب الفيفا (FIFA) أو البيس (PES) فإنك تختار من بين عدة اختيارات، إذا أردت تسديد الكرة تجاه المرمي تضغط على زر المربع بقدر معين فتنطلق الكرة نحو المرمى، فلو زاد مقدار الضغطة لارتفعت الكرة عن المرمى وضاعت الفرصة، وفي الحالتين أنت من اختار أن يضغط على هذا الزر بهذا القدر، وعليك أن تتحمل نتيجة ذلك. فالمبرمج وضع أمامك كل الاحتمالات في اللعبة، وترك لك حرية الاختيار بينها، ولكنه في الوقت نفسه يجبرك على أشياء معينة، كوقت المباراة المسبق، وقواعد اللعبة، وأنت ملزم باللعب للمدة المحددة، ومجبر على التعامل وفق هذه القواعد، وتختار من بدائلها وتتحمل نتيجة اختياراتك. ولا يمكنك لوم المبرمج لأنك عندما ضغطت على زر الدائرة لم يمرر لاعبك الكرة، وذلك لأنه وضع القواعد وطريقة الاستخدام وعلّمها لك، فالدائرة تؤدي إلى تزحلق اللاعب وربما تسببت في طرده إذا ارتطم بلاعب الفريق الآخر فأهواه أرضًا، فإذا استخدمت الدائرة في غير موضعها فلا تلومن إلا نفسك، فالقرار قرارك والاختيار اختيارك في كل الحالات، فإذا أردت نتيجة معينة عليك أن تختار التصرف المناسب الذي يؤدي إليها، ولا تنتظر أن تجني من الشوك عنبًا.

صفحة [3]

وكذلك هي الحياة؛ لعبة كبيرةٌ ولكنها في منتهى الجدية، والسبب في جديتها أنها لا تحدد مصير مباراة، ولا كأس، ولا دوري، ولكنها تحدد مصير إنسان، والإنسان أغلى من كل هذه الأشياء، ومصيره أهم من مصائرها، وقد قررتُ أن ألتزم بقواعد اللعبة طالما أن الحياة لها نهاية. فالنهاية المحتومة التي وضعها الله لحياة الإنسان في وقت محدد سلفًا تعطي الإنسان الحرية الكاملة في الاختيار؛ لأنه يعلم أنه يوم يموت فإن هذا اليوم هو يوم موته الوحيد، ولو تكرر ذلك اليوم ألف مرة لتكرر موته في هذا اليوم كل مرة، وبالتالي يكون حرًا من كل قيد، حرًا من كل إنسان يُخوّفه بأنه قادر على إنهاء حياته، وهو الأمر الذي يعبر عنه الناس بالتعبير السائد «ما يأخذ الروح إلا خالقها». وكذلك لن يموت الإنسان حتى يستوفي رزقه كله، فالرزق المقرر له في هذه الحياة سيأتيه لا محالة، سواء أراد أم لم يرد، سواء التزم الطريق القويم أو غشّ أو سرق، سيناله رزقه سيناله. الآن تتردد في داخلي كلمات رسول الله وخاتَم النبيين: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها…» ضمن الله للإنسان رزقه، وضمن له حياته، وبالتالي ضمن له حريته واستقلاليته وإرادته؛ ولذلك قررتُ إخبار غدير بكل ما جرى. ما الذي سأخسره؟ حياتي‼ إذا انتهت فإن هذه هي نهايتها، ولم يكن هناك سبيل لزيادتها يومًا جديدًا. ماذا سأخسر؟ وظيفتي‼ إنها من رزقي وهو لا يضيع وسيأتيني سيأتيني، وطالما أنني لم أخَتَرْ خسارة عملي إلا بمقابل مجزٍ؛ وهذا المقابل هو أن أكسب نفسي، فلا ضير. ماذا سأخسر؟ غدير‼ لقد خسرتُ ضُحى من قبلها واستمرت الحياة بل ووجدت غدير وتعلقت بها تعلقًا أشد من ضحى. إذن؛ لا يوجد لديّ ما أخسره. إلى متى سأظل قابعًا في الظل؟ إلى متى سأظل متعلقًا بالدنيا راضيًا بالدنايا؟ رغم أنني لم أرَ في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام، مثلي مثل المتنبي الذي لم يرَ أسوأ من هذا العيب. طالما أنني قادر على التمام، أو هكذا أظن، فلماذا أرضى بالدون؟ ولذلك أخبرت غدير بكل شيء. مثلما توقعتُ غضبتْ غدير وتهددت وتوعدت. ولأنها طيبة القلب فما لبثت أن عادت أدراجها وهبطت على أرض الواقع، ووازنت بين ما تم فرضه عليّ وما قبلتُه مكرهًا. كيف تحاسب مكرهًا؟ خصوصًا إذا لم يتمادى في غيّه، ولم يجارِ شياطين الإنس ولم يستمر معهم في مسلسلهم الشيطاني. التمستْ لي الأعذار من ثنايا محبتها لي، ومن خلال صدق حدسها وعلمها اليقيني أنني لا يمكن أن أكون إنسانًا سيئًا، أو أن أكون شريكًا لهؤلاء الحقراء وإلاّ لما اعترفتُ لها بذنبي، ولما امتنعت عن السير معهم في طريقهم رغم المخاطرة الشديدة التي أتعرض لها نتيجة هذا القرار. لقد اتخذت القرار وأنا أعلم أن مصيري إما القتل أو القتل، ورغم ذلك اخترت أن أصارحها. عَفَتْ عنّي وانضمت إليّ تشاركني الهموم والأحزان؛ ماذا سنفعل وكيف نتصرف؟ ولما سألتها عن مكان الخريطة إن كانت تعرف عنها شيئًا ضحكت، وقالت لي: «هل غيرت خطتك وتريد أن تصل لغرضك من خلالي بدلًا من ذاكرة أبي؟» شاركتها الضحك المرغم المثقل بالهموم والمحمّل برمال الضيق وأتربة القلق من المصير القادم بعد أيام. كلّما مرت ساعة من المهلة الممنوحة لي أزداد قلقًا، وكلّما مرّ يوم يتضاعف همي. مرت الأيام تلو الأيام ولم نصل لحل، لم يعد غير يومين. يومان فقط يفصلان بيني وبين المصير المحتوم. لم أعد قادرًا على التفكير، ولم تجد غدير حلًا فهذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها عن الخريطة، وهذه هي المرة الأولى التي تعرف فيها أن هناك شبهة جنائية في حادث أبيها، لقد ظنّت أنه مجرد حادث عابر وقائد سيارة متهور غادر صدم رجلًا عجوزًا بسيارته وبدلًا من أن يقف لمساعدته يفر هاربًا، أما الآن فقد بات هناك متهم. وهذا المتهم أصبح معلومًا تمام العلم، هذا الذي تسبب في فقد أبيها لعينيه إلى الأبد، ولذاكرته إلى الأبد، أضحت تعرفه، وتعرفه جيدًا؛ ولكن ما حيلتها تجاهه؟ هل تبلغ الشرطة وتحرر محضرًا وتأخذ الإجراءات القانونية؟ كل هذا لن يعيد لأبيها ما فقده ولكن سيؤدي إلى فقدها لناروز. هذا الإنسان الغريب الذي أصبح في يوم وليلة أقرب المقربين إليها. لا داعي للمشكلات ولتعش في سلام إلى جانب أبيها بأوجاعه وحبيبها بهمومه. ظلت تكرر على سمعي هذه الكلمات يوميًا فلا هي تكف عن الكلام ولا أنا أجد حلًا ولا أجد كلامها منطقيًا. فهي تظن أننا إن سكتنا والتزمنا الصمت سيؤدي هذا إلى نجاتنا، تظن أن يسري سيتركنا في حالنا إن تركناه في حاله وهذا مستحيل. أخبرتها أكثر من مرة أن هذا الشخص لا يأبه بحياة أحد، ولا يعبأ بحياة أحد، ولا يهتم لمصير أحد، ولا يشغله شاغل في الحياة إلا نفسه، ومصلحته، و… ولا شيء آخر.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 11:20 م

رواية قارئ الذكريات — الفصل الرابع

صفحة [1]

لا أصدق أنني خرجت من قوقعتي، وأنني الآن أجلس على كافتيريا راقية في أحد الشوارع القريبة من بيتي. أراقب الداخلين والخارجين، أرمق من يتناول عصيرًا ببطء، وأنظر لمن ينتظر النادل ليمر عليه. سأستخدم القدرة العجيبة التي لديّ، سأترقب وأراقب حتى أجد فرصة مناسبة للتدخل باستخدام خاصية قراءة الذكريات. عيناي تجوبان المكان بتحفز حتى سقطتا على شخص مهيب يدلف للكافتيريا، يبدو عليه الثراء الفاحش، كما يبدو باطشًا قوي البنية ضخمًا، ويحيط به حارسان شخصيّان. طريقة دخوله الكافتيريا لا تنبئ بخير بل تبدو كنذير شؤم، تبدّى ذلك واضحًا في فرار العاملين بالكافتيريا من وجهه، ونظراتهم المذعورة إليه، من يا ترى سيء الحظ الذي سيفتكون به الآن؟ انقلبت الكافتيريا رأسًا على عقب، حركة دائبة من العاملين فيها لتلبية طلبات «يسري ممدوح؛ رجل الأعمال الشهير، كيف لا تعرفه؟» هكذا رد النادل على تساؤلي وهو يكف إصبعه الذي يشير تجاه هذا الـ «يسري ممدوح» في ذعر ويضع أمامي كوبًا من الشاي، ويشدد عليّ بنبرة عطوف صارمة قائلاً: «احذر أن تثير حفيظته!!» وما الذي يمكن أن يفعله شخص ضعيف مثلي ليثير به حفيظة هذا العتويل؟ يسري ممدوح! ليس له من اسمه نصيب، فلا يبدو عليه يسرٌ، ولا يبدو أن أحدًا يوجه له مدحًا؛ إلا نفاقًا ورياءً وخوفًا واتقاءً لشره. ابتسمت مستهزئا متهكمًا مستهينًا بتحذير النادل، فأنا آخر شخص يمكن أن يغضب منه أمثال هذا العتويل، فلا أنا أزاحمهم أعمالهم، ولا أنا أطمع في أن أفعل ذلك يومًا، فأنا أعيش على هامش الحياة بإرادتي الحرة المستقلة. بيد أن العجب يتملكني بشدة من طبيعة هذا الـ «يسري ممدوح» الشهير بالعتويل؛ هو ليس شهيرًا به إلا في رأسي فقط وهذه شهرة كافية بالنسبة لي، ولكن كيف يكون مثل هذا رجل أعمال؟ نظرتُ نحوه نظرةً خاطفة متحاشيًا أن تلتقي عينانا تجنبًا لشره المتطاير في المكان كله، فلم تَـعُـدْ هذه النظرة إليّ إلاّ وهي محملة بأكوام من الأسى وهي تجيب تساؤلي بأن هذا لا يعدو كونه بلطجيًا. وازدادت حيرتي أكثر من هذه السلاسل الذهبية الملتفة حول عنقه وأعناق حارسيه والمنتهية بجمجمة ميّتٍ فارغة، جمجمة تشبه بشدة عقولهم. مكان مظلم موحش، أصوات رهيبة تصدر عن شيء خفي، تبث الرعب في نفسي، لم أعد أدري هل ما زلت جالسًا في الكافتيريا أم أنني أمسيت في بئر سحيقة مليئة بالرعب، والخوف، والوحشة، والألم؟ صرخت صرخة عظيمة، لكنها لم تتجاوز حلقي، بدوت كأنني سأسلم الروح، انزويت في ركن هذا البئر، تتساقط فوقي بعض القطرات، لا أدري أهي ماء أم سائل آخر؟ شخصت عيناي في الظلام حتى لمعت كأنها سيف يتقلب في ضوء الشمس، وجدتني أقول: «إنه ماءٌ يغلي، أنقذني.» تعالى صوتي وأخذت أبكي، فنظر لي كل من في الكافتيريا بتعجب، إلا واحدًا منهم، قام من فوره وتبعه الحارسان، أمسك بتلابيبي، ونظر في عينيّ نظرةً طويلةً متفحصة مخيفة، ثم نطق وكأن صوته حجارة تسقط من جبل: «من أنت؟» نظرت له مذعورًا وهو يمكسني بعنف وغلظة وأنا أحاول أن أجيبه فلا يجسر صوتي على مفارقة حلقي، ولا تجرؤ أحبالي الصوتية على الاهتزاز حتّى. وفي الحقيقة فإنني لم أكن أعرف نفسي حتى أعرِّفه بنفسي، إن هذا السؤال تحديدًا هو سبب حيرتي، بل إنني لا أدري أبشر أنا أم أنني شيء آخر، ولا أعلم أموجود أنا أم لا؟ نظرت إليه نظرة مستنكرة، شعرت بعدها ببعض الثقة تتسرب إلى خلاياي، فبددت خوفي سريعًا، وانقلب ذعري ثقة لأجد في نفسي القدرة ولأول مرة على أن أتحدى أحدًا، فأحدّق في عينيه بتحدٍ، وشعرت كأنني سأذوب في يديه، ويبدو أن التحدي والثقة وحدهما لا يكفيان لمجابهة هذه الصخرة الناطقة، شهقت بقوة وصرخت فيه: «سأذوب» لم تكد هذه الكلمة تفارق فمي المكلوم إلا ووجدت شفتي يسري العتويل تلتصقان في عنف، وسمعت صوت أسنانه تصطك ببعضها، فأصبحت في يده كأنني لقمة سائغة يوشك على قضمها وابتلاعها وهضمها بدون أي مشقة. وبدلًا من أن يأكلني، وهو يقدر على ذلك، تكّلم بلهجة تهديدية توعدية قائلًا بكل القوة والعنف: «انهض واتبعني في صمت» تمنيت لو أنه أكلني لكان خيرًا لي، على الأقل سأجد مأوى يواري جسدي في هذه البطن المنتفخة والكرش الدائري الذي يسع من الحبايب أو الحبوب أو الخراف والبقر والأغنام ألوفًا. لم أقاوم ومشيت خلفه مسلوب الإرادة، يا لها من نهاية تعسة. كنت أود لو انتهيت، لكن لم أكن أظن أن تكون نهايتي بهذا السوء وبهذه السرعة، ما هذا الحظ العاثر، يوم أفكر في الخروج إلى الحياة ومواجهة الأحداث، وأختار مكانًا قريبًا من بيتي وكافتيريا هادئة مطمئنة، إذا بي أقع فريسة في يد عتويلٍ كهذا، كأن القدر ساقه إليّ، وكأن أفكاري ساقتني إليه. ركبت معهم السيارة صامتًا مستسلمًا لا أعرف ما الذنب الذي اقترفته. وهناك في مكان على أطراف المدينة، مظلمٍ موحش، أدخلوني فيلا بـثّت في نفسي مشاعرَ كئيبة، وأفكارٌ سوداوية تلاطمت في عقلي. فيلاّ مقبضة، جدرانها مزركشة ومزخرفة، وإضاءاتها عالية كأنهم لا يدفعون مقابل للكهرباء، ورغم كل هذه الألوان المبهجة والإضاءات الممتعة؛ فإن الكآبة هي الشعور الوحيد الذي يسيطر عليك عندما تدخل أول قدم من قدميك إن كنت من ذوي الاثنين، أو من أقدامك إن كنت من ذوي الأربع، أو بطنك حتى إن كنت زاحفًا، أعتقد أن شعور الكآبة هذا يلازم كل من يدخل إلى هذه الفيلاّ حيوانًا أو حشرةً أو إنسانًا. فما بالك إذا كنت تدخلها محمولًا على أعناق بهيمتين سمينتي اللحم شديدتي البأس، ويقودهما بغل متضخم العضلات، دميم المنظر، ضامر الضمير، مضمر الشر، وما شعورك عندما يلقيانك على الأرض ويستدير إليك هذا العتويل ويصرخ فيك بصوت كأنه خوار سائلًا: «كيف عرفت كل هذا؟» كيف شعورك وهذا السؤال ينطلق صوبك من فمه مثل طلقة قناص تعرف طريقها جيدًا، فتتلجلج وتتهته كفريسة تحاول الافلات من صيادها الماهر، وقبل أن ترد على سؤاله يتبعه بنداء أخير للسانك قبل أن يقلع من مطار الكذب، كأنه يحذرك من أن تراوغ ويكررها في وجهك مرة أخرى كأنه يفتح في وجهك مدفعًا رشاشًا: «كيف عرفت كل هذا أيها الأحمق؟» لا أخفيك سرًا لقد التقمت هذه الـسُـبّة ومضغتها وهضمتها، فليس لهذه الكلمة من سبيل سوى جهازي الهضمي، حفاظًا على بقية جسدي، فأنا الآن أقف أمام قاتل بلا قلب. ألقاه في بئر سحيقة وصبّ عليه الماء المغلي صبًا، لم يعبأ بصرخاته وتوسلاته إليه أن ينقذه. سردتُ هذه الذكريات البغيضة التي رأيتها على مسامعهم، وكلي يقين أن مصيري سيكون كهذه الذكرى المشؤومة التي فرّت من ذاكرة صاحبها العتويل لتطارد شخصًا بائسًا مثلي، شخصًا مبتلى بأشد أنواع الابتلاءات، وأشدها على الإطلاق أنه كلما التقى بإنسان تسربت إلى رأسه ذكريات ذلك الإنسان، ولكن هذه المرة لم تتسرب ذكريات إنسان إنما كائن آخر. كائن باطش، مؤذٍ، لا يرحم، ولا يعرف الشفقة، وليس في قلبه مكان للعطف، أو الحنان. عن أي حنان أتحدث؟ إن كل ما رأيته من ذكرياته ليس إلا قتلًا وتدميرًا. هذا العتويل نموذج مجسم أمام عيني للوجه الآخر لطفل تم تربيته على يد ببجي وفورت نايت وأشباههما. فأنا الوجه الأول البائس الحزين المكتئب المنزوي الخائف المرتعب؛ وهو الوجه الآخر بعنفه وصلفه وغروره وغشمه ودماره وقتله وخرابه. وها أنا بين يديه، يا لها من مبارزة ممتعة، طرفا النقيض وجهًا لوجه. لا بد لواحد منّا أن يبقى ويفنى الآخر، لا بد أن يقضي أحدنا على الآخر حتى تنتهي اللعبة الخبيثة بنهايتها الأخبث المعدة سلفًا. ولكن من ينتصر هذه المرة أنا أم هو، الضعيف أم القوي، الخائف أم الجريء، الخير أم الشر؟

صفحة [2]

اعذرني لأنني أرى نفسي الخير، وهذه طبيعة الأمور وطبائع البشر، كل واحد يرى أنه على حق والآخرون في ضلال، ولكنني لست منحازًا لنفسي ولا مجاملًا لي، بل أنا الذي أملك الحقيقة المطلقة، بهذا أعتقد ولن يتغير هذا الاعتقاد مطلقًا، وما يحزنني أنني رغم امتلاكي للحق والحقيقة فأنا أضعف من أن أواجه بهما العالم أو أنشرهما فيه، وأكتفي بأن أكون أحد اثنين؛ إما منكمشًا منعزلًا عن العالم، أو ضعيفًا مستضعفًا خاضعًا ذليلًا، كأنني غثاء سيل. واليوم أقف في مواجهة هذا العتويل وبات عندي يقين أن مصيري إلى الهلاك، سأنحدر الآن بطريقة بشعة، إلى الهاوية، إن لم يكن لي ردة فعل. ضحك يسري العتويل بسخرية لا نظير لها فحسبته قرأ أفكاري، أو استمع لصوت نفسي. ضحك ونظر إلى حارسيه اللذين يبدوان بُلهاء برغم قوة بنيتهما الجسدية، وقال لهما في عنف وهو يقبض على رقبتي: «لقد قتلته» اتسعت حدقتا عيناي وتنافر جفناي، هل يقصد أنه قتلني أنا أم قتل آخر؟ ما هذا هل أنا غبي لهذه الدرجة؟ إنني ما زلت حيًا كما أنا، ومن قال إنني كنت حيًا من قبل؟ ليس وقت فلسفة، إنني أكاد أن أفارق الحياة الآن، لا بد أن أفعل شيئًا، وأي حياة وهل كانت عندي حياة من قبل لأفارقها اليوم؟ ليفعل ما يشاء، لن أقاوم، سأموت بهدوء ولن أحدث جلبة حتى لا أزعج هذا العتويل، فلا أريد أن أسبب ضيقًا لأحد في آخر لحظات حياتي، مرة أخرى حياتي، أين حياتك أيها الغبي؟! انهض وقاوم، لم يكن لك حياة من قبل، الحياة ستأتي بعد، ستأتي الحياة وتستمر وتدوم طويلًا، إلى الأبد، انهض وقاوم. لولا أن يسري العتويل أفلت رقبتي من يديه لقمت وقاومت، ولكن ليس له نصيب في أن يواجه عاصفتي وغضبي الساطع. وقف العتويل يهتف بعنف وسخرية كأنه في مظاهرة من أجل إنقاذ البطة الأخيرة على كوكب الأرض: «لقد قتلته، ومستعد لقتل أي واحد منكم أنتم الثلاثة.» نظر الحارسان لبعضهما مذعورين، ورحت أنا أتحسس رقبتي لأتأكد أنها مازالت موجودة فوق هذا الجسد البائس، ثم انفعلتُ انفعالًا شديدًا وحدجت يسري بنظرة قوية، ما لبثتْ أن استنعجَتْ وعادتْ لوضع السكون والانبطاح، فتكلمتُ بأقوى نبرة صوت مؤدبةٍ عندي وسألته: «وما شأني أنا؟» نظر لي يسري العتويل نظرات ملتهبة يتطاير الشرر منها، فوضعت ذراعي أمام وجهي اتقاء غضبه فقال بخشونة وحزم: «لقد أصبحت واحدًا منّا، من اليوم فصاعدًا أنت أحد رجالي، وعليك تنفيذ أوامري وإلا ستلقى المصير نفسه الذي رأيته في أحلامك هذه» ثم توجه بالحديث لحارسيه يكلمهما عني ويخبرهما أنني موهوب، وأنني سأفيدهم جدًا، وأنني أستطيع رؤية الماضي، وأنهم بحاجة إلى جهودي، وأمرهما في النهاية أنني إذا خالفت الأوامر فعليهما أن يتخلّصا مني على الفور ومن دون الرجوع إليه. ما هذا الحظ؟ أخرج من قوقعتي في هذا اليوم بالذات لأساعد الناس وأفيدهم كما تفعل الشمس لينتهي بي المطاف مساعدًا لمجرم عتيد الإجرام، وبدون رغبة مني ولا إرادة ولا اختيار، بالإكراه، وإذا تمردت عليه يكون مصيري القتل، ودون أن يُصدر هو قرارًا بذلك، فقط أعطاهما صكًا مختومًا على بياض، وهما غبيان للدرجة التي يمكن أن يفتكا بي لو لم أناولهما كوبًا من الماء، يبدو أنني سأعمل عنده نضورجيا لماضي خصومه كما يريد مني، وفي أوقات فراغي سأعمل عند هذين الاثنين كإنسان آلي أناولهما طلباتهما وأنفذ لهما أحلامهما. مالَ العتويل برأسه نحوي مقتربًا من أذني حتى كاد يعضها وهو يقول لي بخبث: «صحيح أنك موهوب في قراءة الماضي ولكن بعض التفاصيل تفوتك، فلست أنا القاتل بيدي، ولكنهما هما الفاعلان، والمقتول هو مساعدي الثالث الذي حللت أنت مكانه الآن، لقد فكّر أن يفارقني ويعود لحياته الطبيعية، يتزوج وينجب ويموت، فقصّرت عليه المسافات، وجعلتهما يبعثانه للموت مباشرة، احذر مصيره» انتصب يسري واقفًا، وقال لي بلهجة آمرة: «والآن ستنفّذ كل ما أقوله لك بدون نقاش أو تردد، وعاقبة التردد الموت. اسمع جيدًا لديّ مهمة أخيرة أنفذها هنا، ويبدو أنك ستكون السبب في تمكيني من إتمامها، فحياتي أنا الآخر رهينة بإنجاز هذه المهمة.» ثم جلس إلى جواري متوددًا وبدأ يشرح بلهجة ودية قائلًا: «توجد خريطة أثرية تتضمن معلومات خطيرة عن كشف أثري فريد، هذه الخريطة اكتشفت أول أمس بواسطة عالم الآثار الشهير فؤاد الحداد، والمفترض أنها بحوزته أو هو الوحيد الذي يعرف مكانها.» قاطعته؛ فقد جرّأني ودُّه على مقاطعته وسؤاله ببعض الشجاعة المفتعلة: «وما دوري أنا؟ ماذا تريدني أن أفعل إذا كنت تعرف مكان الخريطة ومن يحوزها؟» أجابني بأنه لا يعرف مكانها، وأن كل ما يعرفه هو مكان فؤاد الحداد فقط، وأن هذين الغبيان أرسلاه للمستشفى. «صدماه بالسيارة وهو خارج من البنك الذي تعمل فيه يا ناروز» ناروز! كيف عرف اسمي؟ البنك! كيف عرف وظيفتي؟ هل أصبحت شهيرًا لهذه الدرجة؟ إنني لا أعرفني حتى يعرفني الناس، وإنْ عرفني أحدهم فلا يمكن أن يكون هذا الكائن واحدًا ممن يعرفونني، لم أجسر على أن أسأله عن كيفية معرفته اسمي ووظيفتي، واكتفيت بهز رأسي في رتابة لأشعره بالاطمئنان وبأنني أتابع حديثه باهتمام. «صدماه بالسيارة ونزلا يفتشان جيوبه أمام المارة زاعمين أنهما يبحثان فيها عن هويته ليبلغا أهله بالحادث، وبالطبع لم يجدا شيئًا في سترته، هذان الغبيان كانا يظنان أنه سيحتفظ بالخريطة معه وهو يسير بالشوارع، وبدلًا من أن يجلبا لي منه الخريطة جلبا لي المتاعب، ولك أنت أيضًا» قاطعته مستغربًا: «ولي؟ وما شأني بهذا؟ أقصد كيف يمكنني أن أساعدك؟» أجابني بأن موهبتي الجميلة جاءت له في الوقت المناسب، لقد فقد الدكتور فؤاد الحداد ذاكرته، ودوري الآن أن أتعرف إليه وأتقرب منه وأقرأ ماضيه وذكرياته حتى أعرف أين توجد الخريطة وأخبره بمكانها وأقبض مليون دولار. أخفيت انزعاجي من لهجته المقززة التي نطق بها الكلمة الأخيرة، والتي أشعرتني بأنه يعاملني كشخص بائس فقير له سعر يباع به ويشترى، ولكنني قلت له بسعادة زائفة: «كنت أتمنى أن يكون هذا المبلغ من نصيبي ولكن الأمر ليس بيدي، فأنت تقول إنه فقد الذاكرة فكيف سأقرأ محتويات ذاكرته هذه إذا كانت قد فُقدت؟» «سؤال ذكي وتهرب أذكى، يبدو أنك نسيت أن عاقبة التردد الموت؛ فما بالك بالمراوغة؟» ارتبكت وأحسست بالتوتر يغزو مفاصلي، فسألني العتويل في ثورة: «وكيف عرفت ذكرياتي التي كنت أنا ناسيها؟» «ولكنها موجودة أما ذكريات الدكتور فؤاد مفقودة» «ناروز!!» صاح يسري باسمي الذي كدت أنساه في غضب وعنف فارتج جسدي كله وتصلبت أعضائي، وانغلقت عيناي تأهبًا لضربة تهوي على رأسي، لكن لكمة يسري ارتطمت عمدًا بذراع الكرسي فكسرته، وفتحت عيني ببطء فهالني المنظر، وأدركت أنني فأر في مصيدة محكمة، ولا فكاك منها إلا بالإذعان لأوامره، وربما لا فكاك منها أبدًا، فقلت بصوت مرتجف متشبع بالاستسلام وبلهجة يبرز الصدق منها: «صدقني لست أعرف كيف أدخل إلى الذكريات، على الأقل حتى الآن، فلقد اعتدت أنها هي التي تطاردني، ولكنني سأحاول جاهدًا أن أعرف مكان هذه الخريطة، وأية معلومة تظهر لي سأبلغك بها، ولكن أرجوك دعني ولا تلاحقني حتى أتمكن من ذلك.» «موافق، سأتركك أسبوعًا تتعرف إليه، وتبلغني بالنتيجة، ولكن أية مخالفة لهذا الاتفاق ستدفع ثمنها فورًا، ولا تظن أنك بعيد عني.» هـززت رأسي متفهمًا ومحاولًا أن أبدو كأحد رجاله البلهاء، ثم غادرت الفيلاّ في هدوء كأنني أفيق من حلم، وتهاديت في الطريق، والأراضي المنزرعة تحيط بي، وعبق الفاكهة يزكم أنفي، فالتقطّ مخي هذا العبق وفسره على أنه رائحة كريهة بغيضة كبغضي للفيلا وساكنيها. شرفتي كما هي لم تتغير ماكثة في مكانها تنتظرني، ولكنني أنا الذي تغيرت.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 11:16 م

رواية قارئ الذكريات – الفصل الثالث

صفحة [1]

أسأل نفسي يوميًا من أنا؟ ولا أدري لماذا أكرر هذا السؤال؟ وما أهمية أن أعرف من أنا أصلًا؟ ألست أنا أنا فقط وهذا يكفيني؟ هذه سلبية! لتكن سلبية ألا يصفونني بأنني لا أقدم ولا أؤخر. ولكن لابد أن أعرف من أنا حتى أعرف ماذا يجب أن أفعل في هذه الحياة. وما هي هذه الحياة أصلًا؟ ومن نحن؟ ولماذا نحن موجودون على هذا الكوكب بالذات؟ لماذا لم نوجد في الفضاء الفسيح؟ لماذا نحن محصورون في هذه الأرض ولا نخرج منها؟ آه لو كنت أعيش في الفضاء!! ماذا كنت سأفعل؟ سأكون كما أنا محصورًا في إمكانياتي وقدراتي؛ إذن، فلأرضى بما أنا فيه فربما ما كنتُ أستطيع أن أؤدي دوري لو كنتُ شمسًا أو قمرًا مثلًا، كل مهمتي خدمة الآخرين، ونفسي ربما لا أراعيها بشيء، بل ربما تمنعني أنانيتي أن أكون نجمًا في السماء، وأن يتم تسخيري لغيري. بل أنا بالفعل مُسخرٌ لخدمة آخرين؛ ولكنهم بشر مثلي، يسوقونني كما تساق الشمس والقمر لأضيء لهم حياتهم، يستفيدون مني ثم يلقون لي فُتاتًا في نهاية المطاف. ولا يكتفون بإلقائه إليّ في كارت الفيزا بل يعظمونه ويفخمونه ويطلقون عليه لقبًا جميلًا أخاذًا يسمونه «مرتبًا» أو «راتبًا»، كلمة تشعرك بالثقة في أن كل شيء على ما يرام. فالمرتب في أصل معناه اللغوي يدل على التراتبية والاستمرارية، وبالتالي يشبع عندك غريزة البقاء وضمان البقاء. والمرتب يعني أنه يترتب على عملك فلولا ذلك المجهود الذي تبذله لما منحناك هذا المرتب المترتب على عطائك. إلا أنهم لم يفطنوا إلى أن المرتب قد يعطي معنى الارتياب؛ والموظف في هذه الحالة مرتاب في حاضره، قلق على مستقبله، فلا هو جمع فأوعى، ولا هو استقال فاستقل فانتقل لمكانة أعلى، أو خُسفت به الأرض تبعًا لتقلبات السوق، ولا هو اجتهد فترقى في وقت قياسي. بل هو صاعد ببطء منظوم، وبقرار محتوم، بتوقيت معلوم، لا يصدر إلا كل حين من الزمان، بعد استيفاء بضع اشتراطات كلها لا تدل على الكفاءة، ولا تستند إلى المهارة، أو التعلم، أو التدرب، أو ترتكن إلى العطاء، أو التفاني في العمل، فهذه أشياء يمكننا أن نمنحك عنها شهادة تقدير في يومٍ ما. ربما اليوم الأخير في حياتك الوظيفية، أو اليوم التالي لانتهاء حياتك الدنيوية وبعد تعذيب ورثتك على شبابيك تخليص الأوراق. فالمسار الوظيفي هو خط سير فيه الموظف مسير لا مخير، والمجتهد كالمهمل، والناجح كالفاشل، وفي النهاية الكل يترقى في الوقت نفسه وبالقرار ذاته وللأسباب عينها، لا فضل لموظف على آخر، ولا وازع لمن لا ضمير له، ولا دافع لمن لا طموح شخصي عنده. وربما منحناك حافزًا براقًا إذا تعبت الليالي وواصلت بها الأيام لتحصل على الماجستير، ويا سلام لو تحصل على الدكتوراه فسنزيد لك ذلك الحافز. أما في الحقيقة فربما كلمة حافز هذه فيها نظر؛ والنظر هذا نابع من أن هذا الحافز عبارة عن مبلغ من المال، لا يطعم العيال، ولا يشحن كارت كهرباء لمدة أسبوع، ويكاد لا يكفي المواصلات، أو حتى الاتصالات، ولذلك فتسمية حافز لا تليق به ولا تتناسب مع ما يفعله في نفس من اجتهد للحصول على هذه الدرجات العلمية من إحباط وتثبيط. فكل ما يناله من يحصل على هذه الدرجات، ربما لا يتعدى الضيق والغيرة والحقد، الذي يملأ قلوب زملائه عليه، وخشيتهم من تفوقه عليهم، وخوفهم من أن يسبقهم في الفوز بلقب مدير إدارة أو أي منصب مهم، والمكائد والفخاخ التي ينصبونها له وهم يحسبون أنه ينافسهم ولا يعلمون أنه مشغول بنفسه لا يكاد يراهم ولا يرى نفسه. لا يرى نفسه إعجابًا فهو متواضع رغم أنفه، ولا يرى نفسه حقيقةً لأنه يحسب أنه مفارق للحياة منذ مدة طويلة. وهذا هو حالي مع زملائي في البنك. حتى البنك فيه كل هذه التعقيدات والمناكفات والحروب الخفية الخبيثة، أنا لا أريد أكثر من أن أؤدي عملي على نحو يرضيني وينتهي يومي بسلام، وزملائي يظنون أنني آكل في نفسي لكي أتفوق عليهم، أو يحسبون أنني أتفاخر عليهم بالدكتوراه التي أحملها كرهًا ولا أستطيع أن أضعها كرهًا. كم تمنيت أن أكون شمسًا، أظن أنني لو كنت شمسًا سواء في مجرتنا أو في مجرة مجاورة لاستمتعت بدوري، لأنني سأكون متيقنًا من أنني أفيد الجميع دون تمييز، أما الآن فأنا أخدم الأقوى والأغنى فحسب. لو كنت شمسًا لخدمت الضعيف كما القوي، الشمس أفضل مني، ولذلك سأقتدي بالشمس. من الآن فصاعدًا سأكون للجميع، بلا استثناء، سأؤدي دوري وأمنح ضوئي للجميع. ما هو ضوئي وما هو دوري؟ معرفة ضوئي تقودني لمعرفة دوري. ربما كان ضوئي هو ما حدث معي في البنك مع العجوز. ذاكرتي هي ضوئي‼ ولكنها ليست ذاكرتي، إنها ذاكرة العجوز. لا؛ بل ذاكرتي أنا تحمل ذكريات العجوز. لا؛ بل إنني أقرأ الأفكار. ولكن لو كنت أقرأ الأفكار لما عرفت الشيء الذي لم يكن يتذكره العجوز نفسه، فالعجوز كان ناسيًا أما أنا فتذكرت، وهذا دليل على أنني كنت معه عندما كان يُحمّل بالديون. إذن فأنا قارئ الذكريات. [يحتاج الضوء لثماني دقائق لقطع المسافة بين الأرض والشمس… أي أن الشمس التي ننظر إليها يوميًا لا نراها في الوقت الحقيقي لكننا نراها وقد مرّ عليها ثماني دقائق، ولهذا وفى وقت الغروب تغرب الشمس بالفعل قبل أن نرى الغروب أي أننا نراها في الماضي…]. توجهت إلى مطبخي الصغير، ووقفت أراقب الشاي وهو يغلي في البراد كغليان أفكاري في رأسي، ثم عدت مسرعًا إلى الفيديو. [… وعند رصد علماء الفلك لأي حدث كوني كانفجار نجمي أو نشأة نجم جديد أو مجموعة شمسية جديدة، فإن هذا الحدث يكون قد تم بالفعل في الماضي، حسب بُعد هذا الحدث عن كوكبنا، لكن كل هذه النظريات العلمية التي تثبت رؤيتنا للماضي عبر التحديق في أماكن بعيدة، هل تمكننا من رؤية ماضينا؟] هذا هو المطلوب، هيا أخبروني. [الإجابة الخيالية هي نعم‼] خيالية؟! أحسست بخيبة أمل، وأدركت حينها أنني لن أجد الإجابة على ما يجري معي، على الأقل في هذا الفيديو، لكنني وجدت نفسي مضطرًا لإكماله على أية حال. أوشكتُ أن أصبح باحثًا في الفيزياء، بل أُساق إلى ذلك، كم كنت أكره الفيزياء في الثانوية العامة، لذلك هربت منها إلى الأدبي، ثم إلى التجارة، لأعيش الواقع، بعيدًا عن خيال العلماء، ونظرياتهم، وفرضياتهم، والأسئلة التي لا داعي لها، ولا طائل من ورائها، والمسائل التي تُبنى على لا شيء، وتوصل إلى لا شيء. لم أكن أدرك أن هذه الفيزياء البغيضة ستعطيني ولو طرفًا من خيطٍ أحيك به ثوب المعرفة، وأصل من خلاله إلى كنه معضلتي، وحقيقة ما يقع لي من أحداث، حتى الآن لم تعطنِ الفيزياء الإجابة الشافية، لكنني سألهث خلفها، حتى أصل لمبتغاي، ولو توقفت حياتي. خير لي أن تتوقف حياتي عند هذا الحد على أن أعيش بلا وعي، بلا نور، بلا حقيقة، في ظلامٍ وعَـمَى، امنحيني الجواب أيتها الفيزياء، وأقسم أني سأرد لك اعتبارك وكرامتك التي بعثرتها من قبل.

صفحة [2]

[… الإجابة الخيالية هي نعم، فلو كان المراقب ينظر للأرض من كوكب يبعد عنها ألف سنة ضوئية فسوف يرى ماضي الأرض منذ ألف عام، ولو أن أحدًا ما تمكن من صنع مركبة فضائية قادرة على السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، فسوف يسبق بمركبته الضوء، ليراه ويشاهد الماضي فيمكنه مثلًا السفر لمسافة سبعة آلاف سنة ضوئية ورؤية قدماء المصريين أثناء بناء الأهرامات، أو الصينيين أثناء بناء سور الصين العظيم، أو حتى السفر لبداية القرن الفائت ومشاهدة الحرب العالمية الأولى أو الثانية، لكن المفاجأة أن تطبيق كل هذا عمليًا مستحيل…]. عند هذه النقطة لا بد أن أتوقف قليلًا، لابد أن أتوتر للحظات، ولابد أن أقضم أظفاري بأسناني، «تطبيق كل هذا عمليًا مستحيل»؛ إذن ما جدواه؟ مرةً أخرى عادت الفيزياء إلى سابق عهدها معي، مرة أخرى تخذلني، تمنيني ثم تتركني في حيرتي أقضي يومي كله في العمل، وليلي في التأمل والنوم. ولماذا لا أخرج للحياة، وأواجه الأحداث؟ عبارة أواجه الأحداث هذه تعطيني انطباعًا بأنني بطل مغوار، رغم أنني في الحقيقة جبان رعديد، كأن أحدهم قد زرع شريحة في رأسي، ولا يتوقف عن بث المخاوف فيها كل لحظة، حتى أصبحت أخاف من كل شيء، أصبحت أخاف حتى أن أخاف. ويمكن ألا تكون هذه الشريحة هي سبب مخاوفي؛ بل من الممكن أن تكون تلك المشاهد المرعبة والفظيعة التي – طبعًا أنت تتوقع أن أكون قد مررت بأحداث حروب وشاهدت جثثًا وأشلاءً ونازحين ومهجّرين وثكالى ومدافع وطائرات أو حتى زلازل وبراكين – توقعك في غير محله؛ لأن المشاهد المرعبة والفظيعة لم أرها إلا في ذلك الجهاز الصغير المسمى موبايل. في مقتبل حياتي وفي سن الخامسة كنت أستولي على موبايل مشرفة الدار طوال اليوم، أفتح اليوتيوب، أو أي تطبيق آخر يعرض فيديوهات سريعة. وكانت والت ديزني تقوم بالواجب معي ومع أمثالي من الأطفال الصغار ذوي العقول البيضاء المجهزة للتلقي، فلا أشاهد إلا كرتونًا كله ضرب وتخبيط وترزيع، أو قتل وتحريق وتدمير، أو مخلوقات فضائية مزعجة ومرعبة، أو سباقات سيارات عنيفة ومروعة، أو أي مادة ليس فيها إلا الرعب. وإنْ لم أشاهد كرتونًا أجدني متسللًا إلى متجر التطبيقات بغير وعي لأقوم بتحميل بعض الألعاب المثيرة، فلا أجد إلا ألعاب القتل والقتال والحرب والدمار، أو ألعاب أخرى غير مثيرة لا أهتم بها، فأقوم بتحميل ألعاب القتال، وطوال اليوم أقاتل وأقاتل. وأذكر أنني في سن صغيرة جدًا ربما السادسة، لعبتُ ألعابًا من عينة ببجي (PUBG)، وفورت نايت (Fortnite). ببجي: في بداية كل مباراة يقفز اللاعبون من طائرة بالمظلات على جزيرة دون أن يكون بجعبتهم أية عنصر، وبمجرد هبوطهم، يمكن للاعبين البحث في المباني وغيرها من المواقع للعثور على الأسلحة، والمركبات، وغيرها من المعدات، والتي يتم توزيعها عشوائيًا في جميع أنحاء الخريطة في بداية المباراة، ويصل عدد اللاعبين إلى مائة لاعب، كل منهم يهدف لأن يكون الناجي الأخير! الناجي الأخير؛ يعني أن تقتل الجميع حتى تنجو وحدك. الآن أتذكر بأسى زميلًا لنا في دار الرعاية تأثر بهذه اللعبة لدرجة شديدة فانتهى به المطاف إلى قتل مشرفة الدار لأنها منعت عنه الموبايل. فورت نايت: اسْتَكْشِف العالم الكبير القابل للتدمير حيث لا مكان للعبتين متشابهتين على الإطلاق، تعاون مع الأصدقاء من خلال الركض والتسلق وشق طريقك نحو انتصار ملكي سواء اخترت البناء في باتل رويال أو عدم البناء في وضع بلا بناء. استكشف العالم الكبير القابل للتدمير! أتساءل عندما أستعيد ذكريات هذه الألعاب وما يشبهها؛ هل كان الهدف منها تدريب عقولنا كأطفال على تدمير العالم بدون أي عناء أو اعتناء؟ هل كان الهدف من لعبة فورت نايت بهذه التوجيهات أن ينشأ جيلنا محبًا لتدمير العالم بدلًا من تطويره، ولمصلحة من يكون هذا؟ أعرف أنك ستضحك مني إن قلت لك إنه لمصلحة الشيطان. لا مشكلة عندي فقد اعتدت على سخرية الآخرين مني بل وسخريتي من نفسي. إلا أن وجهة نظري في هذا الأمر تُحْتَرم، خصوصًا بعد ما نشاهده يوميًا من مشاهد التدمير العالمية بفعل هؤلاء الأطفال الذين كانوا يومًا صغارًا، وربما ما زالوا صغارًا، وربما يبقون صغارًا إلى الأبد، بلا عقول وبلا هوية. ما الذي كنا ننتظر أن نجنيه من لعبة ببجي؟ هل كنا ننتظر غير ما جرى من تهتك العلاقات، وحب الذات، وانكفاء كل إنسان على نفسه، ومحاربته الكل من أجل مصلحته، من أجل بقائه، هو وحده، ولا أحد معه؟ يقاتل الجميع حتى يقضي على الجميع، ثم يبقى هو ليحتفل بالانتصار الكبير، وهو يتناول الدجاج المشوي وحده. كيف يمكن أن تكون عقلية ببجي قد أثرت فينا؟ وكيف فعلت بمستقبلنا؟ هل أصبحت الأنانية سمة غالبة؟ هل أصبح كل منا نحن الجيل الذي تربى عليها يقول نفسي نفسي؟ هل أصبح من السهل علينا أن نُضحي بكل ما نملك وكل من معنا وما معنا لأجل مكافأة تافهة في النهاية؟ هل نفضل الحفاظ على الدين أو الوطن أو الانتماء؛ أم الانتصار في معارك وهمية لحصد جوائز مزيفة؟ تم التلاعب بوعينا بنجاح وأنا نتيجة لهذا التلاعب، أنا واحدٌ من هؤلاء الذين تعرضت هويتهم للسحق وإرادتهم للكسر، لا أريد أن أقابل أحدًا، ولا أريد أن أفعل شيئًا، أكتفي بقتال العالم وتدميره في خيالي كل ليلة، وفي النهاية أنام على كوابيس الطفولة، وأستيقظ لأنغمس في واقع مرير أرفضه عدة ساعات ثم أعود مهرولًا إلى منطقة راحتي وأماني في شرفتي. والآن أجدني راغبًا في حياة حقيقية تفاعلية تواصلية مع أناس مثلي يشبهونني وأشبههم. الآن لابد أن أخرج من قوقعتي، وأن أثقب قشرة البيض لألتمس النور، أن أطل برأسي من تحت صَدَفتي، لأرى إلى أي حـدٍ ستطلعني ذاكرتي على أشياء وأحداث لم أرها من قبل، وهل سأستطيع أن أخدم بها أحدًا كما تفعل الشمس؟ ولكنْ من الممكن أن أتحول لشخص استغلالي، فأستغلها في السوء، فلست آمَـنُ على نفسي الانحراف. وما البديل؟ أن أجلس في البيت لا أفعل شيئًا! ربما كان هذا أمثل، ولكن أليست الشمس نارًا محرقة، وفي الوقت نفسه تضيء، إنها لو فكرت بطريقتي هذه لحجبت ضوءها عن الجميع، فلتكن الشمس قدوتي. سأخرج للدنيا وأرى ماذا سأستفيد وبماذا أفيد، سأجوب الشوارع أبحث عن فاقدي الذاكرة وأذكرهم بذكرياتهم الممتعة، أبحث عمن يظنون أنهم بلا ماضٍ وأطلعهم عليه. كل العرافين والمتنبئين يزعمون أنهم يخبرون الناس بالمستقبل، أما أنا فسأخبرهم بالماضي. ولكن الإنسان عندما يعلم المستقبل قد يعيش في سعادة، على الأقل ربما يكون قد تخلص من الخوف من المجهول، أما الماضي فالكثيرون يريدون الفرار منه، بل ربما كان فقدُ أحدهم للذاكرة بتخطيطٍ لا واعٍ منه رغبةً في محو ذكرياته المؤلمة، فهل سأعيد للناس آلامهم؟ ربما للبعض، ولكن معرفة المستقبل أيضًا تؤلم، ماذا لو عرف أحدهم متى وكيف وبأي أرضٍ يموت، كيف تكون حياته؟ إذن لأنطلق وأرى.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 11:10 م

رواية قارئ الذكريات — الفصل الثاني

صفحة [1]

«وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي» تنهدت وأنا أردد في نفسي شعر امرئ القيس في معلقته، وأكاد أجزم أن هذا البيت ما كُتِب إلا وصفًا لحالتي أنا لا سواي. أجتذبُ الكرسي المعتاد وأجلس في شرفة منزلي حيث أجد نفسي كل ليلة، ورغم أن الليل يبتليني بالهموم لأنني وحيد بلا عائلة، أو أصدقاء؛ إلا أنني أفضل ابتلاءات الليل والعزلة على احتكاكات النهار بالبشر التي لا يتولد عنها إلا شرارات حارقة لذكرياتٍ مارقة من أصحابها. لذلك لم أرتكب الخطأ التاريخي الذي ارتكبه امرؤ القيس في الأبيات التالية وهو يطلب من الليل أن ينجلي بصبح رغم يقينه أن الصباح لن يطلع عليه بحال أفضل مما هو فيه. لن أكرر ذلك الخطأ مرة أخرى بل سأقول: «ألا أيها الليل الطويل ألا طوّل شوية على الصحبة الحلوة ديّ». انحشرت كلمة صحبة في حنجرتي ففاقمت فيها غصةً منعتني من التغني مع سيد مكاوي. دعني وشأني يا عم سيد، اتركني أرتشف بعضًا من الشاي باستمتاع، الشاي الذي أعده كل ليلة ولا أشربه، ولا أتوقف عن إعداده، كما لا أتوقف عن التساؤل: من أنا؟ ولكن هل سأظل كل ليلة أجلس هنا وأتساءل من أنا؟ أنا «ناروز إبراهيم ناروز إبراهيم»؛ وحسب. أسماني أبي على اسم جدي مثلما أسماه أبوه على اسم جده فأصبح اسمي موسيقيًا بترديد كل اسمٍ منه مرتين، أصبَحتْ له رنّة، ولكن لم تصبح له شنّة حتى الآن. أنا إنسان؛ نعم إنسان، ربما لا ينطبق هذا الوصف على مكتئبٍ منعزلٍ مثلي، أو ربما أكونُ مادحًا لنفسي بزيادة حين أنسب نفسي للإنسانية؛ إلا أنني حتى الآن لم أرتكب جرمًا أو أسلك مسلكًا يخرجني من نطاق الإنسانية، حتى الآن على الأقل؛ ولست أنوي أن أرتكب أي جريمة أو حتى حماقة في المستقبل، ولا أريد من الدنيا إلا أن تمر من حولي بسلام وتتركني في حالي. يقولون عني إنني لا أكذب ولكنني لا أقول الحقيقة، كلامي ليس صحيحًا ولكنه ليس خطأ، مواقفي واضحة ولكنها غير مفهومة. يشبهونني بالساعة التي أصاب زر تعديل الوقت فيه عطل وليس بها حجارة، فلا هي تقدم ولا هي تؤخر، وكذلك أنا لا أقدم ولا أؤخر. أليس من الأفضل أن يقولوا إنني إنسان محترم ومهذب ولطيف، لا أضايق أحدًا ولا أسب أحدًا ولا أسبب إزعاجًا للجيران. ليس لديّ أبناء ليلعبوا فوق رؤوسهم طيلة الليل خبطًا وترزيعًا، حتى ينهال عليّ وعليهم الجيران سبًا، أو حتى تبرمًا مكتومًا. ليست لديّ زوجة حتى الآن، ولم أستطع الحصول على واحدة منهن رغم أنهن على قفا من يشيل؛ إلا أن الظاهر أن قفاي واهن لا يتحمل أنثى، أو هو غير مؤهل إلا لتحمل صفعات الأيام والأزمات التي تمر بي كل حين. لا أعرف ما هي هذه الأزمات، ولا أعرف ما معنى الأزمة لواحد مثلي أصلًا، إذا كان يعيش في الدنيا بغير أب، ولا أم، ولا زوجة، ولا أولاد، ولا صديق، ولا رفيق، ولا ونيس، ولا أبناءه، ولا أحفاده! ولا نشاط غير العمل، ثم ملازمة السرير، أو التأمل في الشرفة تحت ضوء الإعلانات المتقلبة، أو إعداد الشاي. لستُ مثقفًا بما فيه الكفاية لأحتسي قهوةً مثل المثقفين الذين لا يملون من ربط الاحتساء بالقهوة رغم أن الفعل الأنسب معها هو التجرع، فقط يهونون مرارتها بمداعبتها بوصف رقيق. تسببتُ في مشكلة وصراع حضاري وأزمة فكرية كبيرة عندما أعلنتُ رأيي هذا أمامهم ذات مرة في أحد الصالونات الأدبية التي لم أرتَدْها إلا من أجل «ضُحى». نعم؛ ضحى السيد إبراهيم البرطاسي؛ لا تقلق هذا اسمها فقط. تجربة الحب أو محاولة الارتباط الوحيدة التي حاولت خوضها، ولا أستطيع أن أخفي أنها فشلت قبل أن تبدأ، فلا أنا بالمؤهل للارتباط، ولا أنا بمن يعرف الحب إليه سبيلًا، خصوصًا بعد فقد أبي وأمي في سن صغيرة. لا أعرف في أي سن تحديدًا فقدتهم لكنني لم أرهم ولو مرة واحدة، ولا أعرف أي شيء عنهم، كل ما هنالك أنني ابن لدار رعاية الأطفال الأيتام، هناك أخبروني أن هذا الاسم هو اسمي، وقالوا لي إن أبي أسماني على اسم أبيه، وأنا لا أعرف أبي ولا أعرف أباه. على كل حال هذا الاسم يكفيني، طالما أنهم غير موجودين معي حقيقةً فلن تجديني أسماؤهم -حقيقيةً كانت أو مزيفةً- نفعًا، ولن تمنع عني ضرًا. المهم أنني لا أعرف الحب ولا يعرفني الحب، كل ما هنالك أنني سعيت وراء ضحى بحثًا عن إكمال خانة فارغة في مكعب حياتي، أو بالأدق بحثًا عن لمبة موفرة تنير لي الجزء المعتم في نفسي. تعمل معي في البنك وأراها كل يوم حتى تعلقت بها، ورأيت أنها كل النساء، وأنها ستكون لي وستُكوّنني، وستكون سبب سكوني. وبعد عدة محاولات، ومطاردات، تبيّن لي أنها ليست اللمبة المناسبة؛ لأنها تستهلك ألف واط في الدقيقة، تستنزف طاقتي، وتهدر أموالي، وتنير لغيري. تحرقُ بنزينًا كثيرًا بدون فائدة، تثرثر وتثرثر كأنها تخشى أن ينتهي الكلام من الدنيا قبل أن تقول كل ما لديها، حتى ظنّتْ أنها من فرط ما تتكلم أصبحت شاعرة أو أديبة أو خواطرية. وخواطرية هذه تعني أنها تبث خواطرها للناس، أي ما يخطر ببالها، وهي لا يخطر ببالها شيء إلا وتبثه للناس على الفور، كل ما في خاطرها على لسانها، لدرجة أن كل زملائنا يعلمون كل شيء عن حياتها الخاصة. يعرفون إخوتها فردًا فردًا، ويعلمون ما يحدث معهم يوميًا بالتفصيل، ويعرفون لماذا وكيف غضب أخوها بالأمس، وكيف صالحته أختها، وكيف أغضب كلاهما أبناء جيرانهما، وكيف تصالحوا، وما هو الغسيل المنشور على الحبل في هذا الصباح، وما الذي سيتم نشره بعد الغد، ولماذا تأخر نشره، وأين ستخفي الملابس الصيفية من وجه المطر، بصوتٍ شتوي، وأين تخبئ الملابس الشتوية حين يهجم الحر، بصوت صيفي، وماذا أكلوا بالأمس، وماذا يطبخون في الغد، وكيف يستعدون للعيد، وكيف تنظف الشقة وترتبها، وما المعوقات التي تقف في طريق تنظيف الستائر، وما هي الطريقة المثلى لتنظيف الحمام، وترتيب الصالون؛ وهلم جرّا. وقد يتعجب البعض من أن يكون هذا حال موظفة بالبنك، نظرًا لما يرونه من ازدحام البنوك عادةً وانشغال موظفيها، غير أن هذا لا ينطبق على فرع البنك الذي نعمل فيه، فلحسن الحظ أو سوئه أنّ فرعنا موجود بمنطقة نائية، ولا يأتيه إلاّ كل تائه حيران، أو من ضلّ الطريق.

صفحة [2]

فضلًا عن أنّ الأستاذة ضحى يمكنها أن تباشر أعمالها وتقنع العميل بما تحدثه به، وتحصل منه على موافقةٍ بتفعيل كارت المشتريات رغم رفضه وصلابة رأسه؛ كل هذا وهي تثرثر مع من بجوارها من زملائها أو زميلاتها على السواء. واحدة من هذا النوع لن تكون مصدر سكينة، ولا راحة، ولا طمأنينة، وإنما ستكون وبالًا على البيت ومن فيه. إن تزوجتُها لا أستبعد أن يقابلني زميل لها في العمل مصادفة فيلومني لأنني أغضبتها بالأمس وتركتها نامت وحدها ونمت في الصالة ويحثني على مصالحتها. هي هكذا ولن تكون نتيجة ارتباطي بها إلا هكذا، وهذا هو ما جعلني أحجم عن الارتباط بها، وهذا لا يعني أنها كانت مرحبةً بي. في الحقيقة هي لم تعلم أصلًا أنني أفكر في الارتباط بها، إنما كان كل هذا يدور بيني وبين نفسي، فأوقات فراغي كثيرة، وليالي سهري طويلة، والشرفة تحتويني كل ليلة. أنظر للسماء فلا أرى إلا أضواء لافتات الإعلانات وهي تومض وتنطفئ وأنا أبثها كل ما بداخلي. وأذكر أنني يومًا كتبت رسالة لها مطولة من نوعية الخواطر التي تُصدّعُنا بها يوميًا، لحظة واحدة سأخرجها من درج المكتب وأعود لأقرأها لك. ها أنا ذا قد عدت وفي يدي تلك الرسالة الكئيبة الحزينة إليك بها. «سأترككِ لأن العيش معكِ في أحلامي أسهل من العيش معكِ في واقعي، سأترككِ لأنني صنعتكِ خيالًا وأحببتكِ خيالًا، سأترككِ وأظل أحلم بكِ لأنه من السهل في أحلامي أن أقطع لسانك وأمنعه من الثرثرة، وفي الواقع لا يمكنني ذلك، ولا يمكن لأحد سواي أن يفعل. سأتركك لأنني نسجت الحب خيطًا من هواء حسبته حبلًا متينًا فتشبثت به طويلًا وفى النهاية اكتشفت الحقيقة، وهي أنني لم أكن يومًا متشبثًا بشيء، إنما هو الوهم والظنون والأماني الفارغات. سمعتهم يقولون ومن الحب ما قتل فكنت أضحك من قولهم، واليوم لو يعلمون بحالي كم يضحكون منّي، وأنتِ السبب. ألا تذكرين عندما دنوتُ منك واضعًا في شنطتك دبلة الخطوبة، على أمل بأن تجديها وتعرفين أنها مني وتكون فاتحة خير. وفور خروجك من البنكِ وأنت تسيرين في الطريق العام تكملين ثرثرتك مع فانزاتك على مواقع التواصل الاجتماعي، باغتك أحد اللصوص مستقلًا موتوسيكلًا، وخطف الشنطة من يدك اليسرى وهاتفك من اليُمنى، في واقعة شهيرة، وظهرت صورته بغباء على البث المباشر، فتم القبض عليه في اليوم نفسه. ولما رأيتِ الدبلة في قسم الشرطة نفيتِ أن تكونَ تخصّكِ، وضاعت دبلتي. لا أعرف أين استقرت؛ أفي يد الحرامي؟ أم حرزًا من أحراز القضية؟ ولكنها ضاعت. ألا تذكرين أنني لم أعد إلى البنك بعدها إلا كحطام طائرة سقطت من الفضاء، فعلًا اكتشفت ساعتها أنك فضاء، ولم تكونِي يومًا ذلك البحر الأزرق المتموج الذي يحمل سفينتي الى مرفأ الحب والطمأنينة والاستقرار. كنتِ فضاءً مع أول تغيرٍ في حالة الجو وهبوب عاصفة لزجة، أسقطتيني من حساباتك، وقذفتيني من أعلى عليين لأتحطم على صخور أرض الحقيقة القاسية. لو كنتِ بحرًا ربما صارعت الموج، على أمل بأن أصل بك إلى الضفة الآمنة من الحب، لكنك لم تكونِي، لذلك لم أكنْ. تحولتُ معكِ من شخص مريض بحبك، إلى شخص يحب مرضه بحبك، ثم إلى شخص يكره نفسه، ويكره حبك، ويكره الدنيا. قررتُ الرحيل وعند الرحيل علمتيني درسًا مؤلمًا، أن الذي يتجاهلك مرة في مقدرته أن يتجاهلك العمر كله، لذلك حزمت أمتعتي ورحلت». كلما أعدتُ قراءة هذه الرسالة أجدني أتهم ضحى بأنها سبب معاناتي، ولا أعرف إن كان هذا صحيحًا، أم أن السبب الحقيقي هو فقدان أمي وأبي قبل أن تنفتح عيني للحياة، وفقدان الحنان والرعاية، والأمومة والأبوة، وعيد الأم وعيد الأب؟ لا يوجد عيد أب، هكذا يقولون؛ ولكنني مقتنع تمام الاقتناع بأن هذه أكذوبة، ومقتنع تمامًا بأن عيد الأضحى هو عيد الأب والأم معًا في وقت واحد، ففيه فرح الأب بنجاة ابنه من الذبح، وفيه فرح الأم بنجاتها وابنها في وادٍ غير ذي زرع بعد أن ذرعت الجبال صعودًا وهبوطًا. عمومًا هذا البحث خارج إطار اختصاصي، لأنني لم يكن لي أبًا ولا أمًا، ولست أبًا لأحد حتى اليوم، ومتأكد أنني لن أكون أمًا كذلك.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 10:57 م

رواية قارئ الذكريات — الفصل الأول

صفحة [1]

مُتواليةُ تساؤلاتٍ تدور في ذهني كُلّما جلستُ بشرفة منزلي مع كوبي المفضل من الشاي تحت جنح الظلام وأضواء لافتات الإعلانات المتقلبة تداعب عيني. من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ لماذا لم أكن عدمًا؟ لماذا أُعطيتُ لسانًا؟ لماذا لي عينان؟ لماذا لي عقل؟ لماذا لي ذاكرة؟ ألم يكن من الأفضل أن تمر الأحداث فأنساها كأنها ما كانت؟ وعند التساؤل الأخير أتوقفُ كثيرًا، ضاحكًا من نفسي؛ لأن ذاكرتي ليست كذاكرة البشر، كل البشر ذاكرتهم تختزن ما حدث معهم، شاهدوه أو سمعوه أو فكّروا فيه، أما أنا فتأتيني ذكرياتٌ لم تكنْ، أحداثٌ لم تحدث في حياتي؛ فهل أنا فاقدٌ للذاكرة؟ أم أنّ لي ذاكرة أناسٍ آخرين؟ هل يُعقل أن أكون شخصًا بأكثر من ذاكرة؟ سألتُ محرك البحث عن حالتي لعلّ لديه الجواب، بحثت عن «الذاكرة»، عرّفتْها الويكيبيديا بأنها عملية الاحتفاظ بالمعلومات لمدة من الزمن لغرض التأثير على الأفعال المستقبلية، فإذا كنّا لا نستطيع تذكر الأحداث السابقة، فلن نكون قادرين على أن نطور اللغة ولا العلاقات ولا هويتنا الشخصية. ولكن لماذا أتذكر ذكريات الآخرين؟ Error 404 لم يعطني محرك البحث جوابًا، وإنما أعطاني أحد أكثر الأخطاء شيوعًا على شبكة الانترنت «لم يتم العثور على الصفحة 404»، وهذا يعني أنه لا يمكن العثور على ما تبحث عنه. حاولت البحث في أقرب فكرة «شخص لديه القدرة على…»؛ توالت الاقتراحات «القدرة على رؤية الأشياء التي خلفه». بالفعل إنني أرى الأشياء التي خلفي، ولكن خلفي في الزمن لا المكان. «القدرة على إحباطنا». يا لك من مضحك! أشخاص كُثُر لديهم القدرة على ذلك، وليس شخصًا واحدًا. ضيّقتُ نطاق البحث «شخص لديه القدرة على رؤية الماضي». نعم هذا ما أريده فالذكريات هي ماضٍ، ربما تكون هذه هي المفردات الأفضل للبحث عما أريد. وجدت فيديو عنوانه: «هل يمكن أن نرى الماضي بأعيننا؟ الفيزياء الكونية تقول نعم». هذه ضالتي، قد وجدتها، ضغطت زر تشغيل الفيديو. «ربما لا تجد إنسانًا لم يتساءل مرة في حياته عن الزمن وأبعاده، وهل يمكن أن يسافر إلى مستقبلٍ مجهول، أو يعود إلى ماضٍ قد فاته دون وعيٍ منه، ومع هذه التساؤلات جرّب الإنسان طرقًا عديدة، وتضاربت النظريات والآراء حول إمكانية التحكم في واحدٍ من أغرب مكونات الحياة، ألا وهو الزمن…». هذا يعني أن حلّ لغزي هو الزمن، إنْ أعرف ما هو الزمن أقدر على فهم نفسي، وتحديد ما يجري لي من تجارب تُخيفني أحيانًا وأحيانًا تُصيبني بالشغف. واصلت عرض الفيديو إلى أن استوقفتني جملة. «…ابتكر العلماء طريقة لقياس المسافات في الفضاء تعرف بالسنة الضوئية، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة، فعند النظر لنجم يبعد عن الأرض مائة سنة ضوئية مثلاً، نرى الضوء الذي خرج منه منذ مائة عام، أي أننا نرى الماضي، ماضي هذا النجم…». ما هذا؟ إذن كل البشر يرون الماضي، لستُ وحدي، لكنهم يرون ماضي النجوم البعيدة، أما أنا فأرى ماضي الناس الخفي، أو ربما يصطاد عقلي الذكريات الهاربة من عقولهم والتي يريدون التخلص منها؛ هل أنا سلة مهملات الذكريات؟! لم أعد قادرًا على مواصلة الفيديو، فقد أوشك الليل أن ينقضي، وباغتني النوم. استيقظت في الصباح الباكر وانطلقت إلى البنك وقد تشوهت صورتي الوسيمة التي اعتدت رسمها أمام المرآة كل صباح، وتفرّق شعر رأسي كأن كل شعرة تناصب الأخرى العداء رغم تهذيبي لها بأكثر الأمشاط حدة، ولكن يبدو أن التهذيب لم يجدِ مع هذه الخصلات الطويلة، أو ربما أنها غير مهذبة من الأساس، أو لا تقبل النصيحة، أو ترفض الأوامر، أو تتمرد على رأسي، مثلها مثل أفكاري الغريبة. لكن الأفكار تتمرد داخل رأسي باحترامها ولا تخرج إلى العلن؛ إلا إذا أوشى بها ذلك الكائن الطويل القابع على باب كهف الفم يحرسه، المفترض أنه يحرس الفم والجسد كله؛ ولكنه يأبى إلا أن يتعامل مع نفسه على أنه مهاجم. كم مرة حاولت أن أقنعه أنه مكلف بحراسة المرمى دون فائدة، يصرّ أن يقود الهجمات بنفسه ولو أنه سكن وسكت لاستراح واستراحت أفكاري واستراحت خصلات شعري الناعمة واستراحت عيني وهدأ بالي ونمت نومًا عميقًا. لكنه عنيد يصر في كل يوم أخرج فيه من شقتي أن يخرج هو الآخر من مكمنه ولا يعود إلا بعد أن يكون قد ارتكب عدة فظائع أظل أدفع ثمنها لأيام وربما لسنين وأنا أحاول أن أصلح ما أفسده، علاقات تقطعت بسببه، وأصدقاء تباعدوا، وآخرون أظنهم الآن يتلقون العلاج بمصحة نفسية بسبب تنمره وعباراته وانتقاداته اللاذعة. كم مرة أقول له لا شأن لك بالناس، لا تنتقدهم، دعهم وما يريدون، دعهم وما يحلمون، دعهم وما يفعلون، دعهم وما يقولون، دعهم وشأنهم واصمت، إلا أنه ينسحب من لسانه، لا أعرف كيف ينسحب اللسان من لسانه لكن لساني يفعلها، هو ماهر في أشياء كثيرة وربما هذه إحداها. معاناة صباحية جديدة، وعلى الرغم مما أعانيه جسديًا من زحام المواصلات، وتطاحن الأجسام في المترو، إلا أن هذه ليست معاناتي الحقيقية؛ بل تلك الأصوات المتلاطمة في عقلي، ذكريات هذه السيدة الستينية التي تتعارك فيها مع والدتها التي توفيت منذ عشرين عامًا لأنها لم توافق على دخولها كُليتها المفضلة، ذكريات هذا الرضيع الذي يسخط على تأخر والدته في إرضاعه بالأمس، ذكريات ذلك الشاب الذي يبحث عن وظيفة كل يوم دون جدوى، ذكريات تلك الفتاة المبتهجة بحصولها على جائزة عالمية ورحلة معاناتها حتى نالتها. أصوات متقاطعة ومتضاربة لا أستطيع صرفها ولا وقفها، ولكنني تعوّدتُ على حيلة أفِرُّ بها من هذه الذكريات التي هربت من عقول أصحابها إلى عقلي. تعوّدتُ أن أواجه هذه الذكريات التي تقتحم عقلي بهجوم معاكس من ذكرياتي الخاصة؛ فبعد أن ألتقط عدة ذكريات وقصص من الآخرين ويبدأ عقلي في الضجيج، أشرعُ في تذكر بعض المواقف والأحداث التي جرت معي من قبل، فتشكل حائط صدٍّ منيع يحول دون وصول الأصوات إليّ، ولكن ما بات يؤرقني هو أنني لم أعد قادرًا على التمييز بين ذكرياتي وذكريات الآخرين التي استلبها عقلي منهم من قبل، إلاّ أنها حيلة تمنعني من الجنون على كل حال.

صفحة [2]

أجلس أخيرًا على مكتبي في البنك وأشرع في خدمة العملاء، أفتح حسابًا لأرملة حتى تتمكن من تحويل معاشها الشهري عليه، أحل مشكلة عميل آخر يريد تفعيل التطبيق البنكي الإلكتروني، أستخرج إفادة برقم الحساب والرقم الدولي لعميل آخر، متجاهلًا ذكرياتهم جميعًا ومحاولًا أن أتعامل بأريحية وبشاشة برغم معاناتي الداخلية. ألمحُ رجلًا عجوزًا مقوس الظهر يدخل إلى البنك متكئًا على عصًا، يجرّ قدميه ويسير ببطء، ملامحه حادة، ونظراته مريبة، ينظر في كل اتجاه وكأنه مطارد، يأخذ رقمًا وينتظر دوره، الذي يُلقي به عندي، يستغرق وقتًا حتى يقدر على الوقوف أمام شُباكي، أنظر إليه في رفقٍ وإشفاق، وأتعاون معه ليُنهي ما جاء من أجله سريعًا، إلا أن العجوز لا يذكر ما يريد، ولا يعرف سبب مجيئه للبنك، فيقف محتارًا وقد أسقط في يده، فابتسمت له مخففًا عنه وقلت له بلطف: «ديونك يا أفندم، كم ستسحب من رصيدك؟» أفلتت الكلمة من بين شفتيّ دون وعي أو إدراك، وكنت قد عاهدتُ نفسي ألا أفشي سرًا مما تطرحه عليّ ذاكرتي الوهمية أو الإضافية، حقيقةً لا أستطيع معرفة طبيعتها حتى اليوم؛ هل هي ذاكرة وهمية تغذيني بمعلومات ومواقف وأشخاص وأحداث لا وجود لهم؟ أم أنها ذاكرة إضافية تأتيني بمعلومة موثوقة من مصادر معتمدة؟ لا أستطيع الجزم. أحيانًا أشعر أنني أشبه المنجمين أكذب ولو صدفت أو صدقت، وأحيانًا أشبه العلماء أقول ما أعلم ولا أفتري كذبة واحدة؛ وهذا ما جعلني محتارًا غير قادر على معرفة طبيعة هذه الذاكرة الافتراضية، التي أيضًا لا أعرف إن كانت نعمة لي أو نقمة عليّ، لا أعرف إن كانت مزية أو رزية؛ بيد أن ما أعرفه يقينًا أنها موجودة، ولا بد أن أعرف طبيعتها يومًا ما. التفتُّ للعجوز المصعوق من عبارتي كأن الكهرباء سرت في جسده وبات ملزمًا بتركيب عداد دفع إلكتروني؛ وقبل أن يزداد توترًا وعصبية، وقبل أن يلوح بيده، لا أعرف كم من الوقت سيستغرق ليلوح بيده إلاّ أنه سيفعلها في النهاية. وربما سقطت عصاه على رأسي أو على الحاجز الزجاجي الذي بيننا؛ كل الشكر لمن وضع هذا الحاجز فربما كانت تلك العصا مستقرة فوق رأسي، ولكن هذا الحاجز لا يحميني تمام الحماية فلو سقطت العصا على الزجاج لحطمته، وحينها سيتناثر الزجاج فوق رأسي ورأس من حولي، ويصيبني ويصيب حتى من يضربني. إذن كل اللوم على من قام بتركيب هذا الحاجز الزجاجي، ولكن ربما لم يتخيل هو ما تخيلتُه أنا، ربما لم يكن في حسابه أن أحدهم سيدخل حاملًا عصا يحطم بها الزجاج على رأس الموظف الغلبان. على كل حال لم يحدث شيء من هذا كله، هي مجرد تخيلات ومواقف لم تحدث، أجدني أفيق منها على صوت العجوز المتقطع المتهالك المتصاعد؛ حتى إنه يأتي بأعلى طبقة في صوته وهو نفسه لا يكاد يسمع نفسه حتى أسمعه أنا، وبمشقة استطعت تمييز كلماته. «كيف عرفت؟» اختطفتُ نظرة سريعة إلى شاشة الكمبيوتر. «حسابك يا أفندم يكشف عن ذلك بسهولة.» إجابة مختلقة ولكنها بدت منطقية وكافية لطمأنة العجوز، الذي تنهد بارتياح ولم يَلْحَظْ أنه لم يُعطِ لي أية بيانات تمكنني من معرفة رصيد الحساب، حتى لمّا طلبتُ منه هذه البيانات بعد ذلك ليتمكن من سحب المبلغ المطلوب لم يلحظ أيضًا. قبض العجوز على النقود بقوة لا تتناسب مع حالته الصحية، وكأنه يتكئ على هذه النقود بدلًا من عصاه، قبض عليها وكأنه يقبض على عمره، كأنه يخشى أن تفرّ منه كما فرّ عمره. تحرّك كسلحفاة وعيناي عالقتان به في إشفاقٍ، وجدتني منجذبًا إليه وهو يسير تجاه باب الخروج من البنك. وبمجرد خروجه من باب البنك سمع الجميع صراخًا وجلبةً بالخارج وصوت احتكاك إطارات سيارة بالأرض نتيجة ضغطة فرامل قوية. لا أعرف إن كان الجميع قد سمع أم أنني وحدي الذي سمعت؟ والظاهر أنني وحدي، والظاهر أيضًا أنها ذاكرتي هي التي اجتذبت هذه الأصوات والمعلومات من الخارج، لأن كل من حولي يتعاملون بهدوء وكأن شيئًا لم يحدث، حتى إنني نتيجة هذا الصمت المخزي رغم وقوع هذا الحادث الأليم لذلك العجوز بادرت بتوجيه اللوم لزملائي. ولا أعرف لماذا ألومهم وأنا مثلهم جالس لم أفعل شيئًا ولم أحرك ساكنًا؟ لماذا لا أنهض جاريًا إلى الخارج بحثًا عن هذا العجوز الذي أظنه الآن ممزقًا في الطريق؟ ما منعني من ذلك إلاّ صوت زميلي حسن الدهشان الساخر كعادته وهو يخاطبني كأنه يكلم مجنونًا: «عن أي عجوز تتحدث؟» «ما هذه الحماقة؟ العجوز الذي كان واقفًا أمامي وأنهى معاملته معي وخرج لتوّه» هزّ حسن رأسه بدهشته المعهودة التي أخذ نصيبه منها من اسمه؛ وسألني مستفسرًا: «تقصد العجوز الذي أعطاك العصا؟» عن أي شيء يتحدث هذا اللزج؟ ماذا يقصد بأعطاني العصا؟ هل يريد أن يقول إنه ضربني بها؟ «لم يضربني يا حسن، أتفهم؟! لم يضربني.» ضحك اللزج وقال باستفزاز: «العصا التي كان يمسكها ولوّح بها في وجهك في غضب» هل مجرد تلويحه بالعصا في وجهي يعني أنه ضربني، يا لك من شخص مقيت تصطاد في الماء العكر، تريد أن تضخم الموقف فقط لتسمع ضُحى هذا الكلام فأسقط من نظرها أكثر مما أنا ساقط، تحاملت على نفسي وكظمت غيظي وقلت له بصبرٍ نافد: «نعم هو بعينه» فضحك ساخرًا متهكمًا مرة أخرى بطبيعته اللزجة وقال بطريقته المقيتة: «هذا العجوز كان هنا بالأمس يا عم ناروز، اصحى وصحصح واوعى تنام» كأن كوب عصير قصب مثلج قد دخل لحلقي المتصحر في يومٍ حارٍ رطبٍ جافٍ معتدلٍ على الأمعاء الجنوبية شديد الحرارة على الفم واللسان والحلق؛ لا أعرف ما دور عصير القصب في هذا الموقف، ولكنه على كل حال يؤدي الغرض في وصف ما ألمّ بي من فقدان للأحبال الصوتية ولأي قدرة على النطق، فضلًا عن المغص الذي يفرك في أمعائي فَــرْكَ الفلفل الذي يُطحن. ولا فائدة من معرفة دور عصير القصب ولا حتى الفلفل المطحون، إذا كنت أنا أصلًا غير قادر على التمييز بين الأحداث التي جرت بالأمس وتلك التي تجري اليوم. لقد بدأت أشك أنني أعيش في اليوم من الأساس، وأخشى الآن أن أستدير إلى حسن الدهشان لأسأله عن عبارته التي قالها للتو، فأجده يخبرني بدهشته اللزجة أنه قالها لي بالأمس لا اليوم أو أنها ستكون غدًا أو لن تكون على الإطلاق‼ يا للحيرة، كيف يجري هذا معي؟ وكيف أعمل في البنك وأنا على هذه الحالة من التركيز المتدني؟ المتدني‼ بل قل المعدوم، هل أعمل هنا من باب الشفقة؟ لماذا يتحملون شخصًا مثلي؟ ولماذا يتركونني معهم إلى الآن؟ ولكن ما أدراني أنني معهم؟ إنني منذ لحظات كنت أعيش في الأمس ولا أعرف الآن في أي لحظة أعيش.
عالم التواصل

عالم التواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 8, 2023 10:50 م

 

    قد يحدث أن تباغت الوفاة أحد الأشخاص دون أن يعلم خصمه بوفاته، أو وهو في طريقه لمقاضاته، وفي هذه الحالة يرفع دعواه على شخص متوفى، ويصبح مهددًا بصدور حكم بانعدام الخصومة في دعواه، ولا يقبل منه تصحيح شكل الدعوى باختصام ورثة ذلك الخصم المتوفى.


    وقد تباينت أحكام المحاكم واتجاهاتها حول إعمال هذا الأثر والقضاء بانعدام الخصومة، فاتجاه قضى بانعدامها واتجاه آخر قبل تصحيحها.

 

    وقد حسمت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها بمحكمة النقض هذا الأمر وأقرت الاتجاه الذي يقبل تصحيح شكل الدعوى. 


    ولكن ينبغي مراعاة أن هذا الحكم لا يسري -حتى الآن-  في مجال المنازعات الإدارية التي تنظر أمام محاكم مجلس الدولة.


    حيث أصدرت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها بمحكمة النقض حكمها في الطعن رقم 5436 لسنة 86 ق “هيئة عامة” بجلسة 30-5-2023م، وأقرت الاتجاه الذي يجيز اختصام ورثة المتوفى بصحيفة جديدة تودع قلم الكتاب مستوفية لكافة شرائطها القانونية.


    ووطنت لحكمها ووطدته بقولها إن التشريعات الموضوعية هي موطن العدل بمضمونه وفحواه؛ وأن سبيل تحقيقه يكون من خلال التشريعات الإجرائية؛ إذ إنها الأداة والطريق للوصول إليه، ذلك أن الرسالة الأولى والأخيرة للتشريعات الإجرائية أن تكون أداة طيعة لعدل سهل المنال مأمون الطريق لا يغرق في الشكليات، وإذ كان قانون المرافعات هو حجر الأساس في بناء القوانين الإجرائية، وتمتاز نصوصه بالدقة والشمول والمرونة، لذلك فقد حرص المشرع فيه على الأخذ بالمعايير التي تتيح للقاضي تغليب موجبات صحة الإجراءات على غيرها من المعايير. ولما كان من المقرر أن الخصومة لا تقوم ابتداءً إلا بين طرفين من الأحياء فلا تتعقد أصلًا إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة وإلا كانت معدومة. إلا أنه وتيسيرًا على الخصوم وتحقيقًا لموجبات سير العدالة وهو ما يستتبع معه جواز اختصام ورثة المتوفى بإجراءات جديدة بموجب صحيفة مستوفية لكافة شرائطها القانونية إيداعًا وإعلانًا يتحقق به مبدأ المواجهة في الخصومة، على أن يكون في ذات درجة التقاضي ومرعية فيها المواعيد المقررة للخصومة الجديدة التي تكون مستقلة بذاتها ومرتبةً لكافة آثارها من تاريخ انعقادها.


    لما كان ما تقدم، وكانت بعض أحكام دوائر المحكمة قد ذهبت إلى عدم جواز تصحيح شكل الخصومة وتجديد الإجراء الباطل باختصام ورثة المتوفى واعتبار الخصومة منعدمة لوفاة مورثه، فقد رأت الهيئة وبالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ المعدل؛ العدول عن هذا المبدأ والاعتداد بالمبدأ الذي ورد بأحكام الاتجاه الثاني والذي يجيز اختصام ورثة المتوفى بصحيفة جديدة تودع قلم الكتاب مستوفية لكافة شرائطها القانونية.


    ولكن يتعين مراعاة ما ورد في حيثيات ذلك الحكم والتي ذهبت إلى أن اختصام ورثة المتوفى يجب أن يكون بإجراءات جديدة بموجب صحيفة مستوفية لكافة شرائطها القانونية إيداعًا وإعلانًا يتحقق به مبدأ المواجهة في الخصومة.

    و أن يكون في درجة التقاضي نفسها.

     وأن يراعى في ذلك المواعيد المقررة للخصومة الجديدة التي تكون مستقلة بذاتها ومرتبةً لكافة آثارها من تاريخ انعقادها.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 6, 2023 11:44 م

رواية حبس انفرادي — الومضة الأخيرة

صفحة [1]

دعته هالة بصوتها الهادئ المفعم بالحياة والأمل؛ ولكنه لم يستجب؛ كررت نداءها حتى بدت كأنها تصرخ: «حاتم!». انتفض مفزوعاً ونهض وركض عدة خطوات للأمام كأنه يواجه خطراً ما، قبل أن يقف في منتصف الصالة ويستدير لها متسائلاً وهو يلهث: «ماذا بك؟ لماذا تصرخين؟». «بل ماذا بك أنت؟ لقد تركتك دقائق لإعداد الطعام وجئت لأجدك تهذي في نومك». اتسعت حدقتا عينيه على مصراعيهما وهو يستمع لها، وفغر فاه ولم يستطع أن ينطق لبضع لحظات ثم هوى جالساً على الأنتريه وهو يغمغم: «هل مازلنا محتجزين في الشاليه؟». «يبدو أنك لن تستطيع تجاوز هذه الأزمة بسهولة؛ ألم أقل لك إن ما تعرضنا له كان صدمة شديدة ومن الطبيعي أن نعاني من كرب ما بعد الصدمة ومن الأفضل أن تتناول مثلي علاجاً دوائياً له». رمقها بنظرةٍ يائسةٍ فنهضت محاولة تبديد هذا الجو الملبد بالاكتئاب ودعته إلى تناول الطعام فوقف ببطء وتحرك تجاه طاولة الطعام بخطوات مثقلة؛ ثم أرغم نفسه على تناول القليل من الطعام. «لقد اتصل الدكتور حامد والدكتور هاني كثيرا؛ يريدان الاطمئنان عليك؛ ألا تريد أن تطمئنهما؟». «سأفعل». قالها بطريقة تدل على أنه لن يفعل؛ ثم نهض وتحرك تجاه المطبخ ليعد فنجان قهوته المعتاد الذي لم يتخل عن إعداده لنفسه حتى وهو في حالة اكتئاب شديد؛ طلبت منه هالة أن يعد لها فنجاناً معه. مــرّ بكل الصور المعلقة على الحائط وهو يتسلم الجوائز وقف أمامها يتأملها محاولاً استلهام أية بارقة أمل منها تعينه على الأزمة التي يمر بها. عاد حاملاً فنجانين ملأهما بالأمل والرغبة في التعافي؛ توجه تجاه هالة فلم يجدها في الصالة ولم يجد الطعام على الطاولة؛ وضع الفنجانين من يده وبدأ ينادي عليها فلم تجبه.. أخذ يجوب الشقة بحثاً عنها. «أين ذهبت؟». بدت كل علامات الدهشة والحيرة على وجهه وهو يقلب الشقة رأساً على عقب دون أن ينطق بكلمة؛ لم يجدها في أي مكان. ارتجّ جسده من الصدمة. تضاربت انفعالاته ما بين الحزن والسخرية من نفسه. «لقد كانت هنا للتو؛ ماذا جرى؟ لقد شخصني الأطباء على أنني أعاني من اكتئاب نتيجة ما حدث معي في الشاليه، لم يقل أحد منهم إنني أعاني من هلاوس من أي نوع». كرر كلمة «هلاوس» أكثر من مرة وهو يتأملها وينظر للفراغ؛ هلاوس سمعية هلاوس بصرية هلاوس حسية. «الخروج». ترددت هذه الكلمة في الشقة كلها بصوت يعرفه جيداً؛ إنه صوت الفتاة الآلي ذلك الذي سمعه في الشاليه والسيارة من قبل؛ تساءل في نفسه: «كيف جاء هذا الصوت إلى هنا؟! وما هذا الذي تقوله؟!». بدأ الصوت الآلي يتكلم بجمل متتابعة وكأنّه يصدر له تعليمات. «حان وقت المغادرة». «طريق الخروج على يمينك مباشرة». «بعد أن تدخل الغرفة القادمة توقف قليلاً للإجابة عن بعض الأسئلة». اتبع هذا الصوت الآلي بدون معارضة؛ وكأن إرادته قد سلبت منه تماماً أو أنه اختار أن يطيعه من باب الفضول. دخل الغرفة التي وجهه إليها ذلك الصوت؛ لم يجدها غرفة بالمعنى الدقيق للكلمة؛ إنما هي أشبه بأنبوب ضخم جدرانه مضيئة بضوء أبيض لامع، وعليها علامات كعلامات أنبوب الاختبار؛ وبابها دائري ضخم. وقف مشدوهاً بما يرى مترقبا ما بعد ذلك؛ رأى في نهاية الغرفة باباً آخر فتوجه تلقاءه. ففوجئ به يصطبغ باللون الأحمر تارةً وباللون البرتقالي أخرى، ويتحول بين اللونين بتتابع، وفجأة برز في وسط الباب نجم مضيء يتعاظم ضوؤه الأبيض اللامع تدريجياً حتى شغل مساحة الباب كاملة، ثم ظهرت في الأعلى أحرف تكتب واحدة تلو الأخرى بلون ذهبي حتى تكوّن أمام عينيه سؤال كامل، وأدناه بدأت تتشكل إجابة أولى حرفاً فحرفاً كذلك باللون البرتقالي، والإجابة الثانية باللون الأحمر. هل تعتقد أن كل ما حدث لك هنا محض مُصادفة أم أن هناك من دبـّـر كل هذا ورتبه؟ = الأولى: كُلُّ هَذَا مَحْضُّ مُصَادَفَة. = الثانية: كُـــلُّ شَـــيٍء مصممٌ بدقة فائقة. اختار الإجابة الثانية ذات اللون الأحمر، ضغط عليها بإبهامه، فبرز له من الجانب الأيمن تمثالٌ صغيرٌ على شكل هرمٍ ذهبي أعلاه رأس أسد وقاعدته فأر والمنطقة الواصلة بين القاعدة والرأس ملتوية كثعبان، التقطه فانفتح الباب تلقائياً؛ نظر للأعلى فوجد مكتوباً «بوابة الخلق». خرج من الباب ليتفاجأ بجموعٍ كبيرة من الصحفيين ومراسلي القنوات التلفزيونية ومندوبي وسائل الإعلام المختلفة تغطي الحدث، أدرك ما يجري للمرة الأولى؛ تذكر كل شيء. «إنّــهُ هو الـمـجـرّبُ الأوّل». *** أومضت بذاكرته مشاهد متتابعة وهو يقف مأخوذاً ينظر للحاضرين، تذكّر الإرهاصات الأولى للمشروع، وكيف عكف عليه طيلة ثلاث سنوات. تذكر كيف خطّ فكرة المشروع الأولى في مفكرة صغيرة قديمة ملازمة له منذ الطفولة حتى من قبل أن يلتحق «بكلية الهندسة» ويدرس البرمجة، تلك المفكرة التي لم يكتب فيها أية فكرة من قبل، ولكن يبدو أنه احتفظ بها لهذا اليوم فحسب. تذكّر ما كتبه حينها، لقد بدأ بكلمات مبعثرة لكنها جمعت كل أفكاره. [مشروع برمجي] شاليه مزار سياحي ملحد تصميم ذكي الخالق من لا شيء مصادفة *** ثم أومضت في ذاكرته تفاصيل المشروع والأسباب التي دفعته إلى التفكير فيه. «أنا ملحد؛ لا أعتقد بوجود خالق لي ولا لهذا الكون، ولكنني لن أنتظر حتى أموت لأتأكد إن كنت على حق أم أن هناك خالقاً بالفعل، سأعرف الآن؛ سأنشئ مشروعاً مبرمجاً برمجة دقيقة، ومصمماً بطريقة ذكية. فكرته تعتمد على عزل الشخص الذي سيخوض التجربة عن العالم الخارجي وحبسه بمفرده داخل المشروع؛ ثمّ تلقي الإشارات من عقله، وتحويلها إلى واقعٍ يعيشه؛ أي سيتم برمجة النظام على أن يقوم بترجمة انفعالات الشخص ومخاوفه وأفكاره ومعتقداته ورغباته إلى واقع حقيقي، ومنحه حرية الحركة في المكان بكامله، دون أن يتم تقييده ولا توصيله بأية أجهزة، فالمكان كله سيجهز ليكون جهازاً ضخماً، و دون أن يكون له حرية الخروج أو إنهاء التجربة بإرادته؛ إنه لن يتذكر بالأساس أنه في تجربة، فكل شيء سيكون حقيقياً، وحتى يتم تخفيف الأمر على المجرّب قليلاً ومنحه بعض المتعة سيتم تصميم المشروع ليجد نفسه بمجرد أن يدخل ويندمج فيه قد أصبح شخصية أخرى وربما في مكان محبب إليه، وستتكفل برمجة المشروع بإقناعه بأنه هو ذلك الشخص وكذلك ستقنعه بسبب وجوده في هذا المكان؛ وبمجرد أن تطأ قدمه داخل المشروع لن يتذكر أنه داخل المشروع الكبير الذي تبدو واجهته كواجهة أحد المتاحف القديمة. والغرض من هذا أن يقضي المجرب عدة دقائق يخرج بعدها متيقناً من أحد أمرين إما أنّ هذا الذي يحدث هو مصادفة محضة، أو أن هناك من قام بترتيب كل هذا وإعداده، و سيكون المشروع قابلاً للاستخدام من أي أحدٍ من المؤمنين أو الملحدين على السواء. ولكن عليه أن يكتب رأيه في النهاية. وسأحاول أن أتحلى ببعض الشجاعة لأكون أول من يجرب هذا المشروع وأول من يكتب رأيه». ***

صفحة [2]

أومضت بذاكرته صور متتابعة للمراحل التي استغرقها هذا المشروع ليخرج للنور؛ تذكر كيف أنه جعل المكان نفسه معزولاً بدقة عن العالم الخارجي؛ وبمجرد أن يدخل المجرب في التجربة يبدأ الجهاز في العمل، ولكنه لن يعرض له فيلما يشاهده، لا بل ستكون الأحداث بالنسبة للمجرب حقيقية أكثر من الحقيقة ذاتها، وستكون تحركات المجرب محسوبة بدقة بحيث لا يمكن أن ينتج عنها أي ضرر به. ولقد تم تصميم الجهاز ليستخلص من عقل المجرب أفكاره ورغباته وكل شيء يدور في ذهنه ليترجمه إلى واقع، على أن يتكفل الجهاز بإنشاء قصة تلائم هذه الطموحات والرغبات، وقبل الدخول إلى الجهاز أو المشروع تكون هناك عدة بوابات، ويكون على المجرب أن يختار واحدة من هذه البوابات. فكرة المشروع تنصب كاملة على العلاقة بين الإيمان والإلحاد، وكل البوابات متعلقة بهذا الشأن تقريبا، وكل بوابة تحمل اسماً يدل على ما وراءها، وعلى كل مجرب أن يختار البوابة من البداية، ولقد اختار حاتم بوابة «الخلق»، وما زالت هناك بوابات عديدة، والمجرب دائما يختار أكثر موضوع يشغل باله. عند مدخل المشروع وبعد أن تتخطى حاجز الباب الرئيسي تجد أمامك شاشة كبيرة خلفيتها باللون البرتقالي والكلمات مكتوبة عليها بالأحمر القاني. تظهر أمامك أسماء البوابات واحدة تلو الأخرى؛ وبمجرد أن تضغط على اسم واحدة منها تنفتح أمامك، وبمجرد أن تضع قدماً داخل الممر الخاص بهذه البوابة تنفصل تماما عن الواقع الخارجي، وتندمج تماما داخل ما قمت باختياره. ولقد تمت تغذية كل بوابة بمعلومات كثيرة عن الموضوع الذي صممت لأجله هذه البوابة وما وراءها، وتتعدد أسماء هذه البوابات؛ ما بين «الخلق»، «القدر»، «الإله»، «الحياة بعد الموت»، وهكذا العديد من البوابات، وكل بوابة تُغذّى بالأفكار المتناقضة المختلفة حول فكرتها من المؤيد والمعارض، وتتكفل برمجة المشروع بإعادة ترتيب هذه الأفكار ودمجها مع أفكار المجرب وخبراته؛ لتصوغ له واقعاً متكاملاً لا يستطيع أن يميز بينه وبين واقعه الحقيقي؛ ولا يستطيع كذلك أن يدرك أن كل ما يجري معه؛ إنما هو عبارة عن ترجمة عملية لأفكاره ومعتقداته ورغباته وما يتصل منها بفكرة البوابة التي اختارها حتى أن بعض الأشخاص الذين يظهرون له حقيقيون يعرفهم في واقعه الفعلي وبعضهم من اختراع الجهاز نفسه تلبية لعرض فكرة أو إنشاء حدث. المشروع تم تصميمه من الناحية الفنية وتمت برمجته وكتابة كل الاحتمالات الممكنة، وما يترتب عليها من فعل أو رد فعل، كل شيء محسوب بدقة، لقد استغرق الأمر من حاتم ومن فريق العمل الذي شاركه أكثر من ثلاث سنوات من العمل اليومي لمدة لا تقل عن ستة عشر ساعة في اليوم، ولكنهم كانوا يعملون بشغف وتلهف، فكلهم يمسه هذا المشروع من قريب أو من بعيد؛ ففضلا عن أنها وظيفتهم فقد أحسوا أن هذا المشروع جزء منهم، كلهم منهم المؤمن والملحد، المتيقن والمرتاب، كلهم يعمل وينتظر ليجرب في يوم من الأيام البوابة التي تشغل تفكيره طيلة الوقت؛ تم تصميم بوابة الخلق لتجيب على سؤال جوهري: هل يمكن أن ينتج شيء من لا شيء؟ أم أن الخالق هو من أنشأ كل شيء؟ وُضعت كل الاحتمالات في الحسبان عند إعداد هذه البوابة؛ الآراء، الأفكار، المعتقدات، الخبرات، وصيغت بعض الأسئلة في هيئة حدث، وبعضها في هيئة حادث، وبعضها حوار، وهكذا؛ ولكن كلما تغير المجرب ستتغير الأحداث وستتغير الأشخاص، وستتغير الأفكار التي تستخرج من عقل هذا المجرب، وما إذا كان ملحداً أم مؤمناً ولكن تظل الأفكار الرئيسية ثابتة. ولا يعطيك هذا المشروع الفرصة لتغادره ثم تبدي رأيك وإنما لا بد أن تختار الإجابة على التساؤل المعد سلفاً لكل بوابة على حدتها قبل أن تخرج؛ وبوابة الخلق طرحت التساؤل واختار حاتم الإجابة التي وصلت إليه واقتنع بها مما جرى معه، على الرغم من أنه دخلها عكس ذلك تماماً، وبعد أن خرج سأل نفسه: هل كل من يمر بهذه التجربة سيبقى على قناعته؟ وحينها ابتسم حاتم لأنه كان صاحب فكرة أن تكون إجابة السؤال هي السبب في خروج المجرب من المشروع، وألا يتركه ليجيب عليه بعد أن يخرج، حتى يحصل منه على الإجابة النقية غير المتأثرة بالأهواء الشخصية أو الدوافع أو العلاقات.. وقد نجح في ذلك تماما وهو أول المجربين والذي أرغمه مشروعه على الاعتراف بخطأ أفكاره. مكتوب على باب المشروع دخول، بعد أن يدخل من باب المشروع، ويدخل البوابة التي اختارها، تغلق البوابة من خلفه، ويمشي عدة خطوات في ممر لا يتعدى الثلاث مترات وشكله على شكل أنبوب الاختبار؛ هو ذاته تماماً بعلاماته ومؤشراته، ويخفت الضوء تماماً حتي ليبدو كأنه في لحظة بين النور والظلام، انتهاء الليل وانفلاق الصبح، يرى جيدا ولكنه لا يرى شيئاً، يتحرك تلقائيا تجاه نهاية الممر القصير ليمر عبر باب دائري، يجد نفسه وقد انتقل إلى قاعة فسيحة، وعندها…يحدث كل شيء. واقع جديد مختلف تماماً عن واقعه ولكنه مرآة عاكسة لهذا الواقع؛ فالإنسان قد يغفل عن بعض الأشياء في نفسه وقد لا يستطيع رؤية نفسه بوضوح ولكن عندما ينظر للمرآة فإن كل شيء يصبح أكثر وضوحاً بالنسبة له. أومضت كل هذه الأفكار بعقل «المهندس حاتم سليم!» واستعاد ذكرياته وهو ما يزال واقفاً ينظر لعدسات المصورين الذين يلتقطون صوراً له وللمشروع من خلفه والذي لم تخلُ واجهته من الإبهار والغرابة في الوقت نفسه؛ لا سيما تلك التماثيل المنحوتة عليه، وبالأخص ذلك الأسد الذهبي القابع فوق باب المشروع، وهذه اللافتة المعلقة «المشروع الكبير»، والتي تضيء حروفها باللون البرتقالي والأحمر بالتبادل، ويبدو الأسد الذهبي واقفا فوقها في شموخ، وذيله معانقٌ لذيل الثعبان، الذي ينزل ملتويا من منتصف اللافتة يتخلل حروفها، حتى إذا وصل قاعدتها، بــدا فمه قابضاً على فأرٍ مذعورٍ يوشك أن يلوذ بالفرار. وقف أمام جموع الحاضرين ينظر إليهم ممتلئاً بالبهجة؛ أيقن أن مشروعه قد نجح، وأن التمويل الضخم الذي أنفقه عليه لم يضع هباءً، سواء من ماله الخاص أو أصدقائه من رجال الأعمال الذين اقتنعوا بفكرته وقرروا الاستثمار فيها. ابتسم حاتم لمّا تذكر بعض ما جرى معه داخل التجربة، وكيف أن المشروع التقط أفكاره التي كانت تتصارع داخله وجعلها واقعاً بالنسبة له، فبداخله تعيش شخصيات كثيرة تشبه إلى حد كبير كل الذين رآهم في داخل التجربة، وربما كان هو كل هؤلاء في وقت واحد فقام الجهاز فقط بتجسيد أفكاره فيهم، وبترجمة الحوار الحقيقي الذي يدور بداخله على ألسنتهم. تهافت ممثلو وسائل الإعلام عليه وهو يتحرك بينهم. أسئلة كثيرة. «ماذا حدث؟ هل نجح المشروع؟ هل ما زلت ملحداً أم غـيـّـر المشروع قناعاتك؟ ما هي الخطوة القادمة؟ هل أصبح المشروع جاهزا لاستخدام الجميع؟». أجابهم بهدوء وثقة: «نعم نجح تماماً وكل شيء على ما يرام وبات جاهزاً». جعل يتنقل بينهم والأسئلة تنهال عليه. «هل يمكن أن يتاح هذا المشروع كتطبيق على الهواتف الذكية يوماً ما؟». «سأعمل على هذا». «لقد علمنا أن المشروع مقسم إلى بوابات فيا ترى ما هي البوابة التي اخترتها وماذا كانت النتيجة؟». «اخترت بوابة الخلق والنتيجة أنني تيقنت تماماً أن لهذا الكون خالقاً؛ وأنه لا شيء من لا شيء؛ فإذا كان ما حدث معي بالداخل وراءه مصمم؛ وهو بالطبع شبيه بحياة الإنسان الحقيقية؛ فإن حياة الإنسان الحقيقية نفسها بدون شك وراءها مصمم كذلك». أجابهم ومضى يشقُّ طريقه بين الأجسام المتلاحمة فقابل صديقه «إبراهيم طارق» الصحفي الشهير الذي هنّأه وطلب منه حواراً صحفياً فوعده حاتم بأنّ أول حوارٍ سيكون حصرياً معه. ثم انطلق يبحث بين الواقفين عن «هالة» إلى أن وجدها فقابلته مبتسمةً وهنأته فقال لها بنبرةٍ حالمة: «هل تعلمين؟! لقد كنتِ معي في كل لحظة». ازدادت ابتسامتها إشراقاً واحمرت وجنتاها خجلاً وهي تقول بصوتٍ حنون: «سأكون معكَ دوماً». تلقّف هذه الكلمة بسرعة بمجرد أن خرجت من فمها كأنه لا يريد أن يفلتها، ونـدّت منه تنهيدة ارتياح كمن بلغ غايته وهو يقول: «الآن يمكننا تحديد موعد زواجنا».

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 5, 2023 6:32 ص

رواية حبس انفرادي — الومضة الخامسة

صفحة [1]

لم يكن يحب الصحافة ولا الإعلام على الإطلاق؛ يفضل الابتعاد دائماً عن أي أحدٍ يمت لهما بصلة، يفضل دائماً أن يعيش في الظل، لا يحب أبدا أن يجد أخباره متاحة للجميع وتفاصيل حياته مطروحة على الملأ كل يوم، ولكنها آفة العصر؛ يمكنك أن تهرب من كل البشر ولكن لن تهرب من هذه الوسائل الإعلامية أبدا، فإن لم تكن أنت نفسك مادة لها ستتلقى منها مادة ما في كل يوم؛ كل وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو التواصل الاجتماعي أو المواقع التفاعلية الجديدة التي ظهرت في أوائل عام 2023م وغيرت وجه الحياة وطريقة التعايش، لم تعد هناك خصوصية على الإطلاق؛ لقد كسرت مواقع التفاعل الاجتماعي الجديدة حاجز الحياة الخاصة تماماً أو بالأدق أجهزت على ما تبقى منها. لم يلتفت يوماً لأية رسالة تأتيه من صحفي أو إعلامي حتى أصدقاءه منهم؛ وتلك الرسالة التي وصلته منذ يومين من صديقه الصحفي إبراهيم طارق كانت إحدى هذه الرسائل المهملة التي لم يقم بفتحها؛ إلا أن خبر وفاة إبراهيم غـيّـر تفكيره ومفاهيمه وغـيـّر تصرفه فوجد نفسه مندفعاً إلى هاتفه يقلب فيه بحثاً عن رسالة إبراهيم؛ فتح الهاتف والأفكار تهدر برأسه متسائلة عما كان يريد إبراهيم أن يخبره به قبل أن يفارق الحياة؛ والأمنيات تبكي في قلبه راجيةً ألاّ يكون لهذه الرسالة علاقة بموته. أخيراً توصل لتلك الرسالة. [دكتور هاني أرجو أن تهتم بهذه الرسالة؛ صديقك الدكتور حاتم في خطر وقد تواصل معي منذ قليل وأبلغني بأسرار خطيرة، وفي البداية أطلب منك ألا تحاول التواصل معي ولا مع حاتم نهائياً؛ لقد أبلغني حاتم بأنه توصل إلى أن المهندس خالد عبد الرازق الذي اختفى منذ شهور قد اختفى في شاليه على شكل هرم في مطروح وأن هذا له علاقة بكريم سامي رجل الأعمال وبمنظمة سرية غامضة. سأغادر إلى هذا الشاليه الليلة فإن لم أعـد فهذا دليل أكيد على صحة كلام حاتم، أرجو أن تقرأ رسالتي باهتمام]. قرأ الدكتور هاني عبد الرحمن الرسالة والحزن يسيطر عليه، اعتصر كمداً ولام نفسه كثيراً على تجاهله لها من قبل، وتمنى لو أنه قرأها في وقتها فربما منع وفاة إبراهيم، وربما أنقذ حاتم، ولكن أين حاتم؟ اضطر أن يدلف إلى مواقع التفاعل الاجتماعي التي عزل نفسه عنها كثيراً حتى أصبح كرجلٍ يعيش في كهف منعزل؛ أحس وهو يفتح أحد هذه المواقع بعد انقطاعه سنوات كأنه طفل بلا أحمال ولا أثقال ولا هموم ولا صراعات واقتحم فجأة حلبة مصارعة فوجد الجميع يلكم الجميع والكل يسب الكل والجدال محتدم على أتفه الأشياء وكأنها أمور مصيرية؛ حدّث نفسه أنه لولا حاجته إلى هذه المواقع الآن لما دخلها وآثـر أن يحافظ على سلامته النفسية؛ دخلها مضطرا فوجد عالما مُمْرِضاً كأنه مفروض على الناس برغبتهم وإرادتهم أو كأن الناس قد دُفِعت دفعاً إلى الاندماج فيه. بحث عن اسم صديقه حاتم فوجد المواقع تعجّ باسمه وتضج بأخباره؛ يتجادلون حول اختفائه الغامض وأسبابه؛ أحس بأن لهذه المواقع بعض الفائدة أيضاً، وجد الناس منقسمين وحدّث نفسه بأنه آخر من يعلم. لم يجد أحداً يتكلم عن السبب الحقيقي لاختفاء حاتم حتى الآن، ولم يجد أحداً يهتم بمقتل إبراهيم وأصدقائه فقط خبر عابر، لم يجد أحداً يربط بين إبراهيم وحاتم بالأساس؛ تعجب عندما قرأ خبراً قديماً في هذه المواقع عن ظهور خالد عبد الرازق، ساورته الشكوك حول صحة الرسالة التي وصلته من إبراهيم، ولكن هذه الشكوك تبددت فور تذكره مقتل إبراهيم بالفعل، أخذ يُلقي باللوم على مواقع التواصل التي نشرت التشكيك في كل شيء، وتذكر كيف أن هذه المواقع كانت هي السبب الذي جعله يعتزل الجميع، بما فيها هذه المواقع، لما وجد نفسه غير قادر على الإنتاج نتيجة تزاحم الأفكار في رأسه، أفكار أغلبها سلبي، واهتمامات تفرض عليه أغلبها لا يعنيه في شيء؛ قرر وقتها منذ سنوات أن يتفرغ لعمله في الجامعة وفقط، قرر أن يدرس للطلاب الفيزياء التي يتقنها وحسب، وأن يحاول إجراء أبحاثه ونظرياته في صمت. رغم علمه بالمكان الذي اختفى فيه حاتم إلا أنه كاد يشك في أن الذين تبنوا وسماً يقول إن حاتم يستجم وينعزل عن هذا الصخب على حق؛ ففي ظل ضوضاء التواصل الاجتماعي هذه ربما فضّل ألا يصطحب معه في رحلته أية هواتف أو أجهزة يمكنه أن يدلف منها إلى هذه المواقع. حدثته نفسه بأنه الآن أصبح هو الشخص الوحيد تقريباً الذي يعلم أين هو حاتم ولماذا قتل إبراهيم وأين اختفى خالد. الآن هو الشخص الوحيد ربما الذي يعلم الحقيقة. ولكن كيف يتصرف وكيف يواجه هذا الأمر؟ هل يؤثر سلامته الشخصية أم يخرج من عزلته وينغمس في هذه المعركة التي فرضت عليه؟ أدرك أنه لم يعد مخيراً في أن يخوض المعركة من عدمه؛ لا جدوى لحياته إن اختبأ ولم يواجه؛ لا جدوى لحياته إن لم ينقذ حاتم ويعيد حق إبراهيم وأصدقائه وخالد وزوجته وأبنائه؛ إن استطاع أن يفعل. فكر فيمن يمكنه الاستعانة به فلم يهده تفكيره إلا إلى صديقه الدكتور حامد عبد العليم أستاذ أصول الدين فهو الوحيد الذي يمكنه أن يثق فيه. اتصل به على الفور فتبادلا عبارات الترحم على إبراهيم؛ واتفق معه على أن يلتقيا بعد ساعتين في شقته لأمر هام لم يُـبِـنْـهُ له. «نتعامل بحكمة؟! ماذا تقصد يا دكتور حامد؟». «أقصد أننا لابد أن نضع خطة ما». «وما هي هذه الخطة من وجهة نظرك؟». «في رأيي فإن أول خطوة فيها يجب أن تعتمد على قدرات الخصم؛ والخصم ليس شخصاً واحداً وليس سهل المنال على الإطلاق؛ وبالتالي لابد من الاستعانة بالأجهزة الأمنية لمجابهته». «وماذا سنقول لهم ونحن لا نملك أي دليل؟». «أعرف ولكن أي تحرك من جانبنا بدون غطاء أمني سيكلفنا الكثير، وأقل خسارة ممكن أن نتكبدها هي أن نفقد حياتنا فقط أنا وأنت؛ تخيل هذا! فما بالك بما يمكن أن يصيب عائلاتنا؟! هذه المنظمة أخطر من كل التنظيمات الإرهابية التي اندثرت والتي تخلصنا منها تماماً قبل شهور؛ إنها الإرهاب الخفيّ في ثوبه الجديد». «أخشى أنّ كلامك هذا يعني أنك تريد أن نتراجع؛ وأخشى أننا لن نستطيع فعل شيء؛ هذه المواجهة أكبر منّا بالفعل والدليل أنه لا أحد من الذين اصطدموا بهذه المنظمة قد نجا؛ أين حاتم وأين خالد وأين إبراهيم؟ و يا ترى من غيرهم؟». «دكتور هاني! دعنا نتفق على أننا لن نترك هذه المعركة مهما كان الثمن ولكننا سنخوضها بحرص؛ ودعنا نتفق على أن تحديد الخطوة الأولى ضروري؛ وأرجو ألا نقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه من سبقونا؛ وعلى العموم يمكننا أن نتحرك بعض التحركات المبدئية”. «مثل ماذا؟» [السبت 12/8/2023م] الساعة 12.00ص تم إنشاء صفحة جديدة على أحد مواقع التفاعل الاجتماعي. (صفحة لغز اختفاء الدكتور حاتم سليم). (المنشور الأول) 12.00 ص الغامض بالنسبة للناس واضحٌ بالنسبة لي؛ حتى أن بعض المنظمات التي تعمل في الظلام مرئية بالنسبة لي؛ أراهم ولا يرونني؛ والآن أصبح من حقهم رؤيتي. … المجهول… (المنشور الثاني) 12.5ص علاقة بعض المنظمات السرية ذات الأغراض الخبيثة باختفاء الدكتور حاتم. … المجهول… (المنشور الثالث) 12.10ص رجل أعمال معروف متورط في الأمر. … المجهول… (المنشور الرابع) 12.15ص كريم سامي … المجهول… ** بلغ عدد التعليقات الألف تعليق في غضون الخمس دقائق الأخيرة، والتقط جميع المتابعين اسم كريم سامي ليطلبوا محاسبته على الفور. ** الساعة 12.30ص تم حذف الصفحة. رغم حذف الصفحة إلا أن المنشورات والتغريدات انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى أصبح هذا الموضوع هو الأكثر رواجاً في غضون دقائق ثم اختفى بعدها. تأمل هاني النتيجة التي حققها فوجدها مرضية؛ لقد استطاع خلال ساعة واحدة أن يربط بين كريم وبين اختفاء حاتم؛ ويبدو أن اقتراحه نجح حتى ولو تم حذف الصفحة فلقد انتشرت الفكرة وهذا كفيل بتحقيق ما يريد.

صفحة [2]

*اتصال هاتفي* «دكتور هاني عبد الرحمن؟». «………». لم يستطع أن يجيب المتصل بشيء فآثر الصمت؛ خشي أن يكون قد اقترب أوان التخلص منه. «لا تقلق يا دكتور؛ مع حضرتك العقيد صابر». «أهلا وسهلاً بحضرتك». «أنت في أمان؛ وفي غضون دقائق ستنتقل إليك قوة حماية؛ سترافقك حتى تلتقي بي؛ وسيتم تعيين حراسة على عائلتك». **اتصال هاتفي** «تخلص من حاتم على الفور.. هل تفهمني؟». قالها كـــريم محتداً. «حالاً». ظلّ حامد يراقب الشاليه من مكانٍ خفيّ حتى تراءى له شخص يخرج من الشاليه مسرعاً فانطلق ناحيته واشتبك معه وتبادلا لكمات سريعة، كاد حامد أن ينتصر ويتمكن من الإمساك بهذا الشخص الغامض الملثم لولا أن هذا الغامض قد ضغط زر جهاز صغير في يده فسقط حامد. *** «لقد اتفقنا على أن يسافر حامد إلى مطروح ويبحث عن الشاليه وأن يبلغني فور وصوله لأقوم بنشر المعلومات؛ وإذا لاحظ أية تحركات غريبة بعد قيامي بالنشر سيقوم على الفور بالاتصال بالنجدة». توقف الدكتور هاني قليلا وبعد برهة تفكير أضاف متسائلاً: «ولكن كيف توصلتم إليّ؟». «بناءً على اتصال الدكتور حامد بالنجدة؛ ولكن لماذا لم تتصلا بالنجدة مباشرة؟». «للأسف لم يكن لدينا دليل». «ربـمـــا لـــو أســــرعتم بإبلاغنــا لتمكنّا مـــن الوصــــول إلى كــــــــريـم قـبـلهم». قالها العقيد صابر بنبرة معاتبة؛ ولكن الدكتور هاني لم يفهم شيئاً من ذلك أو بالأدق لم يكن منتبهاً للكلام جيداً؛ إنما كان مشغولا بالتفكير في مصير صديقه حامد فتساءل متلهفاً: «ولكن هل حدث مكروه للدكتور حامد؟». «لا تقلق بشأن الدكتور حامد هو بخير فقط بعض الكدمات ويمكنك زيارته في المستشفى». هـمّ هاني بالانصراف ثم توقف فجأة واستدار متسائلاً: «ولكن ماذا عن حاتم؟ أين هو الآن؟». عاجل: العثور على رجل الأعمال كريم سامي منتحراً في فيلته في ظروف غامضة. 2.30ص السبت 12/8/2023. وردت أنباء عاجلة تفيد بالعثور على رجل الأعمال المعروف كريم ٍسامي منتحراً في فيلته؛ ولم يتم كشف ملابسات الواقعة بعد. يذكر أن اسم كريم سامي قد تردد في الليلة الماضية وارتبط باختفاء الدكتور حاتم سليم. [جريدة الخبر2023م] **اتصال هاتفي** «تخلصتُ منه!». «أحسنت يجب أن تستمر المنظمة بأي ثمن؛ أنت المسؤول أمامي من اليوم؛ الحفاظ على سرية المنظمة له الأولوية؛ لا تكرر أخطاء كريم؛ ولكن ماذا فعلت بحاتم؟». «أعدت كل شيء لطبيعته؛ وأعدتهما للشاليه مرةً أخرى؛ وتركتهما غائبين عن الوعي؛ ومرّ كل شيء بسلام لولا أن شخصاً غريباً حاول الامساك بي وأنا أخرج من الشاليه فصعقته بجهازٍ مُخدر وهربت من المكان». «هل تعرف عليك؟». «لا؛ كنت ملثماً؛ ولكن لماذا تركنا حاتم وزوجته؟ وماذا عن المعلومات التي توصلا إليها؟». قهقه وهو يجيبه: «المعلومات! المعلومات التي لديهما كلها عن كريم وفقط وها هو كريم قد حمل كل هذه الأخطاء وانتهى على يديك، ولا أحد يعرف عن منظمتنا شيئاً حتى الآن فقط منظمة سرية، ولكن ما هي؟ لا أحد يعرف». ثم تغير صوتُه ليكون جدياً وهو يضيف مشدداً: «ولكن لابد أن تتعامل بحذر وتسعى فقط لتحقيق أهداف المنظمة ولا تبحث عن مجدٍ شخصي لنفسك حتى لا تلقى المصير نفسه، واترك مجموعة شركات النجم المضيء لأنها انتهت وأصبحت مكشوفة ولم تعد آمنة؛ فقط انتظر منا الاوامر الجديدة وستتلقى المبالغ اللازمة لتكوين مجموعة أخرى تستطيع التحرك من خلالها؛ واستعد لتظهر بشخصية جديدة تماماً وانا متأكد أنك ستتقنها مثلما أتقنت شخصية خالد عبد الرازق تلك الشخصية التي آن لها أن تختفي».

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 5, 2023 6:15 ص

رواية حبس انفرادي — الومضة الرابعة

صفحة [1]

الشخص نفسه الذي قابلاه قبل قليل بطوله الفارع وملامحه الحادة هو نفسه لم يتغير، ولكن ما تغير تماماً هو انطباعهما عنه، نظراتهما تكاد تنطق بالشك والريبة، ووضع جسديهما يوحي بأنهما متأهبان للاشتباك معه؛ بينما قابل هو تحفزهما بابتسامة ساخرة وهو يقول: «أعتذر لكما.. في الحقيقة أنا لا أعرف إن كنتما قد حاولتما الخروج من هنا أم لا؛ لكنني متأكد من أنكما على الأقل لم تستطيعا فتح النوافذ أو استخدام الكهرباء بشكل كامل». ظلاّ صامتين غير مستوعبين فاتسعت ابتسامته أكثر وهو يضيف: «كل شيء في الشاليه مصمم ليعمل فقط ببصمة أصابع اليد، ولقد نسيتُ أن أعيد ضبطه ليعمل ببصمات أصابعك بدلاً من بصماتي». حلّ الهدوء عليهما قليلاً بعد أن عرفا السبب وراء عدم تمكنهما من الخروج، ولكنّ حاتم بادره قائلاً: «أشكرك ولكن ما هذا؟!». قالها وقام برفع يده للأعلى وبها وثيقة الزواج ثم أعطاها له فتفحصها قليلا ثم قال: «كيف حصلت عليها؟ هذه وثيقة زواجي». نظـــــرا إليه والشك يقفز من عيونهما فتدارك: «آه هذه وثيقة زواجي الثاني». لم يعلقا على هذا بشيء ولكن حاتم أشار ناحية الباب الخلفي وهو يسأله: «وما هذه الحفرة؟». «أية حفرة؟! آه.. الحفرة.. ليست حفرة إنما سُلّم. في البداية كان مكان هذا الباب الخلفي جــدار، ثم قررت فتح باب في هذا الجدار بعد أن اشتريت الشاليه الملاصق وفكرت في أن أجعل هذا ممراً واصلاً بينهما ولكنني عدلت عن هذه الفكرة بعد أن قطعت شوطا في التنفيذ بتركيب هذا الباب وحفر الحفرة حتى تكون سُلّمًا أستطيع العبور منه إلى الشاليه الآخر ليفتح على باب موصل بالصالة هناك ولكنني فقدت الحماس لهذه الفكرة قبل أن أتمادى فيها أكثر». ابتلع حاتم كل هذا الشرح على مضض وبعد أن انتهى سأله: «ولكن من الذي كان يقوم بالحفر؟». «بعض العمال». صمت حاتم بعدها وفكر كثيرا هل يسأله أسئلة أكثر من هذه أم يكتفي بهذا؟! وفي النهاية طلب منه أن يعيد برمجة الشاليه حتى يستطيعوا استخدامه؛ فتوجه ناحية الباب الخلفي وقام بغلقه وأمسك رأس الأسد الذهبي بقبضة يــده فأضاء الباب كله بضوء برتقالي، ثم بدأت تظهر اختيارات بالأحمر، وكل اختيار محاط بدائرة لونها ذهبي؛ فضغط على نظام التشغيل الآلي ثم اختار ضبط البصمة ثم اختار حذف البصمة الحالية؛ واستدار إلى حاتم وطلب منه أن يقبض بيده على الأسد فـفـعـل، وضغط هو على تثبيت البصمة الجديدة ثم تأكيد ثم خروج؛ فعاد الباب لحالته الأولى؛ وانصرف مودعاً إياهما مكرراً اعتذاره عن هذا الخطأ غير المقصود. تحرك حاتم سريعاً في كل الشاليه يُجرب البصمة ليتأكد من أنه يعمل بالبصمة فعلاً، فوجد كل شيء قد عاد طبيعياً، ووجد بعض المربعات البرتقالية المشابهة لكف اليد بدأت تظهر في أماكن ثابتة على الجدران؛ فضغط على أحدها بإصبعه فتحرك الجزء الملاصق للمربع من الجدار المُصمت وبرزت من داخله النافذة الزجاجية وظهر له اختيار فتح كامل فاختاره وبدأ الهواء يتدفق إلى الداخل. وبالضغط على مربع آخر تمكن من البدء في شحن هاتفيهما، وعندها تذكر ذلك الهاتف المحمول الصغير الذي وجده في السترة داخل الحفرة، فأخرجه ونظر له وهو يقلبه في يده فوجده هاتفا بسيطا ويبدو بلا أهمية كبيرة، أو لا يوجد به الإمكانات التي تؤهله لحمل شيء مهم؛ ولكنه يريد فقط أن يعرف من مالكه ولماذا تركه في هذا المكان؟ حاول فتحه فوجد بطاريته فارغة، حاول شحنه فلم يستجب.. راقبته هالة لدقيقتين قبل أن تقترح: «يمكنك أن تبحث عن كارت ذاكرة بداخله». بدأ يبحث عن أي منفذ يمكن أن تكون الذاكرة قد أدخلت من خلاله، فتوصل بالفعل إليها واستخرجها وهو يقول: «أتمنى أن تكون صالحة للعمل». وبعد خمسة دقائق وضع كارت الذاكرة في هاتفه وبدأ بتشغيله. *** بمجرد أن تركهما ذلك الشخص خلفه وخرج من الشاليه انطلق تجاه الشاطئ وبدأت ملامحه الحادة تزداد حدّة وهو يجري مكالمة هاتفية. «الأمر خطير للغاية؛ لقد توصلوا لأوراق لا أعرف من أين حصلوا عليها؛ وثيقة زواج خالد عبد الرازق الحقيقية، وتوصلوا للحفرة الخلفية؛ أخشى أن يكونوا خطراً علينا؛ فماذا تأمرني أن أفعل؟». «لا شيء فقط قم بتعطيل نظام التشغيل مرة أخرى وراقبهما حتى النهاية؛ وأنت تعرف جيداً ما عليك فعله بعد النهاية».

صفحة [2]

لم يجد حاتم شيئا على الكارت أكثر من ملف «بي دي إف» وملف صوتي؛ قام بفتح ملف التسجيل الصوتي فبدأ يتسرب منه صوت شخص خائف يقول بحزنٍ وبصوتٍ مذعورٍ لاهث: {لم أكن السبب.. لم أكن السبب.. سامحوني.. سامحوني! لقد تم خداعي! [صوت نحيب]. لم يعد أمامي إلا هذا التسجيل على هذا الهاتف المتهالك سأدسه في ملابسي وأتمنى أن يستطيع أحدٌ العثور عليه [يحدث نفسه]. أنا المهندس خالد عبد الرازق أريد أن أخبر من يسمعني بأن كريم سامي هو من قضى على زوجتي وأبنائي؛ بالأمس تركتهم في هذا الشاليه بمفردهم بعد أن جاءتني رسالة من الشركة بأن لديّ اجتماع لابد أن أحضره في الثامنة صباحاً، تركتهم وسافرت ليلاً على وعدٍ بأن أعود اليوم، وصلت مقر الشركة في الموعد؛ لكنّي لم أجد لديهم علمٌ بالرسالة التي وصلتني ولا بأي اجتماعات اليوم؛ رجعت إلى هنا وجدتهم [صوت بكاء] .. ليتني لم أسافر.. ليتني بقيت معهم. كريم سامي هو السبب؛ بعد أن تنازل لي عن كل شيء قرر أن يقصيني من الشركة؛ هددته بفضح منظمته التي يعمل لحسابها فتخلص من زوجتي فاتن ومن أبنائي وسيتخلص مني؛ لقد وضعت الدليل على صحة كلامي في مكانٍ من الصعب أن يصل إليه كريم، خزينة حديدية صغيرة وراء الباب الخلفي. أرجو ممن يسمع هذا التسجيل أن يعيد لي حقي بأي شكل حتى لو بفضح كريم ومنظمته فقط. سأحاول أن أتصل بالشرطة على الفور، وأتمنى أن أتمكن من ذلك..[صرخة مكتومة].. [صوت الشرطي الذي يتلقى الاتصال يسأل عن فحوى البلاغ]. صوت احتكاك جسد بالأرض يتم سحبه؛ ثم سكون لمدة طويلة وبعدها انتهى التسجيل}. *** «يبدو أنه بعد أن تخلص من خالد ألقاه في تلك الحفرة». قالها حاتم وبدأ في استعراض ملف البي دي إف المكون من صفحة واحدة. لم يتبق إلا وقت قليل! تحطيم كل عقائد الإيمان! الملحد وسيلة! الترويج لداروين والدعاية لنظريته طريق بدأناه. التخلص من كل الذين يعرفون أكثر من الحد المناسب لسلامتنا.. كل إنسان لابد أن ينتهي يوماً بالموت والأفضل أن نعجل بهذه النهاية لمن يعوقون غرضنا. سيموتون أو يختفون بأسلوب لا يثير الريبة أو الشك فينا، ولن يستطيع أحد كشف لغز الاختفاء أو الموت أبداً. نحن بعيدون عن المشهد تماماً. نحن ذوو طبيعة ممتازة فوق الطبيعة البشرية. ستحل المادية والأرقام الحسابية محل الخالق. تبادلا نظرة خوف خاطفة. «أعتقد أن هذا هو الخطأ الذي ارتكبه خالد؛ عرف أكثر من اللازم وهدد هذه المنظمة؛ وأخشى أن نكون نحن أيضا قد ارتكبنا الخطأ نفسه». «لقد فهمت كل شيء؛ لقد تم استدراجنا بالفعل إلى هذا الشاليه وبالطريقة التي شرحتيها أنتِ من قبل؛ الإعلانات الإلحاحية التي دفعتني لحجز الشاليه؛ لقد تذكرت السبب!! أحيانا يفعل الإنسان أشياء ولا يُلقي لها بالاً فتكون عليه وبالاً؛ السبب هو المعلومات التي نشرتها في كتابي المنشور حديثاً [رحلة في أعماق الهرم] المتعلقة بالمنظمة السرية الغامضة التي لم أكن أعرفها؛ أكيد هذه المنظمة هي المقصودة في الورقة المقصوصة؛ وأكيد هي الموجودة في ملف البي دي إف؛ وهي التي تكلم عنها خالد؛ ولا بد أنه اكتشف معلومات كثيرة عنهم وحين هدد بكشفها اختفى؛ ألم يقولوا هذا؟ ألم يقولوا إنهم يتخلصون من كل من يعرف أكثر من المسموح به؟ ألم يقولوا إن موته سيكون طبيعيا أو على الأقل لن يثير الريبة والشك فيهم نهائيا؟ هكذا نحن في خطر حقيقي؛ هذا الشاليه مليء بالرموز الخاصة بهذه المنظمة؛ لابد أن نغادر هذا المكان فورا». «أرى أولاً أن تتواصل مع أحدهم بسرعة وتبلغه بما توصلت إليه وتستعين به أفضل، فالوقت ليس في صالحنا». «معك حق؛ ولكن من؟ أتصل بمن؟». استغرقا في التفكير لعدة لحظات إلى أن قالت هالة بلهفة: «الصحفي! ما اسمه؟». لم يلبث حاتم إلا أن أسرع بالبحث على الانترنت عن الخبر من جديد وقال لها: «إبراهيم.. إبراهيم طارق». قالها وأخذ يبحث عن رقم هاتف إبراهيم على الانترنت فلم يجده؛ فبحث عن رقم هاتف جريدة الأيام التي يعمل بها؛ واستطاع أن يتواصل مع الجريدة بالفعل ويحصل منها على رقــم إبراهيم. «أستاذ إبراهيم طارق؟». «نعم أنا؛ من حضرتك؟». «أنا الدكتور حاتم سليم». «عالم الآثار؟! أهلاً بحضرتك يا دكتور أنا سعيد بمكالمة حضرتك». «اسمعني يا إبراهيم لا يوجد وقت». «خيراً يا دكتور؟». «لقد سبق ونشرت مقالاً عن كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق؛ اسمعني المهندس خالد اختفى في شاليه في شاطئ مجاور لهضبة عجيبة في مطروح؛ يمكنك الوصول إليه بسهولة ابحث عنه على الانترنت؛ شاليه مميز على شكل هرم؛ واختفاؤه له علاقة بكريم سامي رجل الأعمال المعروف وبمنظمة سرية؛ الأمر خطير وأنا في هذا الشاليه الآن ومعرض للخطر؛ إن لم أتمكن من الخروج من هنا سأضع لك المستندات التي وقعت تحت يدي وراء الباب الخلفي، آمل أن تستطيع التصرف قبل أن يصيبنا مكروه؛ وسأرسل لك صور من المستندات فوراً على رقمك هذا؛ أتمنى أن تستطيع المساعدة بأسرع ما…». أحس حاتم أنه يحدث نفسه فهتف: «أستاذ إبراهيم هل تسمعني؟». لم يجبه إلا الفراغ والسكون فتيقن أن الاتصال انقطع حاول مجدداً أن يتصل به فلم يجبه إلا صوتُ الفتاة الآلي: «كيف يمكنني مساعدتك؟». أغلق الهاتف واستدار لهالة قائلاً: «انقطع الاتصال». «إذن هيا بنا». لم يُفلحا في مغادرة الشاليه؛ وكل المربعات المضيئة المثبتة في أماكنها على الجدران والمحملة بالاختيارات قد بدأت تختفي تدريجياً؛ فالتفت حاتم للباب الخلفي فوجد عبارة تظهر وتختفي في منتصفه باللون البرتقالي الباهت [خطأ في النظام]، وبعد برهة اختفت تماماً كل مربعات التحكم.

صفحة [3]

بعد أن انقطع الاتصال لم يُهدر إبراهيم وقتاً طويلاً؛ بل قرر الذهاب إلى هذا الشاليه فوراً. اتصل بأصدقائه القدامى الذين عاود التواصل معهم منذ فترة ليست ببعيدة؛ كانوا متفقين على ضرورة قضاء بعض أيام الصيف في شرم الشيخ؛ ولم يكونوا قد حددوا ميعاداً لهذا بعد؛ لكنه تواصل معهم وأقنعهم بالذهاب إلى مطروح بدلاً من شرم الشيخ فوافقوا جميعاً على الذهاب إلى هناك غداً على أن يقوموا بإبلاغ أماكن عملهم برغبتهم في الحصول على إجازة؛ فقد أحبوا فكرة أن يفعلوا شيئاً غير متوقع وهو هوس ينتاب الإنسان من آن لآخر؛ أن يفعل الشيء غير المتوقع في التوقيت غير المتوقع أيضاً؛ ففي هذا متعة خاصة وقد قرروا تجربتها. بـدأ إبراهيم يبحث عن الشاليه على الانترنت؛ وجده مشغولاً ونهاية فترة الحجز الحالية [يوم الأحد 3/9/2023م]؛ و لا يمكن حجزه قبل هذا التاريخ. ضغط زر هاتفه المحمول فبرز تاريخ اليوم على يمين الشاشة [الثلاثاء 8/8/2023م]، الساعة [8.40م]. «لا يمكنني الانتظار، الأمر لا يحتمل الانتظار؛ سأنشر خبراً عن كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق وزوجته وأبنائه؛ ولكن من الممكن أن يتم الاعتداء عليّ إن ألمحت إلى أنني أعرف سبب الاختفاء أو مكانه؛ أو على الأقل سأفقد وظيفتي بالجريدة؛ ولكن لا بل سأنشر وليكن ما يكون؛ صحيح من الممكن أن أصل إلى كشف هذا اللغز وربما يعيقني نشر هذا الخبر عن الوصول للحقيقة أو يعتبر بمثابة كشف أوراقي لكريم ولهذه المنظمة، ولكن من الممكن أيضاً أن يُقضى عليّ قبل أن أنشر الحقيقة كاملة؛ الأفضل أن أعيد طرح الموضوع على الرأي العام مرة أخرى وأجدد الحديث عنه؛ فإن لم أصل لحل اللغز أو تم التخلص مني فلا أقل من أن يثير هذا غباراً ربما يلفت أنظار أحدهم فيصل إلى الحقيقة كاملة يوماً ما». نشر إبراهيم الخبر على الموقع الخاص بالجريدة، وقد كان يملك النشر دون إذنٍ مسبق من أحد. [كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق] 8:45 م.. الثلاثاء 8/8/2023م. كتبه: إبراهيم طارق. رغم أن كل محاولات كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق باءت بالفشل؛ إلا أن ذلك لا يمنع من أنه ما يزال متاحا أمامنا اكتشاف حل هذا اللغز بأنفسنا، وقد أجريت تحقيقاً صحفياً موسعاً عنه، وأتمنى أن تتمكنوا من حل هذا اللغز بأنفسكم بعد قراءة هذا التحقيق والذي سأنشره لكم يوم الجمعة القادم. (جريدة الأيام 2023) لم يكن إبراهيم قد أجرى تحقيقاً صحفياً بعد، فهو على وشك إجرائه؛ لذلك منح نفسه فرصة حتى يوم الجمعة القادم.

صفحة [4]

دخلت سكرتيرة رئيس تحرير جريدة الأيام عليه لاهثة مرتعدة، سألها في فزع: «ما بكِ؟». لم تنطق وكأن لسانها معقود؛ ولكنها ألقت بالهاتف المحمول في يده كأنها تريد أن تتخلص من هذه المصيبة بأسرع ما يمكن، التقطه رئيس التحرير بتردد ووجل وهو يسألها هامساً: «من؟». كانت الكلمات مذعورة داخلها، فلم تكن أية كلمة تجرؤ أن تخرج من فمها من فرط رعبها، عرف رئيس التحرير من ملامح وجهها المحتقن من الذي يحدثه، فصمّ أذنه استعداداً لتلقى كل عبارات التوبيخ المتاحة على هذا الكوكب، ولم يخب تقديره فقد تلقى توبيخاً لم يسمع به من قبل، تشرّب كلّ هذا بسكينةٍ ظاهرة ورضاً مفتعل، لا يملك سواهما، ولمّا أحسّ بهدوء عاصفة التوبيخ بدأ يفتح أذنيه تدريجياً ليستمع، فتلقفت أذناه صوت مالك الجريدة المهندس كريم سامي وهو يقول بانفعالٍ انفجاري: «إن إعادة فتح هذا الموضوع سيسيء إلى مجموعة شركات النجم المضيء». ثم تلوّن صوتُه ليحمل هدوءًا مفتعلاً وهو يضيف: «خالد كان أحد أهم المهندسين لدينا، الكلام في هذا الموضوع ممنوع نهائيا ولا يتم إلا بعد الرجوع لمجلس إدارة المجموعة لتقدر حجم الضرر أو النفع الذي سيعود عليها منه». فقال له رئيس التحرير راغباً في تهدئته أكثر أو على الأقل الحفاظ على ما اكتسبه من هدوء: «إن إبراهيم قد طلب الحصول على إجازة وقد وافقت عليها، ولن أسمح له بنشر شيء عندما يعود». «إجازة؟ لماذا؟ وأين سيذهب؟». «أعتقد إلى شرم الشيخ، سمعته يقول هذا من قبل». كان رئيس التحرير يظنّ أن هذا الخبر سيهدئ من روع كريم لكنه على العكس اشتاط غضباً وسبه وأغلق الهاتف في وجهه. ارتبك كريم أيما ارتباك على غير عادته، فعلى الرغم من أنه شخص انفعالي إلا أنه يتسم بثقة لا محدودة في نفسه يحسده عليها الكثيرون، ويرون أنها كانت السبب في تخلصه من أزمته المالية التي مر بها في غضون شهر ديسمبر من العام الماضي، وأنه لولا ثقته هذه لكان قد أفلس منذ ذلك الحين. «كان يجب أن آمره بالتخلص من حاتم على الفور بدلا من تعطيل النظام الذي استغرق وقتا ويبدو أن حاتم استغله في إبلاغ إبراهيم». حدّث نفسه يلومها بعنف، ثم حاول استعادة ثقته في نفسه وفي قراراته فتدارك: «ولكن حاتم شخصية معروفة ولابد من التعامل بحكمة مع الأمر». ثم ظهر الاغتياظ على ملامحه وهو يضيف محدثاً نفسه: «ولكن لا مفر من التخلص منه أيضاً». ابتسم ولمعت عيناه وبدا منتشياً للغاية ثم قهقه بشدة وتلذذ وهو يدبر الطريقة التي سيتم التخلص بها من حاتم تماماً كما فعل مع خالد؛ وازدادت ضحكته انفجاراً لما تذكر خطة التخلص من خالد وهو يقول لنفسه: «كانت خطة في منتهى الروعة والدقة». عاد الحزن يطفو على وجهه من جديد وهو يفكر: «لقد وقعت في مشكلة أكبر الآن، فمَن إبراهيم طارق هذا الذي ظهر من العدم ويريد أن يفسد كل شيء؟ لا بد من التخلص منه أيضاً». ثم ازداد حنقا. «الأمر هذه المرة ربّما لا يمر بسلام، ولكن لا مفر من التخلص من الجميع».

صفحة [5]

رغم أن ما نشره إبراهيم لم يكن أكثر من مجرد خبرٍ عن اختفاء مهندسٍ مغمور؛ إلا أنه استقبل عدة مكالمات أوحت له بأهمية الموضوع وخطورته؛ ولعل أهمها المكالمة التي تلقاها بعد النشر بعشرة دقائق من رئيس تحرير الجريدة؛ يُعنفه فيها عمّا نشره ويبلغه أنه سيتحمل مسؤولية ما قام بنشره وحده؛ كان الخوف هو الشئ الوحيد الذي تلمسه إبراهيم من نبرة صوت رئيس تحرير الجريدة فتأكد أن الأمر ليس هيناً، وتأكد أيضاً أن إنسانا بحاجة إلى مساعدته، وأن هذا يستحق التضحية؛ مهما كلفه ذلك. ساءل نفسه: «ما جدوى المقالات الفكرية والفلسفية التي أكتبها إذا لم أكن قادراً على الوقوف بجانب من يحتاجني؟». أحسّ إبراهيم أن الأمر بات جدياً بشكل مخيف، أدرك أنه ربما لن يستمر في الحياة طويلا بعد أو قبل كشف هذا اللغز. ساءل نفسه مرة أخرى: «إلى متى يا إبراهيم؟! كنت دائماً تتعامل برفاهية الوقت، كان عندك يقين أنك ستستمر في الحياة، تفكيرك المنطقي هداك إلى أنك لن تموت إلا بسبب، وأنه لم يوجد سبب لوفاتك بعد؛ ولكن الآن أصبح هناك سبب بدأت بوادره تظهر؛ هل تتراجع أم تستمر؟ ولكن إذا كنت سأموت فلا بـد قبل الموت أن أعلم من أنا ولماذا أنا؟ إذا كانت هذه مرحلة ستنتهي للأبد أم هي كما يقول المؤمنون بداية لحياة جديدة؟! طالما جاء الموت لا بد أن أعرف الحقيقة أو أحاول». تنهد تنهيدة طويلة وواصل مسائلا نفسه: «هل لا زلت تؤمن أنك وُلِدت من العدم للفناء؟ هل ما زلت ترى أنك أصغر من أن تُخلق لغاية معينة؛ وأنك ضئيل للدرجة التي لا يُلتفت معها إليك أو تكلف بمهمة ثقيلة؟ هل ما زلت تؤمن أنك لست إلا نفاية ذرية هبت في الكون في غفلة دون غرضٍ أو غاية؟ كيف هذا؟! كيف تكون حياتك كلها بلا غرض أو غاية بينما موضوع كهذا وجدت أن لك فيه دوراً ربما مهماً؟ هل ما زلت مصرا على إنكار الخالق الذي أنشأك وكلفك بمهمة؟». ضمّ شفتيه وضغط شفته السفلى بأسنانه وواصل مفكراً: «لو كان الإنسان يبقى للأبد دون أن تنقطع حياته بما يسمى الموت لكان له حجة أن ينكر وجود الخالق؛ لأن بقاء الإنسان على الدوام قد يدل على أنه استطاع أن يتحكم في مصيره من تلقاء نفسه وأنه لا يحتاج لغيره؛ ولكن الإنسان ينتهي، ونهايته بالموت هي علامة له ليتفكر ويعرف أنه ليس المسيطر على كل شيء». أوشكت ظنونه وشكوكه أن تنهار أو تسقط في هوة سحيقة، أحس أنه يعد كشف حساب ختامي لحياته. أهم ما شغله في هذه اللحظة هو معرفة سبب وجوده. أخذ يجهز لرحلة الغد، تبادل اتصالات مع وائل ونادر ويوسف ومحمود؛ أكد عليهم ميعاد الغد.. الأربعاء.. وأبلغهم أنه سيحاول حجز شاليه الليلة فإن لم يتمكن فسوف يقومون بحجز شاليه من هناك بعد وصولهم. حاول الاتصال برقم حاتم مرة أخرى؛ ليطمئن عليه أو منه. [لم يتم إرسال الاتصال] ظهرت له هذه الجملة على الشاشة كلما حاول الاتصال برقم حاتم. باتت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل؛ جعل يتصفح المواقع واحداً تلو الآخر بحثاً عن شاليه متاح في مكان قريب من موقع الشاليه المطلوب. أصابته صدمة ذهلته لما رأى الشاليه المطلوب نفسه متاحاً؛ شاليه الأسد الذهبي كما أحب أن يسميه. لقد كان مشغولاً منذ ساعات ولمدة تقارب الشهر! تساءل في نفسه عن السبب الذي جعله متاحاً للحجز الليلة. «إما أن الدكتور حاتم غادره أو …». لم يستطع أن ينطق الاحتمال الثاني فما زال لديه بعض الأمل في أن يستطيع إنقاذه وإنهاء كل شيء. الوقت ثقيل ويمر ببطء، جعل يتفحص هاتفه كل ثانيتين مرة؛ يبحث عن المستندات التي وعده حاتم بإرسالها قبل أن ينقطع الاتصال. «لو وصلت هذه المستندات سأتمكن من الإبلاغ عن الواقعة؛ فقط أحتاج دليل، ليته يتمكن من إرسالها». قرر أن يتصفح موقع الجريدة ليشاهد ردود الأفعال والتعليقات على خبر كشف لغز اختفاء خالد عبد الرازق الذي نشره منذ قليل؛ ولكنّه صُدم لما وجد خبراً جديداً قد غطى تماماً على الخبر الذي نشره فتيبس جسده وكأنه أصيب بشلل وعينه تنظر منذهلةً ناحية الهاتف المحمول. [العثور على المهندس خالد عبد الرازق] 8:35م .. السبت 24/12/2022م. كتبه: أحمد جمعه. وردت أنباء بأنه تم العثور على المهندس خالد عبد الرازق في أحد المستشفيات الخاصة حيث كان يتلقى العلاج هناك منذ عدة أسابيع، وتبين أنه كان يعاني من فقدان مؤقت للذاكرة نتيجة تعرضه لحادثة سير، وصرح مدير المستشفى بأن المهندس خالد كان قد دخل المستشفى في حالة متدهورة مما اضطر المستشفى إلى قبول حالته وتحمل التكاليف الخاصة بعلاجه التزاما بمسؤولية إدارة المستشفى والأطباء العاملين فيها تجاه المرضى ذوي الحالات الخطرة؛ وهو البروتوكول الذي دأبت المستشفى على اتباعه، وذلك بجعل الأولوية لحالة المريض الصحية لا سيما الحالات الخطيرة وتقديمها على تكاليف العلاج التي من الممكن الحصول عليها بعد ذلك، وهو المنهج الذي اتبعته مع المهندس خالد رغم عدم إمكانية التعرف عليه وقت دخوله المستشفى وكذلك عدم وجود مرافقين له يتكفلون بنفقات علاجه؛ إلا أن إدارة المستشفى أصدرت قرارا بعلاجه على الفور. كما صرح أحد الأطباء المتابعين لحالته بأنه حاول جاهداً العمل على استعادة المريض لوعيه الكامل وأنه هو الذي أشرف على ذلك بنفسه إلى أن استعاد ذاكرته وتمكن من التعريف بنفسه وفور علمي أنه هو المهندس خالد عبد الرازق المبلغ باختفائه منذ ثلاثة أسابيع قمت بنشر الخبر على صفحتي الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي حتى يصل لأسرته، وبالفعل حضرت زوجته وتابعت حالته إلى أن خرج من المستشفى برفقتها. هذا، وقد عاد المهندس خالد إلى بيته حيث كان في استقباله زوجته وأبناؤه وبقية أسرته. وفي هذا الصدد تهنئ الجريدة أسرة المهندس خالد ومجموعة شركات النجم المضيء على عودته سالماً. [جريدة الأيام2022م] صدمه هذا الخبر الذي لا يعرف من أين جاء ولا كيف تم نشره؛ فهو يعمل بالجريدة ولم يقرأ شيئاً كهذا من قبل؛ ولكن التعليقات على هذا الخبر كثيرة جدا لدرجة أثارت استغرابه؛ وكثير من هذه التعليقات لأناس سعداء بظهور خالد، وكثير منها يوجه الشكر لإدارة المستشفى على عنايتها بمرضاها، وكثير منها يذكر مواقف حدثت معه في هذه المستشفى تحديداً وما لقيه فيها من حسن المعاملة والرعاية؛ لم يكد يفيق من صدمته بهذا الخبر حتى وجد خبرًا آخر. أنباء عن فقد الاتصال بعالم الآثار الدكتور حاتم سليم. 12.20ص .. الأربعاء 9/8/2023م. كتبه: أحمد جمعه. في الوقت الذي يحتفي فيه الرأي العام بكتاب «رحلة في أعماق الهرم» للدكتور حاتم سليم؛ إذا بأنباء وردت من بعض قرائه تفيد بعدم مقدرتهم على التواصل معه. فيما صرح أحد المقربين منه بأن الدكتور حاتم قد ذهب في رحلة سياحية وأنه أبلغه منذ أيام برغبته في أن ينفصل عن الصخب بعض الشيء خصوصاً بعد صدور كتابه الأخير وحالة الجدل التي ثارت حوله وكثرة الاتصالات التي تلقاها في الفترة الفائتة. فيما تبنى أحد متابعيه وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي أسماه (#من_حقه_أن_يستريح) في إشارة إلى أن الدكتور حاتم وإن كان ملك قرائه ومعجبيه ومتابعيه فهو أيضا يحتاج لأن يرتاح قليلا حتى يجدد نشاطه. وعلى جانب آخر رفض كثير من متابعيه هذا الوسم وطالبوا بظهوره علناً ليعلن هذا بنفسه وأنشأوا وسماً أسموه (#يقولها_بنفسه)؛ بينما رجح البعض أنه منهمك في الإعداد لكتاب جديد. وتسود حالة من الجدل والترقب حول أي من الوسمين سيستجيب إليه الدكتور حاتم. [جريدة الأيام 2023م]

صفحة [6]

اتصل إبراهيم بوائل وأخبره بما جرى. «إذن حاتم اختفى وخالد ظهر؟! الموضوع خطير للغاية هل أنت متأكد من هذا؟!». «نعم متأكد مثلما أنا متأكد من أنني أكلمك الآن؛ الخبر منشور على موقع جريدة الأيام يمكنك مراجعته؛ ولكن هل تعتقد أن الذي ظهر هو خالد فعلاً؟ ولماذا الآن بالتحديد؟». «الآن! ألم تقل إن خبر ظهوره منشور من العام الماضي؟». «نعم ولكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها هذا الخبر ولا أعرف كيف هذا؟ طريقة نشره والتفاصيل توحي بالمصداقية لكنني ما زلت غير مصدق أشعر أن الأمر خطير للغاية». «الأمر خطير فعلاً؛ ولكن مع الأسف ليس لدينا دليل واحد على أي شيء؛ لابد أن نذهب إلى هذا الشاليه ونبحث عن المستندات التي تركها لك حاتم، ولو كان هناك شيء مما تقول لابد سنصل إليه». بنبرة يائسة قال إبراهيم: «أتمنى». واستمر وائل يقول: «ولكن! هل حدد لك مكانا بعينه؟!» «دكتور حاتم؟» «ومن غيره؟!» «ما أذكره من كلماته أنه ذكر شيئا عن باب خلفي وأسد». فقال وائل بعد برهة تفكير: «إذن عندما نصل ستدخل على الفور للبحث عن الباب الخلفي وسأتولى أنا البحث في بقية الشاليه لأتأكد من عدم وجود أحد به، أو ربما أجد شيئًا يفيدنا». «ولكن ماذا عن يوسف ومحمود ونادر؛ ألن نخبرهم بحقيقة الأمر؟». فكّر وائل في الأمر وقلّبه في رأسه مراراً وفي النهاية قال: «لا». ثم أضاف: «نحن أمام احتمالين الأول أننا لن نجد شيئًا في الشاليه وفي هذه الحالة سنقضي أيامنا هناك نستمتع وفي الوقت نفسه نراقب الأمر من قريب؛ والاحتمال الثاني أنه يوجد في الشاليه بالفعل جريمة أو عدة جرائم قد ارتكبت وأن إنساناً كحاتم ربما أصابه الآن مكروه، وإنسانا آخر كخالد قد أصيب بالفعل بهذا المكروه قبل أن يظهر إن كان هو الذي ظهر بالفعل؛ وفي الحالة الأخيرة لن يمانع واحد من أصدقائنا في أن يشارك معنا في إنقاذ حاتم وإعادة حق خالد الحقيقي. وأنا أرجح الاحتمال الثاني ولكن لا داعي لإثارة مخاوفهم من الآن؛ ورغم ذلك فهل تعتقد أصلاً أن أحدًا منهم سيمتنع عن مساعدتك أو يلومك حين يعرف حقيقة قصدك؟». اقتنع إبراهيم بوجهة نظر وائل واتفقا على ضرورة التحرك الفوري، وتولى إبراهيم مهمة تجميع الكل بسيارته، وانطلقوا إلى ذلك الشاليه رأساً. *** أجرى كريم سامي مكالمة هاتفية. «ماذا فعلت؟». «تماماً كما أمرتني؛ أخفيتهما في القبو السفلي؛ ولكنني لم أتمكن من إعادة الحفرة الموصلة إليه لطبيعتها». «لا عليك؛ سنحتاجها غداً». «هما الآن غائبان عن الوعي تماماً؛ وقمت بتسريب أنباء توحي باحتمالية اختفائهما، كما قمت بنشر خبر آخر عن ظهوري؛ أقصد ظهور خالد عبد الرازق؛ وفي انتظار الأوامر الجديدة». «جيد جداً؛ خبر اختفاء خالد كان ثغرة وكاد أن يفسد كل شيء، كان يجب أن نحذف هذا الخبر فور نشره أو على الأقل ننشر خبر ظهور خالد فور حلولك مكانه؛ ولكننا اعتمدنا على أن خالد لا يعرفه أحد؛ مهندس مغمور اختفى وظهر بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة من يهتم؛ ولكن حاتم مع الأسف… لولا تواصله مع إبراهيم ولولا قيام إبراهيم بنشر خبر عن كشف لغز اختفاء خالد عبد الرازق الليلة؛ ذلك الخبر المشؤوم لكُنّا تخلصنا من حاتم وزوجته دون أن يشعر أحد كما كان مخططاً من قبل بدقة ودون دليل ولكن أعتقد أننا تداركنا هذا للتو؛ أليس كذلك؟». «بلى.. ولقد عالجنا هذه الثغرة تماماً؛ فها أنا أمارس العمل في المجموعة من بعد اختفاء خالد بشهر؛ الكل يعرف أنني هو؛ والكل يعرف أنني قضيت ثلاثة أسابيع وقتها في مستشفى خاص مملوكة للمجموعة طبعاً وبعد استعادة الذاكرة عدت للعمل؛ الخطأ الوحيد الذي وقعنا فيه وقتها فعلاً هو أننا لم نعلن خبر الظهور في حينه مثلما تم إعلان خبر الاختفاء، ولكن هذا الخطأ تم تداركه الآن، فعلى موقع الجريدة موجود خبر ظهوري أقصد ظهور خالد وهو منشور بتاريخ 24/12/2022م أي بعد اختفاء خالد بثلاثة أسابيع ويوجد على هذا الخبر آلاف التعليقات في تاريخ نشره نفسه لأناس سعداء بظهوري؛ كما تعلم يمكننا تزييف الوعي تماماً بل يمكننا خلق وعي جديد لا أساس له.. والتكنولوجيا لعبتنا». «هذا حقيقي». «ولكن ماذا عن حاتم وزوجته؟ ماذا نفعل بهما؟ حاتم مشهور ومؤثر». «أعرف هذا جيداً؛ وهذا هو السبب الذي جعلني أطلب منك ألا تتخلص منهما نهائيًا في الوقت الراهن؛ وكذلك هو السبب نفسه الذي جعلنا ننشر خبر فقد الاتصال معه؛ مسألة جس نبض.. وسنرى كيف سيكون التحرك بعد ذلك وكيف سيكون رد فعلنا؛ ولكن لا تنسى أنه سيصل إليك غداً ضيوف جدد فماذا أعددت لهم؟». «كل شيء تحت السيطرة». «أريد بعض التفاصيل لأطمئن لأن عددهم كبير». «أعرف؛ وتحركاتهم كلها تحت سيطرتي؛ سأعد لكل واحد منهم شَرَكا آليا؛ ولكن لو فشلت الطريقة الآلية في القضاء عليهم سأضطر للتدخل المباشر». «وما هي الطريقة الآلية؟». «إذا حاول أحدهم استكشاف ما وراء الباب الخلفي ليحصل على المستندات التي تركها حاتم والتي يظن أنها مازالت موجودة هناك سيسقط في الحفرة مباشرة وسينبعث تلقائيا غاز أعصاب يقضي عليه فيها؛ وإذا حاول أحدهم الصعود للطابق العلوي فقد تمت إحاطة السلم من جانبيه بأسلاك كهرباء عارية، ومن الأعلى والأسفل كذلك، وبمجرد أن يلمس أحدها ستتكفل هي بكل شيء؛ كما أعددت فأراً اصطناعيا صغيراً مربوطا بسلك كهربي فور أن يقترب منه أحدهم سيقضي عليه؛ وأعلى الباب الأمامي شَـرَك إضافي عبارة عن جهاز مشع تخرج منه أشعة برتقالية حمراء تستطيع القضاء على أي شخص في ثوانٍ معدودات؛ وسأكون في غرفة التحكم أشرف على كل شيء بنفسي وأتحكم في هذه الفخاخ بالزر المناسب في الوقت المناسب؛ وإذا نجوا من كل هذا سأتدخل بنفسي مباشرة وأنهي كل شيء؛ ثم سأتولى التخلص منهم». «ممتاز.. هؤلاء من الأفضل التخلص منهم تماماً فلا أحد يعرف أنهم ذاهبون إلى مطروح؛ رئيس التحرير يقول إن إبراهيم ذاهب إلى شرم الشيخ وبالتالي لن تحوم أية شبهات حول الشاليه ولا حولنا؛ ولكن كُنْ على حذر وانتبه جيداً فلا أريد أخطاء ولا أدلة ضدنا». «اطمئن تماما». عاجل: وفاة الأستاذ إبراهيم طارق الصحفي بالجريدة إثر تعرضه لحادث أليم. 5.45م الجمعة 11/8/2023. تعرض الأستاذ إبراهيم طارق الصحفي بالجريدة ومجموعة من أصدقائه لحادث سيارة على طريق شرم الشيخ منذ قليل؛ وقد وافتهم المنية قبل وصولهم إلى المستشفى. [جريدة الأيام 2023م]

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 5, 2023 6:14 ص

رواية حبس انفرادي — الومضة الثالثة

صفحة [1]

وقف حاتم يتفحص المقبض الذهبي المثير للاهتمام والدهشة. مقبض غريب غير معتاد ينبض بالحياة كأنه أسد حقيقي يبث الرهبة في نفس من ينظر إليه؛ ورغم ذلك فهو وديع وضئيل جداً للدرجة التي طمأنت حاتم وجعلته يقبض عليه بيده وهو يقول لهالة في سعادة: «ربما نستطيع الخروج من هذا الباب». وما كادت أصابعه تستقر حول المقبض حتى فوجئ بيده ترتد إلى الوراء رغماً عنه كأنّ المقبض يدفعها للخلف، حاول الإمساك بالمقبض للمرة الثانية فنفرت يـده كأنّها هي والمقبض مشحونين بالشحنات المغناطيسية ذاتها، حاول مرة ثالثة فشعر كأنه أفلح في الإمساك به ولكنْ خُيّل إليه أنه صعق بماس كهربائي دفع يده بعيدا عن المقبض؛ نظر لهالة من طرف خفي فأدرك من فرط ذهولها أن هذا قد حدث حقيقة. أدرك فشله في فتح هذا الباب أيضاً فقرر الكف عن محاولة فتحه ولو مؤقتاً؛ وقرر كذلك أن يظلّ ثابتاً حتى لا يثير المخاوف في نفس هالة من جديد؛ فهو لا يصدق أنها بالكاد قد هدأت. قـرّر صرف نظرها عمّا رأت فأدار ظهره للباب وهو يجذبها من يدها برفق ويقول ببساطة: «لا مشكلة؛ باب جديد يرفض أن يُفتح؛ ولكن لا بُـد أنّ هناك طريقة أخرى للخروج؛ فهل لديك حل آخر؟». استطاع بهذا السؤال أن يوجه تركيزها ناحية الحل وألا يتركها فريسة للتفكير السلبي الذي يمكنه أن يقضي عليها أسرع من الواقع المرعب الذي تعيشه؛ لم يشأ أن يتركها حبيسة في أفكارها خصوصاً بعد أن أعلن هذا الباب أيضاً العصيان ورفض أن يُـذعن لهما كبقية أركان هذا الشاليه العجيب. التقمت سؤاله وهي تسير إلى جواره شبه مخدرة، فلا هي تستوعب شيئاً مما يحدث، ولا هي قادرة على أن ترفض هذا الواقع المفروض عليهما قهراً، ولا حتى تستطيع أن تغيره. استجمعت كـلّ ما تبقى لديها من قدرة على التفكير المنطقي وهي تجلس على الأنتريه مستسلمة؛ وبعد برهةٍ طرأت على ذهنها فكرةٌ تبدو بديهية؛ ولكنّ الصدمة أفقدتهما الكثير من قدراتهما التحليلية والمنطقية فلم ينتبها لهذا من قبل؛ فقالت وكأنّ الكلمة تقفز من فمها: «الهاتف المحمول!». قالتها ووثبت من مكانها وهرعت إلى حقيبة يدها تستخرج هاتفها، وفي الوقت نفسه قام حاتم يبحث عن هاتفه فوجده مختبئا هناك أسفل كرسي طاولة السفرة فانحنى ليلتقطه وهو يسمع صوتها مملوءاً بالأسى والإحباط وهي تقول: «لقد وجدته؛ ولكنه فاصل شحن». التقط هاتفه وتفحصه. «هاتفي متبقٍ به خمسة في المائة فقط». «اتصل بالنجدة سريعاً». قالتها وهي تتحرك تجاه الشاحن وتقوم بتوصيل هاتفها به؛ بينما اتصل هو برقم الطوارئ فجاءه صوت فتاة من الطرف الآخر يجيبه: «كيف يمكنني مساعدتك؟». تعجّب أشد العجب من هذا الصوت، عاود النظر في هاتفه مرة أخرى ليتأكد من الرقم الذي اتصل به؛ هل اتصل بالنجدة فعلاً أم بخدمة العملاء؟! وبعد لحظة تمعُّن قال في نفسه مستغرباً: «هذا صوت آلي؛ صوت الفتاة الآلي». ارتفع صوته في الكلمة الأخيرة فسمعتها هالة فسألته: «آلي! ماذا تقصد؟». قام بفتح مكبر الصوت فظهر صوت الفتاة الآلي واضحاً وهي تكرر سؤالها الذي يبدو مبرمجاً «كيف يمكنني مساعدتك؟» وما إن سمعت هالة الصوت حتى أشارت له بيدها أن ينهي المكالمة على الفور. استجاب حاتم لأمر هالة دون تفكير فأنهى المكالمة وهو يسألها: «ولكن لماذا؟». «هل رقم النجدة يتم الرد عليه بهذا الشكل؟». «لا». «إذن فلابد أن هناك خدعةً ما ولا يجب أن نكون فريسة سهلة». ثم أضافت ساخرةً: «هذه المرة على الأقل». «إذن ماذا برأيك يمكننا أن نفعل بالهاتف المحمول؟». «الانترنت! طالما أن الهاتف به شبكة فربما يمكننا تصفح الانترنت دون أن يلاحظ أحد ودون أن نعطي معلومات لصوت آلي لا نعرف من وراءه». لمعت عيناه وفهم ما تريده من تصفح الانترنت فدخل بسرعة إلى المتصفح ومنه إلى محرك البحث وكتب فيه «المهندس خالد عبد الرازق». وافاه محرك البحث باقتراحات كثيرة فظلّ يمرر للأسفل حتى وقعت عيناه على الخبر الصادم، فضغط عليه وبدأ الموقع في التحميل. اختفاء المهندس خالد عبد الرازق وزوجته وأبنائه الثلاثة في ظروف غامضة. 11:20ص .. الجمعة 2/12/2022م. كتبه: إبراهيم طارق. وردت صباح اليوم أنباء تفيد بتغيب المهندس خالد عبد الرازق وزوجته وأبنائه الثلاثة منذ عـدة أيام، وحتى هذه اللحظة لم يتم التوصل إليهم ولا معرفة سبب اختفائهم، وقد تم تشكيل فريق بحثٍ على أعلى مستوى.. وسنوافيكم بالتفاصيل. (جريدة الأيام2022) تبادلا نظرة ملؤها الدهشة فالخبر الموجود في القصاصة صحيح. لم يتكلما بشيء إنما عادا يقرآن الخبر مرة أخرى كأنهما يتأكدان مما رأوه، ثم قال حاتم مستنتجاً: «إذن المهندس خالد مختفٍ منذ ثمانية أشهر تقريبا». قالها بسهولة بعض الشيء هذه المرة وكأنّه تقبل فكرة أن يقابل شخصًا منذ دقائق ثم يكتشف أنه مختف منذ شهور أصبح يتعامل وكأن هذا الأمر مألوف أو يحدث دائماً؛ بينما هالة لم تتكلم بشيء وإنما بدأت تدور برأسها أفكار عصية على الحصر حتى أرهقت من كثرتها فقررت أن تطلق سراح إحداها فسألت: «ألا يمكن أن يكون خالد نفسه هو اللغز؟». فهم ما ترمي إليه فهزّ رأسَه نفياً محاولا إنكار هذه الفكرة؛ ولكنّه رغم ذلك أحس بتشتت رهيب وشعر كأنه أصيب بدُوار وهو يجيبها: «لا يمكن هذا مستحيل». «منذ أتيت إلى هنا وأنا قد نسيت هذه الكلمة، كل شيء كان مستحيلا أصبحت أراه عاديا، أصبح كل شيء ممكناً.. لقد بدأت أشك… لا؛ بل أصبحت متأكدة من أن المهندس خالد هذا ما هو إلا مجرم محترف يستدرج ضحاياه إلى هذا الشاليه، وهنا يكون مثواهم الأخير، ولا بد أنه يعرف ما يفعله جيداً؛ الشاليه محكم الغلق وبدون نوافذ؛ كل شيء مُعَدٌ سلفاً لاستقبالنا الاستقبال الذي يؤدي بنا إلى الموت رعباً أو الانتحار فلا أحد يصمد في هذا الجو الغامض المرعب أكثر من بضع ساعات، وهذا هو ما يراهن عليه خالد؛ أعصابنا وقوة تحملنا؛ جريمة متقنة؛ ومن الممكن…. بل الأكيد أنّ هناك كاميرات تراقبنا في كل مكان من هذا الشاليه وتنقلنا إليه بالصوت والصورة». توقفت هالة عن الكلام فجأة وأخذت تنظر حولها وفوقها تبحث في كل مكان يصل إليه بصرها عن أي شيء يشبه كاميرات المراقبة أو أجهزة التسجيل وكذلك فعل حاتم تلقائياً مثلها؛ ولمّا لم يجدا شيئاً عادت تقول: «هو يدرك جيداً ما يفعل ربما لن يترك شيئا يسهل اكتشافه، ولكن لماذا اختارنا نحن؟ لماذا نحن بالتحديد؟ كيف يختار ضحاياه؟!». استمع حاتم لاستنتاجاتها التي غيرت قناعته المبدئية فـبــدا متفقاً معها فيما تقول وظل عاجزاً عن النطق فترة من الوقت مرت عليهما في صمتٍ بهيم لا يقطعه بين الحين والآخر إلا صوت أمواج البحر الهادر في الخارج والتي انتبه لها حاتم للمرة الأولى منذ وصولهما فقال: «ربما تكونين محقة جداً فأنا لا أستطيع أن أصل لأي سبب لوجودنا هنا غير هذا، وما يؤكد صحة استنتاجك هو صوت الموج خارج الشاليه؛ فلو كنا معزولين عن العالم الخارجي بفعل قوة خفية لما وصل إلى سمعنا أي صوت من الخارج؛ فعلاً المجرم لابد أن يترك وراءه ثغرة تكشف جريمته، ولكن خالد لم يستدرجنا؛ بل أنا الذي اخترت الشاليه وحدي». «أعرف هذا؛ ولذلك أنا في قمة الحيرة ولا أجد إلا تفسيرا واحداً هو أنه لا يختار ضحاياه لسبب معين ولا يهمه من الذي سيبادر بحجز الشاليه، المهم عنده أن يأتي أحدهم بقدمه إلى هنا.. إلى المصيدة.. يرتكب جريمته ثم يخفي معالمها ويبحث عن ضحية أخرى أو مكان آخر لارتكاب جريمة جديدة». تأملها بعض الوقت ثم قال: «ولكن! إذا كان خالد هو من وراء كل هذا فلماذا اختفى هو نفسه؟ هل ليعطي نفسه الفرصة لارتكاب جرائمه دون أن يتم كشفه؟». «بالطبع هذا هو السبب». اعترض حاتم قائلا: «ولكن! هل زوجته وأبناؤه الثلاثة مشتركين معه فيما يفعل؟». كان السؤال صعباً وإجابته احتاجت من هالة أن تعصر ذهنها أكثر من مرة محاولة إيجاد إجابة منطقية وفي الأخير قالت: «زوجته وأبناؤه الثلاثة؟! هل أنت متأكد من أن خالد متزوج ولديه أبناء؟». «ماذا تقصدين؟!». «أقصد أنه ربما هذه ليست زوجته ولا هؤلاء أولاده؛ بل أنا متأكدة الآن أن هذا تشكيل عصابي منظم جداً». «لن أختلف معكِ ولكن ماذا يكسب من كل هذا؟ ما دافعه؟». «ربما هناك رابط ما بين ضحاياه؛ ربما يربطهم جميعاً شيءٌ واحد.. وربما يقتل لمجرد القتل.. يتلذذ بهذا.. وربما يضحي بهم لأجل شيء خفي يطلب منه هذا ليمنحه شيئاً ما». «ربما! كلها احتمالات ولكن يبقى الدافع وراء ارتكاب الجريمة مجهولاً، وتبقى الجريمة نفسها مجهولة؛ فنحن لا نعلم حتى الآن ما هي هذه الجريمة ولا نعلم إن كان هناك جريمة من الأساس؛ فكل ما نعرفه أن أحدهم اختفى والآن أصبحنا نشك في أنه هو نفسه قاتل وأنه يخطط للتخلص منّا مثل بقية ضحاياه الذين افترضنا وجودهم، كلها احتمالات واستنتاجات غير منطقية أو على الأقل لا يوجد دليل واحد عليها». صمت لحظة ثم أضاف مشدداً: «لو كان خالد كما تقولين هو من يخطط للتخلص منّا ويراهن على قوة تحملنا فالأمر بسيط يمكننا أن نتحلى بالهدوء والثبات إلى أن يمر كل هذا بسلام». «أتمنّى هذا». خرجت الكلمة الأخيرة من فمها مصحوبةً بتنهيدةٍ محترقة؛ ثم عادت لتسبح في أفكارها دقائق مرت عليها كأنها دهر طويل، ثم رجعت من رحلة تفكيرها العميق وكأنها اقتنصت صيداً ثميناً فقالت بصوت خفيض يسمعه حاتم بالكاد: «أصبحت أشك في شيء آخر مختلف تماماً، أصبحت أشكُّ في أن خالد هو من قام بكل هذا؛ لكنّه لا يريد التخلص منك بل يريدك أن تكون هنا! أبلغ أنه اختفى ليتيح الفرصة لنفسه ليختلي في هذا الشاليه دون رقابة، ولابد أنه لم يخبر أحداً بأنه يملكه، قـرر جلبك إلى هذا المكان، اخترق هاتفك المحمول، تحكم فيه بالكامل، بدأت تظهر أمامك إعلانات ترويجية في كل موقع من مواقع التواصل الاجتماعي تستخدمه، وكل هذه الإعلانات منصبة حول ضرورة حجز شاليه لقضاء شهر العسل، بعد فترة وجدت نفسك تفكر بالفعل في حجز شاليه وأخبرتني بالفكرة فرحبت بها على الرغم من تعجبي الشديد لأننا متزوجين منذ عامين! المهم أنه نجح في استقطابك إلى فكرة حجز شاليه ثم عند بحثك عن شاليه محدد تكرر ظهور هذا الشاليه أمامك، تصميمه ملفت جداً بالنسبة إلى واحد مثلك متخصص في الآثار؛ شاليه على شكل هرم؛ وتحت ضغط التكرار المستمر تحقق له ما أراد وها أنت هنا بالفعل؛ أليس هذا هو ما حدث معك بالفعل؟». «بلى؛ هذا هو ما حدث معي بالضبط». ثم واصلت قائلة: «هاتفك مخترق وهاتفي كذلك؛ وهذا يفسر سبب عدم إجرائهما أية مكالمة ويفسر أيضاً الصوت الآلي المبرمج الذي أجابك في السيارة وهنا؛ ولكن الشيء الوحيد المقلق في هذا هو أن خبر اختفاء خالد نفسه ربما يكون غير صحيح! فطالما أن الهاتف مخترق فلابد أن هذا الخبر كذلك مصطنع؛ أما الشاليه! فهل هناك شاليه بدون نافذة واحدة؟ كيف هذا؟ الناس تأتي إليه لأجل الهواء فإذا به مصمت؛ هل هذا معقول؟». «كلامك منطقي جداً؛ ولكن لماذا يريدني هنا؟». «الأمر واضح، يظنّ أن هذا المكان به آثار، وأنت الوحيد القادر على تأكيد هذا أو نفيه، قرر أن يجلبك إلى هذا المكان ويحتجزك فيه، ولا بد أنك ستبحث عن مخرج، وبالطبع لن تجد مخرجاً عاديا، وستبحث في كل مكان، ووقتها ربما تكتشف شيئا يلفت انتباهك، فإذا وجدت علامات تدل على وجود آثار فلا بد أنك ستحاول الاتصال والابلاغ عن ذلك ووقتها لن تبلغ أحدا سواه؛ سيتلقى هو أو الصوت الآلي المكالمة، ويتأكد هو من صحة ظنونه فيغامر ويحفر المكان المطلوب أو الشاليه بأكمله؛ وبعدها ينتهي دورك وتخرج من هنا بسلام بعد أن يبلغك الصوت الآلي بأنه سبق التنقيب في هذا المكان من قبل ولم يُكتشف شيء أو بأنَّ هذا المكان ليس له أي تاريخ أو أي سبب آخر؛ وحينها تكفُّ عن البحث وتحاول الخروج فيسمح لك بالخروج؛ أو لا تصدق الأسباب التي سيحاول أن يقنعك بها الصوت الآلي وتتخطى الحد الذي رسمه لك فلا تخرج من هنا أبداً». «هذه فكرة محتملة ولكنّها تدل على طريقة تفكير ساذجة». «ساذجة؟ لماذا؟! ألم تبتلع الطعم؟ ألست محتجزا في قلب الشاليه الآن وتبحث عن مخرج بالفعل؟ ألم توشك أن تخبر الصوت الآلي بشكواك وتتعامل معه بطريقة عادية؟ صدقني لم تعد سوى خطوة واحدة؛ أن تكتشف شيئاً وينتهي الأمر كله». «أكتشف شيئاً؟ وماذا بعد؟». «سنبتلع الطعم بإرادتنا ونطمئنه تماماً أننا لم نفهم لعبته، وبعد أن نخرج من هنا بسلام سنبلغ عنه، حتى يتم إلقاء القبض عليه متلبسا بجريمته». صمت ملياً ثم قال: «لقد ذكرتني فكرتك هذه بالعقدة الغوردية». تجهمت ولم تستوعب ما يقوله، فسألته في دهشة: «ما هذا؟ ماذا تقصد؟». جلس مسترخياً في مقعده وهو يشرح لها: «كان الإسكندر الأكبر يخوض معاركه وفتوحاته، فمرّ بمدينة كان بها عربة مربوطة بعقدة لا يظهر منها أي طرف حبل، وكان لدى أهل هذه المدينة نبوءة تقول إن من سيحل عقدة الحبل هذه هو ملك آسيا الحق، ولم يستطع أحد حلّ العقدة أبداً حتى جاء الإسكندر وعندما لم يجد طرفاً للحبل ليحل العقدة قام بقطعها بضربة من سيفه قائلاً: إنه من غير الضروري معرفة الطريقة الصحيحة لحلها.. وهكذا قام بحلها! بكل بساطة. ومن وقتها وعبارة “العقدة الغوردية” تستخدم للدلالة على أية مشكلة صعبة يتم حلها بعمل جريء». فهمت هالة مراده فاستمر يقول: «وما تقترحينه أنتِ الآن هو عمل جريء لحل المشكلة الصعبة التي تواجهنا؛ ولكن إن فشلنا في هذا العمل فسندفع الثمن غاليا جدا». صمت برهة يفكر في أن كل الاحتمالات التي تقولها هالة مقبولة ولا يمكن أن يعترض عليها؛ فمن السهل أن تشك في أن خالد مجرم متمرس يقضي على ضحاياه في هذا المكان الموحش بعيداً عن الصخب ولهدف يعلمه هو وحده. ومن السهل أيضا أن تصدق أنه يبحث عن الآثار في هذا المكان وأراد جلب أحد أهم العلماء إليه ليستخدمه كأداة للكشف عنها ثم يتخلص منه بعد ذلك فالاحتمالان مقبولان؛ ولكن حاتم لا يمكنه أن يفعل شيئًا حيال الاحتمال الأول، فقط يمكنه أن ينتظر حتفه على يـد هذا المجرم؛ أما الاحتمال الثاني فيعطيه الفرصة لكي يفعل شيئا، أي شيء يمكن أن ينجيهما من هذا المكان، وهو ما جعله يأخذ قرارا بأن يبني على الاحتمال الأخير ويشرع في البحث عن الآثار في هذا المكان ربما وصل لشيء. حاصر ذهنه بسؤال واحد: «من أين أبدأ البحث؟». فيما سبق كان يبحث عن مخرج ينقذه من هذا المكان الغريب، والآن صار يمارس عمله العادي وهوايته المحببة؛ صار يبحث عن آثار، ولكن للمفارقة فإن هذه هي المرة الأولى التي لن يُـنْسب اكتشافه له ولا لغيره بل ربما لا يعرف أحدٌ به أصلاً؛ فأحدهم قابع في مكان ما ينتظر اللحظة التي ينقض فيها على ما يتم اكتشافه لا لينسب الاكتشاف لنفسه فهذا لا يعنيه وإنما ليسلب كل شيء. أخذت تمر في ذهنه صورٌ لكل الأماكن في الشاليه فقد حفظه عن ظهر قلب من كثرة ما صال فيه وجال بحثا عن مخرج، ولم يُثِرْ غريزته الأثرية الفطرية سوى ذلك الأسد الذهبي؛ فهو الشيء الوحيد في هذا المكان الذي يبشر بوجود كنز وراءه بل ربما يكون هو نفسه كنزاً.

صفحة [2]

بـدأ هو وهالة في التحرُّك من مكانهما في الصالة باتجاه الباب الخلفي مرة أخرى، نظرا سوياً لمقبض الباب الذي أعلن العصيان من قبل رافضاً دخولهما، لم يُتعب نفسه كثيرا في تكرار المحاولات السابقة وإنما توجه للمطبخ وجلب بعض المعدات الثقيلة!!! سكينا ومفكا!!!! ظل يحاول فتح الباب بشتى الطرق وقال وهو يلهث من التعب: «هذا الباب يمكن فتحه أما الآخر فلم يكن هناك من داعٍ لمباراة المصارعة التي لعبتيها معه». ضحكت من دعابته فأشار لباب الشاليه وواصل قائلا: «فمثل ذلك الباب الحديدي إن لم ينفتح من تلقاء نفسه ويسمح لنا بالخروج عن اقتناع فلن يغير رأيه تحت وطأة ضرباتك القوية، أما هذا الباب الخشبي فيمكن أن يرضخ للضغوط». نطق الكلمة الأخيرة بقوة وعنف وهو يضغط بالمفك على لسان الباب حتى استطاع تحريكه بصعوبة فانفتح الباب وارتمى هو على الأرض يلتقط أنفاسه بصعوبة قائلاً: «أخيراً قطعت الحبل الأول». نهض وبدأ يفتح الباب فأصدرت مفصلاته أنيناً كأنين طفل رضيع مثل الذي سبق لهما سماعه تماماً؛ خُيّل إليهما أنهما يسمعان صوت سكين يتم حد شفرته.. فُتح الباب على مصراعيه.. وقفا مصدومين. بعد برهة من التقاط أنفاسه تقدم حاتم خطوة للأمام وتأهّب للدخول وهو ينظر في عينيْ هالة؛ ظهره لها ورقبته ملتوية للوراء وعيناه مثبتتان في عينيها، ثم وضع قدمه اليمنى بالداخل فتأرجح وهوى جسده ناحية الأمام واختل توازنه تماماً؛ كاد يسقط لولا يد هالة التي جذبته بسرعة وقوة فاعتدل واقفاً مذهولاً وهالة مرتعبة من خوفها عليه. دارت تساؤلات كثيرة برأسيهما عن حقيقة ما وراء هذا الباب؛ إنه بات متأكداً الآن من أن وراءه فراغ؛ ولكن كيف هذا؟ ولماذا؟ قطع ذهولهما صوتُ هالة المملوء بالدهشة وهي تشير إلى الحفرة: «حاتم! انظر». كان حاتم ما يزال واقعاً تحت تأثير صدمة السقوط الوشيك؛ يفكر في الاحتمالات التي كانت من الممكن أن تحدث له؛ ربما أصيب إصابة بالغة وربما قُضي عليه في هذه الحفرة العميقة؛ وقف ينظر إليها بتفحص؛ حفرة عمقها يتجاوز الستة أمتار تقريباً، معتمة لا يكاد يرى فيها شيئاً لولا أن بعض الضوء الذي يأتي من الصالون من خلفه تسرب من بين قدميه ومن حوله على استحياء ليكشف بعض أجزاء من هذه الحفرة؛ سأل نفسه: «هل هذه مقبرة؟ أثرية؟ فرعونية؟ يونانية؟ حديثة؟». ساورته الشكوك لكن خالجه يقين واحد هو أن هذه الحفرة ما هي إلا مقبرة أيا كان تاريخها؛ إن هالة محقة تماماً فيما قالت؛ هذه الحفرة في هذا المكان الغريب لا تدل إلا على أن أحدهم كان يحفرها حتى وقت قريب، ولكن لماذا توقف عن ذلك؟ ولماذا سمح لنا بحجز الشاليه؟ لا يوجد تفسير واحد مقنع غير الذي توقعته هالة. «لقد اتضح الأمر إذن؛ أنا هنا بفعل فاعل كما قلتِ». «أتمنى أن أكون مخطئة». كأنها كانت تتوقع وتضع الاحتمالات لا لتحدث هذه الاحتمالات والتوقعات وإنما لتوجد أمــلاً يمشيان وراءه ربما ينجحان في الخروج من هذا المكان الموحش؛ ولكنها في الوقت نفسه لم تكن تتمنى أن يكون توقعها صحيحاً؛ لأنّ صدق توقعها يعني أن فرص نجاتهما تتضاءل إن كانت هناك فرص للنجاة بالأساس. بدت حزينة محبطة وهي تفكر في حالهما وما يجري لهما وتحدث نفسها بأسىً: «إنه شيء غريب؛ يوم أن نقرر قضاء شهر عسل نرفه فيه عن أنفسنا قليلاً ونهرب من صخب الحياة وأزماتها، نصطدم بأزمة أكبر من كل أزماتنا؛ ونحتجز في مكان غامض مغلق من كل جانب! الآن أتمنى لو بقينا أحراراً في مكاننا هناك؛ حيث مشاكل الحياة اليومية التي لطالما تبرمت منها». لم يُضع حاتم وقتاً كثيراً في تفحص المكان وتأمله؛ بل انحنى يبحث عن شيء يستطيع استخدامه في النزول إلى قاع هذه الحفرة؛ وأخيرا وجد ما يبحث عنه؛ حبل سميك مربوط في وتد حديدي مثبت في الجدار، ولمح عدة أحجار بارزة في جانب الحفرة وراء المكان المثبت فيه الحبل مباشرة، تساعد على النزول؛ اعتقد أن هذه الأحجار ربما تكون قد وضعت بمعرفة من حفر هذه الحفرة من قبل لولا أنه دقق النظر فيها فاتضح له أنها تتخذ أشكالا متعددة؛ فالحجر الأول منها على شكل أسد والذي يليه فيه التواءات ونتوءات وينتهي برأس ثعبان، والأسفل منهما على شكل فأر؛ وهكذا تتكرر الحجارة بالأشكال ذاتها والترتيب نفسه حتى قاع الحفرة… أصبح متأكدا أن هذه الأحجار لم توضع بمعرفة من حفر الحفرة، وإنما ربما كانت هي سبب قيامه بالحفر أصلا، وربما هي التي أغرته بأن نهايتها تؤدي إلى غرفة ملكية مليئة بالمومياوات والذهب. «سأحفر هنا وليكن ما يكون». قالها حاتم وهو يمسك بالحبل ويهم بالنزول وهالة تحاول منعه؛ ولكنه لم يلتفت إلى كلامها الذي تبدد في ظلمة هذه الحفرة؛ يئست من أن يستجيب لها فصمتت مترقبة؛ وصل منتصف الحفرة تقريباً وذرات تراب قليلة تتساقط في فمه حتى جف حلقه، وما إن وضع قدمه على الحجر التالي حتى انكسر الحجر وارتطم بقدمه فهوى جسده وأفلتت صرخة متألمة منه حاول كبتها؛ لم تعد قدمه مستندة إلى الحجر وإنما صار معلقا في الحبل وحده؛ صرخت هالة وجذبت الحبل تلقائيا بشدة؛ لكنها لم تستطع جذبه للأعلى؛ فنادته بنبرة باكية: «حاول أن تساعدني.. ارفع جسدك معي». «لا أستطيع قدمي تؤلمني جدا». لم يكد يُتم كلمته حتى فوجئ بحجر آخر انخلع من مكانه نتيجة حركة الحبل يميناً ويسارًا وهوى على يديه الممسكتين بالحبل فأفلتهما رغما عنه. صرخت هالة وارتعبت بينما أطلق هو صرخة مكتومة فور أن استقر جسده في قاع الحفرة. حاول التغلب على الألم الذي يشعر به ويكبته وهو يقول لها بصوت كله وجع: «أنا بخير. لا تقلقي». وقفت لا تعرف ماذا تفعل، ولا تعرف أُتصدق كلامه الذي يحاول طمأنتها به أم نبرته المتألمة، ولكن حيرتها لم تستمر طويلاً؛ إذ يبدو أنه لم يتحمل الألم أكثر من هذا ولم يعد قادراً على مقاومته فصرخ. عاودت الصراخ تلقائيا بمجرد سماعها صرخته وهي تسأله في لهفة كلها فزع: «حاتم! ماذا جرى لك؟ هل أنت بخير؟ حاتم!». أدرك أنه أفزعها فحاول كبت ألمه وصدمته واصطنع كل ما يمكنه اصطناعه من هدوء مفتعل في هذا الموقف العصيب وأجابها بصوت أهـدأ من سابقه تخلله رغما عنه تألمه الشديد: «بخير. أنا بخير؛ لكن!». «لكن ماذا؟». «لكن… لا شيء؛ فقط أشعر أنّ بجواري جسد إنسان لا يتحرك». حاول أن ينتقي ألفاظه قدر الإمكان حتى لا يثير فزعها أكثر؛ فلم يشأ أن يستخدم تلك الكلمة الواحدة التي تغنيه عن كل هذه الأوصاف: «جثة!». ويبدو أن حذره هذا كان في محله وأنتج أثره؛ فبدلا من أن تصرخ سألته: «ماذا تقصد؟». سؤال استفهامي، حقيقي، مجازي، تقريري، إنكاري، توبيخي، تعجبي؛ المهم أنها لم تدرك بعد حقيقة ما قلته لها للتو؛ زوجها ملقى إلى جوار جثة في حفرة عميقة وقدمه لا تقوى على حمله؛ وهي تقف لتسأله ماذا تقصد؟ لقد نجحتُ في لفت انتباهها بعيداً عن المشكلة الحقيقية هذه المرة؛ أيضاً! لم يُجب على سؤالها فالإفصاح عن تفاصيل أكثر سيضر ولن يفيد؛ فقط بدأ يتفحص الجثة المتيبسة الملقاة إلى جواره ويجسُّها بيده؛ لقد اعتاد أن يتعامل مع المومياوات التي ماتت منذ آلاف السنين، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتحول فيها إلى طبيب شرعي يتعامل مع مومياء حديثة الوفاة! هذا ما ظنه في البداية؛ ولكنه بمزيد من الفحص اكتشف أن ما إلى جواره ليس إلا ذلك الكُـرَيْـك الذي كان يُستخدم في حفر هذه الحفرة وعليه سُترة من قام بحفرها. تنفس الصعداء وسارع بإخبار هالة بهذا الخبر السعيد، صحيح هي لم تكن قد أدركت بعد حقيقة ما وجده لكنها شعرت بالاطمئنان لمجرد إحساسها بالفرح في صوته. ظلّ يبحث في السترة عن أي شيء، أي شيء يكشف شخصية من قام بالحفر أو هدفه وبالفعل اهتدى إلى هاتف محمول في جيب السترة. تمنّى لو أنه كان قد تمكن من النزول دون أن تصاب قدمه ليستطيع مواصلة الحفر على الفور؛ ولكنه اضطر تحت ضغط الألم الذي يشعر به أن يفكـر في طريقة للخروج سريعاً من هذا المكان الذي من المستحيل عليه أو على غيره مغادرته إلا بمعاونة أحد؛ ولكن هالة لن تستطيع أن ترفعه بواسطة الحبل مهما حاولت؛ من غير الممكن أن تجذب بذراعيها فقط ثمانية وسبعين كيلوجراماً؛ لا بد من حل آخر؛ تفتق ذهنه عن فكرة فخاطب هالة هاتفاً: «هل الباب فيه أي جزء بارز؟». «نعم؛ في المنتصف تقريبا وراء المقبض، كرة حديدية بحجم المقبض». «ممتاز، سأرخي لك الحبل قليلا لتقومي بجذبه وتمريره حول الكرة الحديدية حتى تتحول لتصبح كأنها بكرة يلف حولها الحبل وبعدها سأمسك جيدا في طرف الحبل وكل ما عليك هو أن تقومي بدفع الباب بجسدك كله وبكل قوتك». على الفور فعلت ما كلفها به؛ وبعد أن انتهت تمكن هو من لف جزء من الحبل حول خاصرته وعقده ثم رفع يديه للأعلى وتعلق بالحبل؛ بدأت تدفع الباب بكل جسدها تحولت الكرة الحديدية بالفعل إلى بكرة، نجح الأمر واستطاع أن يصل بيديه إلى حافة الحفرة بينما بقية جسده مازال في منتصف الحفرة أو فوقها بقليل وقد توقف الباب عند هذا الحد؛ أدرك أنه لم يحسب حساب قطر الدائرة التي يتحرك فيها الباب والتي لن تعادل طول الحفرة بالتأكيد، ولكنه تدارك الخطأ الفني الذي وقع فيه على كل حال وقال لها بصوت مشحون بالألم: «سأتشبث بحافة الحفرة قليلا وبسرعة قومي بغلق الباب مرة أخرى وتقصير الحبل وأعيدي لفه حول الكرة الحديدية من مكان أقرب لكن بسرعة». نجحت في تنفيذ ما قاله حرفيا؛ ثم أخذت تدفع الباب بكل ما أوتيت من رغبة في إخراجه من هذه الحفرة، وبكل ما أوتيت من لوم لنفسها على تسببها في سقوطه فيها بتحليلاتها الكثيرة؛ أوشك على الخروج إلا أنه لم يحسب حساب خطأ فني آخر؛ لقد انخلعت الكرة الحديدية من مكانها بفعل ثقل وزنه وقوة دفعها للباب؛ ترنّح مرةً أخرى ولكن لحسن الحظ كانت إحدى قدميه وإحدى يديه خارج الحفرة فتركت هالة الباب مسرعة وانطلقت ناحيته وتشبثت به حتى عدّلت وضعه واستطاع الخروج بالكامل.

صفحة [3]

سقطت الكرة الحديدية وسقط وراءها عـدّة أوراق تناثرت على الأرض؛ مجموعة من الأورق المكورة والمحشورة بغير نظام داخل الفجوة الموجودة خلف الكرة الحديدية وكأن من وضعها لم يكن لديه متسع من الوقت لفعل هذا بترتيب أو أنه شخص كسول؛ إنها خزانة حديدية مختبئة داخل تجويف الباب. تبادلا نظرة الحيرة التي لا تخلو من هلع؛ تلك النظرة المعتادة في هذا المكان؛ ثم انكبّا مباشرة على الأوراق يجمعانها ويحاولان ترتيبها. [الورقة الأولى] عقد تنازل من المهندس كريم سامي إلى المهندس خالد عبد الرازق عن نصيبه في مجموعة شركات النجم المضيء مؤرخ 1/12/2022م. «كريم سامي رجل الأعمال المعروف تنازل عن نصيبه لخالد؛ كيف هذا؟ هل سمعتِ بهذا الخبر من قبل؟». «لا؛ ولكن الملفت للنظر فعلاً هو تاريخ هذا التنازل». «قبل اختفاء خالد بيومٍ واحد». «إذن الأمر أصبح واضحاً؛ هل عندك شك في هذا؟». «هل تقصد أن خالد ضحية وليس هو المجرم؟». هز حاتم رأسه مؤيداً لها وهو يقول: «ويبدو أن لكريم سامي علاقة بذلك». قالها وشرع في فـرد الورق المتبقي في يده. [الورقة الثانية] مقصوصة من مفكرة! فارغة؛ إلا من كلمة واحدة مكتوبة في وسط الورقة وتبدو كأنها كانت بداية فكرة لم تكتمل. *منظمة* «منظمة! هل تفهم شيئا من هذا؟». «لا؛ ويبدو أنه كتبها على عـجـل، ويبدو من طريقة كتابتها في وسط الصفحة ومن الدائرة التي وضع هذه الكلمة داخلها والفروع التي تشعبت عنها أنه كان يريد أن يرسم مخططاً تفصيلياً؛ يبدو أن الأمر ليس هيناً». [الورقة الثالثة] وثيقة زواج المهندس خالد عبد الرازق والمهندسة فاتن صادق بتاريخ 20/10/2020م. لولا أنهما قد تعودا على المفاجآت في هذا المكان لما كانت ردة فعلهما على ما يقرآنه بهذا الهدوء؛ ولكنه هدوء لم يخل من نظرة الذهول المختلط بالهلع المعتادة. لم يغرق حاتم في التفكير وإنما قفزت أفكاره وتساؤلاته على لسانه رغما عنه: «ما هذا؟ كيف يكون خالد وفاتن متزوجين منذ ثلاثة أعوام ويكون ابنهما الأكبر في الثامنة تقريباً؟». «ابنهما؟!». خرجت تلقائيا من هالة بنبرةٍ ساخرة. توقف حاتم عند وثيقة الزواج طويلاً يدقق النظر في صورة كل من خالد وفاتن. الصورة باهتة بعض الشيء لكن ملامحهما مازالت واضحة، ظـلّ ينظر للصورتين بتركيزٍ شديد فقفزت مقلتا هالة معه تتفحصهما. «لا يمكن أن يكونا هما اللذين قابلناهما قبل قليل». لم يرد حاتم عليها واكتفى بزمّ شفتيه وهو يفكر في أن كل شيء قد تغـيـر، وكل المعطيات اختلفت تماماً. «إذن خالد ليس مجرماً ولا باحثاً عن آثار كما توقعت؛ بل هو ضحية». قالتها وهي محبطة نتيجة انهيار كل توقعاتها السابقة، ونتيجة إحساسها بالخطر المتزايد. «ولكن لابد أن خالد ارتكب خطأ ما ليواجه هذا المصير». «أتمنى ألا نكون قد ارتكبنا خطأ مماثلاً!». لم تكد تمضي لحظة واحدة حتى صدمهما صوت جرس الشاليه وهو يرن؛ من الذي يرن الجرس وكيف؟! لم يستغرقا كثيراً في أسئلة من هذا النوع؛ فرغم كل دهشتهما وصدمتهما نهض الأمل في صدرهما وتجلى في نظرتهما فنهضا سوياً بسرعة؛ شخصٌ ما يرن الجرس وهي فرصة لا تعوض للخروج من هذا المكان، وانطلقا يستبقان الباب بخطوات سريعة ولكنهما توقفا قبل الباب بمترين وتساءلا فيما بينهما: «كيف سنفتح له والباب لا يُفتح؟». «ليس مهماً؛ المهم أن شخصاً ما بالخارج ويمكننا الاستعانة به». تساءلا بصوت مرتفع في وقت واحد: «من؟». «أنا .. أنا خالد». صدمهما ردُّه فتراجعا خطوتين كأن اسمه قد دفعهما للخلف؛ فكر كل منهما في نفسه: «ماذا يجب أن نفعل وكيف يمكن أن نتصرف في هذا المأزق؟ هذا الشخص هو الذي تتعلق عليه آمالنا في الخروج من هنا ولكنه ينتحل شخصية شخص آخر، فهل يمكن الوثوق به؟». على كل حال لم يمهلهما هو وقتاً أكثر للتفكير وإنما بادر قائلاً: «هل يمكنني أن أدخل؟ أعلم أنكما لا تستطيعان أن تفتحا الباب». تساءلا في نفسيهما عما يعنيه وكيف عرف أنهما لا يستطيعان فتح الباب. «أعرف أنكما تتعجبان من هذا سأدخل وأشرح لكما كل شيء». لم يكد يفرغ من كلمته الأخيرة حتى وجــدا الباب الحديدي الثقيل يتحرك ووجداه أمامهما.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 5, 2023 6:13 ص

رواية حبس انفرادي — الومضة الثانية

صفحة [1]

يـسـتـيـقـظ وعلى وجهه تبدو أمارات الإرهاق الشديد، ويبدو وكأنه لم يكن نائماً أو على الأقل لم يكن مرتاحاً، يتحرّك بتثاقل، يعبر الصالة في طريقه إلى المطبخ ليعد فنجان قهوته المفضل والذي يفضل أن يعده بنفسه لنفسه دائماً، أو هكذا تعوّد فكأنّه أحد الطقوس اليومية التي لا مـفـرّ منها. تقع عيناه على بعض صُوَرِه المعلقة على الحائط في الصالة فيقف ويتأملها قليلاً؛ أغلبها وهو يتسلم جوائز؛ ثم تقع عيناه على شهادة الدكتوراه التي حصل عليها حديثاً من كلية الآثار، ثم ذلك المقال الذي اقتصه من إحدى كبريات الجرائد العلمية العالمية والذي يتناول بالدراسة كتابه ذائع الصيت “رحلة في أعماق الهرم”، ثم مقال آخر في مجلة علمية عالمية كذلك يتحدث باستفاضة عن الاكتشافات الكثيرة في مجال الآثار التي توصل إليها على الرغم من حداثة سنه؛ فهو مازال في الثلاثين من عمره. يحتسي فنجان قهوته المعتاد وهو يتصفح بعض المواقع الإلكترونية بحثاً عن شاليه يقضي فيه شهر العسل؛ صحيح أن هذا الشهر تأخر لما بعد الزواج بعامين! ولكن «هــالة» تقدر مشاغله وأبحاثه على كل حال؛ أحضرت كوباً من القهوة هي أيضاً وجلست إلى جواره، راحا يفاضلان بين شرم الشيخ ومطروح والغردقة وفي النهاية وقع بصر «حـاتم» على منظر سلب لبه وقلب كيانه شاليه على شكل هرم. عقد العزم على أن يقوم بحجزه فاعترضت هالة؛ لأنها تريد مكاناً يضج بالبشر لتشعر فيه بالحياة، حاولت إثناءه عن هذا الشاليه ذي الشكل الغريب، والذي يبدو في الصور وحيداً ليس حوله أي شاليه آخر. نزل على رغبتها وعاد يبحث في مواقع أخرى عن مكان آخر، وكلّما دخل موقعاً وجد هذا الشاليه في الصدارة دائماً؛ وهو أول ما يظهر له في كل موقع، تكرر الأمر مراتٍ عديدة فتوقف عن البحث والتفت إليها ورفع يديه للأعلى ومطّ شفتيه كأنه يبرئ نفسه، ويتهم الشاليه بأنه هو الذي يفرض نفسه عليه، ثم حاول أن يقنعها بأنها ستستمتع بالهدوء فيه، وبأنه سيخفف عنها صخب الزحام الذي تعيش فيه كل يوم وضغوط الأصوات العالية، وهي فرصة جيدة للاستجمام. وافقت على مضض، وبعد أن وعدها بأنه سيعوضها عن هذا في الرحلة القادمة والتي ستكون إلى المكان الذي ستختاره هي دون تدخل منه. الـثــلاثـــــاء 8/8/2023م استقلاّ سيارتهما الخاصة في الطريق إلى مطروح، وفور انطلاقه بالسيارة قالت هالة: «أعرف أن ما دفعك لحجز هذا الشاليه هو شكله الهرمي فهل لي أن أعرف لماذا أنت مولع بالأهرامات إلى هذا الحد؟». تأمّل حاتم الطريق أمامه قليلاً وبدا كأنه لم يسمع سؤالها وعندما يئست من أن يجيبها قال: «الأهرامات! سـرّ اهتمامي بها كتاب قديم وجدته عند صديق لي والتراب يغطيه كأنه قد صار جزءًا من الكتاب نفسه؛ كان أشبه بخواطر الكاتب حول بعض الموضوعات، وأكثر ما لفت انتباهي فيه فقرة وقعت في منتصف الكتاب تقريباً، كانت تتحدث عن الأهرامات أحفظها جيدا». صمت برهة واقتنص نظرة إليها فوجد وجهها قد أشرق لمجرد الاستماع إلى حديثه؛ فابتسم وجعـل يـردد ما جاء في هذه الفقرة بصوتٍ رتيب ثابت كأنه يخرج من مذياع قديم: «الأهرامات باقية منذ آلاف السنين؛ لماذا هي باقية؟ هل هي علامة على شيء؟ هل الذي حفظها إلى اليوم برغم الدهور أراد أن يبلغنا منها رسالة؟ هل أراد أن يقول: أيها الإنسان! أنا الخالق العظيم تركت لك هذه الأهرامات دليلاً على أنه في غابر الزمان كان هناك مــــن شيّـد هذا البناء؛ لم تره عينك، لم تلمسه يدك، لم تسمع صوته، ولا أبصرت هيئته؛ ولكنك متأكد أنه كان في هذا المكان يوماً ما. أيها الإنسان! أترى باني الأهرامات الآن؟ هل كُتب عليك أيها الإنسان أن ترى الآثار ولا ترى بانيها؟ أيها الإنسان! لقد علمت أن باني الأهرامات موجود من كتابات نُقشت على الجدران، ومن وجود هذه الآثار ذاتها؛ وكذلك أنا! كذلك أنا الخالق العظيم موجود؛ من آثار أفعالي ومن كتبي تعرفني». كانت هالة تستمع لكلّ كلمة بقلبها وعقلها في الوقت نفسه، ثم علّقت بقولها: «لقد ربط الكاتب الأهرامات بالخالق». «وهذا هو ما جعلني أهتمّ بالحكمة من بقاء الأهرامات آلاف السنين أكثر من اهتمامي بالسبب الذي كان في ذهن بانيها». قطع كلامهما صوت فرملة شديدة، وكأنّ إطار السيارة يصرخ متألماً من احتكاكه الشديد بالأرض نتيجة التوقف المفاجئ للسيارة التي أمامهم؛ والتي نجح حاتم في تفادي الاصطدام بها في اللحظة الأخيرة والوقوف على جانب الطريق بعد أن تجاوزها بمسافة بسيطة. نزل ليطمئنّ على من فيها، اقترب منهم ورائحـة تشبه الشياط تملأ المكان وعلامات الإطار المتآكل قد خلفت على الأسفلت وراء السيارة خطين متوازيين؛ وجد كل من في السيارة على ما يرام ولم يُصب منهم أحد بسوء، سألهم عما جرى فأخبره السائق بأنه تـــوهّـــم أن شخصا يمر أمامه فتوقف فجأة، ولكنه لم يجد أحدا؛ هــدّأ حاتم من روعه وطمأنه، فأدار السائق محرك سيارته ووقف حاتم ملوحاً بيده يودعه ويقول له: «لا تنسى أن تفحص دورة الفرامل». شكرته عينا السائق وابتسامته على اهتمامه بهم، وانطلق حاتم عائداً إلى هالة مبتسماً وقال وهو يهم بالجلوس على المقعد إلى جوارها: «حتى هذه الحادثة البسيطة تدل على الخالق يا هالة!». ظهر التعجب على وجهها وهي تسأله: «وكيف ذلك؟». أجابها حاتم وهو يدير محرّك السيارة وينطلق بها: «نظام الكون مُعقّد ومُحكم بدقة وهذا دليل على أن هناك من قام بتصميم هذا النظام وبرمجته وهو الخالق الذي أوجد الكل من العدم؛ ثم تأتي بعض الفوضى أو الأحداث المفاجئة المخالفة للنظام أو التوقعات أو القوانين الفيزيائية كدليل على أن هناك من هـــو فوق كل القوى يقهرها، ويتحكم في القوانين ولا تحكمه القوانين؛ فالنظام دليل على وجود الخالق، وبعض الفوضى دليل على وجود الرب القاهـر الذي يصرف الأمور كيف يشاء». ابتسمت هالة تلقائيا وهي تقول: «لا أعرف إن كنت عالم آثار أم عالماً في الدين». ابتسم حاتم وهو يقول: «لا فارق». ظــلاّ يتحاوران وقتاً ليس بالقليل حتى خلدت هالة إلى الـنـوم كعادتها عندما تستقل أي سيارة؛ وهي عادة قديمة اكتسبتها منذ أيام الجامعة، كانت لا تنام ليلا ولا يحلو لها النوم إلا في سيارة الميكروباص وهي في طريقها إلى الجامعة؛ التي تخرجت منها بعد أن حصلت على درجة الليسانس من كلية «الألسن» ثم عملت بعد تخرجها مرشدة سياحية؛ وهكذا التقت بحاتم. أوشك النهار أن ينزوي، نظر حاتم ناحية الشمس وهي تغيب عن ناظريه كأنها تلوح له بأياديها مودعة إيّاه؛ تـَـفكّر فيها كثيراً؛ ما الذي يجعل هذا النجم الكبير القابع على بعد ملايين الكيلومترات من الأرض يُـسـخّـر بعضاً من طاقته لإضاءة كوكب كالأرض؟ بل لماذا يبثّ أشعته إلى الأرض ليؤمّــن الحياة عليها من خلال عملية التمثيل الضوئي؟ ترتيب عجيب! أن يوجد في الكون نجم يبث الضوء لكوكب، والأعجب أن يكون الكوكب الذي يصله الضوء بحاجة فعلية إلى هذا الضوء؛ فلو لم تكن الشمس كيف كانت الأرض تكون؟ لو حلّ الظلام الدائم على الأرض هل ستبقى كما هي؟ هل ستظل وطناً محبباً للإنسان؟ وهل كلّ هذا النظام موجود تلقائياً أم أنه موضوع لغرض؟ وبينما حاتم غارق في تأملاته وتساؤلاته إذ بدأ الظلام يحلّ في الأفق شيئا فشيئاً، ويزيح الشمس وضوءَها رويداً رويدا.ً غابت الشمس وحاتم ما يزال مستغرقاً في التفكير العميق، وقد ازداد ضغط قدمه على دواسة البنزين تلقائياً دون أن يشعر، فزاد تسارع السيارة بشكلٍ كبير، وفجأةً اصطدمت السيارة بمطب صناعي، وقفزت للأعلى كفرس سباق يقفز فوق الحواجز؛ لم يصدر من حاتم أي ردة فعل؛ كأن المفاجأة أعجزته عن التصرف، لم يتمكن من أن يضغط المكابح، كما لم يتحكم بالمِقْوَد الذي فـرّ من بين يديه أو تخلّت عنه يداه رغماً عنه، استيقظت هالة مفزوعة تصرخ، مالت السيارة يميناً وهي في الهواء، وسقطت على أقصى حافة الإطارات ثم مالت يساراً كذلك وكادت تنقلب، وتكــرّر الأمــرُ مرتين حتى استقرت السيارة، واستمـرّ حاتم في السير كأنّ شيئا لم يكن غير عابئ بصرخات هالة التي ما خفتت إلا بعد أن اطمأنت أنهما ما يزالان على قيد الحياة، وفوجئ حاتم بمطب جديد فتجاوزه ببطء هذه المرة ثم نظر لأعلى فإذا به أمام بوابة تحصيل الرسوم. بعد أن مـــرّ من البوابة قالت له هالة في حدة: «أنا غير مرتاحة لهذه السفرية». نظر لها فرأى الهلع يسيطر على وجهها، والفزع يكاد يقفز من عينيها، أدار وجهه ناحية الطريق وهو يضغط بأسنانه على شفته السفلى ويفكر في الأمر فاستمرت تقول: «هيا بنا نرجع». عاود النظر إليها وقد أطلقت شفـتُــه سراحَ أسنانه فبدأت تظهر ابتسامة خافتة تدريجياً، وظلت تكبر حتى بدت ملحوظة، فاحتدّت هالة أكثر وهي تقول: «لماذا تضحك؟». كان هدوؤه الظاهري يكاد يصيبها بالجنون، أجابها محاولا تهدئتها: «لا أضحك يا هالة أنا فقط أحاول أن أبتسم؛ ما الذي حدث لتطلبي أن نرجع؟ فكري في الأمر جيداً». كأن مجرّد ردّه عليها قد هــدّأ من روعها قليلا، فأجابته بنبرة أهدأ من سابقتها: «كدنا نموت مرتين وتسأل عن السبب؟». قال لها مستنكراً: «نموت!». ثــمّ فكّر في أن هالة بطبيعتها تعطي الأمور أكبر من حجمها، وأنه اعتاد منها على التهويل في مواقف تافهة؛ ولكن هذه المرة معها بعض الحق في أن تخاف، فأوقف السيارة جانباً وأطفأ محركها، واستدار إليها وهو يقول في رفق: «يا هالة! هذه الأمور تحدث كل يوم، فلا تربطي بينها وبين سفرنا، الموت يأتي في أي مكان وبأي سبب». ثم صمت برهةً وابتسم وهو يضيف: «أعرف أنك تختلقين أسبابا لكي تهربي من هذه الرحلة التي لم تكن على هواك منذ البداية». حرّكت رأسها نفياً وهى تقول بعد أن هدأت: «لا يا حاتم، أنت تعلم أنني وافقت على هذه الرحلة من أجلك، ولا يمكن أن أختلق أسباباً للعودة». فقال لها معاتباً برفق: «إذن لماذا تريدين أن تحرميننا من الاستمتاع بهذه الرحلة؟ دعي عنك هذه الأفكار وابحثي عن المتعة فحسب، ثم ماذا لو عدنا وحدثت معنا في طريق العودة أحداث كهذه أو أكثر هل ستقولين نرجع لمواصلة رحلتنا مرة أخرى أم ماذا؟». وقعت الجملة الأخيرة في نفس هالة كماءٍ بارد في جوف ظمآن، فتنهدت تنهيدةً طويلة ونـظـرت لحاتم بارتياح وقالت بتسليم: «معك حق». كان ردُّها بمثابة الإذن له بمواصلة المسير فأدار محرك السيارة وتحرّك بها بسرعة كأنه يخاف أن ترجع في كلامها؛ بينما عادت هي لنومها كأنّها تلوذ به خوفا من أن يصيبها مكروه، أو كأنّها تفضل أن يحدث هذا المكروه وهي نائمة فربّما لا تشعر به أو ربما تفضل الــكــوابـيـــس الــمــفــزعة عـلى الــواقـع الــمـخــيــف. اسـتـمـرّ حاتم في القيادة؛ ولكن بجسدٍ منهك من طول المسافة، ومن الضغط الذي واجهه طوال الطريق، ومن قلة النوم أو عدمه؛ فليلة السفر بالنسبة له دائماً ساحة صراع بينه وبين النوم فكأنّه يُطارد النوم والنوم يطْرُده، صار جسده يقود السيارة آلـيـاً بينما عقله في مرحلة ما بين اليقظة والمنام؛ أوشك على الوصول. أخرج هاتفه وقام بالاتصال بالمهندس «خالد» مالك الشاليه؛ والذي رحّب به وهنّأه على سلامة الوصول ثم أخـبـره بـأنّه سـيـكـون فـي انتظاره، فطلب منه حاتم أن يرسل له موقع الشاليه على أحد تطبيقات الهاتف المحمول. بدأ في تتبع المسار على الخريطة؛ وهو يستمع للصوت الآلي الممل الذي راح يوجهه: «على بُعد مائة متر منعطف». «دوران للخلف». «انعطف ناحية اليمين قليلا». تعجب في نفسه من هذا الصوت الآلي الغريب فهو صوت فتاة غير مألوف بالنسبة إليه؛ استمر الصوت يوجهه إلى أن فوجئ بسرعة السيارة تتزايد بطريقة لا تتناسب مع قـوة ضغطه على دواسة البنزين، فتوقف عن الضغط على دواسة البنزين ورغم ذلك استمرت السيارة على سرعتها ليكتشف أنه في طريق منحدر وملتوٍ للغاية، ولولا أنه تدارك الأمر وضغط الفرامل ضغطات خفيفة متقطعة ليهدئ من اندفاع السيارة لسقطت السيارة بهما من هذا الارتفاع الشاهق؛ نظر للصوت الآلي نظرة لوم يعاتبه على أنه لم يخبره بهذه المفاجأة وبأن الطريق منحدر كأنه ينزل من أعلى قمة جبل؛ لم يفق من صدمته ومن خطورة الوضع الذي كان فيه إلا على قول الصوت الآلي: «لقد وصلت إلى وجهتك». وقف حاتم بالسيارة حيث أخبره الصوت الآلي، وجد نفسه في طريقٍ موازٍ للبحر، بــدأ يتفحص المكان جيداً بعينيه بحثاً عن الشاليه أو أي شاليه فلم يجد شيئاً! استيقظت هالة على صوت حاتم وهو يتعارك مع الصوت الآلي، ويتهمه بالتضليل وينعته بالفشل، سألته وهي تبتسم وعيناها نصف مغمضتين عن السبب فأجابها: «انظري حولك وأنت تعرفين، لقد ضللنا الطريق والسبب هو هذا الشيء السخيف». قالها وهو يشير إلى شاشة الهاتف المحمول حيث تظهر الخريطة، فابتسمت أكثر وهي تقول له: «وما ذنبه؟ تـأكّـد من مالك الشاليه مرة أخرى». عاود حاتم الاتصال بالمهندس خالد؛ بينما استغرقت هالة في الاستمتاع بنسيم البحر الذي يتلمس وجهها في حنان، وبينما هي مأخوذة بهذا الإحساس الممتع إذا بحاتم قد أنهى مكالمته وقال لها: «لقد وصلنا بالفعل، هيا بنا». نظرت حولها ثم نظرت إليه ورددت النظر أكثر من مرة بينه وبين المكان حولهما وظهر التعجب واضحا على ملامح وجهها، فقال لها: «لا تتعجبي لقد تأكدت أن هذا هو المكان، ولكن لا يمكن للسيارة أن تصل للشاليه، سوف نـوقفها هنا ونذهب للشاليه سيراً على الأقدام». تفهّمت هالة الأمر، وأخذت ما أمكنها من أشياء معها وتركت ما تبقى وهو الأكثر لحاتم، وسارا سوياً وأقدامهما تغوص في الرمال تحت ضوء القمر الخافت. الشاليه ليس بعيدا عن الطريق ولكنه في الوقت نفسه لم يكن ظاهراً لهما في البداية، ربما بسبب الظلام الذي يطوقه من كل جانب وربما لم يكن ضوء القمر كافيا للكشف عنه. وقفا على بُـعـد أمـتـار من الـشـاليه ينظران إليه بتفحص، ويتأملانه بتدقيق؛ ثم تبادلا نظرةً كلها شغف، وقطع صمتَهما صوتُ هالة: «للمرة الثانية أقول لك معك حق». قالتها بصوتٍ ممتلئٍ بالحماسة، وبــدا عليها الإعجاب الشديد بالشاليه وبمظهره الأخّاذ من الخارج، وقفت تتأمله وتلوم نفسها على أنها كانت معترضةً عليه في البداية، وعلى أنها لم تدقق النظر في صورته جيدا حين عرضها عليها حاتم، وحدثتها نفسها بأنّها لو نظرت إليه جيداً حينها لأصرّت على أن تزوره وحده ولو من دون بحر؛ فهو شاليه يحتوي على كل مظاهر الفخامة والرقي، مشيد بطريقة فنية رائعة، ومصمم بأسلوب يوحي بعظمته وبذكاء وذوق بانيه العالي، ويوحي أيضاً بأنه من الممكن أن يكون لهذا المكان تاريخاً حتى ولو لم يُكتشف هذا بعد. نظر إليها حاتم ورفع رأسه للأعلى وهو يقول مداعباً في غرورٍ مصطنع: «أنا دائما معي حق». ثم ضحكا سوياً، وبدءا يخطوان تجاه الشاليه حتى وصلا إلى درجات سُلّم الشاليه؛ وكانت هذه الدرجات مضيئةً بضوء يتحوّل لونُه من البرتقالي إلى الأحمر ثم العكس؛ تعجب حاتم من هذا اللون وتساءل في نفسه عن مصدر هذا الضوء، فقلّب وجهه للأعلى فوجد مجموعة من المصابيح الملونة الموجهة الى درجات السلم مضفيةً عليه هذا الضوء المبهج الذي يتشكل بأشكال كثيرة، لفت انتباهه أنها مشابهة تماماً للثعبان والفأر والأسد المنحوتـيـن على أغلب أحجار الشاليه، مما أزاد إعجابه بالشاليه أكثر من ذي قبل.

صفحة [2]

ضغط حاتم على زر الجرس المثبت على الجانب الأيمن من باب الشاليه، والذي كان مضيئاً بضوءٍ أحمر قانٍ. فُـتِحَ البابُ تلقائياً فدخلا ووجدا المهندس خالد في انتظارهما ومعه زوجته وأولاده الثلاثة. رحّب المهندس خالد بهما وعـرّفهما على زوجته وأبنائه بنبرة سريعة وشبه آلية أثارت تعجب حاتم ولكنه التمس له العذر فربما هو شخص عملي لا يحب أن يهدر وقته؛ نظر حاتم ناحية الأطفال الثلاثة الذين لم يتجاوز أكبرهم الثامنة من العمر؛ ابتسم لهم ابتسامة ودودة ولكنّ وجوههم ظلت عابسة أو حزينة بعض الشئ ولم يتكلّما بكلمة واحدة؛ حاول خالد تدارك الموقف فاستأذن ثم انصرف على وعـدٍ بلقاءٍ آخر بعد أن يرتاحا. تَبِعهم حاتم إلى الباب يودّعهم بنظرة مملوءة بالاستغراب، ولكنه يتقبل تصرفاتهم على كل حال فهو مقتنع تماماً بأن اختلاف طبائع البشر أمـر حتمي وضروري؛ بينما اتجهت هالة إلى المطبخ فوراً بخطواتٍ متسارعة؛ كأنها في مسابقة عَـدْوٍ سريع مع الجوع الذي سيطر عليها. أغلق حاتم الباب خلفهم وهوى بجسده على الأنتريه وتمـدد وأغلق عينيه لبعض الوقت، فلقد أُجهدت عيناه من القيادة كل هذه المسافة وبالأخص أثناء الليل لانخفاض الإضاءة على الطريق وشدة أضواء السيارات المقابلة التي كادت تصيبه بالعمى. وما إن أغمض عينيه حتى برزت بـقـعـة ضــوءٍ لامعٍ متكتلة داخل جفونه وشـعُـر بسخونةٍ شديدة في عينيه؛ كأن عينيه تفرغان كل الضوء الذي تشرّبتا به طوال الطريق. أفاق على صوت هالة وهي تدعوه لتناول الطعام، نهض مسرعاً؛ فعلى الرغم من الإرهاق والتعب الشديد؛ إلا أنه بادر بتلبية نداء العزيز الغالي؛ نداء معدة خاوية من أعماق جسدٍ مرهق. قامت هالة بفرد مجموعة من ورق الجرائد التي أحضرتها من المطبخ ورصت الطعام فوقها على المنضدة وبدءا يتناولان الطعام، ثم أمسك حاتم بكوبٍ ممتلئٍ بالماء وأفرغه في جوفه، فرغ الكوب تماماً وحاتم ما يزال ممسكا به على فمه كأنّه يشرب، لا تسقط قطرةُ ماءٍ واحدةٍ في فمه، ورغم ذلك فهو مستمر على هذا الوضع، أصيبت هالة بالدهشة مما ترى. دقّـقت هالة في وجهه فوجدته ينظر ناحية اليمين إلى الأسفل دون أن يرمش، خشيت أن تكون قد أصابته شرقة، نادته متسائلة في قلق: «حاتم! ماذا بك؟!». لم يُجبها فنهضت واقفةً وتحركت نحوه لتحاول إنقاذه؛ لكنه حرّك رأسه ناحيتها فاطمأنت قليلاً؛ ولكنّ رأسه عادت تلقائيا للاتجاه نفسه، ناحية اليمين إلى الأسفل، فتحوّل نظرُ هالة تلقائياً في هذا الاتجاه، فوجدته ينظر لخبر منشور في صفحة من الجريدة المفرودة على السفرة. أمسكتها واقتلعتها من مكانها… قرأت ما فيها… امتقع وجهها.. ألقتها.. احتضنت حاتم.. صرخت! اختفاء المهندس خالد عبد الرازق وزوجته وأبنائه الثلاثة في ظروف غامضة! مرت ثوانٍ ثقيلة وهما على هذه الحال يحتضن كلٌّ منهما الآخر في خوف شديد، بـدأ حاتم يتفلّت من بين ذراعَيْها، وهي من شدّة الذعر لا تريد أن تُـفـلـتـه، لكنّه نجح في تجاوز ذراعيها بيديه، وأمال جسده ناحية اليمين للأسفل، والتقط قصاصة الجريدة التي انتزعتها هالة، كانت الصفحة الأولى من الجريدة؛ مجرد عنوان بلا أية تفاصيل والتفاصيل منوه عنها أنها في الصفحة الثامنة فسألها: «أين وجدت ورق الجريدة هذه؟». «في المطبخ». «هل يوجد غيرها؟». «لا». أمسك كل ما طالته يده من ورق الجريدة على السفرة بحثاً عن أية تفاصيل أخرى، فلم يجد إلا أنه بالكاد تمكن من أن يقرأ الشهر الذي صدرت فيه «ديســــمـ…»! قال في نفسه بلهجة استنتاجية وَجِــلَة: «الجريدة صادرة في شهر ديسـمـبر ونحن الآن في شهر أغسطس! هذا لا يعني إلا أن هذا الخبر منشور في العام الماضي على الأقل أو في أي عام قبله». لقد صعقه تاريخ الخبر المنشور في الجريدة أكثر مما صعقه الخبر ذاته، انتفض واقفاً فانتبهت هالة لحركته المفاجئة فازدادت رعباً وألقت بنصفها الأعلى على الطاولة وأسندت رأسها على ظهر يدها وأغمضت عينيها لبرهة قصيرة كأنها تهرب من الواقع، ثم رفعت رأسها واستدارت إليه بتثاقل ونظرت إليه نظرة متحيرة تبثه سؤالاً مفاده: «كيف هذا؟!». أخذ حاتم يستجمع كل قواه، استخدم كل الأساليب التي تعلمها من كتب التنمية الذاتية للسيطرة على أحاسيسه وعواطفه والتي يستخدمها دائماً للتغلب على خوفه أو غضبه أو عصبيته، ضغط أصبعه السبابة بالإبهام محلقاً بهما دائرة، وظلّ ضاغطاً حتى فـرّ الدم هاربا من أصبعيه، هـــدأ قليلاً؛ أحسّ بأنه قد بدأ لتوّهِ يستعيد توازنه وسيطرته على نفسه. جعل يُفكّر بماذا يجيب هالة، ثم عاد فقال لنفسه: «ليس المهم أن أجيب هالة المهم أن أطمئنها». ثم مــّطّ شفتيه في حيرة. «وأطمئن نفسي أيضاً». ثم تغيرت ملامحه إلى الحزم قليلا وهو يضيف: «والأهم أن أفهم ما يجري». ثم رفع صوته قليلاً وهو يوجه كلامه إليها. «هالة! لا ينبغي أن يسيطر علينا الخوف قبل أن نفهم ما يجري، أنتِ تعرفين جيداً أن …». قاطعته هالة بـصرامة وصوتها مختنق: «حاتم!». صمتت لحظة تبتلع ريقها فوجدت حلقها جافاً كأنه صحراء قاحلة، تبدلت لهجتها من الصرامة إلى الضعف الشديد وهي تضيف ببطء ونظرة الهلع لا تفارقها: «أ نـ ــ ـا خـ ــ ـائـ ــ ــفـ ــ ـة ولا…». قاطعها حاتم: «ولا تفهمين شيئاً، أنا دائما أقرأ أفكارك يا هالة». قالها حاتم بابتسامة مكسوةً خوفا، ولكنّ مداعبته لم تكن في وقتها، لم تبتسم هالة فاستمر يقول وقد بــدا أكثر سيطرة من ذي قبل: «ما الذي حدث يا هالة؟ لا شيء». ثم أضاف في نفسه دون أن تسمعه: «حتى الآن على الأقل». وواصل حديثه لها. «لم يحدث شيء. مجرد خـبـر غير حقيقي في جريدة غير مألوفة ليست كالجرائد التي نعرفها، انظري إلى تاريخ الخبر، هل قرأتِ تاريخ الخبر يا هالة؟ الخبر منشور العام الماضي تقريبا والمهندس خالد كان معنا منذ قليل». أصاب الذهول هالة؛ ولكنّه لم يحل محل خوفها بل انضم إليه فكادت تصرخ من جديد؛ إلا أن حاتم تدارك الأمر وتكلم بقوة وحزم وسرعة قائلا: «هالة! هذه الجريدة أكيد غير حقيقية؛ تاريخها قديم ولا يمكن أن تكون حقيقية؛ الحقيقة الوحيدة هي أن المهندس خالد كان معنا للتوّ.. وهذه الجريدة مزيفة أو ليست موجودة.. أو ربّما كان مهندساً غير خالد الذي رأيناه». قاطعته معلنةً عدم اقتناعها. “وزوجته وأبناؤه الثلاثة؟ هل هم غيرهم أيضاً؟”. أيقن حاتم أن الأمر ليس هـيّـناً كما صوّرت له أساليب السيطرة الذهنية التي استخدمها قبل قليل، فأفسح المجال لتفكيرٍ منطقيّ هداه إلى فكرةٍ فقال: «سأتصل حالاً بالمهندس خالد، وسنرى!». الهاتف الذي تحاول الاتصال به غير موجود بالخدمة، من فضلك تأكّد من الرقم الصحيح وعاود الاتصال! أُسقط في يد حاتم فانهار جسدُه على الكرسي وألقى بذراعيه على الطاولة، ثم كــوّر كف يده وضغطه في عصبية وضرب به الطاولة ضربة موجعة فـأنّت كأنّها طفل رضيع، اخترق الصوت أذن حاتم مثلما أوجع قلب هالة الذي لا يتحمل بكاء طفل رضيع؛ رغم أنّها بلا أبناء حتى الآن. مضت لحظة تألُّم هالة من صوت بكاء الطفل الرضيع على حاتم كألف عام، فلقد أدرك ما أغفلت عنه هالة عواطفـُها. «لا أحد سوانا في الشاليه، فمن أين يأتي صوت الطفل؟!». سؤال سمعته هالة فأدركت ما جرى للتو، شهقت وغزت الصدمة جسدها كله، فأحسّت بحرارة جسدها ترتفع ودقّات قلبها تتصارع كأنّ كلّ دقة تُسرع حتى تلطم الدقة التي تليها، أو كأنّ قلبها يريد أن يفــرّ هاربا من سجنه الأبدي قفصها الصدري. أمّا حاتم فلم يكن عنده أي اختيار إلاّ أن يستسلم للأمر الواقع ويعترف بينه وبين نفسه بأنه قد أخطأ في حجز هذا الشاليه الغامض وأن هالة كانت محقة تماماً؛ لكن لم يعد هناك وقت للوم، وهالة لم تلُمْه؛ وهو يعلم أنها لن تلومه أبداً، فلم يَـعْـتـد منها ذلك؛ ولكنه رغماً عنه أحسّ بغزو التوتر لجسده عضواً فعضواً حتى بدأت رجلُه اليمنى تفـرّغ هذا التوتر باهتزازت متتالية لا إرادية كأنّها قد صُعقت بالكهرباء؛ ولكـنّه عاد فتمالك نفسه باستخدام أسلوب جديد من أساليب السيطرة الذهنية؛ وقام بتحليل الموقف سريعاً وفـنّـد كل احتمالاته، وبدا متحيراً وهو يقول لنفسه: «لا بد أننا ارتكبنا خطأ جعل كل هذا يحدث، فما هو يا ترى؟». عصر ذهنه مفكرا في كل الأسباب الممكنة. «هل السبب هو دخولنا هذا الشاليه نفسه؟!». وقف السؤال في حلقه فلا هو نزل إلى معدته وهضمه ولا هو صعد إلى عقله وتقبله؛ ورغم غرابة هذه السؤال إلا أنّهُ لم يجد بُـدّاً من البحث عن إجابته؛ ولكن عقله لم يَهْدِه إلى شيء فعاد يحدث نفسه قائلا: «لقد تسببتُ في المأزق الذي نحن فيه الآن ولا بد أن أنهيه في أسرع وقت؛ ولكن لا مجال للخوف، فالخوف لن يخرجنا من هنا هو فقط سيمنعني من التفكير؛ لا بد أن أهـدأ أولاً». حدّث نفسه بهذا وقام بتهدئة نفسه على الفور حتى بــدا كأنّه ما اضطرب لحظة، وطـغى هدوؤه المفاجئ على سائر جسده فتوقفت قدماه عن الاهتزاز تلقائياً، وتبدّلت ملامحُ وجهه من الذعــر إلى السكينة، ومن العبوس إلى البسمة. كادت هالة أن يصيبها الجنون وهي تخاطبه بصوت مرتفع وبلهجة شديدة لم يعتدها منها. «ما بك؟ لماذا تبدو هكذا؟ لماذا تبتسم؟ ماذا تنتظر حتى تتأكد أننا في مكان غريب وخطير؟ هذا المكان؛ هذا المكان لم يكن مريحاً بالنسبة لي من البداية والآن أشعر أنه غير آمن، لا تقل لي لا تتشاءمي، أنا أعلم جيداً كل الأفكار الإيجابية التي يمكن أن تقولها لي، لا أريد كلاما من هذا، لا أريد تفاءلي تماسكي توقعي الأفضل، ما تفكرين فيه سيحدث لك، ما تركزين عليه ستجلبينه إليك، لا أريد كل هذا؛ إذا كنت أنت فعلت هذا ولذلك اطمأننت وجلست هادئا هكذا، فأنا أريد أن أقول لك إنها مجرد مسكنات، مسكنات وفقط؛ مشكلتنا لن تنتهي يا حاتم بالاعتقاد الإيجابي وحـده لا بد أن نفعل شيئاً، لا بد أن نغادر هذا المكان.. فوراً”. قالتها وانطلقت ناحية باب الشاليه وهي تجتذب حاتم من يده عنوة حتى كادت تخلع كتفه. وقـفـا أمام الباب محاولين فتحه بكل الطرق. لم يُفتح ؛ وكل المحاولات لم تُفلح. الباب مصنوع من الحديد؛ كأنه بوابة قصر عملاق. أخذت هالة ترْكُل الباب بقدميها ويديها ثم بكتفها الأيمن مراتٍ عديدة، وتخلّلت صرخاتُها كلَّ ضربة والتي تليها حتى أنها لم تعد تميز إن كانت تصرخ من ألم الارتطام بباب حديدي أم من ألم الاحتجاز في هذا المكان الغريب؛ وكلّما أدركت عجزها عن فتحه صرخت أكثر، حتى فقدت الأمل فانهارت باكية وهي تستند بكتفها على الباب، وبدأت في السقوط للأسفل وكتفها يحتّك بالباب حتى جلست على الأرض وشعرت بألم شديد في كتفها نتيجة الضربات المتلاحقة التي وجهتها للباب؛ بينما وقف حاتم ثابتاً ومـدّ يـده وأوقفها وأسندها فمشت تجـرّ رجليها بصعوبة حتى وصلا إلى الأنتريه، فقالت وهي تجلس مرغمة بصوت أقرب للصراخ: «لن أجلس! لن أجلس هنا أفكر بإيجابية وأنتظر حــتْـفي، لا بد أن نفعل شيئاً.. الأمر خطير.. خطير للغاية.. هذه ليست حادثة سيارة من التي تحدث كل يوم». ثم اكتست كلماتها المذعورة بنبرة غضبٍ ممتزجة بسخرية عاجزة وهي تضيف: «نقابل شخصاً ونكتشف أنه مختفٍ منذ فترة، نسمعُ أنين طفل رضيع ولا أحد غيرنا هنا، وها هي قد اكتملت الباب لا يُفتح، هل تم احتجازنا هنا؟! هه؟ أجبني هل نحن محتجزون هنا؟!». ثم خفت صوتها قليلا وتحوّل الى نبرةٍ بائسة وهي تقول: «إننا في خطر؛ صدّقني؛ ولا تقل لي أن أهدأ، لن أهدأ إلا بعد أن أخرج من هذا المكان المخيف، لن أهدأ إلا بعد أن أعـود لبيتنا». لم يقاطع حاتم ثورة هالة بل تركها تفرغ كل ما لديها؛ ولكنه رفع رأسه عند كلمتها الأخيرة إذ قالتها وأمسكت يده وضغطت عليها بقوة كأنها تستنجد به، فنهض واقفا والإصرار يكسو ملامحه وهو يقول لها: «سأبحث عن مخرج آخر». قالها وانطلق يجوب الشاليه في كل الاتجاهات بحثاً عن أي مخرج، يميناً ويساراً، صعوداً ونزولاً، أرادت هالة أن تلحق به لكن قواها خارت ولم تـقدر قدماها على حملها فجلست مستسلمة باكية منتظرة إلى أن فوجئت بحاتم يقف أمامها ويقول بإحباط شديد: «للأسف لا يوجد أي مخرج، لا يوجد شباك واحد حتى في هذا الشاليه».

صفحة [3]

جلس إلى جوارها يُفكر وقد تسلّل التوتر إلى قدمه اليمنى مرة أخرى فعادت تهتز من جديد، ثم استدار ناحيتها قائلاً في رفق: «هالة! أنا أقدر خطورة الموقف الذي نحن فيه، لن أكلمك عن الإيجابية ولا التفاؤل، ربما أنا متأكد أكثر منك أن الشواهد كلها ليست مطمئنة، ويبدو أننا تم احتجازنا هنا بالفعل». «يبدو؟!». قالتها بنبرة يأس ساخرة. «نحن محتجزون في هذا المكان، وأنتِ تقولين لا بُـد أن نفعل شيئاً، وأنا أسألك ما هو هذا الشيء الذي يجب أن نفعله؟ هل سنجلس هكذا مكتوفي الأيدي؟!». توقّف فترة عن الكلام مفسحاً لها الوقت لتجيب، بينما ظلّت هي تفكر وتسأل نفسها: «ماذا يمكن أن نفعل؟». لم تجد إجابة منطقية فآثرت الصمت، فواصل هو قائلاً: «هالة! إلى الآن لم يُصبنا مكروه، ولكن لن ننتظر حتى يصيبنا، صحيح أنا لا أفهم ما هذا المكان ولا أعرف لماذا لا يمكننا مغادرته، ولكن ما زال بإمكاننا فعل الكثير، على الأقل يمكننا البحث في الشاليه نفسه عن أي شيء؛ أي شيء مهما كان صغيراً يمكن أن نفهم منه ما يجري؛ أي شيء يمكن أن يبين لنا طبيعة هذا الشاليه أو طريقة الخروج منه، وأعتقد أننا لا نملك أكثر من هذا، فما حدث قد حدث؛ هل عندكِ حل آخر؟». تفكّرت هالة في كلامه، ومضت دقيقتان وهي تقلّب الأمر في رأسها، حتى تيقّنت بأنه على صواب وأنه لا يوجد حل آخر، وأن غضبها لن يغير الواقع، وبكاءها لن يفيد في شيء، فبدأت تهدأ رويدا رويداً، وبدأ هذا الهدوء يطفو على ملامح وجهها وهي تقول: «معك حق». وعندها أدرك حاتم أن أول خطوة رسمها في سبيل حلّ الأزمة التي يمران بها قد نجحت وهي استعادة الهدوء أولاً وقبل أي تصرف، فالتقط الكلمة الأخيرة من فمها وأدرك أنه من الممكن أن يبُثّ مداعبة تلطف الجو بعض الشيء، فابتسم وهو يقول: «أنا دائماً معي حق». لم ترفض هالة مداعبته هذه المرة وإنما قابلتها بمداعبة أخرى فقالت: «كلمتك هذه هي التي ستقضي علين». ثم ابتسمت وأحسّت كأن الحياة تدبُّ في جسدها من جديد، فنهضت واقفة كأنها نبتة خضراء تشق أرضاً قاحلةً لتخرج للنور أو على أملٍ بأن ترى النور؛ شـدّ حاتم على يدها فوقفت إلى جواره كأنها تعلن الانضمام إليه. قرّرا أن يقلبا الشاليه رأسا على عقب، بحثاً عن أي شيء يمكن أن يهديهما إلى معرفة سبب ما يحدث معهما في هذا المكان الغامض، واتفقا على مبدأ ثابت منذ البداية؛ وهو ألا يفترقا. أخذا يفتشان سوياً في الصالون، ثم تحت الكراسي والطاولة وخلف التلفزيون، ثم توجها سوياً إلى المطبخ يمشيان بحذرٍ شديد كأنهما يطآن زجاجاً أو يسيران على شوك، فرغا من المطبخ والحمام وعادا فصعدا إلى الطابق العلوي ونقّبا في كل مكان فيه ولم يصلا إلى شيء ذي بال. نـزلا إلى الأسفل وكررا البحث مرة أخرى فلم يجدا شيئاً؛ وفي اللحظة التي بدأ اليأس يتغلب فيها لمحا شيئاً لامعاً، فتوجها إليه وهما يمشيان سوياً كتفاً بكتف وبخطوات ثابتة كأنهما في عرض عسكري. باب موصد.. ذو مقبضٍ ذهبي.. منحوت على شكل أسد.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 5, 2023 6:11 ص

رواية حبس انفرادي — الومضة الأولى

صفحة [1]

الأربـعـــاء 9/8/2023م شاليه عجيب على البحر مباشرةً بالقرب من هضبة «عجيبة» بمطروح؛ لا يفصله عن البحر سوى بضعة أمتار حتى لتكادُ الأمواج تلطم بابه الحديدي؛ شاليه يعاني من الوحدة والانعزال بعض الشيء، فلا يوجد إلى جواره سوى بضع شاليهات تحت الإنشاء. وقفوا أمامه يتأملونه؛ مجموعةٌ من الشباب في نهاية العقد الثالث من أعمارهم؛ كانوا صحبةً في الجامعة، تقاذفتهم أمواج الحياة وفرقتهم الأيام ثم عاودوا التواصل مع بعضهم البعض، وكان لمواقع التفاعل الاجتماعي الجديدة الفضل في ذلك. قرروا قضاء بعض أيام صيفهم في شرم الشيخ؛ إلا أن أحدهم أصرّ على أن يستبدلوها بمطروح؛ فكرةٌ لاقت قبولاً من الجميع خصوصًا بعد أن شوّقهم لزيارة متحف رومل، وحمام كليوباترا! ووعدهم بزيارة متحف العلمين. مياه زرقاء صافية وهدوء شديد، لن يُـزعجهم أحد في هذا المكان بالتأكيد؛ إنها الطمأنينة النفسية التي يبحثون عنها؛ ورغم ذلك فإن منظر الشاليه من الخارج يبُثّ في نفس الناظر إليه رهبةً لا يدري لها سبباً محدداً؛ ولكن ربّما شكله الهرمي الغريب هو السبب؛ أو ربما الحجارة التي بُنِيَ منها، والتي اتخذت أشكالاً غريبة؛ فحجرٌ يتلوّى على شكلِ ثعبان، وحجرٌ يوشك أن يـفـرّ هارباً كفأرٍ مذعور، وحجرٌ كأسـدٍ فاغـر فاه كأنه يوشك أن يلتهمهم! هذه الأحجار الغريبة لفتت انتباه «إبــراهـيـم» أكثر من الآخرين؛ فهو بطبعه مدقق، وقد اشتعل الخوف فيه، ولكنّه أضمره في نفسه، ولم يُبده لرفقائه؛ فهو لا يمكن أن يظهر بمظهر الخائف مطلقاً؛ فكيف يخاف وهو يؤمن بأن الخوف صنعه الإنسان؟ وكما يقول دائماً «الخوف أكبر مقلب تاريخي عمله الإنسان في نفسه»، فكيف يخاف إذن وهو لا يؤمن بالخوف؟ بل لا يؤمن بشيء على الإطلاق، أو بمعنى آخر يؤمن باللاشيء! أصدقاؤه يصفونه بأنه «ملحد»؛ وهو الوصف الذي لا يروقه؛ ولكنّهُ اعتاده على أي حال. نَفض إبــراهـيـم الخوف من رأسه، وابتسم للأسـد الموشك على ابتلاعه وهو يدخل الشاليه حاملاً بعض الحقائب. الشاليه من طابقين؛ ثلاثة غرف بالأسفل، واثنان بالأعلى. أنـهـوا إدخال حقائبهم ومتعلقاتهم واحداً تلو الآخر، وأخـذ إبراهيم ووائل يتجولان في الشاليه، وظهرا كأنهما يقارنان بينه في حقيقته وبين الصور التي شاهدوها على الانترنت قبل أن ينجحوا في حجزه بصعوبة، وبدا عدم الرضا والتوجس على وجوههم؛ بينما جلس نادر ومحمود ويوسف يتبادلون أطراف الحديث في الصالون الموجود بالطابق السفلي. صعد وائل إلى الطابق العلوى، بينما وجد إبراهيمُ باباً موصداً في آخر الطابق السفلي من الناحية العكسية لباب الشاليه الرئيسي الذي دخلوا منه والمطل على البحر مباشرة، وفي وسط هذا الباب يوجد مقبض على شكل أسد مـصـغـر للأسد الذي رآه في واجهة الشاليه، لونه ذهبي وعيناه لامعتان؛ دفعه فضولُه إلى محاولة فتح هذا الباب، حاول أكثر من مــرةٍ دون جدوى إلى أن أصابه الملل فقرع الباب بيده في إحباط ويأس، أهاجت ضرباتُ يده المتتالية على الباب الكثير من الغبار الذي يبدو متراكماً منذ مدة طويلة، نفض الغبار من يـده كأنه يصفق، عاود الطرق مجدداً وكأنه يلهو، فبدأ الباب ينفتح من تلقاء نفسه. وقف إبراهيمُ مذهولاً مما جرى، وفي لحظة إقلاع الباب الأولى أصدرت مفصلاته أنيناً، وقع في أذن إبراهيم كصوت السكين حين يتم حدُّ شفرته، شكّ إبراهيم إنْ كان الصوت صادراً عن الباب أم من الداخل، توهّم إبراهيم أن هناك من يحدُّ شفرة سكينٍ بالداخل، انتابه خوفٌ شديد؛ وتساءل في نفسه: «ألسنا وحدنا في هذا الشاليه؟ فمن وراء هذا الباب؟!». كان إبراهيم يُحلّل كــلّ كبيرةٍ وصغيرة، ولا يترك شيئا يمرُّ عليه دون أن يضع عليه بصمته الفكرية. تقافزت مقلتاه تلهفاً لرؤية ما وراء الباب، حال الظلام الشديد دون ذلك، شرع إبراهيم في التغلب على خوفه، وبدأ يدخل من الباب، وما إن وضع قدمه اليسرى وراء الباب حتى أحسّ بفراغٍ كبير، وبدا له أن ما وراء الباب هوةٌ سحيقة، وخُيّل إليه أنه إن دخل فسيسقط من مكان مرتفع؛ ولكنه تساءل في نفسه: «أين سأسقط؟ نحن في شاليه، أقصى ما يمكن أن يوجد هنا حفرة». ثم ابتسم ساخراً وهو يحدّث نفسه: «ربما تكون حفرة لدفن الموتى؛ هذا بافتراض أن الشاليه ما هو إلا وكر مجرمين يشبهون إلى حـدٍ كبير أسطورة ريّا وسكينة؛ يستدرجون ضحاياهم بالحجز لهم فيه، ثم بعدها يقتلونهم ويسلبون منهم أشياءهم الثمينة! ولكنّنا لا نملك ذلك الشئ الثمين الذي يصلح أن يكون مطمعاً لأحد؛ ربما حفرة حفرها أحد المهووسين بالبحث عن الآثار أسفل بيوتهم، وأغلبهم يموتون داخل هذه الحفر بعد أن ينهار عليهم البناء بأسره، كأنه يعلن غضبه مما يفعلون». ابتسم متعجباً: «آثار على شاطئ البحر!». شجّع نفسه ودخل فجأة إلى هذا المكان، وبدلاً من أن يسقط كما كان يظن، أحسّ بأنه يطير في الهواء، أو يسبح، وليس حوله سوى فراغٍ مظلم، حاول أن يمشي فوجد قدميه معطلتين، أو لا تقويان على حمله، ثم اكتشف أنه لم يعد بحاجة لقدميه بعد الآن؛ فلقد استطاع أن يتحرك في هذا المكان بدونهما، وكأنه طافٍ على سطح الماء، ولكن دون ماء، ولا نور؛ إنما في ظلامٍ دامس. أحس بخفّته وقدرته على الحركة بطريقة سلسة، والانتقال من مكان لآخر دون بذل جهـد أو استنزاف طاقة، بـدأ يستكشف المكان من حوله، فوجئ حين وجـد نجمةً من تلك النجوم التي كان يراها في السماء تمرّ بجواره؛ بل وجد نفسه في السماء نفسها بكل تفاصيلها؛ القمر أسفل منه، وكواكب المجموعة الشمسية كاملة تحيط به، بل بدأ يصعد للأعلى حتى خرج من مجـرّة درب التبانة في لمحٍ البصر. تضاربت مشاعرُه؛ سكينة وسلام، خوف وترقب، طمأنينة وهدوء، ينازعهما قلق جسيم، تذكر بعض خبراته ومعلوماته السابقة فأدرك أنه بمفهوم الأرض ربما يُطلق عليه الآن لقب ميّت، ولكن هل هذا حقاً هو الموت؟ هل سقط في حفرة عميقة أردته قتيلاً في الحال؟! أم أن ذلك المجهول الذي كان يحد شفرة سكينه هو السبب؟! إنه يشعر بكل شيء، فكل شيء حقيقي أكثر من الحقيقة ذاتها؛ هو على يقين من أنه في السماء، ولكنه ليس متيقناً إن كان حياً أم ميتاً؟!

صفحة [2]

السُلّمُ الخشبي الذي يربط الطابق العلوي بالسفلي ملتوٍ كأنه ثعبان، وبالأدق إذا أتيحت الفرصة لرؤيته من مكانٍ بعيد بحيث تُرى صورة كلية فلن يُرى سوى هذا الثعبان القابع على أحجار الشاليه من الخارج، هـو نفسه؛ ذيله بالأسفل وبالأعلى فمه وكأن بقية الممر الواصل بين السلم والغرف العلوية هو لسانه. وقف وائل على أول درجة من درجات السُلّم، وبدا متأهباً للنزول، لكنّ شيئا استوقفه؛ إذ خُيـّـل إليه أنه يرى ثعباناً فاغراً فاه، دقق النظر فإذا بكساء قشري لأحد الثعابين الصغيرة ملقىً على الأرض، عاد إلى الخلف خطوتين، قطّب جبينه حتى كاد حاجباه يتلامسان من فرط تركيزه، جـثـا على ركبتيه متأملاً، بدأ يُحدث نفسه بصوت أقرب للتمتمة: «تصميم السُلم غَريب!!». انتبه لوضع جسده وهو مطرقٌ للأرض وكأنه يتكلم مع السُلّم فابتسم؛ خشي أن لو رآه أحد أصدقائه فلن يسلم من سخريتهم طوال الدهر، نفخ كساء الثعبان الصغير فتبدد في الهواء كأنه ما كان ثوب ثعبان إنما بعض بقايا ورقٍ محترق، انتفض واقفاً وخُيّل إليه للحظة أن السُلم انتفض كانتفاضته؛ لكنه أزاح هذا التصور سريعًا من مخيلته بكل بساطة. أقدم وائل على النزول، وهو يقلّب الأمر في رأسه، ويتعجب من مصمم هذا السلم، والسبب وراء هذا التصميم. وضع قدمه اليمنى على أول درجة، فسمع صوتاً خافتا للغاية، شعر أنه سمع هذا الصوت من قبل، ربما سمعه عند صعوده السلم أول مرة؛ صوتٌ يشبه فحيح ثعبان مكتوم، استقرت قدمه على السُلم فأتبعها الأخرى، وبدأ في النزول وهو لا يُلقي بالاً للصوت الذي سمعه، ولا لتلوّي السُّلم تحت قدميه، فالطبيعي أن مثل هذا السلم الخشبي لا بد أن يصدر أصواتاً بمضي السنين؛ بل من حقه أن يعزف سيمفونية حزينة. ما إن وصل وائل إلى منتصف السلم عند المنطقة الملتوية حتى ظنّ أن هذا السلم قد ابتلعه، ابتسم من هذه الفكرة التي راودته وهو يتابع النزول إلى أن وصل لآخر درجة، حاول حينها أن يضع قدمه على أرض الطابق السفلي فلم يستطع، أحسّ بوجود حاجز خفيّ يمنعه من ذلك، عاود محاولة إخراج قدمه من السلم فلم يمكنه ذلك، كرّر هذا الأمر أكثر من مرة دون فائدة، صعد مسرعاً للأعلى وفوجئ بعدم تمكنه من مغادرة السلم لا من الأعلى ولا من الأسفل، أيقن أنه قد تم حبسه في هذا السلم، أخذ يُفكر في حلّ، أخرج هاتفه المحمول من جيبه، اكتشف أنه ليس به إشارة، حاول الاتصال بالطوارئ فلم يستجب الهاتف. راح يصعد وينزل أكثر من مرة رغماً عنه وفي كل مرة يحاول الانفلات من السُلم حتى أُجْهِد جسدُه من كثرة النزول والصعود على الرغم من عضلاته المفتولة ولياقته البدنية العالية. أحسّ أن جانبي السلم الخشبي بدءا يضيقان عليه ويتسعان، ينقبضان وينبسطان؛ أحس بدُوارٍ أصاب رأسه، وعلى الرغم من قوة تحمله؛ إلا أنه لم يصمد سوى خمس دقائق، وخمس دقائق كافية لأن يفقد الوعي تماماً أو إلى الأبد.

صفحة [3]

كان كلّ هذا يجري بينما نادر ومحمود ويوسف ما يزالون جالسين في صالون الطابق السفلي، لم يشعروا بشيءٍ مما حدث، فلقد دبّت خلافات كثيرة في الرأي فيما بينهم، ويبدو أن عدم تواصلهم مع بعضهم البعض لسنوات قد أخفى عنهم بعض التغيرات التي طرأت على أفكار كل منهم، وهو ما سبب اصطداماً واحتداماً للصراع الفكري والجدلي بينهما، فجلسوا منهمكين في نقاشٍ ساخن أنهاه يوسف بقوله: «لم نأت إلى هنا لنتجادل ونتناحر، دعوا عنكم كل هذا واستمتعوا بأوقاتكم، دعونا نلهو قليلا ونفــرغ رؤوسنا مما فيها». أجابه محمود: «ألا تسمع يا يوسف ما يقول؟ إنه ينكر وجود الجن!». احتدّ نادر وبدا كأنّه يقفز من مكانه وهو يقول في عصبية: «لم أنكر وجود الجن يا محمود من فضلك». ثم أضاف بعد أن ارتسمت ابتسامة هازئة على شفتيه: «أنا أنكر وجود كلّ ما لم أره، كلّ ما ألم أسمعه، ما لم ألمسه، ما لم أحسه، أو أتذوقه، أو أشمه؛ أنكر وجود كل ما لا وجود له». كاد محمود أن يتطاير من مقعده كأنّه حممُ بركانٍ ثائر، ثم تمالك نفسه ونظر ليوسف في عتاب وهو يقول له: «أرأيت؟!». ثم أضاف وهو ينظر لنادر من طرف خفي: «إنه ينكر كل شيء يا يوسف! لم يبق إلا أن ينكر وجودي ووجودك!!». قالها محمود وضحك وظنّ أن يوسف سيشاركه الضحك؛ فهو يعلم تماماً أن يوسف يشاركه الرأي وينكر على نادر ما يقول؛ ولكنّ يوسف تفكر ملياً ووضع يده اليمنى أسفل ذقنه ونظر لأعلى ناحية اليسار ثم قال: «عموماً يا محمود هذا أمر يحتاج بحثاً وتدقيقاً». ذُهل محمود من ردة فعل يوسف، وامتقع وجهه كأنه قد خُذل؛ بينما انتشى نادر بما قاله يوسف، وفكّر في نفسه أن الحُجج التي ساقها طوال حديثهم لا بد أنها أقنعت يوسف أو على الأقل أثارت بداخله الشكوك، ويرى نادر أن إثارة الشكوك تقود إلى الحقيقة. أطرق محمود إلى الأرض في حزن؛ حاول يوسف أن يخرج بهم من هذا الجوّ المتوتر فاقترح أن يخرجوا ليجلسوا أمام البحر؛ ربما تهدأ أعصابهم قليلاً، استجاب نادر ونهض على الفور فقد أصبح مرتاحاً ليوسف، بينما بقي محمود في مقعده منكمشاً على نفسه وقال: «سألحق بكما.. أو ربما أنام قليلاً». فقال له نادر متودداً: «حاول أن تلحق بنا، ولا تغضب مني يا صديقي فهذا هو أسلوبي في الحوار، لكني لا أقصد أن أسخر منك». حرّك محمود رأسه متفهماً. مضى نادر ويوسف إلى الخارج، فتبعتهم نظرةٌ من محمود مِلؤُها الأسى، وظل جالساً يفكر في الحوار الذي جرى بينه وبين نادر، وراح يعيد كل العبارات التي قيلت منه أو من نادر، شعـر بعدم الرضا عن بعض العبارات التي قالها، فأحسّ بوخز في ضميره تسارعت معه ضربات قلبه رغم أنه لم يبرح مكانه؛ أخذ يُعدّل – في مخيلته- هذه العبارة ويحذف تلك، كان يظنّ أنه قادرٌ على الجدال والمناظرة والإقناع، خاب ظنّه عندما أبدى يوسف رأيه متحيزاً لنادر، أيقن أن نادر قد تغلب عليه في هذه المناظرة، أصابه يأس شديد؛ فقد كان يعتبر نفسه مالكاً للحقيقة، مدافعاً عنها، والآن عجز عن الدفاع عن هذه الحقيقة، وعجز عن جذب يوسف إلى جانبه، رغم أنه مؤمنٌ مثله، وقد خشي محمود أن هزيمته تكون قد تسببت في زعزعة إيمان يوسف. رفع محمود رأسه ليستنشق بعض الهواء علّه يهدأ قليلاً ويستطيع اللحاق بهما في الخارج؛ أخذ نفساً عميقاً للغاية حتى كادت رئتاه أن تنفجران من كمية الهواء التي دخلت إليهما على غير العادة، ضغط على شفته السفلى بأسنانه حانقاً، ثم نهض واقفاً في تحدٍ وقرّر الذهاب إلى نادر ومواصلة الحوار، لم يكد يتحرك من مكانه حتى لفت انتباهه شيءٌ صغيرٌ جداً مـرّ من أمامه كلمح البرق دون أن يتمكن من تـبَـيُّـن كُنهه، اتسعت حدقتا عينيه للحظة أملاً في التقاط صورته، فلم يستطع سوى أن يحدد الاتجاه الذي ذهب منه هذا الشيء الصغير، فقرر أن يتبعه؛ فتحرك باتجاه الناحية اليمنى من الشاليه حيث يوجد المطبخ والحمام، قطع الممر الموصل إليهما بحركةٍ سريعة في ثوانٍ معدودة. قـرّر البدء بالبحث في المطبخ، قلب المطبخ رأساً على عقب ولم يعثر على شيء، خلّف وراءه الأواني مُلقاةً على الأرض محدثةً أصواتاً وجلبةً كأنهنّ يتعاركن. انتقل إلى الحمام وتفحّص كل ركن فيه، فلم يصل لشيء، فاطمأن قليلاً. همّ بمغادرة الحمام وهو يحرّك رأسه متعجباً وقد ارتفع حاجباه تلقائياً، وجعل يردد في نفسه: «أين هو هذا الشيء؟! أنا أكره الحشرات الصغيرة والحيوانات الصغيرة وكل ما هو صغير بذيل أو جناحين، هذه الفوبيا الملازمة لي من الصغر». لم تكد قدمه اليمنى تفارق عتبة باب الحمام، حتى سنحت منه التفاتة ناحية الباب، فوقف مصدوماً ولم يتزحزح كأنّ قدماه قد التصقتا بالأرض بغراء، فاستدار بوجهه دون بقية جسده، وأمعن النظر في باب الحمام الخشبي ذي النقوش الغريبة التي تشبه حساب المثلثات، وكأن أحداَ كان يذاكر للتوّ على هذا الباب الذي كان مفتوحاً ومسنوداً على حائط الحمام الداخلي. شَخصَ بصرُه، وثـُبّـتـت عيناه على الباب رغماً عنه، وتمتم في هلعٍ بصوت متحشرج غير مسموعٍ ودون أن يخرج من جوفه حرف واحد من مخرجه الصحيح: «لـــقــــد وجــــــدتُـــه!». كان ينبغي أن يكون سعيداً لأنه وجد ما كان يبحث عنه؛ ذلك الشيء الصغير؛ ولكن على عكس المتوقع غــزا الفزعُ والألمُ وجهه. فـــأرٌ مـــذعـــورٌ يــبــدو كأنه يـلــوذ بــالـفــرار. ليست صورةً مرسومةً على باب الحمام، ولا نقشاً محفوراً فيه؛ إنه حقيقي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يبدو كجزءٍ من تصميم الباب، ورغم ذلك فإن لونه رمادي بينما لون الباب بُني، طولُه لا يتعدى خمسة عشر سنتيمتراً، وأغلب هذا الطول موجود في ذيله الرفيع، الذي يبدو كأنه ســوط. ظــلّ محمود واقفاً لا يستطيع الحركة؛ جسدُه متجه تجاه الممر الواقع خارج الحمام، ورأسه موجه للوراء، وعيناه شاخصتان ناحية الباب، وعقله عاجز عن صياغة جملة واحدة أو حتى كلمة، ولسانه فاقد للقدرة على النطق، وشفتاه ترتعشان. تـمــــــدّد ذيـــلُ هذا الفأر المذعور. فارق مكانه بالباب. ضربة سوطٍ قوية! التفّ حول رقبة محمود. اختنق.. احتقن وجهه.. وجحظت عيناه.

صفحة [4]

قاربت الساعة على الثالثة وخمسة وثلاثين دقيقة فجراً بينما يوسف ونادر مازالا يجلسان على الرمال أمام البحر مباشرة يتنعمان بالهدوء؛ هما في معزلٍ عن العالم وصخبه وضوضائه، وحتى عـمّا يجري مع أصدقائهم داخل الشاليه. جعلا يتبادلان أطراف الحديث؛ وبينما يوسف مستلقٍ على ظهره ناظراً للقمر، خُيل إليه أن لونه أحمرٌ دموي، وهو في الحقيقة برتقالي مائلٌ للحُمرة، استرعى هذا الشكل الدموي للقمر انتباه يوسف، فبادر بسؤال نادر عنه؛ فأجابه: «هذا هو قمر الذئب الدموي العملاق». «وماذا يعني هذا؟!». «لا شيء؛ فقط خسوف كلي للقمر يحدث عندما يتعامد القمر مع الشمس والأرض، فيصطبغ باللون الأحمر». «فقط خسوف؟!». خرجت كلمة خسوف من فم يوسف مصحوبة بتنهيدة طويلة كأنه اطمأن. ثم استمر نادر قائلاً: «ولكن البعض يربط بين هذا الحدث وبين أحداث مهمة قد تصاحبه؛ بعضهم يردد أقوالاً عن تغيير جذري في الشرق الأوسط، بعض الشعوب تدّعي أن انتصاراتهم تحدث بالمزامنة له، وهناك من يقول إن هذا الحدث يشير إلى نهاية العالم!!». «نهاية العالم!». رددها يوسف خلفه بتأمل ثم أضاف: «لا أهتم لهذا الأمر كثيرا، ولا تعنيني نهاية العالم، فالشيء المؤكد هو أن الإنسان نفسه ينتهي ومن الأفضل له أن يهتم لنهايته، والتي هي أقرب له من نهاية العالم». مضت بعدها دقيقتان من الصمت ويوسف غارقٌ في تأملاته وهو ما يزال محدقاً في القمر الأحمر، ثم استدار بغتةً واتكأ على يده اليسرى مواجها لنادر، وسأله: «ولكن، لماذا لا تؤمن بالخالق يا نادر؟!». “الخالق؟! الخالق يعني أنه هو من أنشأ شيئاً لم يكن موجوداً من قبل، فماذا أنشأ الخالق حتى نؤمن به؟”. أجابه يوسف: «أنشأني وأنشأك». احتد نادر: «هذه مغالطة يا عزيزي، نحن نشأنا نتيجة تطور الكائنات الحيّة؛ تطوّرنا إلى أن وصلنا إلى هذا الشكل الذي نحن عليه الآن، وهذا التطور استغرق ملايين السنين؛ فأين الخالق في كل هذا؟». «سأسلم معك بأننا تطورنا ولكن من أي شيء حدث هذا التطور؟». «بالطبع من الخلية الأولى». «جميل… إذن فيبقى السؤال كما هو من أين جاءت الخلية الأولى؟!». «تكونت تلقائياً ودون تدخل من أحد». «ولكن الخلية معقدة للدرجة التي يستحيل معها أن تتكون تلقائياً أو بطريقة عشوائية؛ فالخليّة الحيّة بشكلٍ عام يا صديقي رغم أنها متناهية في الصغر إلا أنّها عالمٌ قائمٌ بذاته وهي تشبه مجموعة من المصانع بداخلها شفرة معلوماتية، وبرمجة واتصالات وتعليمات وأوامر غاية في الدقة؛ فالخليّة الحيّة هي بناء أشد تعقيداً من كل الآثار التي شيدها الانسان؛ فكيف لكلّ هذا النظام المُعقّد أن ينشأ بالصدفة؟». دقق يوسف النظر في وجه نادر فرآه يتأمّل فيما يقوله مفكراً، فأتاح له قليلاً من الوقت والصمت ليفكر فيما سمع، ثم أضاف بعد برهة: «وإذا أحببت نفي هذا فلا مانع عندي؛ ولكن لابد أن تجيب على تساؤل آخر: هناك في الأمد البعيد وقبل مليارات السنين كيف ومن أين أتت الغازات التي تفاعلت مع بعضها لتوجد الخلية الأولى؛ الأمونيا والميثان والهيدروجين، وربما غازات أخرى؟ من أين أتى الماء؟ من أين أتت الشحنة الكهربية الأولى المسماة بالبرق؟ بل لماذا تضافرت جهودهم جميعا لإنتاج كائن حي؟ وكيف تراكبوا بالدقة المطلوبة لإنتاج أحماض أمينية بالقدر اللازم لإنشاء بروتينات تصلح لإنشاء خلية، وأحماض نووية ريبيةRNA لازمة لوجود هذه الخلية؟ كيف حدث كل هذا؟ هل يمكن للصدفة أن تفسر هذا التناغم العجيب؟». قرر نادر أن يخرج عن صمته فتساءل: «ولكنْ! ماذا لو استطاع العلماء صناعة خليّة حيّة من مجرد تفاعلات كيميائية وبدون تدخل؛ ألا يُعد هذا دليلاً على أنّ الخلية الأولى نشأت من مجرد تفاعلات كيميائية أيضًا ولا وجود للخالق وقتها؟». «بل العكس هو الصحيح؛ فلو استطاع العلماء إيجاد خلية حية من مجرد تفاعل مواد كيميائية دون تدخل؛ فإن هذه التجربة ذاتها التي قاموا بها ستكون هي السبب في وجود هذه الخلية الحية؛ وبالتالي فإن من سيقوم بإجراء هذه التجربة وتحضير مكوناتها وتهيئة الظروف المناسبة لتفاعلها مع بعضها سيكون هو الذي صنع هذا الكائن الحي؛ وبالقياس على ذلك فلابد أن يكون التفاعل الكيميائي الأول الذي حدث على الأرض وراءه صانع». بدا نادر شديد التركيز، وانطبع ذلك على وجهه حيث تدلى حاجباه للأسفل بشدة، ومُـطّت شفتاه للأمام وضُيّقت عيناه حتى كادتا تنغلقان، فظهر وجهه وكأنه يتضاءل من فرط تركيزه، وبعد فترة صمت وسكون قال: «ولكن! يمكنني أن أقول لك يا يوسف من أين أتت الغازات والماء والبرق في البداية؛ بل يمكنني أن أقول لك من أين أتى الكون نفسه والتي هي كلها جزء منه”. «جميل جداً… ومن أين أتى الكون؟». «من لا شيء! كل هذا الكون الذي تراه نشأ من الفضاء الفارغ دون أن يقوم أي أحد بإيجاده». قالها نادر ببساطته المعهودة ولكن رده هذا لم يُثـر حفيظة يوسف إنما فقط سأله مستفهماً: «ولكن هل تظن أن إجابتك هذه أنهت المسألة؟! بالعكس لقد أضافت سؤالا جديداً هو: هل الفضاء الفارغ هذا كان ساكنا أم كانت فيه حركة؟». «أعتقد أنه كان ساكناً بلا حركة». ابتسم يوسف وهو يقول: «يا صديقي! إذا كان الفضاءُ الفارغ في بدايته ساكناً كما تقول بينما الكون الذي نراه الآن متحرك بل يعج بالحركة؛ إذن فقد تحول الفضاء الفارغ الساكن في زمنٍ ما من السكون إلى الحركة وهنا سؤال يطرح نفسه: من أين جاءت الحركة الأولى؟ ومن الذي قام بها؟». تحيّر نادر برهةً من الزمن وبدا مشتتاً وكأن أفكاره تتلاطم كموج في ظلمات بحر بداخله بركان يفور؛ ثم نطق بحذر وترقب: «ربما كان ذلك الفضاء الفارغ فيه حركة في ذاته». «إذن لم يكن فضاءً ولم يكن فارغاً! يا صديقي في الحالتين الحقيقة واحدة سواء نشأت حركة من سكون أو كانت الحركة موجودة ذاتياً في الفضاء الفارغ؛ ففي الحالتين يبقى التساؤل كما هو: من أين جاءت هذه الحركة؟». أطرق نادر إلى الرمال التي اكتست تماماً بلون برتقالي مائل للحمرة؛ وبدأ يتسلل إلى نفسه شعور بعدم منطقية فكرته؛ عصر ذهنه كثيراً حتى يحصل على أية إجابة مقنعة لهذ التساؤل فلم يجد إلا إجابة واحدة «الخالق»؛ ولكنه هـــزّ رأسه بعنف كأنه يريد أن يطرد هذه الفكرة منها؛ ثم رفع رأسه قليلا ونظر إلى يوسف فوجده ما يزال منتظرا إجابته؛ فقرر أن ينهي الحوار عند هذا الحد بقوله: «الآن لا أعرف، ولكن يوماً ما سأعرف». تبسّم يوسف وهو يمازحه قائلاً: «(احذر جزيرة يوماً ما) لقد ذكرتني الآن يا صديقي بتلك الجزيرة الخيالية في البحر التي يسميها الكاتب الإنجليزي دينيس ويتلي بجزيرة يوماً ما؛ حقاً لقد كان ستيف تشاندلر على حق في كتابه مائة طريقة لتحفيز نفسك عندما قال إن الكثيرين يعتقدون أن مباراة الحياة لا نهاية لها؛ وأنا واحد من هؤلاء. فهل تظن أنك واحد منهم أيضاً؟». «ربما». قالها نادر وهو يشاركه التبسم؛ ولكنّه تبسم مجهد بعد يومٍ شاقٍ من السفر والسهر والحوار الطويل. رغب كلاهما في الراحة، فنهضا ليدخلا إلى الشاليه ليرتاحا قليلا قبل أن يدركهما ضوء النهار الذي بات وشيكا، وقد بدا ذلك واضحاً على القمر الدموي الذي بدأ يحزم أمتعته ويرحل. وقف كلاهما وبدءا في مـطّ جسديهما لتجري فيهما الدماء بعد جلسة طويلة، وأثناء ذلك استرعى شكل الشاليه انتباه نادر وكأنه لم يره من قبل؛ فللمرة الأولى ينتبه إلى أن الشاليه ذو شكل هرمي، أو كأنه نسخة مصغـّـرة من أحد أهرامات الجيزة الثلاثة، أو ربما هو أحدهم فــرّ من الحر الشديد وجاء يمضي بعض الوقت على شاطئ البحر، ابتسم نادر لهذه الفكرة. ولكنّه أيضاً فهم في هذه اللحظة التساؤل الذي طرأ على ذهنه بعد أن قرأ وصف الشاليه على الانترنت وهم في طريقهم إليه «لماذا بالطابق السفلي من الشاليه يوجد ثلاثة غرف والمطبخ والحمام والصالون، بينما الطابق العلوي لم يكن فيه سوى غرفتين فقط»، أدرك عندها أن هذا راجع إلى أن تصميم الشاليه على شكل هرم يجعله واسعا من الأسفل ضيقا من الأعلى. دارت هذه الأفكار برأس نادر في لحظة سريعة، وانتشى لأنه وجد الإجابة، ولكنها أثارت بداخله سؤالا آخر «لماذا بُني الشاليه على شكل هرم بالأساس؟» لم يجد إجابة مناسبة فأرجأ التفكير في هذا الأمر من شدة إرهاقه وتعبه، ثم خطا هو ويوسف خطوات ثقيلة نحو الشاليه، وتركت أقدامهما علامات وآثار عميقة في الرمال حتى اقتربا من باب الشاليه، وللمرة الأولى كذلك يلاحظ نادر الأسد والثعبان والفأر المذعور على واجهة الشاليه، فسأل يوسف عنهم؛ ولكن يوسف كان مرهقا للدرجة التي منعته من الإجابة أو التفكير أو أن يظن حتى أن هذا أمراً يستحق الاهتمام. دلف نادر ويوسف إلى داخل الشاليه، وجدا هدوءًا مبالغاً فيه، كل الأنوار مطفأة، كل أجهزة الكمبيوتر المحمول كذلك، وكل الهواتف المحمولة أيضاً؛ ولكنه هدوء طبيعي. فقال يوسف لنادر ساخراً: «يبدو أن إبراهيم ومحمود ووائل يغطون في نوم عميق». ابتسم نادر وقال له: «ما رأيك أن نوقظهم ثم ننام نحن؟». «وماذا سنقول لهم بعد أن نوقظهم؟ أنت تعلم أنهم مرهقون ولو أيقظناهم لأوسعونا ضربا من الذي يحبه قلبك». «أنا مستعد. سأقول لهم استيقظوا حتى تناموا وسأهرب على الفور». فكّر يوسف في الأمر فوجد أنهما اللذان سيخسران من هذا المقلب، فهما لم يناما بعد وفي شدة الإرهاق؛ بينما الآخرون قد ارتاحوا ولو قليلاً، فنهاه عن ذلك وقال له: «لا مانع لديهم من معاقبتنا بمنعنا من النوم حتى المساء القادم». طرح نادر الفكرة من رأسه، وأشعل ضوء كشاف هاتفه المحمول، وشرع يتحرك تجاه الغرفة التي سينام بها، ويوسف كذلك؛ إلا أنهما للحظة سمعا ثلاث طرقاتٍ خفيفةً على باب الشاليه، استدارا وتبادلا نظرة حائرة متسائلة لم ير كلاهما فيها سوى عينَيْ صديقه على ضوء الكشاف؛ ولكنهما تحركا ناحية الباب سويا، وفتح يوسف الباب ونظر فلم يجد شيئاً، فهمّ بإغلاق الباب لولا أن نادر أوقفه وقال: «لا بد أن أحداً طرق الباب… الصوت واضح جدًا، سأخرج لأرى من هذا». «سآتي معك». خرجا سوياً من الباب يمشيان بقوة كأنهما ما كانا يريدان النوم منذ ثوانٍ، وكأن روحا جديدة بُـثّـت فيهما؛ نظر يوسف للرمال بدقة وصوّب كشاف هاتفه تجاهها فتبين له أنه لا يوجد أثر أقدام سوى آثار أقدامهما، فازدادت حيرتهما مما يجري. قررا دخول الشاليه، وبعد أن صعدا درجات سُلم الشاليه التي لا تتعدى الثلاث درجات وقفا وأصابهما الذهول؛ فآثارُ أقدامهما على الدرجات مضيئة، والذي صدمهما أكثر أنها مضيئةٌ بلون برتقالي مائل للحمرة، ظنّا للحظة أنها آثار دماء؛ إلا أنهما تمعّنا فيها جيداً فبدت لهما واضحة، تبادلا نظرة خاطفة وقالا في صوت واحد: «القمر الدموي!». ثم صمتا برهةً من الوقت… انحبست أنفاسهما… حاولا التحرك من مكانيهما دون أن يُفلحا… بـدأ اللون البرتقالي المائل للحمرة يغزو جسديهما في آن واحد تلونت رجلاهما به أولاً ثم اكتسى به سائر جسديهما. تبادلا آخر نظرة كلها هلع… وكلاهما يرى عينَيْ صديقه برتقالية حمراء ولا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا يدري ماذا أصابهما. أصبحا عبارة عن كتلة برتقالية حمراء ثابتة أمام باب الشاليه.. عينا كليهما في عين صديقه.. جسداهما متخشبان.. كأنّهما قد تم تحنيطهما للتوّ.. أو ربّـمـا تم تحنيطهما بالفعل.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 4, 2023 12:40 م

 

    لا ريب أن البحث العلمي له أولوية
وأهمية كبيرة، وله دور فعال في ارتقاء الدول وتقدمها، وبه تستطيع الدولة أن تطرح
نفسها على بساط المنافسة العلمية العالمية، وبغيره لا تنهض الدولة ولا يكون لها
مكانة، كما أنها بدونه تضحي غير ذات
مستقبل، وهو ما يتعين معه إيلاء البحث العلمي القدر الكافي من الاهتمام والعناية. 


    ولا يتأتى ذلك إلا بتطوير منظومة البحث العلمي، وذلك أمر ليس سهلًا على الإطلاق
ولكنه ليس مستحيلًا كذلك، ويمكننا أن نبني على ما لدينا من أسس علمية وبحثية
وتلافي آثارها السلبية وتنمية وتطوير نواحيها الإيجابية، ومن هذا المنطلق لابد من
الأخذ في الاعتبار أن أهم عنصر في منظومة البحث العلمي هو الباحث نفسه قبل أي شيء
آخر، والاعتناء به يعطينا الفرصة للاستفادة من إمكاناته وطموحاته. 

    

   وفي العصر
الحالي لسنا في حاجةٍ لابتعاثه في بعثات للخارج لتلقي العلم وتطوير البحث بقدر ما
نحن بحاجة إلى الاهتمام به داخل معاملنا وقاعات بحثنا، وبقدر ما نحن محتاجون فعلًا
إلى توفير البيئة البحثية المناسبة له حتى نستفيد من أبحاثه بعيدًا عن النمطية
والقيود والإجراءات والتعقيدات الإدارية التي تذهب بمعنى ومضمون البحث العلمي
أدراج الرياح، فكيف يعطينا الباحث فكرة مبتكرة وهو محصور ومحاصر بالروتين
والإجراءات، وكيف يمكن أن يطور لنا الباحث واقعنا ونحن نتحكم فيه، مرةً باختيار
موضوع بحث لا يوافق شغفه، ومرة بإشراف مشرف ليس لديه رغبة في التطوير، ومرة
بإخضاعه لامتحانات مملة عفا عليها الزمن.

 

    ومن العجيب أننا نرى أن التوجه العلمي الحديث
يقوم على تشجيع البحث والابتكار في مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية حتى
الجامعة ثم نفاجأ بالسير في عكس هذا الاتجاه عند التعامل مع الباحثين العلميين في
درجات الماجستير والدكتوراه، أليس الأولى أن يكون البحث العلمي هو الأساس لمنح هذه
الدرجات، ومن زاوية أخرى فإن الباحث المتحكّمَ فيه لا يمكن أن ننتظر منه شيئًا جديدًا لا فكراً ولا تطويرًا، ففاقد الشيء لا يعطيه، بالإضافة إلى أننا لا نستفيد من
أبحاثه ولا من مجهوداته التي تذهب سدى بعد تضييع عمر طويل في طريق نهايته هوة
سحيقة يسقط فيها ولا يخرج إلا بعد أن يجتذب إليها الباحثين الجدد واحدًا تلو الآخر. 


    وما من سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بتطوير المنظومة، والذي نرى أنه يحتاج إلى
تدخل السلطة التشريعية بإحداث تعديلات جوهرية على قوانين الجامعات كلها، والتركيز
على مرحلة الماجستير والدكتوراه بالأخص وذلك بإعادة الأمور إلى نصابها بأن يتم
تعديل النصوص القانونية المتعلقة بمنح هذه الدرجات العلمية وجعل طريقة منحها خاضعة
لمجلس مستقل يرأسه وزير البحث العلمي، 
وتنضوي تحت رئاسته كل أقسام الدراسات العليا بكل الجامعات المصرية، ويتم
تشكيل لجنة للتظلمات يرأسها الوزير تختص بالنظر في كل تظلم يقدم من أي باحث في أي
مستوى سواء تظلم من المشرف أو من موضوع البحث أو من أية تعقيدات أو تأخر في إنهاء
إجراءات التسجيل أو المناقشة أو منح الدرجة وغيرها من المشكلات والمعوقات التي
تواجه الباحثين، كما يتم تشكيل لجنة أخرى تسمى لجنة المقترحات، تكون مهمتها تلقي
نتائج الأبحاث العلمية وملخصاتها وفرزها ثم صياغتها بشكل مناسب وتوجيهها تجاه
الجهة المنوط بها تنفيذ هذا المقترح، حتى يعطي البحث العلمي أثره في الواقع
العملي.

 

    فعلى سبيل المثال إذا كان موضوع الرسالة العلمية متعلقًا بعلم النفس أو الطب
النفسي وتوصل الباحث لنتائج وحلول يمكن من خلالها تقليل الجرائم الناتجة عن مرض
نفسي او سلوك غير سوي فيتم تقديم المقترحات التي توصل إليها إلى الوزارات المعنية
بهذا الأمر؛ كأن يتم توجيهها إلى وزارة التربية والتعليم مثلا لتقوم بدورها بوضع
هذه المقترحات في مناهجها للعام التالي إن لم يكن بتعميمها في العام نفسه؛ 
وإن
تعلق موضوع الرسالة بموضوع قانوني يتم مخاطبة مجلس النواب لمناقشة المقترح وتفعيله
إن كان ملائمًا، وإن تعلق بأمر اقتصادي أو إعلامي أو شأن ديني أو رياضي تخاطب الجهة
المعنية، وهكذا يكون قد تم تفعيل البحث العلمي وتعظيم أثره في الواقع.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 4, 2023 11:16 ص


 

جلسوا
على مقربة من المقابر المخيفة في منتصف الليل، ثلاثة من الشباب العاطلين في مقتبل
العمر، جعلوا يتسامرون وقتًا طويلاً، ولما ملّوا طرح أحدهم فكرة خطيرة تكسر الملل،
نظر إلى رفيقيه وقال بلهجةٍ أراد من ورائها الإغراء والتزيين:

«من
منكما يذهب إلى تلك المقبرة و يعود ويأخذ عشرين جنيهاً؟»


فكّر
كلاهما في العرض، أحدهما لم يتحمس للفكرة أو ربما لم يقنعه المبلغ، أو قد يكون
الخوف تحكم فيه، أما الآخر فكان جوابه:

«أنا؛
ولكن أعطني النقود قبل أن أذهب»


«لا؛ سأحتفظ بها حتى تعود وأعطيها لك»


تدّخل
ثالثهما:

«أنا
سأجعلها معي حتى تعود»


ثم
أخذها و أطبق عليها.


قبلوا
جميعا بذلك، وانطلق المجازف إلى هدفه والأفكار تتوالى على عقله، فهو تارة يفكر
فيما تمثله له العشرون جنيهًا وفيما يمكن أن يفعل بها، وفكر أيضا في صعوبة الحصول
عليها قبل ذلك.


كان من الممكن أن يحصل عليها في يومٍ كامل أو قد لا يحصل عليها
أبدًا، أما الآن فيكفيه أن يذهب إلى المقبرة وتكون ملكا له؛ يا لها من صفقة سهلة!


ولكنّ
شعورًا غريبًا انتابه فجأة، وتملّكه خوف عجيب.

من أي شيء يخاف؟! لا يدرى، ولكنّه بدأ
يرتعد.


تردد
بعض الشئ بعد أن كان حازمًا وعازمًا على إتمام الصفقة، حدثته نفسه بالعودة فالطيب
أحسن، ولكنه عاد وأصرّ على إتمامها فليس هو بالجبان ليرجع، وليس بالمجنون ليترك
هذا المبلغ يفلت من بين يديه.


استمرّ فى طريقه الذى لم يكن سوى خمسين مترًا، إلا أنّه أحسّ كما لو كان يقطع خمسين ميلاً، وها هو
قد وصل إلى المقبرة المطلوبة، وقف أمامها وابتسم ووجّه الشكر إلى من يرقد فيها؛
فهو الذى فتح له باب الرزق هذا، وقال لنفسه:

«ليتهما
يطلبان مني فعل هذا كل يوم، وآخذ ما سأحصل عليه»


ولّى
عائدًا والابتسامة لا تفارق وجهه.

 وفجأة‼


جذبه
شيء غير معلوم للخلف.. قاومه عدة مرات؛ و في النهاية سقط.


انتظره
صاحباه طويلاً، فلما طالت غيبته نهضا وركضا بعيدًا بدافع من الخوف والفزع.


صباح
اليوم التالي اكتشفوا أن بِنْطَالَهُ علق بخشبة مدقوقة في الأرض وأنه مات بسكتة
قلبية.

*** 

2004





#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية



✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 12:37 م


 

لو سمحتي يا حبيبتي تسمعيني

لو عرفتي إيه حكايتي هتعذريني


لو عرفتي إني عايش


 قلبي ميت من زمان


والنتيجة دمع طايش 


والفرح ملهوش مكان


أيوة نفسي أقول وعايز 


أوصف الحزن بصفات


هوّ غيري وصفها جايز 


بس حزني معجزات


لو عرفتي إيه حكايتي


كنتي قلتي يا حرام


كنتي تهتي واتخنقتي


وامتنعتي عن الكلام

 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 9:17 ص

الشمس
تبكى والسماء

و
الرعد يصرخ باستياء

والبرق
والبركان

والزلزال
والأمواج والأنواء

حتى
الجمادات استمرت فى بكاء

والآن
تنطق من كمد

تشكو
إلى الله الصمد

والله
يفعل ما يشاء

كل
الكلام يخوننى

لا
أستطيع

فالجرم
جرمى

والجناية
فعلتى الشنعاء

أنا
لست إلا تائها

ما
بين عجز أو دعاء

الله
يقبل دعوة المظلوم حقـا

إنما
أنا ظالمٌ

ولله
البقاءْ

أنــا ظالمٌ لـو قلتها ألفًا لما وفّيتْ

أنا
ظالمٌ.. والظلم يبدو ظاهرًا منى ولو أخفيتْ

يا
رسول الله لا تعبأ بنا فالوقت فاتْ

اليوم
أعلن يا رسول الله فورًا أننا أمواتْ

لا
تنتظر منا صمودًا أو شجاعةَ أو ثباتْ

أَوَمَا
تَرَى هذا الرُّفات؟

نحن الرفاتْ

الوقت
فاتَ تحللتْ أجسادُنا وعقولُنا متعفنة

أفكارُنا
مستنقعاتْ

الأغبياءُ
يهاجمونك كل يومٍ

حارس
المرمى يساوم حين يمسك بالكراتْ

لا
تسبوا أو نقاطع..

بعد
وقت ليس طبعًا بالكثير تعود كل المنتجاتْ

فيعاودون
هجومهم

وخط
الوسط لدينا مهتز فى الملاهى مع اللاهياتْ

يستنجد
الحارس المضغوط بالخط الدفاعىِّ الجبان ولكنهم أمواتْ

والوقت
فاتَ ولم يعد لفريقنا غير حارس المرمى

الآن
يلعب عند بورما

فى
إعارة

عاجزًا
عن فعل شىء

والدفاعُ
مع الهجومِ مع الوسط

أمضوا
عقودًا فى بيوتٍ للدعارة

أخذوا
مقابل بغيهم بشمالهم

وتسلسلوا
فى بعض ألقاب الإمارة

حارس
المرمى وحيدًا يستميت

لصد
هجمات العدو..

ويشعل
فى ملعب المباراة الإثارة

وتفاجأ
المسكين لما صادفت عيناه شيئًا مؤلمًا

فالدفاع
مع الهجوم مع الوسط يلعبون مع الفريق الآخر

يستميتون
لإثبات الجدارة

يا
رسول الله يا خير البشر

يا صاحب الحوض الشريفْ

ما
عاد فينا من لعرضك ينتصر

والآن
قد بدأ الخريفْ

تتساقط
الأوراق عن شجر الخداعْ

الآن
تبصر وجهنا دون القناعْ

الآن
تعلم أننا بعض الرعاعْ

نملأ
الدنيا ضجيجًا بالسلام عليك لكنْ

حين
يشتمك الغبى فلا دفاعْ

فى
بحر حبك نستقل سفينة دون الشراعْ

تتلاطمُ
الأمواج تقذفنا بعيدًا عنك نرجعُ

منهكين
من الضياعْ

فنرى
ضياءك فى المياه فنرتشف منها بصيصًا

والمياه
ببحر حبك لا تباعْ

فى
بحر حبك يا رسول الله

دومًا
كلنا أتباعْ

لكنه

إن
كان خير الناس هم من

يسكنون
بسطحه

فمكاننا
فى القاعْ

يا
رسول الله يحتدم الصراعْ

العدو
مهيمنٌ ومطاعْ

كل
يوم فى علوٍّ وارتفاعْ

كل
يوم نستزيد من المذلةِ

كل
يومٍ يشترينا كالمتاعْ

نحن
أصبحنا غثاءً مثلما أخبرتنا

فقد
تداعت علينا الأمم

المتحدة
من شتى البقاعْ

يا
رسول الله إن عدونا

يشتكون
إليك منا أننا

قد
تسببنا لهم فى صداعْ

كـل
الـمواقف عندنا.. كلام

كـل
الشجاعة عندنا.. كلام

كل
الكرامة عندنا.. كلام

وكل
فعلٍ عندنا.. حرام

يا
رسول الله قد ساد اللئام

الأغبياء
تجرأوا وتطاول الأقزام

ظنوا
وكان الجهل مبعث ظنهم

أن
الشتائم قد تحط من المقام

يا
أيها الأوغاد إن رسولنا

خير
الأنام

حين
أوذى جاءه

ملك
ليعرض الانتقام

رفض
الحبيب لأنه

مبعوث
ربى للسلام

يا
رسول الله إنك لا تهون

فلتسامحنا
فإنا مخطئون

عام 2012 ردًا على فيلم أساء للنبي صلى الله عليه وسلّم

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 4:08 ص


فارقتيني من غير ما تودّعيني


وناديت عليكي يامه

من غير ما تسمعيني


لكنّى كنت عايش 

في و همي من زمان


وسألت الناس عليكي 

بدمعي في كل مكان


وقالولي الناس وهمّا 

بيبكوا على اللّي كان


معدتش تبكي وامّا 

تكويك نار الحرمان


اصبر وارضى بنصيبك 

خليك مع طيف حبيبك


مسيرك يوم تروحله  

و جرحك يوم يسيبك


هصبر واعيش حياتي 

واهرب من ويل آهاتي


وياريت الحزن يبعد 

عن قلبي وذكرياتي


أنا بيكي كنت فرحه 

 وغنوه من سعاده


وانا بعدك دنيا جارحه 

فيها الحزن عاده


وانا حزن العالم كله 

 ماليني بالمرار


وفي لحظة بعدي عنك 

حسيت أنا بانكسار


حسيت كأن الدنيا 

دنية جرح وخداع


و لقيت جواها ثانيه 

 في ألمها قلبي ضاع


و قابلت الكون بحاله 

بيبكي بدمع عيني


و يصرخ من آلامي 

 و عايزك تسمعيني


أنا عارف إن بُعْدِك 

فراق مكتوب علينا


ميفيدش حتى وعدك 

 و لا قربك كان بإيدينا


أنا شايفك قدام عينيّا

 بتبكي وتضحكيلي


و ياريته كان بإيديّا 

أقرّب و توهبيلي


لمسه من حنانك 

 أحلم فيها بأمان


لكن مين اللي يقدر 

يغيّر اللي كان


ويرجع بيكي ليّا 

و يرجع بيّا ليكي 


و يملا الكون عليّا 

بنظره من عينيكي


وتفوت أجمل دقيقه


و ارجع حزين وباكي


وانا حلمى كان معاكي


وازاي يهون هواكي

 

لو مر بالف ضيقه


أنا هفضل كل ليله


ودموعى بحور بتكوي


أحكي الذكرى الجميله


وأعود لحلمي واطوي


كتاب دنيا الحقيقه


و ارجع للّي كانوا 

بيقيدوا شمعتي 


و اهرَب م اللي كانت 

فرحتهم دمعتي 


و أقرب منك انــتــى 

يــا حـلـم فـي دنيتى


مكنش حلم عادي 

لكنه كان جميل


بقالي سنين بنادي 

عليكي في ليل طويل


مش عايزك تسمعي

 غير صوت قلبي الحزين


و تشوفي قد ايه 

خدني ليكي الحنين


وأنا ألمي كان حنيني

فارقتيني

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 3:09 ص


قولّي وهات اللي عندك هات


قول ما خلاص القلب دا مات


قول واتكلم تاني و قول


متسبنيش كدا و انا مشغول



قول حبيتنى بس نسيتني


قول واديني سبب معقول



قولّي خلاص مبقتش بتفرح


لما تشوفني زي زمان


قولّي خلاص مبقاش دلوقتى

ليّا في قلبك أي مكان



قولّي خلاص من بعد رحيلي


مات جواك قلب الإنسان


قولّي خلاص مات الإحساس


قولّي خلاص انتهى وانداس


قولّي إنْ انت قضيت ويّايا


أحلى حكايه وعشت معايا


أحلى الأوقات



قولّي وهات اللي عندك هات


قول ما خلاص القلب دا مات


قول واتكلّم تاني و قول


متسبنيش كدا وانا مشغول


قول حبيتني بس نسيتني


قول واديني سبب معقول



قولّي انساني أو استناني


بس اتكلم تاني وقول


قولّي خلاص مبقتش عايزني

وإن الحب دا كله سراب


قولّي خلاص مبقاش فيه حب

بس توضّحلي الأسباب


قولّي خلاص دا أنا بعد رحيلك


صوتى رعود ودموعي سحاب



قولّي إن إحنا كتبنا روايه


بطلها بُكايَه


وكام دمعايَه  منّك بطلات 


قولّي وهات اللي عندك هات

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 2:52 ص


 لو سبتيني 

تبقي جنيتي حقيقي بجد

مش على قلبي ولا على قلبك 

لكن ع الحب اللي اتهد


حب مكانش لنا لوحدينا

كان للعالم كله معانا

ناخد منه كان يدينا 

كان لنا بيه في الدنيا مكانه

كل الناس زعلانه علينا

كل الناس زعلانه بجد


لو سبتيني

تبقي جنيتي حقيقي بجد

مش على قلبي ولا على قلبك

لكن ع الحب اللي اتهد


إنتي تهدّي الحب وتدّي

مكان للكره في عمرك ليه

وإنتي ما ليكي شيء يغنيكي

عن الحب اللي بتقضي عليه

يبقى بلاش متعقديهاش

زي ما خد حبنا بإيديكي 

خدي بإيديه    زي ما خد

لو سبتيني

تبقي جنيتي حقيقي بجد

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 2:30 ص

 

إسمعي


كل كلمه بقولها ليكي إسمعيها



إمنعي

كل دمعه من عينيكي بتبكي بيها



رجّعي


زمني اللي كان ما بين إيديكي ورجّعيها



أيام زمان وسنين حنان


حرام عليكى تقتليها



وكفايه نار وانسي المرار


اللي ماليكي وكان ماليها



دمعه واحده لما تبكي


تساوي كل دموع عينيّا



صرخه جامده لما تشكي


تصحّي فيّا جراح خفيّه



جراح كبيره جراح كتيره


أخاف عليكي تجرّبيها



تبقى الحكاية سنين بكايَا


عشت ليكي أعاني فيها



في بعدي عنك بلاش تشُكّي


لحظة واحدة بس فيّا



يا خوفي منّك تيجى تحكى


تبكي تاني بين إيديّا



و كل ليله


تكون جميله


لو عينيكي


تقربيها



تعالي ليّا


وحسّي بيّا


أقولها ليكي


وتقوليها

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 2:10 ص

 

خليك على عماك يا قلبي

 

إوعى تفتّح تشوف


لو قالّك معاك يا قلبي


قوله دا شيء معروف



لو قالك إنه عايز


يديك كل الجوايز 


في الحب وفي الأمل



خليك ساكت وصابر


واكتم جواك و كابر


و حارب في الملل



متملّش من كلامه

مهما يكرّرُه



لو ينسى حرف منه

إنت تفكرُّه



ما الحب يادوب حروف

تتقال في وقتها


وبعد ثواني تسأل

إمتى انا قلتها


الحب يادوب حروف

▼▼▼

خليك على عماك يا قلبي


إوعى تفتح تشوف


لو دمعك ملاك يا قلبي


راجع تاني الكشوف



راجع كشف المدامع


دا تاريخ الحزن لامع


والغدر أهو انكشف



من يومها واضح وباين


مين اللي جارح وخاين


و مين اللى اتنسف



مين كان حزنه دايم

وحبيبه معذبه



و كان على عومه عايم

ودايمًا يتعبه



مش بكفايه الظروف

ونارها وغدرها


و أنا عايش عمري كله

بعاني منّها


مش بكفايه الظروف


خليك على عماك يا قلبي


إوعى تفتح تشوف

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 1:56 ص

هل الإرهابُ صلاةٌ وصومٌ

وحجٌ وذكرٌ وقولٌ سديد


أم الإرهابُ دعاءٌ وصبرٌ

وتوحيدُ ربٍ رحيمٍ حميد


أم الإرهابُ مقولةُ حقٍ

وإنهاءُ رقٍ لكل العبيد


أم الإرهاب اتباع الحبيب

أم هو صار احتفالاً بِعيد


أم الإرهاب حجاب فتاةٍ

أرادت عن الحق ألا تحيد


بل الإرهاب هو القتل جهرًا

من دون سببٍ وجيهٍ وحيد


فقتل امرأة بساحة حكمٍ

دليلٌ على الإرهاب أكيد


وقتل امراةٍ بلا أي ذنبٍ

وتحطيم زوجٍ وطفلٍ وليد


دليلٌ على ما تخفي الصدور

وفيها أمانيُّ هل من مزيد


فلتتمنوا فإن الحياة

تزول وتفنى ويبقى الشهيد


ويبقى الحجاب سلامًا ونورًا

ويبقى عزيزًا قويًا مجيد


في عام 2009

بعد حادثة مقتل مروة علي الشربيني وهي حادثة وقعت في عام 2009 في مدينة دريسدن الألمانية، حيث قام مواطن ألماني يُدعى أليكس دبليو فينز يبلغ من العمر 28 عامًا داخل محكمة في مدينة دريسدن بعد ما قام بطعن صيدلانية مصرية كانت تبلغ من العمر 32 عامًا 18 طعنة في 3 دقائق، وبعدها فارقت الحياة. بعدما وصفها بالإرهابية بسبب ارتدائها الحجاب.وقد قامت مظاهرات في جنازتها شارك فيها مئات من المصريين والعرب امام مجلس بلدية مدينة نويا كولين منددين بالتطرف والعنف الذي يمارس ضد المسلمين. وطالب المتظاهرون الحكومة الألمانية بتوقيع أقصى عقوبة على القاتل. وفي 11 نوفمبر، 2009 حكم على القاتل بأقصى عقوبة في ألمانيا وهى السجن مدى الحياة.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 1:01 ص

كيف تحقق النجاح في الحياة؟

حدد غايتك واملأ قلبك بالأمل

إذا أردت أن تكون ناجحًا في الحياة، فعليك بتحديد غاية سامية ومُثُل عليا تسعى إليها، واملأ قلبك بوَقُود الأمل، وأشعلْه بالتفاؤل، وحلِّق بفكرك فوق السماء، واعمل بعقلك فوق الأرض، وعليك بالتوكل وإياك والتواكل؛ لأن التواكل تآكل.

انهض حينما يتكاسل الآخرون

انهض كلما خمل الآخرون، واركض كلما مشوا، وابتعد عن السوء وأصحابه، وعليك بالحق وأتباعه، واترك قبل أن تُتْرك، واطرُق قبل أن تُطرِق!

اطرق باب العمل قبل أن يطرقك الندم

اطرُق باب العمل قبل أن تُطرِق من الأسى والندامة، فكلما انهمكتَ في عملك دنوتَ من أملك، ومع كل مصيبة فرحة قريبة، ولا تتمنّى فما الأماني إلاّ للشيطان سبيل، وكن مع الناس إنسانًا بطبع ملاك، وإذا انفردت أبصرت مولاك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

اترك العجب واحذر الكبر

لا تسبّ من سبّ، ولا تفتخر بالنسب، وإياك والعُجْب، فإنه يفسد القلب، ولا تبتئس بتحطم الآمال، ولا تستعظم ما تعمل من الأعمال، واحذر الإهمال، وسِرْ نحو الكمال، ولست ببالغه ولكن قد تُدَانِيه.

الاختبار والتحدي جزء من الرحلة

ستُخْتَبرُ كثيرًا فاعتبرْ، وتوقع أفدح الضرر، ولا تتبرم من القدر، وداوِ البلوى بالسلوى، فما مضى قد انقضى، أما القادم فهو الحامد أو الناقم.

سر مع الناس ولكن كن مختلفًا

اهبط من فوق تَــلِّـك، وقِ الناس شرَّك، وسِرْ معهم ولا تسايرْهم، وأمِّنْهم ولا تأمنْهم، ولا تحقِرَنّ أحدًا منهم، ومهما تفشل المحاولات، فلا يقربنّك الإحباط، فإن الحياة خُلِقت للابتلاء، والنجاة مع الصابر، والخُسر كل الخُسر لمن يكابر.

لا تهرم في شبابك ولا تتصابَ في هرمك

لا تهرم في شبابك، ولا تتصابى في هرمك، واحمل هموم أمتِّك، وأقم فيك دولتك، فلربما قامت بك دولتك، ولئن خسِرت جولات فالآتية جولتك.

العدل مفتاح السلامة

ولا تَظْلِم تسلم، أو تُظْلَم تستسلم، فالمنتصر من هزم نفسه، والمهزوم من هزمته نفسه.

ابدأ الآن، فالوقت قد حان

ابدأ من الآن، فالوقت حان، ولا تقل بعد حين، فالحين قد لا يأتي بعده أي حين!

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 3, 2023 12:40 ص

 

كُـــلْ وَقـتْ ولُــهْ أَدَانْ

كُــلْ حـلْـمْ ولُـه زَمَـانْ

 

كُــلْ وَاحِــدْ مَـهْـمَا كَانْ

لِـيِـهْ أَمَـلْ يِـرْجَـعْلُهْ تَانِي

 

كُـــلْ مَـا بَفَكّرْ بَخَافْ

الأَمَــانِـي تِعيشْ ضعَافْ

 

فِ قَلبْ يَامَه شَالْ وشَافْ

هَـم مِـنْ أَحْـزَانْ زَمَانِي

 

قَلْبِي عَاشْ شَيّالْ حُمُولْ

رَغْـم شِيلْتُه كَانْ يُقُولْ

 

مَـهْمَا حُزْن اللّيلْ يُطُولْ

فِـيـهْ نهَـارْ يِمْلَا كيَانِي

 

قَلْبِي قَالّي بَلَاشْ هُمُومْ

قُـلـتْ لَأ لَازِمْ تُــدُومْ

 

قَـالّي طَـيّبْ عَ الْعُمُومْ

ابْـتِـدِي عِيشْ الأمَانِي

 

قُـلـتْ كُــل الأُمْنيَاتْ

عَـاشْهَا حلْمِي أُغْنِيَاتْ

 

قَـبْـل مَا يحَقّقهَا مَاتْ

بَـعـدْ مِنُّه بَقِيتْ بَعَانِي

 

قَـالّـي حَاوِلْ والسّلَامْ

قُلْـت كُل الْكُونْ ظَلَامْ

 

قَــالّي مَعْنَـاهَا انْهِزَامْ

قُلْت مشْ فَارْقَه الْمَعَانِي

 

تِـفْـرِقْ إِيـهْ لَمّـا يِحينْ

وَقتْ فَرْحْ وأكُونْ حَزِينْ

 

كُــل دَا بسَبَبَ الْحَـنِينْ

لِحلْمْ كَانْ عَايِشْ عَشَانِي

 

تِفْرِقْ إيِـهْ بَسْ وبَدِيلْ

كُـل هَـم دمُـوعْ تِسيلْ

 

يَعْنِي أبْـكِـي وَلاّ أشِيلْ

هَـم صُـورْتُـه مبَكّيَانِي

 

لأنّ دَه كُــلّــه خَـيَالْ

قَلْبِي عَاشُه وَفَجْأةْ قَالْ

 

حَــالِي هُــوَ بَرْضُه حَالْ

كُــلْ وَاحِدْ حلْمُه فَانِي

 

يِبْقَى إِيهْ مَعْنَى الْحَيَـاه

اللّـي فِيهَـا قَلْبِـي تَاه

 

مـشْ بِـإيدُه أَوْ رِضَـاه

بَسْ فَرْحِي خَلاصْ نَفَانِي

 

فَــرْحِي يَامَه قَالْ وُعُودْ

يَـامَه قَالّي فِ يُومْ هَعُودْ

 

يَـامَه صَـوّرْ لِي الْـوُجُودْ

صُـورَه لِـسّـه متْمَلّكَانِي

 

صُورَه عَايْشَه جُوّه صُوتْ

كَانْ حَزِينْ وكَانْ مَكْبُوتْ

 

كَـانْ خَلَاصْ قَرّبْ يِمُوتْ

بَـسْ كَـافِحْ قَــامْ بَنَانِي

 

واتْـبَـنِــيتْ بَعدْ انْهِدَامْ

وابْـتَـدِيتْ مِنْ غِيرْ كَلَامْ

 

وانْـتَـهِتْ كُـــل الآلامْ

الـلّـي كَـانِتْ مـعَـذّبَانِي

 

وامْـتَـلَـكْـت الإرْتِـيَاحْ

وابْـتَـدِيتْ أنَا فِ الْكِفَاحْ

 

فَرْحِي بَاعْنِي وفَجْأَةْ رَاحْ

مَـا هُــوّ كَـانْ دَايْمًا أَنَانِي

 

بَـسْ مـشْ فَـارِقْ مَعَايَا

يِبْقَـى فِ الْأفْـرَاحْ هَنَايَا

 

ولاّ فِ الْأَحْـــــزَانْ دَوَايَا

الْمُهّمْ لَقِيتْ مَكَانِي والْتَقَانِي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مارس 4, 2025 5:37 ص

 

حَرَامْ عَلِيكْ

تِعِيشْ حَزِينْ

 

ومِنْ إيدِيكْ

تِضِيعْ سِنِينْ

وِالْحِلْمْ يِتْبَخّرْ

 

هَانِتْ عَلِيكْ أَحْلَامَكْ

بَـاكْيَه عَلِيكْ أَيّــامَكْ

دَايْـمـًا بِتِتْأَخّرْ

 

كُنْتْ فَاكْرَكْ مشْ هَتِضْعَفْ

مشْ هَتِسْتَسْلِمْ فـِ يُـومْ

 

وِاتَـضّـحْ لِي بَـدَأْتْ أَعْرَفْ

إِنْـتَ لِـيهْ مَـلْيَانْ هُمُومْ

****

دَايْـمــًا بِـتِـتْــأَخـّـرْ

وِالْحِلْــمْ يِـتْـبَـخّــرْ

 

وِالنّاسْ عَلِيكْ تِضْحَكْ

وِسَـاعَـاتْ كِتيرْ تِسْخَرْ

 

سَـــاعَـاتْ بِتِـتْـقَـدّمْ

لِـلْحِـلْــمْ وتْـصَـمّـمْ

 

وسَـاعَاتْ كِتِيـرْ حِلْمَكْ

عَـلِـيـكْ بِـيِـتْـكَـبّـــــرْ

****

دَايْـمـــًا بِـتِـتْــرَدّدْ

وِالْـحِــلْــمْ يِـتْبَـدّدْ

 

دَايْـمـًا غَـرِيـبْ أَمْرَكْ

عَـلَى طُــولْ بِـتِتْـعَذّرْ

 

مَتْقُـولْـش مَـا قْدِرْتِـشْ

وِبْسُـرَعَـه قُومْ فَـتّشْ

عَ الْحِلْمْ فِـي عُـمْـرَكْ

دِلْـوَقْــتْ وِاتْــغَـيّـرْ

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 3:31 م

 


 

دَايْـمـًا بَـكُـونْ زَعْـــلَانْ

لَـمّـا الـذّنُــوبْ تِـكْـتَــرْ

 

وأمّـا بَـشُـوفْ إِنْـسَـــانْ

عَ الــنّـعْمَــة يِــتْـبَــتّـرْ

 

لَــوْ كُـنْـت مَــرّه بَـشُوفْ

إِنْـسَـــانْ بَـــدَأْ يِـسْـكَرْ

 

بـَـأْمـُـرْ وبِـالْـمَــعْـروفْ

وأنْــهَـى عَـنِ الْــمُــنْكَرْ

 

وأمـّا بَــشُــوفْ مَـظْلُـومْ

لَازِمْ أَكُــــونْ جَــنْـبُــهْ

 

لَــوْ كَــانْ ضَـعِيفْ مَعْدُومْ

طَـبْ هُــوّ إِيــهْ ذَنْــبُــهْ

 

وِإنْ كُــنْـت مَــرّه بَـفُوتْ

عَلَـى نَــاسْ بِــلَا شُـغْـلَةْ

 

بَـصْــرُخْ بِـعِـلْـو الصّـوتْ

مــشْ وَقْــتِـنَــا أَغـْـلَـى

 

وأمـّـا بَـشُــوفْ مَـهْمُـومْ

بَـــاكِــي عَــلَــى حَـالُهْ

 

دَمْـعَــة عِيـنَـيّ تْــقُــومْ

فِ ثَــوَانِـي رَيْـــحَــالُهْ

 

وأمـّـا بَـشُـوفْ فَــرْحَـانْ

بَــفْـــرَحْ مَــعَ فَـرْحُــهْ

 

وأمـّـا بَـحِــب إنْــسَـانْ

بَـحْـكِـيـلُـهْ وبَـصَـارْحُـهْ

 

لَــوْ مَـرّه شُـفْـت فِ يُـومْ

مُـبْـصِـرْ لَـكِــنْ أَعْـمَــى

 

مِ الْـعَـقْـل كَــانْ مَـحْرومْ

بَـشْـكُـرْ عَـلَـى الـنّـعْـمَه

 

وأمـّـا بَـكُـونْ قَــلْـقَــانْ

بَـتْـوَضّــى وبَـــصَــلّـي

 

بَـــلَاقِـي مِ الـــرّحْـمَـنْ

الـــرّاحَــةْ تِـــوْصَـــلّي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 3:25 م

 

 

آهْ يَا خُوفِي

مِن الأمَانِي

 

ذُنـُوبْ كِتـِيـرَةْ

مِقَلْقَانِي

 

كُـل مَـرّةْ

بَـقُولْ هَتُوبْ

 

بَرْجَعْ أعْمِلْ

ذَنْـب تَانِي

 

واتْمَادِيتْ أَنَا فِ الذّنُوبْ

والنّهَـارْدَه بَقِيتْ بَعَانِي

 

نِفْـسِي تِـتْـغَيّرْ حَيَـاتِي

نِفْسِي أتْحَـكّمْ فِ ذَاتِي

نِفْـسِي أغَـيّـرْ كُـل شِيءْ

 

نِفْـسِي تِـتْـغَيّرْ حَيَـاتِي

نِفْسِي أتْحَـكّمْ فِ ذَاتِي

نِفْسِي أكُونْ إِنْسَانْ بَرِيءْ

 

كُـل يُـومْ بِـيْفُـوتْ عَليّ

والـذّنُـوبْ مَـحْفُورَةْ فِيّ

فِيـهْ بَـمُـوتْ أنَا بِالْبَطِيءْ

 

لَازِمْ أتْـحَـدّى الْمَعَاصِي

بِــإيدِي يِتْحَدّد خَلاصِي

و دَا خَـلاصْ قَرَارْ جَرِيءْ

 

لَازِمْ أَبْـدَأ مِ الـنّهَـارْدَهْ

مَهْمَا أَقَابِلْ مِنْ مُعَارْضَهْ

لَازِمْ أَمْشِي فِي الطّرِيقْ

 

الْحَيَـاةْ مشْ بَـسْ دُنْيَا

فِـيـهْ حَـيَـاةْ أَهَمْ تَانْيَةْ

فِـيـهَا جَـنّـةْ أَوْ حَرِيقْ

****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 3:15 م

 


 

أَنَا وأنْتَ لِلتُرَابْ رَاجْعِينْ

دِلْـوَقْتِي وَلاّ بَعدْ سِنِينْ

 

يِبْقَى لِيهْ بَقَى تِزْعَلْ مِنّي

وَلاّ لِيه نُموتْ مِتْخَاصْمِينْ

 

مِـدْ إِيـدَكْ بِـالـسّــلَامْ

و ابْـتِـدِي أَحْلَى الْكَـلَامْ

 

الـرّسُـولْ هُـوّ الـلّي قَالْ

فُـوقْ تَـلَاتْ ايّـامْ حَرَامْ

 

والـرّسُـولْ هُـوّ اللّي قَالْ

خَـيْـرُكُمْ هُـوّ اللّي يِـبْدَأْ

 

مِـدْ لِـيْ إِيدَكْ فِ الْحَالْ

الشِّيِطَانْ هَيْزُولْ وِيِخْسَأْ

 

الْخِصَامْ مشْ حَاجَهْ حلْوَهْ

حَــاجَـه لَازِمْ تِـنْـتِـهِيْ

 

وافْـتِـكِـرْ كَامْ أَلفْ بَـلْوَهْ

بـِالْـمُـخَـاصْمَة بِـتِبْتِدِيْ

 

يِبْقَـى لَازِمْ لِبَعْض نِصْفَى

ونِنْسَى كُل خِلَافْ مَا بِيننّا

 

الـرّسُـولْ عَـلّمْنَـا وَصْفَـه

السّـــلَامْ مَـهْـمَـا غِضِبْنَا

 

والسّلَامْ دَا طَرِيقَةْ شَـافْيَه

لأَي نَـظْرِةْ لُـومْ فِ عِـينّنا

 

لَـوْ نِـعِـيشْ وقْلُوبْنَا صَافْيَهْ

رَبـّـنَــا دَايمًا يِــعِـيـنّا

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 3:02 م


 


بَـضْـحَـكْ عَـلَـى نَـفْـسِي

وأبِـكـي عَـلَـى حَــالِـي

 

بَـضْـحَـكْ وأَنَــا بَـبْـكِي

وأصْـرُخْ بِـصُــوتْ عَـالِي

 

يَــا ذُنـُوبـِي فَـارْقِـيـنِـي

دِلْــوَقــتْ مــشْ بُـكْرَه

 

فَــارْقِـيـنِـي وسِيـبِـيـلِي

حَـبـّـةْ أَمَـــلْ ذِكْـــرَى

 

ضَاعِتْ سِنينْ مِنْ عُمْرِي

بَـعِـيـدْ عَـنّــكْ يَـا ربّي

 

نَـادِمْ حَزِينْ وأنَا عُمْـرِي

مَـا كَـانْ غِيرَكْ فِ قَلْبِي

 

يـَا رَبّ فِـيـنْ مَـا بَكُونْ

بَـدْعِـيـكْ يَا رَبّ الْكُونْ

 

إنـّـكْ تـحَــرّرْنِي

عَلَى نَفْسِي تنْـصُرْنِي

وتقُـولّـي كُنْ فَأكُونْ

 

فَـأكُـونْ كَـمَـا كَانِتْ

أحْـلَامِي مَـرْسُـومَه

 

ولَـوْ فِ يُـومْ ضَاعِتْ

فَـدِي قِسْمَةْ مَقْسُومَه

وقَـضِـيّـةْ مَحْسُـومَه

 

لَـكِـنْ أَنَـا بَـدْعِي

يـَـا رَبّ حَــرّرْنِي

 

حَـقّـقْ لِي أحْلَامِي

قَــوّيِـنِـي قَــدّرْنِي

****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 2:46 م

بَعْدِينْ هَنِبْقَى نْتُـوبْ

بَعْدِينْ هَـنِتْغَيّرْ

 

ونْفَـارِقْ أَي ذُنـُوبْ

لَا كبِيرْ وَلَا صغَيّرْ

 

لَكِنْ دِلْـوَقْت مَفِيشْ

كُلّه هَيِحْصَلْ بَعْدِينْ

 

كُل الأحْلَامْ هَتْعِيشْ

وهَـتِـتْحَقّقْ بَعْدِينْ

 

واللّي مَا بِيْصَدَقْنِيشْ

يِبْقَى يصَدّقْ بَعْدِينْ

 

دَايْمًا نِرْسِمْ ونخَطّطْ

للّي هَيِحْصَلْ بَعْدِينْ

 

لَكِنْ دِلْوَقْت نلَـخْبَطْ

وهَـتِـتْعَدّلْ بَعْدِينْ

 

دَايْـمـًا نِـسْـتَـنّى ونِـتْـمَـنّى

ونْـؤَجّــلْ دَايْـمـًا أَحْــلَامْـنَا

ونْقُـولْ هَنْعِيشْ

 

وإحْـنَـا مَنِعْرَفْش اللّي هَيِجْرَى

وهَـيِـيـجِي عَلِيـنَا كَمَانْ بُكْرَه

ولاّ مَيْجِيشْ

 

خَـلّـيِـنَـا نفَكّـرْ بِـعْـقُـولْـنَـا

كَامْ مَـرّه وَعَدْنَا ويَـامَه قُلْنَـا

هَنْكُونْ صَادْقِينْ

 

لَـكِـنْ لَا بـنِـعْـمِـلْ وَلَا حَتّى

نِـبْــدَأْ وننــفّــذْ لَــوْ حِـتّـهْ

ونْكُونْ جَادّينْ

 

مَـنْشُـوفْ لِنَا فِينَا يَارِيتْ صِرْفَهْ

دَا حَيَـاتْـنَا بتِجْرِي ومشْ وَاقْفَهْ

وإحْنَا غَافْـلِينْ

 

بِـنْـعَـدّي بَــأزْمَــه وَرَا أَزْمَـه

عَـايْـشِينْ فِ الدُّنْيَا بدُونْ لَزْمَه

بَلْ مشْ عَايْشِينْ

**** 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 2:33 م



    تدور تساؤلات عديدة على طاولة الحوار القانوني حول الكيفية التي تُستخدم لإثبات أن مرتكب الجريمة أو الموظف المرتكب لمخالفة إدارية قد ارتكبهما حال مرضه النفسي؛ أي كيف يمكن إثبات معاصرة المرض النفسي للجريمة أو للمخالفة الإدارية وتأثيره عليهما؟ وكيف يمكن تحديد كون مرتكب الجريمة أو الموظف المخالف مريضًا نفسيًا من عدمه؟ وأي درجة من درجات المرض النفسي قد بلغ؟ وما هي آلية تحديد المرض وجسامته من الناحية الطبية؟ وماهية العقوبة التي تتناسب مع ثبوت إصابة الجاني أو المخالف بهذا المرض؟ أو ما هو الإجراء الأمثل لمجابهة المريض بهذا المرض حال ارتكابه جريمةً أو مخالفة؟


    وليس بخفيٍّ أن درجات المرض النفسي تتفاوت من حيث شدته ومن ثم شدة تأثيره، وضعفه وضعف تأثيره، وتأرجحه بين الشدة والضعف وتأرجح تأثيره، وهذا هو ما يحدد تأثير المرض على الوعي والإدراك والإرادة والاختيار ومن ثم المسئولية فالعقوبة أو الإجراء الاحترازي، ولذلك فإن البداية المنطقية هي ضرورة الانطلاق من تحديد جسامة المرض ثم تصنيف الأمراض تبعًا لجسامتها وفقًا لأعراضها وتقسيمها إلى ثلاث مستوياتٍ، بحيث يكون لكل مستوىً تأثيره ويكون لكل مستوى عقوبته أو الإجراء المناسب له، مع مراعاة أن جسامة المرض تختلف من مريضٍ لآخر، أي أن هذا التصنيف خاص بالأمراض وليس بالمرضى فربما كانت سمات شخصية واحدٍ من المرضى المصابين بمرض جسيم تجعل تصنيفه واقعًا في نطاق المرض المتوسط، كأن تكون إرادته صلبة ووعيه متوفر رغم جسامة مرضه وشدته، ومن ثم ففي هذه الحالة يتم تصنيفه ضمن مستوى المرض المتوسط، رغم أنه مريض بمرض من المستوى الأول، وهكذا فإن هذه المسألة مسألة واقع وتحتاج لوسائل دقيقة للإثبات المادي والقانوني وتبعًا لحالة كل قضية.


    ولدينا في هذا الخصوص مقترح بأن يتم إنشاء جدول للأمراض النفسية وتصنيفاتها، وأن يتضمن الجدول جسامة المرض وطرق إثباته وأثر ثبوته على المسئولية الجنائية، وأن يراعى تحديث هذا الجدول بصفة دورية كل خمس سنوات على الأكثر بحيث يجاري التطورات العلمية وما يستحدث من أمراض نفسية وما يستجد من اكتشاف آثار لأمراض قديمة.


    ومن هذا المنطلق يمكننا أن نميز بين الأفعال التي يأتيها المريض النفسي واقعًا تحت تأثير المرض، وبين تلك التي يأتيها بإرادته الحرة، ويكون من الممكن اكتشاف الحقيقة أسرع في حال ادّعى أو حاول الإيهام بأنه كان تحت تأثير المرض.


    ويعزز من أهمية مقترحنا انتشار الأمراض النفسية في أيامنا الحالية وربما استمر انتشارها لعقود قادمة، فالضغوط التي أدت لانتشارها الآن تتزايد يومًا بعد يوم بما ينبئ بمستقبل فيه طغيان لهذه الأمراض وتزايد حدتها وربما برزت أمراض أخرى غير المعلومة لنا اليوم؛ ولذلك وبدلًا من دفن رؤوسنا في الرمال، آن أن نغير طريقة التعامل مع هذا الأمر برمته، بحيث نتمكن من  معرفة المستحق للعقوبة المكتملة والمستحق لعقوبة مخففة ومن لا يستحق أن يعاقب بل أن يراعى ويعالج، وذلك مع الأخذ بوجهة نظر الأطباء النفسيين و رأيهم في مدى مسئولية المريض النفسي جنائيًا باعتبار أنهم أولياء أمر هذا المريض الحقيقيين؛ فدائرة المرض متسعة ولا بد من التوصل لآلية تثبت كون الشخص مريضًا من عدمه وذلك تمهيدًا لتوقيع الجزاء المناسب لحالته، فليس الحبس والسجن والإعدام هي الوسائل الناجحة وحدها، بل سيدخل في حسابنا وسائل أخرى كوضع المتهم المريض تحت الملاحظة لتصنيفه تصنيفًا دقيقًا وتحديد وسيلة العقاب أو التقويم الفعالة معه، فربما لو استطعنا تمييز المتهمين المرضى عمن سواهم لتمكنا من تقليل عدد المجرمين.

المقال التالي


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 2, 2023 12:45 ص

مقالة: الآمال الكبرى

صورة توضيحية للمقالة

رواية: الآمال الكبرى

في رواية: «الآمال الكبرى» Great Expectations لـلكاتب الإنجليزي: «تشارلز ديكنز» (1812م حتى 1870م)…

لأول مرةٍ أشعر بالإثارة والترقُّب مع قصةٍ تسيرُ أحداثُها ببطءٍ، أو بتصاعدٍ لا يُقدّمُ مبرراتِه، أو أنها تسير بعشوائيةٍ منظمةٍ نحو غايةٍ ورسالةٍ تدفعُني لمواصلةِ القراءة لفهم العُمق الذى ترمى اليه.

حالةٌ إنسانيةٌ ونفسيةٌ أخّاذة تصبغنا بها، وتُقحمنا فيها؛ تلك الحكايةُ التى تبدأُ باهتةً وتحسبها واهية؛ إلا أنّها بتتابعِ أحداثها ومواقفها تتضح ويبدو رونقها ظاهرًا، فتثيرك وتجعلك مؤهلاً لِأَنْ تبكي مع كل حدثٍ بسيطٍ فيها، فتكاد دموعك تنساب وأنت تتابع انكسارة حلم «بيب».

وقد تكره «أخت بيب» التى تعامله بقسوة وكذلك تقسو على زوجها، ولكنك بعد تبدُّلِ حالها وفقدانها الذاكرة تبكي معها ومن أجلها وترتاح لموتها ورحمتها من عذابها الذى لاقت…

وفي النهايةِ أزعمُ أن أبلغَ حكمةٍ نستلهمها من هذه الرواية هي أنه من الضروري جداً التماس الأعذار للآخرين؛ فأكثر شخصيات الرواية ستبغضها ما لم تعرف خبايا نفوسهم وخفايا حكاياتهم.

© 2024 – جميع الحقوق محفوظة

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 6:47 ص

دينُ
المحبّة في تحيّتهِ السلامْ

*

دينُ
المحبّةِ خيْرُ دينْ

قــولُه
خـيــرُ الكلامْ

*

لم
يُرِدْ من أمرهِ:

«وجاهِدوا»

قـتـلَ
الأنامْ

بلْ
لردِّ المُعْتَدِينْ

دينُ
المحبّةِ خيرُ دينْ

دينُ
كلِّ المُرْسَلينْ

*

إنّهُ
دينُ الـســــلامْ

للخلائقِ
والوجودْ

*

فيــه
للهِ القـيـــامْ

فـيـه
للهِ السجودْ


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 6:06 ص


 

ســــلامًا
ســــلامًا على الراحلينْ

ســـــلامًا
حـــــزينًا بطعم الحـنينْ

ســلامًا
صبـــــاحًا ســـلامًا مساءْ

*

لمن
عاش فينا برغـــم الرحيلْ

بــفـعـلٍ
رزينٍ و قــــولٍ جـميلْ

ووجهٍ
بشوشٍ وحُـسْــنِ الـتِـقـَـاءْ

**

**

لقـد
عـشـت فينا بقلبٍ سليــمْ

محبٍ
عطوفٍ رؤوفٍ كريمْ

فكنت
مثــال الـتـُقَى و النقاءْ

**

**

بجـودٍ
وذكـرٍ وحـفـظ الصّلاة

و
حرصٍ عليهــا بكلّ انـتـبـاه

وقرآنِ
فجرٍ وصدْقِ الدّعــــاءْ

**

**

وفـارقْـتـَنـا
مثلَ طيف النسيمْ

ورغم
الفِـراقِ الحزين الأليمْ

فــإنـّـك
فــيــنـا مــديـمُ الـبـقـاءْ

**
**

فـمـا
زلت تحيا ولسنا نراكْ

و
لكـنْ سندعـو لترقى هناكْ

مع
الصالحين مـع الأنـبـيـاءْ

*****

[إِهْدَاءْ]

إِلَى وَالِدِ زَوْجَتِي وحَبِيبَتِي؛

الـمُعَلّمِ الفَاضِلِ مُحَمّد عَجَمِي «رَحِمَهُ الله»

الّذِي كَانَ أبًا حَقِيقيًا لَهَا وَلِي

عَلَى السّوَاء

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 5:56 ص

 

أنــا
و الـشـعـرُ و الكلماتْ

مِنْـكِ

وأنْتِ
المنبعُ الصافي

**

بعيدًا
عنكِ لا أبياتْ

أَبْكِي

و
يأْبَى الشِّعْرُ إِنْصَافِي

**

وَصَفْتُكِ
والْوَرَى إِنْصَاتْ

أَنْـتِ

عَلَوْتِ
جَمِيعَ أَوْصَافِي

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 5:29 ص

 


إني
أحـــبــك قــلـــتُــهــــا مــن كــــلّ مــــــا

في
القـلــب مـــن صـــدقٍ ومـــــن حبٍ وقــرْ

**

و
اللــــه إنــِّـي لا أُبــــــــــــــالـــــغُ إنـّـمـــا          

هـــو
بـعـضُ ما في القلبِ مــــن حبٍ ظهرْ

**

يــــا
كـــلَّ شيءٍ فـي حيــــــاتي يــــــــا أبــي

يـــــا
مــنْ لأجلى كــــمْ تــألَّــمَ كــــمْ سَــهرْ

**

يـا
منْ غـرستَ الـصـبرَ فـيـنــا والتســــــامـحَ

والكــــرامـــةَ
والـــشــجـــــاعـــةَ في الـخطرْ

**

كــمْ
كـنـــتَ عَــــوْني فــي الحيــــــاة وكلّما

قـَـسَـــت
الحـــيـــاةُ ذَكَـــرْتَ عُـقْـبَى منْ صَـبـَرْ

**

والآنَ
تـــفــــــــرحُ إذ تــــــــرانــــا نـــبــــتــــةً

صـَــلُــــحَتْ
و أنـــت الآنَ تـَـــهْــــنـَــأُ بـالـثـمرْ

**

إني
أحــــبُّــــكَ حــــيـــنَ كــنـتَ مُـغــاضِـبــــاً

وأحــــبُّ
فـــيـــكَ تـَـــبْــسُّــمـــًا رغــــمَ الـضررْ

**

والآنَ
أَذْكُــــرُ حــيـــن كــنــتَ مُـــــراوِغـاً

كـــــلّ
الــــذين يـقــــابـــلــــونـــك بــــالْكُوَرْ

**

و
أنــــــــا بـنـفـسـي كـــمْ رأيـــتـُــــكَ لاعـــبــاً

حــين
الــطـــفـــولـــة ثُـــمّ شـــــاهــدتُ الصُوَرْ

**

و
أراكَ إنــــســـــانــــاً قـــــويــــــــــاً دائــــــمــــاً

تحـمــي
الـضــعــيــفَ وكـنــــتَ عَــوْنَ منْ انْكَسَرْ

**

تَـنْــقَـــادُ
فــي يــــــدِكَ الـجــمــــوعُ وأنــــتْ كـمْ

قـُـــدْتَ
الــــجُــــمُــــوعَ لأَجْـــلِ خَـــيْرٍ فـــانْتَشَرْ

**

وصــنـــعـــتَ
مــعـــروفــًا كــثـيــــــــرًا تبتغي

وجـــــهَ
الإلــــــهِ و لا تــــــريدُ بــــــه الــبـَــشَـرْ

**

و
أراكَ شخـــــصــــًـا عـــاطـــفـيـــًا حـــــــــــازمًا

لـــمْ
يـــــطــغَ حــــــــــزمٌ أو عـــواطفُ تُـــفْـتَـقـرْ

**

لـــــمْ
أنـْــسَ أنــّــــك كــنـــــتَ قـبـلــي شـــاعرًا

و
إلىّ مــــنــكَ الـــشـــعـــــرُ أمــــطــــر و انْحـَــدَرْ

**

أَدْعُـــــــــــــــــوكَ
ربّـــي أَنْ تُــكرّم والدي 

وارحمه واغفر أنت أرحم من غفر 

**

 اللهم اغفر لأبي وارحمه،،،

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 1:09 ص

 

سلامًا
على مصرَ أرضِ السلامْ

سلامًا
على نـيـلِهــا الــمُــسْــتدامْ

*

سلامًا
على النيلِ طولَ السّـنـيـنْ

سلامًا
و بَـــرْدًا على الـعــاشقيـنْ

و
نارًا و حـــربًا على المُعـتـديـنْ

 سلامًا على النيلِ نـهـرِ الـســلامْ

**

**

سلامًا
على مصرَ أرضِ الـكـرامْ

سلامًا
إلى جـيـشِـهــــا و احتـرامْ

*

سلامًا
على جـيـشِـهــــا كلَّ حـيـنْ

سلامًا
قـــويــًا فـــــلا يــسـتـكـيـنْ

سلامًا
على جُـنْـدِهــا الْمَـــانِـحيـنْ

نَـفِــيــسـًا
وَ نَـفْـسـًا لِـعِـزٍ يُـــــــرَامْ

**

**

ســــــلامًا
على مــصرَ شَعْبِ السّـلامْ

ســـــلامًا
لِـشَــعْــبٍ رَفِـيـــعِ الْـمَـقَــامْ

*

كــــــريـــمٍ
صــبـــــورٍ وَفِــيٍّ أمــيــنْ

حَــــرِيـــصٍ
عليها وَحِصْــنٍ حَصِيـنْ

ســـــلامــًا
إلــيـهــمْ مِــنَ الْمُغْـــرَمِيـنْ

بـمـهــدِ
الــحضــاراتِ أرض الـعــظامْ

==
==

سلامًا
على مصرَ أرضِ السلامْ

سلامَ
العُـــرُوبَــــةِ والإســـــلامْ

*

سلامًا
عـلـيـهـــا و فـلـسـطــيــنْ

فمصرُ
الأبـيّـةُ تحمي الــعــريـنْ

تَـصُونُ
الْــعُــرْبَ بعزمٍ مـتـيــنْ

إذا
يَمْـرَضُــونَ فَـلَـيْـسَـتْ تـنــامْ

==
==

سلامًا
على مصرَ أرضِ السلامْ

سلامًا
يُـمَـكّــنُ فـيـهـــا الــوئــامْ

*

سلامًا
عـليهـــا ســلامًا عـلـيْـنَــا

سلامًا
فـتـبقــى و تَــقَــرُّ عـيْـنَــا

سلامًا
لِـنَرْقَــى و نَــــرُدَّ دَيْــنَــا

عَـلَـيْـنَـا
و نَـخْـطُــو معًا للأمـامْ

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 12:30 ص


 

أحبــــــكِ
مـصــرُ و أحْـيَـــا هُــنـا

لأنّــي
بــغـــيــــركِ لــســـــتُ أنـا

*

فـفـيـــكِ
الحيـــاةُ وفـيـكِ المماتُ

و
فـيـــكِ الــرجــــاءُ وكلُّ المُنى

*

و قـلـبـي
يــدقُّ بـنـبـضـــكِ أنـتِ

و
يـبـقــى مُـحِـبــاً لــكِ صَـــائِنـا

*

و
عــيــنــي يُــحـــرِّقُــهـا دمـعُـهــا

إذا
راودهــــــا عـنــكِ الــــسَــنَــا

*

فــــأنّى
لقلــبي مــــنْ بــعــــدكِ

حــيــــاةٌ
و قــــدْ فـقــدَ الـموطنَ؟

*

فــمـصـــرُ
لــنــا لـيـســـتْ بــلـدةً

فــحَــسْــبُ
و لـكـــنّــهــــا أُمُّــنَــا

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 12:09 ص

 

 

فِي
انْتِظَارِ الْمَوْت

تجلسُ
مهجتي منهارةً

تَـعْـبَثْ

*

تبكي
و تسألُ دائمًا:

في
الأرضِ كمْ نلبثْ؟

*

يا
مهجتي لا تسألي

و
لترحلي

فقديمُ
جُرحي دائمًا يُسْتَحْدَثْ

سَئِمَتْ
حيــاتي من بقائِكِ

فاغْرُبي

ما
أنتِ إلاّ نَبْتَةٌ و سَتُحْرَثْ

*

أقسمتُ
أنّي لا أُريدُكِ

فاعْلَمِي

مَا
كُنْتُ مُعْتَاداً بِأَنْ أَحْنَثْ

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 يونيو 1, 2023 12:02 ص

 

هُناكَ
حبيبةٌ ضاعتْ

مِنْ
حبيبٍ

لَمْ
يكُنْ يومًا حبيبًا

*

لَمْ
يَقُلْ يَوْمًا أحبكِ

رغمَ
أنّ القلبَ كان يقولُها

رغمَ
أنّ العـــين تَـأْلَـفُ قولَها

رغمَ
أنّ لِســـــانَ حـــالي قالَها

غَـيْـرَ
أنّ لِسانَ جِسْمِي لَمْ يَقُلْهَا

كان
يحسبُ قولها شيئًا معيبا

***

هناك
حبيبةٌ ضاعتْ

من
حبيبٍ

عاش
في الدنيا غريبا

*

عـــاش
يَـسْـطُرُ في كِتابٍ غامضٍ

قَبْلَ
الحبيبةِ… لــمْ يـكـنْ بــدأ الكتابْ

عِـنْدَ
الحبيبة… ينتهـي هدفُ الكتابْ

بَعْدَ
الحبيبة… ليس يبقى مِنْ كِتابْ

تناثرتْ
كلُّ المعاني

تبعثرتْ
كلُّ الأماني

توفّرَتْ
حقًا دواعي الاْكتئابْ

حين
نادى لم يجد مثلى مُجيبا

***

هناك
حبيبةٌ ضاعتْ

من
حبيبٍ

لم
يكن شخصًا نجيبا

*

لم
يكن متفهّماً معنى الحياه

كيف
أنّ العمر يمضي؟

كيف
أنّ لكل بَـــدْءٍ مُـنْــتَــهاه؟

كيف
أنّ الحب أرضي؟

كيف
أنّ حبيبتي كانت سماه؟

كيف
حُبِّـي؟

كيف
أنَ حبــيــبـــتي تــنــســـاه

كيف
ضاعت وانتهت أسطورتي؟

كيف
تبدأُ رحلتي بعد الحياه؟

*****

 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 11:51 م

 

ماذا
بظنِّكِ قد تُفيدُ محبَّتي

من
دون أشياءٍ تليها؟!

*

ماذا
برأيكِ قد تُفيدُ زراعةُ الحُبِّ الجميلِ بقلبِنا

ما
دامَ شخصٌ غَيْرُنا يَجْنِيها؟!

*

بحديقةِ
القلْبِ الحزينِ

ستغرسينَ
ورُودَ حبّكِ

ثمّ
لا تتعهديها

*

و
ستـتركينَ القلْبَ ينزِفُ

ثُـــمّ
يــــذْبُلُ وَرْدُ حـبّــكِ

ثمّ
نَبْكي

ثُمّ
ينبُتُ حينها بالقلْبِ آلامٌ نُعانيها

*

إنّي
أحبُّكِ فاسمعيها

ثُـــمّ
لا تـتـذكريــها

 

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 11:45 م

 

لماذا نخاف؟

إذا كان يومٌ سيأتي علينا ولسنا
نـعـيشْ

إذا كان حقًا سهامُ المنايا ليستْ
تطيشْ

لماذا نخافُ وفي كلّ يومٍ في كلّ قلبٍ
همومٌ تجيشْ

لماذا نخافُ على كلّ شيء فنَبْنِيَ
قلقًا على تشويشْ؟

** **

لماذا نخافُ؟ علامَ نخافْ؟

وكلٌّ منّا هنا مُسْتضافْ

**

فنحنُ ضيوفٌ في أرضِنا

نَــرْحَـــلُ عنْها بـقـلـوبـنـا

أوْ تـــطــردنا وإنْ تُـبْـقِـنا

بقينا حيارى وكنّا ضعافْ

** **

لماذا نخافُ؟ علامَ نخافْ؟

أنَكْرَهُ أنّا ضحايا الجفافْ؟

**

جـفّـتْ دمــاءٌ بعروقِنا

وجفّتْ دموعٌ بقلوبِنا

وجفّتْ فينا أحـلامُنا

نعيش حياةً بلا أهدافْ

** **

لماذا نخافُ؟ علامَ نخافْ؟

وقد أصبحنا بغير ضفافْ؟

**

فنحنُ فرغْنا من بَدْئِنا

وقـد فرّطْنا في عُمْـرِنا

ونبكي كثيرًا على أنّنَا

مضينا حضورًا ونمضي انصرافْ




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 3:11 ص

 


عَامٌ
مَضَى

فِيهِ انْقَضَى

عُمْري
بِحُزْنٍ أوْ فَرَحْ

*

ولعلّ
عامًا قادمًا

يـأتي
بخيرٍ دائمًا

لـتـسـود
أوقات المَرَحْ

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 3:03 ص

 


فيهـــــا
حـــيــــاةٌ بـطــعـــم الـمـَـــوْتِ

و فــيــهـــا
كــــــــلامٌ كمثــل السكوتْ

*

وفيهـــا
حــنــــينٌ لكــلّ بــــعــــيــــدٍ

و فــيــهــــا
هــمــــومٌ و حُلــمٌ يموتْ

*

و
فــيــهـــا يــنــــافــسُ دمــعــي أنـا

دمــــــــوع
الــخــلائق في الملكوتْ

*

و
فـيــهـــا يــمــــارسُ قـلــــبــي أنـا

ريــــاضـــةَ
حـــزنٍ بــه مـكـــبـوتْ

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 2:56 ص

 

وإنّي
ولو كُنت ظلاً حبيسًا

كطيرٍ
بأقفاص يومي وغدي

*

لَعَوْدِي
قريبٌ وتحقيقُ وعْدِي

*

بألاّ
أكونَ سوى من أكونُ بِكَيْنُونَتِي

وبِكَوْنِي
كِياناً كائنَ منْ كانَ

لا
يستطيعُ اختراقَ مجالي

ولا
قُرْبَ حدّي

*

ولا
يستطيعُ التغوُّل فيّ سوى نفسِ نفسي

ولا
يستطيع الخوضَ خِلالَ خَلايايَ

إلايَ
وحدي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 2:52 ص

 


 

عَلَى
مَنْ نَضْحَك؟

على
أنفسِنا؟

أم
أنفسُنا منّا تضحكْ؟

*

هل
أدْمَنّا

أن
نتقمّص شخصياتٍ لا تشبهنا

أم
لا ندركْ؟

*

من
أجْـبَـرَنا

أن
نتمرّس سلبياتٍ لا تنفعنا

لا
نتركها ولا تتركنا

من
أجبرنا ألا نتركْ؟

من
يمنعنا أن نتحرك؟

**

مَنْ
قيّدنا؟

مَنْ
أَحْبَطَنَا؟

مَنْ
أَوْهَمَنَا

أنّا
نحيا في أحلامٍ لا تتحققْ؟

من
علّـمنا

أن
نتعامل باستسلامٍ عند المأزقْ؟

*

من
يتحكمُ في أنسجة الأمل لدينا؟

مَنْ
يمتصُّ دِمَاهَا؟

ومن
يمنعها أن تتدفق؟

من أوهمنا

أن الُحلم القادم شمس قد لا تشرقْ؟

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 2:47 ص


 

أيــن
أقــــــــلامي التي

كــانت
تُحــــرّر دمعتي

فتـزيـــــل
عـني كربتي

و
تصوغها في صفحتي؟

**

أيــــن
أقـــــــــلامـي أنا

كيف ضــاعت
من هــنا

كــيــف
يُـــهـــدم مـن بنا

بــمِــدَادهِ
لــي قصــتي؟

**

أيـــن
أقــــــلامُ الأمــلْ

ما كان
يُعْمَلُ من عملْ

إلاّ
إذا الـقـلـمُ اشتعلْ

لِيُضِيءَ
نـــورًا شمعتي




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 31, 2023 2:38 ص

كيف تكتشف هدفك الحقيقي؟ دع عدوك يخبرك!

هل وجدت نفسك يومًا تائهًا في زحام الحياة، تتساءل في أعماقك: ما هدفي؟ إلى أين أمضي؟ وما الغاية التي خُلِقتُ لأجلها؟ ربما راودتك هذه الأسئلة مرارًا، فبحثت في الكتب، تأملت في تجارب الآخرين، وخضتَ طرقًا تقليدية للوصول إلى إجابة، لكنك لم تجد ما يشبع فضولك. فماذا لو أخبرتك أن هناك طريقة غير مألوفة، لكنها فعالة جدًا؟

دع عدوك يخبرك عن هدفك!

قد يبدو الأمر غريبًا، لكنه في غاية المنطقية. فعندما تعرف ما يحاول عدوك أن يمنعك عنه، تكون قد وضعت يدك على مفتاح هدفك الحقيقي. العدو لا يحاربك عبثًا، وإنما يسعى إلى إبعادك عن غاية تدركها روحه قبل أن تعيها أنت. فما يخشاه منك هو بالضبط ما يجب أن تتمسك به وتسعى إليه بكل قوتك.

من هو عدوك الحقيقي؟

في حياتك، تواجه أعداءً كُثر، لكن العدو الأول والأخطر هو الشيطان. تأمل في حقيقته، واسأله سؤالًا واضحًا:

لماذا تعاديني؟ وما الذي تحاول أن تبعدني عنه؟

سيحاول تشتيتك، سيغرقك في مغريات زائفة، لكنه لن يبوح بحقيقة خوفه منك. ومع ذلك، لو أنصتَّ جيدًا، ستجد أن غايته الكبرى هي أن يُبعدك عن الجنة، عن النور الذي كُنتَ تسعى إليه منذ خُلقت. وهنا تكمن الإجابة: هدفك الأسمى هو أن تصل إلى هذا النور، أن تحقق الفوز الأبدي.

لكن العدو لا يأتي في صورة واحدة، فهو قد يكون نفسك التي تُثبطك، أو مخاوفك التي تعيقك، أو أشخاصًا يريدون أن يطفئوا نورك. كلما شعرت بمقاومة، اسأل نفسك: ما الذي يخشاه هذا العدو مني؟ فإن كان يخشى أن تتعلم، فتعلم، وإن كان يخشى أن تنجح، فاسعَ للنجاح، وإن كان يخشى أن تسير في طريق الخير، فذلك هو دربك الحقيقي.

أمثلة تاريخية مصرية وعربية وإسلامية

على مر التاريخ، أدرك العظماء هذه القاعدة الذهبية، فاستطاعوا تحديد أهدافهم من خلال معرفة ما يخشاه أعداؤهم منهم:

  1. عمر بن الخطاب -رضي اللّه عنه-: عندما كان الإسلام في مهده، كان كفار قريش يخشون إسلامه خوفًا من أن يقوي الدعوة، فكان ذلك وحده دافعًا كافيًا له ليعلن إسلامه جهارًا ويقف في وجه الظلم.
  2. صلاح الدين الأيوبي: عندما أدرك أن أعداء الأمة الإسلامية يخشون وحدة المسلمين وقوتهم، جعل هدفه الأول توحيد مصر والشام ثم تحرير القدس. فكان خوف الصليبيين من نهضته دليلًا واضحًا على الطريق الذي ينبغي أن يسلكه.
  3. أحمد عرابي: حين وقف أمام الخديوي توفيق وأدرك أن المستعمر الإنجليزي يخشى صحوة الشعب المصري، جعل هدفه توعية الشعب والمطالبة بحقوق الجيش، لأن هذا ما أراد الاحتلال طمسه.
  4. الحسن بن الهيثم: حينما حاول البعض ثنيه عن البحث العلمي، أدرك أن خوفهم من نشر العلم هو إشارة إلى أهميته، فاستمر في أبحاثه حتى أصبح من أعظم العلماء في البصريات.
  5. رفاعة الطهطاوي: كان الاستعمار يخشى تنوير العقول العربية وإحياء التعليم، فكرس حياته للعلم والترجمة ونقل المعارف من أوروبا، ليواجه بهذا سلاح التخلف الذي أرادوا فرضه.

كيف تكتشف هدفك من خلال عدوك؟

كل ما عليك فعله هو أن تسأل نفسك:

  1. ما الشيء الذي يُثير سخط عدوي؟
  2. أي طريق يحاول أن يسدّه أمامي؟
  3. ما الأمر الذي يُزعجه إن فعلته؟

ستجد الإجابة واضحة أمامك: هدفك هو الشيء الذي يحاربك عدوك حتى لا تبلغه.

الخطوة العملية نحو هدفك

عندما تكتشف ما يخشاه عدوك منك، لا تتردد، بل امضِ فيه بكل عزم. فإذا قال لك: لا تفعل هذا أبدًا! فاعلم أنه هو بالضبط ما يجب أن تفعله. لا تتوقف، لا تلتفت، فالحقيقة قد تجلت لك، والآن عليك أن تخطو إليها.

نصيحة ذهبية

حين تتوه بين الطرقات، لا تبحث بعيدًا، بل انظر إلى حيث يشتد الصراع، حيث تُبذل أقصى الجهود لردعك. فعدوك، وهو يخطط لإسقاطك، قد كشف لك عن كنزك دون أن يدري. إن ما يخشاه منك هو بالضبط ما وُجدتَ لأجله. لا تتردد، ولا تنحرف عن مسارك، فهناك، في نهاية الطريق، ينتظرك تحقيق الذات والفوز العظيم.

خاتمة

قد تكون هذه الطريقة غريبة، لكنها منطقية، بل وعملية جدًا. فجربها الآن، واسأل نفسك: ما هو الشيء الذي يخشاه عدوي مني؟ وما إن تكتشف الإجابة، انطلق فورًا نحوها دون خوف. لأن من عرف طريقه، لن توقفه العوائق، ولن تضلله الظلال.

سمير حيطاوي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 8:36 ص


 

زمـــنٌ تـهـــــــاوَى فـيـــه صـَحْــبـِي أنّـهُـمْ


كـــانــوا ســــــرابًا خـــــادعًا مُـتـَـلوِّنـا

*


كــــانــوا كشمسٍ غابَ عنها ضوؤُها


لــكــــنّ عَـيْـنِي أوْهَـمَـتْــنِـي بــالـسَنَا

*


فَـظَـنَـنْـتُ أنّ الصــــدقَ كُــلَّ حياتِهمْ


فـوهـبـــتُــهـــم حُـــبــًا عفـيـفًا بـيِّــنا

*


فـــأنــــا كـطــيــرٍ بــاتَ يبني عُشَّهُ


حـتـى أتَـتْــهُ الـــرّيحُ تَــهْــدِمُ ما
بنى

*


أَفَهَـلْ يُــســامحُ دمعُ قلبي صحبةً


كــــان الـوفيُّ منهمُ لي خـــائـنـا؟

*


كـــانــوا قليلاً ما تَسُؤْهُمْ دمعتي


أو يمنحوني في مصابي أعْيُنَا

*


أو يسكبون إذا صرختُ دموعَهمْ


كــمـــداً عـلـيّ لعلّـنـي أنْ أَسْكُنَ

*


أو يَشْرَحُونَ إذا شكوتُ صُدورَهُمْ


حـتّى يـفـيـضَ أنـيـنُ همّي مُحْزِنا

*


لكــنّ هــــذا لــنْ يكونَ؛ فَلَمْ يَكُنْ


ووداعُهمْ قَدْ باتَ حقًا كــائـنـا

*


فأنــا الـمـرفّـــعُ عن حياةٍ كلِّها


غدرٌ وفيها الظـــــلمُ صارَ مُهَيْمِنا

*


و مُفارِقٌ دنـيــا الـخــداعِ وأهـلَها


و فِـــرَاقُهــــمْ ما كان شيئًا هـيِّـنا

*


لكنّني ما كنتُ يومــًا مُـبْـقِـيـــًا


عِنْدي صديقاً باع حُبّي أو جنا

*


أفَـتَـحْـلُـمـونَ بأنْ نعود أحبةً؟

 

بُعْدًا
لَكُمْ بَعُدَ السما عن أرضنا
*****




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 6:49 ص


 

هي كالفراشةِ لا جمالاً إنّما


في أنّها


تَهْوَى هُبوطًا


لامْتِصَاصِ رحيقِ إنسانٍ وتتركهُ لآخر

*


هي لا تُريدك أنْ تدومَ و ربّما


 أَيْنَعْتَ بَعْدَ رحيلِها


فَتَعُودْ

*


هي لَمْ تَكُنْ يومًا بِتـلـكَ الصُّورةِ
المُثْلَى


فأنْتَ الذي شَكّلْتَها ورسمْتَها 


بِعُيونِ
قلبِكَ


ذلكَ المَحْدُودْ

*


هي لمْ تَعِدْكَ بأيّ شيءٍ إنّمَا


أنتَ الذي أَخْطَأْتَ حِينَ


قَطَعْتَ مِنْكَ عَلَيْهَا 


غافِلاً


تلكَ الوعودْ

*


هي لمْ تَكُنْ ذاتَ المبادئِ والمُثُلْ


هي لَمْ تَكُنْ


أنْتَ الذي كوّنْتَها


جاوزتَ مُحْتَمِلاً لَها


كُلَّ الحُدودْ

*


يا أيُّها المخدوعُ في وجهٍ طُفوليِّ
المَلاَمِحِ


مُسْتَنِيرٍ حِينَ تَنْظُرُ


ثمّ بعدَ رحيلِ عَيْنِكَ عَنْهُ يَبْدَأُ في
الخُفوتْ

*


يا أيُّها المخدوعُ في قولٍ لها


يا أيُّها المخدوعُ حتّى في السّكُوتْ

*


يا أيُّها المخدوعُ في عينٍ تَظُنُّ بِأنّها
كانتٍ سَكَنْ


يا أيُّها المخدوعُ حقَّــــكَ أنْ تُشيحَ
بوجهكَ الآنَ


وحقّــكَ أنْ تُطيحَ بقلبِكَ المهزومِ إنْ يومًا
رَكَنْ

*


اغْرُبْ بقلبِك َعَنْ سماها


و اهْرُب بلا عَوْدٍ


فإنّ هروبك الآن الشجاعة


و تكونُ أجْبَنَ من رأيتُ إذا تُفَكِّرُ في
البقاءْ

*


اهْرُبْ بحقٍ


لا سلامَ و لا كلامَ و لا لقاءْ

*****




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 6:41 ص


و حُبٌ يجئُ و حُبٌ يروحْ


و قـلـبٌ كتومٌ و قلبٌ يبوحْ

*


و حُبٌ يُخلِّفُ قلباً سعيدًا


و حُبٌ يُوَلّدُ فينا جُروحْ

*


و حُبٌ بعقلٍ و حُــبٌ بـقـلبِ


وحُبٌ ضَعِيفٌ وحُبٌ جَمُوحْ

*


و حُبٌ بـعَـيْـنٍ وحُبٌ بِهَمـْـسٍ


وحُبٌ بِصَمْتٍ وحُبٌ صَدُوحْ

*


و حُبٌ نُحَقّقُ فيهِ الأَمَانِي


وحُبٌ يدمّرُ فينا الطُموحْ

***** 




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 6:35 ص


 

الحبُّ تكلّمَ ويقولْ:


بسم اللهِ أنا حبٌ


قـــد كـنـــتُ أجـــولْ


*


بقلوبِ الناسِ بلا قيدٍ


أو إذن دخولْ


*


قد كنتُ مُشاعًا مُطاعًا


و يُنفَّذ ما كنت أقولْ


*


حذّرتُ العالمَ من موتى


فأنا الحبُّ و إن لمْ أعملْ سوفَ أزولْ


*


حذرت العالمً من فقدي


فــأنــا كـنــزٌ إن لــم أُحْفَظْ


فــمــصـــيـــر الـعــالم مجهولْ


** **


من سيـُنـــيرُ طَـريقَ الأعْــمـى؟


من يـتـرفقُ بالضـعــفــاءْ؟


 من
سيغطّى الطفل النائمَ


في ليلة بردٍ و شــــتــاءْ؟


من يتبرعُ ذات مساءٍ


من أجل غريبٍ بغطاءْ؟


**


من يُجْـبِرُ أمّاً


أن تحضن طفلتها


إن سمعت منها صرختها


أو بعضَ بكاءْ؟


**


من يُجْبِرُ ابْـنــًا


أنْ يحمل أمّاً عاجزةً


في يومٍ لتزورَ الكَعْبة؟


**


والوالد من ذا يجبره


أن يرعى الابن ولا يَعْبَأ


بظروفٍ صعْبة؟

 

**


من يمنح هذا الطفل البسمةَ


حين يرى بيديه اللعْبة؟


**


من يُنهي فزع الإنسانِ


و يهديهِ و يؤمنُ رعْبه؟


**


من يفعل ذلك


هل أحدٌ غيري؟


لا يمكن أبداً ولذلك


**


يا هذا العالمُ لا تنسى


فسفينةُ عمرك يا عالمُ تقترب الآن من المَرْسَى


لا تزرع شوكاً و تُمنّي نفسك بورودْ


فحصادُ الشئ كما غُرِسَ


*


لا تسقِ العلقمَ يا عالم


فلـبـئس الــــوِرْدُ الـــمَـوْرودْ


يا عالــمُ أفــهمــت الدرسَ؟


**


يا عالمُ لا تغفلْ أبداً عن ذكر اليوم الموعودْ


يا عالمُ ما أنت بدوني إلاّ أصـحــابَ الأخدودْ


**


و حين أعُود


لن أحـتــاجَ لأعــــــــرافٍ دوليّة


لن يبقى معنىً عندي لحُدودْ


**


سأوحّـــدُ كُــلّ الأعراقْ


الأبيضُ عنـدي كالأسود


و الدول جميعـاً تتســاوى


بريطانيا روسيا ألمــانيـا


كوريا أو سوريا و عراقْ


لن يجمع بين البــلــدان


مــصـلــحــةٌ لـكـنْ أخلاقْ


**


ألقيت بياني وسأغفو


حتى ميعاد الإشراقْ


*****




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 6:28 ص


 

حبيبتي الآنَ


ليستْ مـعي


و عيني تذرفُ من أدْمُعِي


بحاراً


و نارُ الحبِّ تزيدُ بماءِ الدّمُوعِ


فلا تسمعي


لمنْ لا يُريد لنا أن نعود


وهيّا إلى حضنِ قلبي ارجعي


*


وهيّا تعالَيْ نعزفُ لحنًا


ونهربُ من قسوةِ الواقعِ


*


فها قد وقفتُ أمُـدُّ الأيادي


أنادي عليك ألا فاشفعي

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 6:10 ص

 


يــــــا قــلــبُ تــــوقّـفْ عــنْ نبْضِكَ


نــبــضُ الــــحُـــــبّ الآنَ بــــــــلاءْ


*


يــــا قــلــــبُ تـوقّــفْ صــــدّقْـني


إنّ الـــــحـُـــــبّ لمــثـــــــلـكَ داءْ


*


أنْـــتَ الآن تــقـــــــولُ أُحِــــبُّ


و أنــــــا مِـنْـــــكَ الآنَ بـَـــــرَاءْ


*


فـــأنــــا الآنَ أمـــرُّ بـوقْــــتٍ


فيــــه الــحزنُ صبــــاحَ مساءْ


*


وأنـــا أَضْـحـــكُ حـتـّـى أُخْـفِي


خَلْـــفَ الضـحـــكِ بحــــارَ بُكاءْ


*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:59 ص

 

حبُّكِ مثلُ المطرِ السائلِ


في أرضٍ جرداءْ


*


حبُّــكِ يــأخذني من نفسي


حبُّكِ يـقـتــلــني


يــحـيـيني


حبُّكِ يجعــلني كـــالطـائرِ


أسْبَحُ في دمعي أشواطًا


ثمّ أطير ُبحزني في الأجـــــــواءْ


حبك داءٌ


لكنْ عندي خـيــرُ دواءْ


*****


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:49 ص

 

تُغَــازِلُنِي بـإِمْــرَاضِي


وتَجْهَلُ سِرَّ إِعْرَاضِي!


*


أَلَسْتِ تَرَيْنَ أَعْرَاضِي؟


أَلَسْتِ تَرَيْنَ رَفْضَ الصبرِ إِقْرَاضي؟


أَلَسْتِ تَرَيْنَ أَنَّ الفـرحةَ انْدَثَرَتْ


و صـــارتْ بـسـمـتي مــــاضي


*


سـيَـصْــــدُرُ حُـكْــمُ تــرويضي


وقــلــبُـــكِ أصــبــحَ الــقــاضي


و قـــلــبُــكِ لــيــسَ يــرحـمُني


سَــيَـــرْقُـــصُ فـــوقَ أنقاضي


*


تـعـــالَــيْ عـــالــجِــي قـلـبـي


تـــعــالَــيْ قــبــل إِغْــمَــاضي


*


تــــعـــالَـيْ حـقّقــي حُـلْــمـي


وكُــــونِــي سِـــــرَّ إِنْهَــاضي

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:42 ص

 

عـليكــم ألــقـــيــتُ هـــذا السؤالْ


هـــــــل الــحبُ أكذوبةٌ أم خيالْ؟


*


أمْ الحـــبُّ نبضُ قـلــوبِ الأحـبّةِ


أمْ هـــــو بـعــضُ كـــــلامٍ يُــقـالْ؟


*


أفي الــحبِّ حقدٌ؟ أفي الحـبِّ نـقـدٌ؟


أفي الــحبِّ نصــبٌ؟ أفيهِ احـتـيـالْ؟



*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:36 ص

 

لا أعـرفُ إِنْ كُـنْتُ أُحِبْ


و لــذلـك سَـأُنِـيـبُ القلبْ


ليُجيبَ سُؤالي


*


كيفَ تُفسّرُ لي يا قلبي سُرعةَ نبضك


كيفَ تُفَسّرُ لي أحوالي؟


***


هل أحببتْ؟


إِنْ قُلْتَ نـعم يــا قلبي


فلتُعلِنْ للناس سُقوطي


*


بَـعْـــدَ صُمُــــودٍ دامَ كثيرًا


جـــاء أخيرًا


من يُنسيني اليوم شروطي


*


أنا مُنْتَظَرٌ قد لا يأتي


أمْ أنا قادمْ؟


هل هي تعرف أنّى قادمْ؟


أمْ لا تــدري شيـئـــاً عــنّى؟


حين تراني هلْ ستُقاوِمْ


أمْ ربـّـمــا ترفضها عيني؟


*


يا للدنيا!


لا أعرفُها ولا تعرفُني


لكنْ أُقْسِمُ


سأرافقها وتُرافقني


حتّى كَفَنِي


فأنا رجلٌ مَــلّ ركوب البحر بدون السفنِ
*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:33 ص


 

تَـبْـدَأُ نشرةُ أخبارٍ للحبْ


يُعْلِنُ فيها مذيعُ النشْرةِ عن بُشْرى للقلبْ


*


الـيـــومَ تُـحَــاكُ حِـكـايَـتُـكَ


بَــــلْ كُــلُّ العـــالَمِ يحكيـكْ


*


لا تحزنْ من أجل الماضي


فـحـبـيـبـةُ عـمـركَ تـكـفـيكْ


*


هــي تـبـتــســــمُ وأنــت كــذلِكْ


هــي فـي يـدكَ وأنــت الـمــالِكْ


هي مصبــــاحُ الـليـلِ الــحـالِكْ


هــا هي شــعــرٌ مـن أعمالِكْ


هـلْ يُرْضِـيـــكْ؟

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:27 ص

 


لَــــوْ رَحِـــيــلِي عَـــنْــــكِ
يـُــجْـــدِي


أَوْ يُــــزِيــــــلُ هُــمُـــــومَ
وَجْــــدِي


*


أَوْ يـــزيــــدُ رصــيـــــــدَ فَـــْرحِـــي


أو يُــــعـــيــــــدُ سِـــنـــيـــنَ مَـجْـدِي


*


أوْ يُـــحـــيــــلُ رمـَـــــادَ جـــرْحــي


بَــسْـــمَــــةً لــلـــحـُــــــبِّ
تَـــهْـــدِي


*


كُــنـــتُ أرحـــــلُ عـــــنـــكِ فــورًا


دونَ إخـــــــــــــــلالٍ بــِـــــوَعْـــدِي


*


كُــنـــتُ أرحــــلُ عــــنــكِ فــــــورًا


دونَ تــــقــصـــــيــــرٍ و عِـــــنـــــدِ


*


كــيـــفَ أرحـــــلُ عـــنــــكِ كـيـفَ


و أنــــتِ لـَــسْــتِ الآنَ عــنـــدي؟


*


كــــيــــفَ أرحــــــلُ خــــــبـّـــريني


كـــيـــفَ ألْــغَـــى الْـــحُـبُّ عَـقْـدِي؟


*


لَــــسـْـــتُ أحْـــــيـَــــا
صـــدّقـيــنــي


و اتـْـــركـي لــلـــــــحُـــــزن نَــقْـدِي


*


فــلـــتُـــجـــيـــبــــي و اصْـــدُقـيـنـي


كــــيــــفَ يَــفْــعَــــلُ فـيـكِ
بُـــعْــدِي؟


*


كـــيــــفَ أنــــتِ وكــيـــفَ صِـــرْتِ


و كـــيـــفَ حـــالُ الـــحُـــبِّ
بَـــعْــدِي؟

*****




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:21 ص


 

لــقــد دُرْتُ بــين الــوجــــوهِ بـعَـيْـنِي


لأبــحـــثَ عَــنْــك قَــرِيــبـــًــا
مــنّـى


**


فـلا الــعــينُ تـُبْـصِـــرُ وجْـهًا
مـضيئاً


و لا الــقــلـبُ يَـسْــلى بِـفَـــــرْطِ
التمنّي


**


و لا قـــد تـــصـــبـّـرتُ وقـــتــًـا قليلاً


بـإنــشـــــادِ شـــعـــرٍ و لا بـالـتـغـنّي


**


و لا أنت عُدْت كـمـــا قـَــدْ وَعَـــدْت


و لكــــنْ أفـضِّـــلُ بـــعــضَ الــــتأنّي


**


فــلــمّـا تـــــأخّـــرْت هـــبـّــتْ ظنوني


و لـمّـــــا رأيْـتُـــك ذهــبــــتْ عـــنـّـي


**


و لـــمّـــا تكـلّـمـْـت ضَـحِـكَتْ عُيـوني


و لـــمـّــا تـبسّـمْــت أضْـحَــكت حُزني


*****




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:15 ص

 

هَـذَا الدّيوَان


تشكّــــلَ حقـًا مِـــنْ أغْــلى كـلـمــاتي


لكنّ
معانيهِ اقتُبِسَتْ مِنْ تِلكَ النّظراتِ


عَـيْـنَـاكِ
تحاول أن تظفر منّى بحياتي


و الـقـلـبُ
تـلَـعْـثـمَ لـمْ ينطقْ


فــتــركـــتُ
القلبَ لصدمتهِ


ووهـبْـتُــكِ
ذاتي

*****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 30, 2023 5:06 ص

 

يبحث عنه في كل أرجاء الدنيا ولا أثر له، يتساءل في
حيرةٍ شديدة:

أين فررت مني؟ لا يمكن لإنسان أن يجد مهربًا مني، إنني
الموت ولي ساعة دقيقة، ولحظة محددة، إذا حللت فيها لا أرتحل حتى آخذك معي، فأين
أنت أخبرني؟

يدير الموت عينيه في المكان حتى تقع عليه، فينظر له
ويقول في ظفر وفرح:

ها أنت لقد ظفرت بك.

يقترب الموت منه لحظةً بعد لحظة، ينظر له ويبدو عليه
تعجب شديد، ولسان حاله سؤال يطرحه:

ما هذا؟ لا يمكنني أن آخذك معي، لا يمكن أن تموت.

تطغى على وجهه علامات الاستغراب.

ولماذا؟

يجيبه الموت:

لأنك ميت.

كيف هذا؟ إنني على قيد الحياة، ما زلت أمشي، ما زلت
أتكلم، صبرًا أيها الموت سأحضر لك أحد البشر ليخبرك أنني حي.

يا عزيزي لست بحاجة إلى هذا، إنني أعرفك أكثر منك ومن
غيرك، إنني الموت وأنا أَعْرَفُ بالموتى والأحياء، وأنت استوفيت شروط الموت كاملة.

فُغِرَت شفتاه على مصراعيهما دهشةً.

ماذا؟ شروط الموت؟ ماذا تعني؟

أعني أنّ لي شروطًا لا بد أن تستوفيها لتكون ميتًا، وهذه
الشروط متوفرة فيك بكاملها.

ثم أضاف الموت بصوت ممتلئ بالحكمة:

الشرط الأول؛ «أن يكون يومك كأمسك وصباحك كمسائك، جمود
وركود»، هل هذا الشرط متوفر فيك؟

نظر لأعلى مفكرًا ثم أومأ برأسه موحيًا بتوافره.

الشرط الثاني؛ «لا تُضِيفُ شيئًا، وإنْ أُضِيفَ إليك»،
هل يتوافر فيك هذا الشرط أيضًا؟

لا أفهم ما تقول أيها الموت وضّح لي مقصدك.

سأوضح لك الأمر تمامًا، من يموت ويفارق الحياة لا يمكنه
أن يضيف عملًا جديدًا، لا يمكنه أن يفعل فعلًا حسنًا يثاب عليه، ولا سيئًا يعاقب
عليه، ولكنه مع ذلك يمكنه أن يتلقى من الآخرين إعاناتهم ومساعداتهم له، فهذا يدعو
له، وذلك يستغفر له، وبذلك فهو يضاف إليه. انظر إلى حالك الآن هل تضيف شيئًا؟
بالطبع لا؛ إذًا فأنت ميت ولو أضاف لك الآخرون.

صدّقَ على كلام الموت فاستمر يقول:

الشرط الثالث؛ وهو «لو عادت الأيام»، وهذا الشرط مهم
للغاية لتكتسب لقب ميت، يجب أن تردد دائمًا وفي كل مناسبة وبدون مناسبة، لو عادت
الأيام الماضية لفعلت كذا وكذا، وليكتمل تحقق هذا الشرط يجب أن تقول هذا وأنت
متناسٍ تمامًا أن الأيام تعود إليك دائمًا، كل يوم تتجدد الحياة وتعود الأيام وأنت
لا تفعل شيئًا.

أومأ برأسه متفهمًا فواصل الموت.

الشرط الرابع؛ «الآخرون هم السبب»، وأظن أن هذا الشرط
واضح لا يحتاج لشرح، فما عليك فقط إلا أن تفعل الأشياء الخاطئة وتبادر إلى إلقاء
تهمة فشلك على الآخرين.

صمت الموت قليلًا قبل أن يضيف.

أمّا الشرط الخامس؛ «سِرْ على غير هدى وإلى لا مكان»،
عليك أن تسير بدون وجهة محددة، وأن تتبع سرابًا، وأن تسير في الطريق الخطأ لتسقط
ميتًا في النهاية.

أنهى الموت شروطه الخمسة واسترخى في مكانه وهو يخاطبه
بصوت رتيب:

إنك مُقِرٌ بأن شروط الموت متوفرة فيك، أليس كذلك؟

وافقه الرأي بإيماءة من رأسه.

وبعد فترة من السكوت والسكون ابتسم
ابتسامة ملؤها الثقة والذكاء، وتحدث بنبرة ظافرة.

 أنت لست الموت.

ماذا؟ أنا لست الموت، إنك تمزح بلا شك.

لا بل أتكلم بكل جدية، إنك لست الموت، انظر إلى نفسك،
ألا ترى أنك تفاوضني والموت لا يفاوض؟ ألا ترى أنك تكلمني والموت يعمل في صمت؟ ألا
ترى أنك أخرتني عن وقتي والموت لا يؤخر ولا يقدم؟

أصابت كلماته الموت بصدمة قاتلة، فدار حول نفسه دورتين،
وسقط أرضًا ثم نهض متحولًا لهيئة أخرى، وهو يتساءل في ذهولٍ شديد:

من أنا؟

استرخى وبدا كأنه محلل استراتيجي وهو يجيبه.

أنت قَدَري أتيتني في صورة الموت عندما احتجتك، أبلغتني
الرسالة قبل أن يأتي الموت، إنك دائمًا تسبق الموت بخطوة، تأتي قبله لتحذرني، فأنت
تصنعني وأنت من صنعي، أنت الموت قبل الموت، أنت حادثة أصابتني، كارثة حلت بي
فجذبتني من يدي وعرفتني على حقيقة حياتي فعشت بعدها سعيدًا إلى أن جاء الموت، وها
قد جئت إليّ لتحذرني من الموت فارتديت ثياب الموت، هكذا أنت دائمًا لا تنادي عليّ
بأعلى صوتك احذر هذا أو ذاك ولكنك تحذرني بالفعل؛ والآن هل لك من كلمة تريد أن
تقولها لي؟

سكت القدر برهة، ومسح وجهه بكفيه، وقال مبتسمًا:

حقيقةً لقد حسبت أنني الموت فعلًا، فمن شدة تقمصي
للأدوار أظن أنني هذا الشيء أو ذاك، ولكنني لا أفعل ذلك إلا رغبةً في تحذيرك،
وأرجو أن تنتبه لي جيدًا من الآن فصاعدًا، اقرأ كل رسائلي ودونها عندك في مذكراتك
الخاصة، سمّها إن شئت «رسائل القدر» واقرأها كل حين حتى لا تنسى، وأخيرًا أحب أن
أقول لك «لا تـَـمُـتْ وأنت على قيد الحياة، فأحيانًا يأتي الموت قبل أن تنتهي
الحياة».

أتمّ القدر جملته وانصرف متبوعًا بعبارات الشكر الجزيل
التي ظلّ يرددها حتى أحسّ أن عينيه تؤلمانه، وشعر برغبة شديدة في فتحهما، بدأ يفتح
عينيه والتساؤلات تنهمر من عقله.

ما هذا؟ لماذا عيناي مغلقتان؟ هل ما زلت لم أولد بعد؟
لا؛ إنني على قيد الحياة منذ زمن بعيد، هل أنا نائم؟

فتح عينيه فارتطم بهما ضوء شديد القسوة فأغمضهما سريعًا
محدثًا نفسه:

أين أنا؟ ولماذا كل هؤلاء حولي؟ ماذا جرى لي؟ وما هذه
الأسلاك والخراطيم التي تكبل ذراعي؟

ذاكرتي تؤلمني من شدة عصري لها، ولكن لابد أن أتذكر، آه
لقد تذكرت، بالأمس كنت أقود سيارتي، وأصابني شعور طفولي بديع، ذلك الشعور المصاحب
لركوب المراجيح؛ مرةً للأعلى، ومرةً للأسفل.




#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:25 ص

 

مضت دقيقتان.

أسبحُ في الفضاء المظلم الفارغ، أتمنى أن أظل هكذا
للأبد؛ تتقاذفني أمواج متلاطمة في ظلامٍ مدلهم، لا أبكي ولا أضحك لا حزناً ولا
فرحاً.

مضى شهران.

الوضع صعبٌ للغاية.

مقلقٌ جداً.

الآن أتنفس بسهولة؛ ولكن كيف سألتقط أنفاسي إذا تركت هذا
العالم؟

كيف سأعيش؟ كيف سأجد مقومات الحياة التي أحتاجها في مكان
غير هذا؟

هنا كل شيء متوفر.

مرغمٌ أنا على الانتقال لكوكب آخر أو عالم آخر أو دنيا
جديدة.

لا أرغب في أن أغادر البيت، لا أحب مفارقة هؤلاء الناس
الذين يهتمون بي بشدة، يلاعبونني، يُضحكونني، يتسببون في بكائي أحياناً؛ لكنّي
أفضل أن أبقى معهم على الدوام، ولكن مع الأسف الشديد لا سبيل إلى ذلك، فقد تواصلوا
مع الحضانة وأخذوني في زيارة إليها، سحبوني من يدي وجابوا بي أرجاء الحضانة كلها،
بدأت أشعر بالألفة بيني وبين ذلك المكان، لكنني لا أريد أن أتركهم أيضاً.

أرغموني على الذهاب إلى الحضانة، بكيت بكاءً مريرا في
اليوم الأول، والثاني، والثالث، والرابع بدأ يخفت صوت بكائي فيه، وفي نهاية
الأسبوع الأول تلاشى البكاء تمامًا وحل مكانه الضحك واللعب، في الشهر الثاني بدأت
أبكي وأنا مفارق للحضانة لا أريد أن أتركها، لا أريد أن أذهب للبيت، لا أريد أن
أعود إلى هؤلاء الناس الذين أحبهم، ما زلت أحبهم حقاً؛ لكنني تأقلمت مع الوضع
الجديد، أحببت الخروج من البيت؛ لم أعد من هواة السكن والسكينة والمكوث في مكان
واحد لفترة طويلة.

سبعة أشهر.

عندما آن أوان المدرسة بكيت لفراق الحضانة لكنه بدا
بكاءً ظاهرياً، ليس بالشدة ذاتها التي بكيت بها سابقاً.

وهكذا في الجامعة في اليوم الأخير يوم التخرج كان الكل
يبكي للفراق.

عندما مُت حدث الشيء نفسه، بكيت وبكى الجميع.

 

تسعة أشهر.

غادرت مقري.

فتحت عيني مرغماً.

صرخت.

لماذا أخرجتموني من هنا؟! تباً لكم.

كيف سأتنفس الآن وكيف سأتغذى؟

لقد كان كل شيء ميسراً لي من دون مجهود.

مَنْ هذا الأبله الذي يضحك لبكائي؟

لماذا يضربني؟

من هذه الجميلة ولماذا تُقَبِّلُني؟

صوتُها ليس غريباً.

مألوف جداً بالنسبة لي.

تبدو مثلما تصورتها تماماً؛ جميلة جداً والأجمل من
جمالها أنها تعاملني برفق وتهتم لأمري جيداً.

أدركتُ أنني للتوّ قد غادرت رحمها!

رأيت مصيري كله وأنا فيه والآن حان الوقت لأنسى هذا
المصير وأعيشه مرة أخرى.

مضت فترة.

اعتقدت أنني وجدت أخيرًا المكان الذي سأستقر فيه للأبد.

مع الأسف.

أدركتُ أنه قد خاب ظني عندما حفروا حفرة ووضعوني في باطن
الأرض كأنني بَذْرة؛ ولكنهم لم يتعهدوني بالرِّي، ظننت أن هذا هو مستقري.

ولكن خاب ظني للمرة الأخيرة وأنا أنتفض خارجاً من رحم
الأرض إلى الأبد.

#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:20 ص

 

وقف ينظر للشمس وهي تزيح الظلام من
طريقها رويداً رويداً، يفكر.

ربما لو استيقظنا من نومنا يومًا
ووجدنا مشكلات الحياة قد استيقظت من نومها مبكرًا قبل أن نفيق نحن وقبل أن ينبعث
ضوء النهار، وحزمت أمتعتها وألقت علينا نظرة إشفاق ونحن مازلنا ننام هناك في وداعة
حيث لا نَظْلِم ولا نُظْلَم، ثم طبعت قُبْلَةً على جبيننا وذرفت دمعة فراق ملتهبة،
ووقفت على باب بيتنا وألقت نظرة وداعٍ أخيرة، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا وأغلقت الباب
خلفها وانطلقت حاملةً أمتعتها تحت جنح الظلام الذي يبدده انفجار ضوء ضعيف، وهرولت
وركضت حتى اختفت للأبد.

ربما لو استيقظنا ووجدنا مشاكلنا
فعلت هذا وغادرت، لَـتَـرَكْنَا حياتنا كلها من أجل البحث عنها وخرجنا في أعقابها
مهرولين راكضين، وربما لا نعود حتى تعود هي أو نفنى قبل أن نصل إليها، ربما من
الصعب علينا أن نفارقها أو تفارقنا، ربّما كانت هذه طبيعتنا؛ نتفاعل مع الكبد
والمشقة والمشاكل حتى نَنْضُج، وربّما نحن في هذا مثل الذهب؛ ذلك الفلز النبيل
الثمين ذو اللون الأصفر المائل للحمرة الذي يُستخرج غالبًا من باطن الأرض؛ كان
مَدْفُونًا، يُعالَجُ، يُصْهَرُ؛ يُنَقّى، يَلْمَع، ربّما.



#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية


✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:18 ص

 

كلمةٌ لا يعرفها، لا يندم على ماضٍ
أبدًا، فالماضي عنده كالماء في حالته السائلة، تمّ تسخينه فأصبح بخاراً في الحاضر،
ثم هو في المستقبل قد استحال سحابةً تمطر ماءً جديداً، وأملًا جديدًا.

الدنيا لا تستمر على حالٍ واحد؛
فالماضي لبعض الناس آلام وفقر واحتياج، وحاضرهم غِنىً وراحةٌ وهناء، ومستقبلهم رغم
أنه لا يعلمه لكنْ من المحتمل أن يستمر رخاءً، وربما عاد إلى سابق عهده في الماضي.

والماضي لأناسٍ آخرين كان سرورًا لا
ينقطع، وحاضرهم كدر، ومستقبلهم متأرجح بين الحالين… فبعد أن عَلِمَ هذا، ما الذي
يستحق أن يندم عليه؟ بل أصبح يقول لنفسه: ربما مَـرَضِي الذي أصابني في الماضي
حررني في الحاضر من المرض فأصبحت معافى، وربما الفقر الذي كبّلني فيما مضى يكون
ضريبة قد دُفعت وأحصد بعدها غنى لا ينبّت.

#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:15 ص

 

يحتدم الحوار بينهما؛ يقول أحدهما وهو يشيح بيده
الحديدية اللامعة للأعلى في استنكار:

«أما زلت تؤمن أن هناك ما يسمى بالإنسان في هذا الكون؟
أما زلت على اعتقادك بأنه هو الذي صنعنا؟ يا صديقي لا وجود لهذا الإنسان إلا في
خيالك».

اعترض الآخر بكل الشدة.

«بل الإنسان موجود وهو الذي صنعنا بالفعل، وصنع لنا هذه
الأجسام الحديدية، وقام ببرمجتنا بأنظمة الذكاء المختلفة، وهيّأ لنا هذا المكان
لنعمل فيه».

أشار إلى نفسه وهو يضيف:

«آثاره فينا تدل على وجوده».

«أعتقد أن إيمانك هذا أعمى بلا دليل؛ وإلا
فأين هو الإنسان مالي لا أراه؟»

كان الإنسان يستمع إليهما ويضحك من حوارهما.

#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:13 ص

 

يُفكّرُ بعد أن أيقن أنه مـيـّتٌ في
شيءٍ يثير شفقته وسخريته؛ يشفق على من يفارقهم وما يمكن أن ينطبع في أذهانهم عما
حدث له، ويضحك من كل قلبه بسخريةٍ حين يتصورهم وأحدهم يقول: لقد كان يتكلم معي كيف
مات؟ لقد كان اليوم في قمة نشاطه وكأنه أحسّ أنه سيموت! وكلُّ واحدٍ يحكي المواقف
التي حدثت وتصوراته عنها ويعطى تفسيراته الخاصة لكلماته الأخيرة.

وينسى كل هؤلاء أنه كان يتكلّم كل
يوم، ويضحك، ويبكي، ويفعل أشياء كثيرة كل يوم؛ والسؤال الذى يُضحكه هو: ما الجديد
اليوم؟ ما الغريب؟ إذا كنتُ الآن حيًا وبعد لحظاتٍ سأحيا حياةً أخرى فلماذا
يُصْدَمُ هؤلاء؟

هل هم لا يفكرون في أي شيء سوى
الموت؟ هل يتوقف تفكيرهم عنده لا يتخطاه؟ هل أصبحوا يخافون من كلمة الموت نفسها؟
هل هم بذلك كمن يخاف أن يقفز من فوق مبنى شاهق الارتفاع، وكذلك يخاف أن يقفز من
ارتفاع متر واحد؟ هل يخافون فقط من فكرة القفز حتى لو اختلفت النتائج؟ هل هم
يخافون من شيء آخر غير الموت وهو التغيير؟ كل شيء يتغير أمامهم يزعجهم، يريدون لكل
شيء أن يبقى كما هو.

ألا يعلمون بأن هنالك قفزة مميتة
وقفزة للأمام، وموتًا مقيتًا وموتًا في سلام؟

كَـفّ عن التساؤل وانبسط كَـفُّ يـده
وارتخى ممدًا إلى جوار جسده لأَجَلٍ مُسَمّى.

#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 4:08 ص


لحظةٌ عصيبةٌ.

 يرقد في غرفة العزل
بمستشفى الحميات بين الوعي 
والغيبوبة، يُصارع جهازه التنفسي حتى يتمكن من سحب
نَـفَسٍ واحد لِتَـكُـفّ رِئَــتَــاهُ ع
ن الصراخ استجداءً للهواء، محاولاتٌ
مضنيةٌ أسفرت عن اصطياد 
نسمة هواءٍ عابرة، التقمها، تدحرجت بصعوبة من أنفه الملبد بالإفرازات اللزجة إلى حنجرته الجافّة حتى سقطت مُفتّتة في رئتيه المتشققتين.

 أفاق.

رؤيةٌ ضبابيةٌ، تنقشع شيئًا فشيئًا؛
رأى ذلك الطفلَ الذي يركض في الشوارع لاهيًا غير مكترث بشيء، ولا مثقلٍ بهمومٍ أو
آمال، تمنّى لو أنه ظَلّ ذلك الطفلَ إلى الأبد.

شابٌ يخوض بحرًا هائجًا على متن قارب
خشبي ضعيف تتقافز الأسماك من حوله وتدخل للقارب فيمسك بعضًا منها ويضيع البعضُ
الآخر، كُلّما ضاعت سمكةٌ أغمض عينيه متحاشيًا النظر في عين ذلك الشاب، لم
تَـبْـقَ سوى سمكةٍ وحيدة، وارتطم القارب بالشاطئ.

عجوزٌ
يحاول صعود جبلٍ شاهقٍ وكُلّما ارتفع للأعلى خطوة خانته قدماه فهوى، لم يكف عن
المحاولة ولم يصل إلى قمة الجبل والأمل يحدوه، كل شيء قد تغيّر، زال الجبل، وبقي
العجوز يحاول السير جاهدًا في أرضٍ صخريةٍ تجرح قدميه فتنزفان آخر قطرة من دمه،
نَـفِـدَ الهواءُ من رئتيه، وما زالت صورة تلك السمكة الأخيرة تتراقص أمام عينيه
.



#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 29, 2023 3:46 ص

تأملات في سورة الفجر

القسم بالفجر: النور بعد الظلام

تبدأ السورة بقسمٍ بالفجر، والفجر هو انفجار الضوء في الصباح بعد ظلام الليل، إذن ما قبل القسم كان الوضع ظلامًا دامسًا، ثم جاء الفجر فكشف هذا الظلام وأزاحه من الوجود. وليالٍ عشر؛ وهي هذه الليالي التي تنتهي بالعيد والفرح بعدها.

العلاقة بين القسم وقصص عاد وثمود وفرعون

ثم تأتي بعد ذلك الآيات لتبين علاقة القسم بالقصص التي بعده، فجاءت الآيات مبينة لحال عاد وثمود وفرعون وعلوهم وسيادتهم وهيمنتهم ثم زوالهم وإزاحتهم كما يزيح الفجر ظلام الليل، وكما يفرح المؤمنون بالعيد الذي يلي الليالي العشر.

موضع الإنسان بين الطغاة الثلاثة

ولكن يثور تساؤل عن الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه، ما علاقة الإنسان بهذه الحكايات الثلاث والقصص التي سبقته عن عاد وثمود وفرعون؟ والعلاقة هنا هي ما نحاول استشفافه وإيجاده، وقد وجدنا أن أقرب ما يمكن أن ينطبق عليها هو ما ورد بسفر إرميا.

النبي إرميا وشعبه: النموذج الغائب الحاضر

فإن الخالق القدير بعد أن ذكر فرعون وعاد وثمود، تحول لذكر الإنسان وحاله مع خالقه إذا أغناه أو أفقره، ولكن «الإنسان» هنا على الرغم أنها جاءت كلمة عامة إلا أن لها صدى في تاريخ الأنبياء مع أممهم، أي أن حال الإنسان هنا هو حال أمة كحال أمة فرعون أو عاد أو ثمود، وهي أمة إرميا النبي، وبني إسرائيل وما جرى معهم.

مقتطفات من سفر إرميا تشرح المشهد

«يقول الرب: وعندما يسألون لماذا صنع الرب إلهنا بنا هذه الأمور كلها؟ تقول لهم كما أنكم تخليتم عني وعبدتم الأوثان الغريبة في أرضكم كذلك تستعبدون للغرباء في أرض ليست لكم».
«وأما هذا الشعب فذو قلب متمرد عاصٍ ثاروا عليّ ومضوا ولم يتناجوا في قلوبهم قائلين لنتق الرب إلهنا الذي يغدق المطر في مواعيده في موسمي الربيع والخريف ويحفظ لنا أسابيع الحصاد حسب مواقيتنا، غير أن آثامكم حولت عنكم هذه البركات وخطاياكم حرمتكم من الخير. ففي وسط شعبي قوم أشرار يكمنون كما يكمن القناص للطيور وينصبون الفخ لاقتناص الناس. بيوتهم تكتظ بالخديعة كقفص مملوء طيورًا. لذلك عظموا وأثروا، ازدادوا سمنة ونعومة وارتكبوا الشر متجاوزين كل حد، لم يحكموا بعدل في دعوى اليتيم حتى تنجح، ولم يدافعوا عن حقوق المساكين. أفلا أعاقبهم على هذه الأمور؟ ألا أنتقم لنفسي من أمة كهذه؟».

أمة إرميا والآيات التي لخّصت مصيرها

إذن هذه الأمة كانت تعيش حالة من الرخاء والإكرام والإنعام من الرب ثم لم يكرموا اليتيم ولا المسكين وازدادوا ثراء وأحبوا المال، فانتهى بهم المطاف إلى نزول عقوبة إلهية بهم، فقدر عليهم رزقهم وضيقت عليهم معيشتهم وتم سبيهم.

(فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا . وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)

تجلّي الهيمنة القرآنية على الكتب السابقة

وفي هذا مظهر من مظاهر الهيمنة القرآنية على الكتب السابقة.

الختام: عبرة تتجاوز الزمان والمكان

والمستفاد من ذلك أيضاً أنك عندما تقرأ السورة فتجدها تفتتح بقسم ثم سؤال رباني: ألم تر كيف فعل ربك بعاد وثمود وفرعون؟ وهؤلاء جُمعوا مع بعضهم لأنهم مشتركون في شيء واحد: أنهم طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد وتم تعذيبهم؛ أما الأمة الرابعة فكانت أمة مؤمنة ولكنها ضلت وعبدت الأوثان، حادت عن الصواب فتحول الرخاء عنهم وحل محله الضيق الشديد، وما كان ذلك إلا بكسب أيديهم.

والآن بعد ربط أحداث السورة ببعضها يكون واضحًا أن القسم بالفجر وزوال الليل له علاقة بالأمم التي تجبرت ثم زالت، وكذلك له علاقة بتحول النعمة وزوالها عن الإنسان إذا ابتلاه ربه بالإكرام أو التضييق عليه فلم يشكر. كما بات واضحًا سبب ورود المثال الأخير في هذه السورة وعلاقته بالقصص التي سبقته، وسبب وروده عامًا دون تحديد الأمة المقصودة؛ وهو أن هذا الحال ينطبق على الفرد مثلما ينطبق على المجتمع، ولذلك جاء المثال عامًا ليكون كل إنسان مخاطبًا به على حدة، وحتى لا نظن أننا بعيدين عن هذه الحال.

سورة الفجر

هل ترغب في التعرف أكثر على الكاتب؟

من أجل معرفة أعمق؛ لتجربته وشخصيته وأفكاره وغاياته

اقرأ السيرة الذاتية الآن
 للتواصل

للتواصل

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 6:00 م

 

▼▼▼▼

ليسَ يسيرًا عليكَ بِأَنْ تُثْنِيَنِي

عنْ أهدافي

ليسَ يسيرًا عليكَ بِأَنْ تَتَمَكّنَ

مِنْ إِضْعَافِي

ليسَ يسيرًا عليكَ بِأَنْ تتسببَ

في إيقافي

لأنّ الأملَ طبيعة عقلي

مِنْ أوصافي

▼ ▼ ▼ ▼

فليس يسيرًا عليكَ بأنْ تتمكنَ

مِنْ إِحْبَاطِي

وليس يسيرًا عليكَ بأنْ تتسببَ

في إسقاطي

▼ ▼ ▼ ▼

ستُتْعِبُ نفسكَ جدًا

لنْ تَتَمَكّن

منْ إقناعي

لنْ تتخلل نَفْسِي

لنْ تتملّك فِكْرِي

لنْ تتمادَى في إخضاعي

فقد قرّرتُ قرارًا

لن يتغيّر 

أن أتغيّر 

مهما اشتدّ صِراعي

وأنا أقدِرُ

أنْ أتمكّنَ منّي 

أنْ أُرْجِعَنِي بعدَ ضياعي 

وأنا أقدِرُ

أنْ أتملّكَ نفسي

أنْ أَسْتَحْقِرَ يأسي

أنْ أَتَقَوّى بالإبداعِ

فليسَ يسيرا عليكَ خداعي

ستُتْعِبُ نفسكَ جدًا جدًا بلا أيّ داعي

▼ ▼ ▼ ▼ ▼ ▼ ☼ ☼ ☼ ☼




✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:07 ص

 ما للحب من موعد

وكم للحب من موقد

💙

إذا ما كنت مشتاقا

فلا تغفو ولا ترقد

💙

وإن حاولت مجتهدا

بأن تنسى وأن تبعد

💙

فلست بقادر يوما

وإن تقدر فلن تسعد

💙

فحاول قدر ما تملك 

بأن تؤمن وأن تعبد

💙

لغير الله لا تخضع

ولا تركع ولا تسجد

💙

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:06 ص


 

 بُـوسْ إِيـدَكْ وِشْ وَضَهرْ

وِاحْمِـدْ رَبـّك فِي سَـمَـاهْ

 

وَلَا سَنَه وَلَا يُومْ وَلَا شَهرْ

عُـمْــرَكْ تِـقْــدَرْ تِنْسَـاهْ

 

مَا هُو رَبّكْ واللّي وَهَبْلَكْ

نِــعَــمُــه وَمَدّكْ بِحَيَاهْ

 

مَهْمَا الأَحْزَانْ بِتْقَابْلَكْ

دَايْـمًا تِــرْتـَـاحْ ويّــاهْ

***

 

إِحْـمِـدْ رَبـّكْ هَــيْـزِيدَكْ

وَهَـيَـاخُـدْ دَايْـمـًا إِيْدَكْ

 

لَـوْ تِـبْـعِـدْ عَـنّـه يِعِيدَكْ

وَطَـرِيـقُه نِـهَـايْتُـه نَجَاهْ

***

 

خَـلّـيـكْ دَايْـمـًا مَعَ رَبّكْ

وادْعِي بِإخْلَاصْ مِنْ قَلْبَكْ

 

فِي ثَــوَانِـي يِـنَـوّرْ دَرْبَكْ

وتْـكُــونْ دَايْمَا فِ حِمَاهْ

***

يـَـا رَبّْ أَنَا مَـا أَدِيـتْـلَكْ

حـــقـّــكْ لَـكِـنْ مَـدّيـتْـلَـكْ

 

إِيـدِي يَــا رَبّْ وجـيـتْـلّـكْ

قَـلْـــبِـي بِــيِـتْـمَـنّى هُــدَاهْ

 

****

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:05 ص

 إحـنا صحيح أجـناس

 لــكـننا واحـد

مـــعـقـولة فـيه فى الناس

 للفكرة دى جاحـد

******

إحنا بشر

مهما انتشر

فينا اللى بيفرق ما بينا

واللى يقول أنا جنس سامي

إحنا نقوله عاشت الأسامي

إيه يعنى منتش زينا

منتش بشر

ساكن هنا

على أرضنا

ولا أنت ساكن فى القمر

أنت بشر

******

أنت غفير ولا وزير

عايش فى روسيا ولا فى زئير

أنت بشر

أنت موظف أنت مدير

عابد فى مسجد راهب فى دير

أنت بشر

*****

وإياك تكون فاكر عشان

أنت غنى

تبقى خلاص منتش بشر

تبقى غـبى

أصل الفلوس متميزكش عن البشر

كام ألف واحد قبل منك

كان فاكرها تميزه

مات فى النهاية

وبسببها

لما ضياعها نرفذه

لمّا خسر كل اللى حيلته

وامّا الطبيب يعجز بحيلته

والموت أتاه

هل ماله يقدر ينقذه؟

***

بالمختصر

أنت بشر

واللى انتصر

على نفسه هو دا البطل

***

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:04 ص


الـدّنْـيَـا فِيـهَـا
مَـا فِيـهَـا

فِـيـهَـا وفِـيـهَا
وفِـيهَا

 

فِـيهَـا عِـبَـرْ
ودرُوسْ

سَمّ فْ عَسَلْ
مَدْسُوسْ

 

وبِـتِـنْـشَـرَى
بِفْلُوسْ

والْـكُـلْ مَـاسِكْ
فِيهَا

 

فِـيـهَـا الْقَوِي
مَحْبُوبْ

لَــوْ حَتّى
لابِسْ تُـوبْ

 

الـظُّـلْـم بَـسْ
يَادُوبْ

مَا هُو دَا
اللّي سَايِدْ فِيهَا

 

فِـيهَـا الضّعِيفْ
مَهْضُومْ

والْـحـلْم شِـيءْ
مَعْدُومْ

 

وازّايْ عَـايِـزَهَـا
تدّوُمْ

والـظّـلْـم سَـايِقْ
فِيهَا

 

 

فِـيـهَـا كَـمَـانْ
أَفْـرَاحْ

لـلّـى تِـعِـبْ
وارْتَــاحْ

 

والـلّي حَـيَـاتُـه
كفَـاحْ

بِـيـحَـقّـقْ
الأَحْـلَامْ

 

 

فِـيـهَـا كِـتـيــرْ
أسْـرَارْ

والـلّـي لَــدِيِهْ
إصْـــرَارْ

 

بِـيْـكُونْ وَلَا
الإِعْــصَــارْ

وبِــيِـهْـزِمْ
الآلامْ

 

فِـيـهَا الأَمَـل
مَـوْجُـــودْ

فِـي رَبّــكْ
الْـمَـعْــبُـودْ

 

 

نِـتْـخَـطّـى
أيْ ســـدُودْ

نِقْضِـي عَلَى
الْأَحْزَانْ

 

فِـيـهَـا دَا
خِـيـرْ و دَا شَـرّْ

مَـا هِـي دِي
طِـبَاعَ الْبَشَرْ

 

لَـوْ ظُـلْـم
فِـيـهَـا انْتَشَرْ

فَـالْـعَـدْل فِيهَا
كَمَانْ

 

الدُّنْـيَـا زَيْ
الْمُعَـادْلَةْ

بَشَـرْ ظَـالْمَة
وبَشَرْ عَادْلَةْ

 

وإنْتَ عَلِيكْ
بِالْمُفَاضْلَةْ

تـِـحـَــدّدْ
لَــكْ مَــكَــانْ

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:03 ص

☼☼☼☼☼☼☼☼

هـَتْـشُـوفُوا
أَنَا هَـعْمِلْ إِيهْ

وَهَـحَـقَّـقْ
حِـلْـمِـي ازّايْ

 

أَوْعِـــدْكُـمْ
هَـوْصَلْ لِيهْ

وِالـزَمَــنْ
الطّـيّـبْ جَـاي

☼☼☼☼☼☼

 

دَا حِـلْـمِي
وَأنَا اللّي حِلِمْتُهْ

وِكْـفَـايَـه
الـرُّوحْ حَـسَّـاهْ

 

مَـهْـمَـا
تْـقَـلّلُوا مِنْ قِيمْتُهْ

مـشْ
مُـمْـكِـنْ يُومْ أَنْسَاهْ

☼☼☼☼☼☼

 

أَنَـا
بَـحْـلَمْ مشْ عَلَشَانْكُمْ

يَـاللّي
انْـتُـوا بِـتِـتْحَدُّونِي

 

نَـشّـنْـتُـوا
وتَانِي نَشَانْكُمْ

خَــابْ مَـا
عْرِفْتُوا تهِدُّونِي

☼☼☼☼☼☼

 

وَلَا
يُـمْـكِـنْ هَـتْـخَلّوُنِي

بِـكَــلَامْكُـمْ
أَسِيبْ الْحِلْمْ

 

أَنَـا
شَـايْلُـه فِـ نِنْ عُيُونِي

وِدِي حَـاجَه
بَسِيطَه لِلْعِلْمْ

☼☼☼☼☼☼

 

أَنـَـا آسِـفْ
مـشْ هَتَنَازِلْ

عَـنْ حِـلْمْ
حِلِـمْتُـه زَمَانْ

 

لَا أنَا
كُنْتْ فِـ يُومْ مُتَخَاذِلْ

وَلَا
كَـسَـرَتْـنِـي الأَحْزَانْ

☼☼☼☼☼☼

 

أَنَــا
بَـحْـلَـمْ إِنْ أَمَـلْـنَـا

يِفْـضَـلْ
عَايِشْ عَلَى طُولْ

 

مَـنْـمِـلّـشْ
مَـهْـمَا عَمَلْنَا

وحَـاوِلْـنَـا
وِمـشْ بِنْطُولْ

☼☼☼☼☼☼

 

ونْـحَـاوِلْ
تَـانِي ونِـبْـدَأْ

وبَــلاشْ
الْـيَأسْ يِسَيْطَرْ

 

كُـلْ مَـا
تِـقْـسَـى وتِغْمَقْ

نِـرْجَـعْ
ونْـحَـاوِلْ أكْـتَـرْ

☼☼☼☼☼☼

 

والـنّاسْ
هَتْعِيشْ وِتْشُوفْ

الْـحـلْـمْ
ازّايْ اتْــحَـقّقْ

 

وسَـاعِتْهَا
يكُونْ مَكْسُوفْ

كُــل اللّي
زَمَــانْ اتّـرْيَقْ

☼☼☼☼☼☼

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:03 ص

 


إعمـل كـل يـوم

 لـو حـاجـه صغيره


هتلاقى الدنيا تقوم 

على طـول متغيره


واتـفـائـل باللي جي

وسيبك م اللي راح


طـول مـا انت لسه حي

 الحلـم يـكـون متاح


متسبش الحلم يضيع

ولا ترضى بأي شروط


لوفيك نازلين تقطيع

إنـت لـحـلمك مشطوط


متبصش للي بيهدم

حلم الأيـام بـكـلام


ولا للي يـحـاول يعدم

 في الناس معنى الأحلام


لوكـل الـعـالـم يائسه 

وفي حلمك مش سائلين


خليك مع ربك وارسى 

على شط المتفائلين


ربـك هـيـكـون ويـاك 

في الحـلـو كـمان في المر


وبصبرك ويا دعاك 

كـل الأزمـات هـتمر

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:02 ص

 

[إِهْدَاءْ]

«إِلَى أَبِي وَكُلّ أبٍ رَحَلَ وَكَانَ أَبًا حَقِيقيًّا»

*********

لَــوْ كَـانَ هَــذَا فِـي يَـــدِي

لَــوْ خَـيّــرُونِـي يَــــا أَبِـي 

**

لَاخْـتـَـرْتُ كَــوْنَـكَ وَالِـــدِي

مِـــنْ قَــبْـلِ خَــلْــقِ الْكَوْكَبِ

**

بَــلْ كُـــلُّ شَــــيءٍ مُـــوجَـــدِ

وَ مُـــقَــــــدّرٍ وَ مُـــــــرَتّــبِ

**

وَ مُــــؤَجـَــلٍ وَ لَــعـَــائـــدِ

لِــلْــبَـعْـــثِ دُونَ تـَـــرَيُّــبِ

**

وَ لِــذَا فـَـحَــمْــدًا سَـيـّـدِي

وَ الْــحَــمْـدُ أَبْـسَـطُ وَاجِبِ

**

لُــطْــفـًـا بـِـقَــلْــبٍ صَـامِـدِ

رُغـْـــمَ الْـحَـنِـيـنِ لِـغـَـائِـبِ

**

الْــجـِــسْــمُ جِـسْــمُ مُـبَـاعَــدِ

وَالــــرُّوحُ رّوحُ مُـــقَـــرَّبِ

**

الــشّـوْقُ أَعْـيـَـا سَــاعِــدي

أَحْــيَــا بِـقَـلْـبٍ مــتْـعَـــــبِ

**

إنّ الفِـــــــرَاقَ لَــمـُــجْـهـِدي

إنّ الْـحَـنِــيــنَ مُـــعَـــــذِّبــي 

**

لَــكِــنْ دُعـَــــائِي مَـقْـصِدِي

يـَــا ربِّ عَــفْــوَكَ عَـنْ أَبِــي

**

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 5:01 ص

 

This story was written in 2003 AD

We wish you a pleasant reading…

Author: Samir Hittawy

All rights reserved to the author.

☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼

(1)

A tall building elevator.

He enters the elevator with his best friend to go up to the third floor where he lives. He looks at his friend with a look full of sorrow. He smiles a smile tinged with caution. He thinks a little about his friend destiny after him, because he loves him very much.

Suddenly!

choking.

His thoughts are pulled out of his head, other ideas put in it.

A mysterious force moves him.

The elevator goes up and does not go down.

His chest goes up and goes down.

The air vanishes.

dissipates.

no room to breathe.

I’m going forever!

He recovered.

He snapped his friend’s neck to death.

He laughs!!

He delusions that he is the one who died.

Speaking proudly to the power that drives him, he says:

“I finally left you, and I won’t do anything you tell me to do after today.”

The elevator opened.

Neighbors screams!

realizes the truth.

“I’m still alive, my friend is the one who died.”

He repeated it in panic, and ran away.

(2)

Traffic signal.

Too crowded.

He looks at the passers-by who cross the road in sorrow, and sadness grips him. He smiles a smile tinged with caution. He thinks a little and wonders absentmindedly:

“What is the fault of these innocent people?”

Suddenly!

choking.

His thoughts are pulled out of his head, others are put in.

the force that moves him.

Voices rising and not falling.

His chest rises and falls.

The air vanishes.

dissipates.

no room to breathe.

I’m going forever!

He feels the movement of snakes inside his stomach, and hears the sound of power cursing him:

“No escape, you coward!”

He drove off.

(3)

“He killed a group of people with his car and fled on the run?! Are you kidding, man?”

As if admitting his guilt, Officer Saeed said:

“This is what happened, but we…”.

The general interrupted him sternly:

“But you, but you what? Two incidents happen in one day and at close time and you are unable to do anything, anything; and at the end you say but we. listen very well what I am telling you, I do not want flimsy excuses”

Then the general became more stern, saying:

“If you do not catch these two criminals within the day, imagine your punishment.”

Officer Saeed repeated the general’s last sentence in himself with anger, and he went out while he was at the height of confusion, and went to his soldiers and ordered them to prepare and warn them of what he had warned of, then he stood for a while thinking and asking questions and answering them himself:

“A person who hits all these people with his car, and kills so many people who are not connected by a single bond, would he be conscious? I do not think so”.

His thoughts were interrupted by a military voice telling him that Major General Mahmoud wanted him back in his office.

“We have new information that may help you in your search and investigations and save you a lot of time.”

The general said it and then began to explain:

“We have received information saying that the person who killed his friend in the elevator fled to the road where the incident took place, and perhaps he himself was the perpetrator of the two crimes.”

Officer Said started his mission, and immediately moved to the house of the potential criminal.

He met his older brother, Adel, and asked him about Ahmed’s life and his psychological state, and whether he liked cruelty in his dealings, and the answer came as an electric shock that Saeed received.

“My brother, is an example of purity. He did not hate anyone and did not harm anyone, even with words. Everyone who treated him acknowledged that for him. You can ask the neighbors and others who know him.”

After asking the neighbors and those who confirmed Adel’s words, Officer Saeed’s confusion increased and his mind ached from thinking, and he began to say to himself in astonishment:

“I was always confronted with crimes and the perpetrator was unknown. Most of my thinking focused on knowing the perpetrator; Today, however, I know the perpetrator and I do not know his motive for killing. What drives a person like this to commit such a crime? There is something mysterious about it. Knowing his motive for killing will enable me to prevent him from committing more crimes.”

Saeed paused at this last question for a long time, then returned to Ahmed’s father and asked him:

“Did he seem to have changed his mind today? I mean, was he a little nervous?”

The father shocked him again with his answer, which he threw to Saeed’s hearing fraught with tears.

“My son Ahmed was at the height of his happiness today and made a torrent of jokes.”

The father started crying, and after the officer calmed him down, he continued his speech stressing:

“I swear to you that Ahmed, my son, cannot be the killer.”

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 1:59 ص



(1)

عمارة ضاربة في الارتفاع.

أسانسير العمارة.

يدخل مع صديق عمره الأسانسير ليصعدا للطابق الثالث الذي
يقطن فيه.. ينظر لصديقه نظرة مملوءة بالأسى.. يبتسم ابتسامةً مشوبة بالحذر.. يفكر
قليلاً في حال صديقه من بعده، إنه يحبه جداً.

وفجأة!

يختنق..

تُسحب أفكاره من رأسه.. يوضع غيرها..

قوة ما تحركه.

يعلو الأسانسير و لا يهبط..

يعلو صدره و يهبط..

الهواء يتلاشى..

يتبدد..

لا مجال للتنفس..

سأرحل للأبد!

يفيق..

لقد أطبق على رقبة صديقه حتى الموت.

يضحك!!

يتوهم أنه هو الذي مات.

يقول في فخرٍ محادثاً القوة التي تسيره:

«أخيراً رحلت عنك، ولن أفعل أي شيء تأمرينني به بعد
اليوم».

فُتح الأسانسير..

صرخات الجيران!

يدرك الحقيقة.

«لازلت حياً، صديقي هو من مات».

كررها في هلع، وفرّ هارباً.


(2)

إشارة مرور..

زحام شديد ..

ينظر للمارة الذين يعبرون الطريق في أسى والحزن يعتصره،
يبتسم ابتسامة مشوبة بالحذر .. يفكر قليلاً و يتساءل في شرود:

«ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟»

و فجأة!

يختنق ..

تُسحب أفكاره من رأسه.. يوضع غيرها..

قوة ما تحركه.

أصوات تعلو و لا تهبط..

صدره يعلو و يهبط..

الهواء يتلاشى ..

يتبدد..

لا مجال للتنفس..

سأرحل للأبد!

يحس بحركة ثعابين داخل بطنه، و يسمع صوت القوة يسبه:

«لا مفر أيها الجبان!»

انطلق بسيارته.


(3)

«قتل جمعاً من الناس بسيارته وفرّ هارباً؟! أتمزح يا
رجل؟»

كمن يقر بذنبه قال الضابط سعيد:

«هذا ما حدث، و لكننا …».

قاطعه اللواء في صرامة:

«و لكنكم.. و لكنكم ماذا؟ حادثتان تقعان في يومٍ واحد و
وقت متقارب وتعجز عن فعل شيء.. أي شيء.. وفي النهاية تقول ولكننا، افهم جيداً ما
أقوله لك، أنا لا أريد أعذاراً واهية».

ثم ازداد اللواء صرامة وهو يقول:

«إن لم تقبض على هذين المجرمين في غضون اليوم
فلك أن تتخيل عقابك».

كرّر الضابط سعيد جملة اللواء الأخيرة في نفسه بغيظ،
وخرج وهو في قمة الحيرة، وتوجه إلى عسكره وأمرهم فتجهزوا وأنذرهم بما أُنذر هو به،
ثم وقف قليلاً يفكر و يطرح الأسئلة و يجيب عليها بنفسه:

«شخص يصدم بسيارته كل هؤلاء الأشخاص، و يقتل هذا العدد
من الناس الذين لا يربط بينهم رابط واحد، أيكون في وعيه؟ لا أظن».

قطع تفكيره صوت العسكري يخبره بأن اللواء محمود يريده في
مكتبه مرة أخرى.

«لدينا معلومة جديدة قد تفيدك في بحثك و
تحرياتك و توفر عليك الكثير من الوقت»

قالها اللواء ثم بدأ في الشرح:

«لقد وردتنا معلومة تقول إن الشخص الذى قتل صديقه في
الأسانسير فرّ هارباً تجاه الطريق الذى وقعت فيه الحادثة، وربما كان هو نفسه مرتكب
الجريمتين»

بدأ الضابط سعيد مهمته، و انتقل على الفور إلى بيت
المجرم المحتمل.

التقى بأخيه الأكبر عادل، سأله عن حياة أحمد وعن حالته
النفسية، و فيما لو كان يحب القسوة في تعاملاته، وجاءت الإجابة كصدمة كهربية تلقاها
سعيد.

«أحمد أخي مثال للصفاء، فما كان يكره أحداً و
لم يؤذ أحداً ولو بالكلام، وكل من عاملوه يقرون له بذلك، و لك أن تسأل الجيران
وغيرهم ممن يعرفونه».

وبعد سؤال الجيران و الذين أكدوا قول عادل ازدادت حيرة
الضابط سعيد و تألم عقله من التفكير، و أخذ يحدث نفسه بذهول:

«دائما ما كانت تواجهني جرائم والفاعل مجهول، كان معظم
تفكيري ينصب على معرفة الفاعل؛ ولكنني اليوم أعرف الفاعل ولا أعرف دافعه للقتل،
فشخص كهذا ما الذى يدفعه ليرتكب مثل هذه الجريمة، إن في الأمر شيء غامض، إن معرفة
دافعه للقتل سيمكنني من منعه من ارتكاب جرائم أكثر من ذلك».

و توقف سعيد عند هذا التساؤل الأخير كثيراً، ثم عاد إلى
والد أحمد وسأله:

«هل بدا عليه اليوم شيء من تغير المزاج؟ أعنى
هل كان عصبيا بعض الشئ؟»

صدمه الوالد صدمة أخرى بإجابته التي ألقى بها على سمع
سعيد محفوفة بالدموع.

«ابني أحمد كان في قمة سعادته اليوم وأطلق
سيلاً غزيرا من النكات».

استغرق الوالد في البكاء، و بعد أن هدأه الضابط استكمل
حديثه مشدداً:

«أقسم لك أن أحمد ابنى لا يمكن أن يكون هو القاتل».



 

(4)


«شخص في قمة العقل؛ كل ما فيه حسن ورائع وجميل، لا يؤذى
أحداً ولم يقل عنه الجيران غير كل خير، و لقد استنكروا ما حدث وأقسموا جميعا أنه
من المستحيل أن يكون هو القاتل… و لكنهم أيضا أكدوا أنهم رأوه مع صديقه في
الأسانسير و شاهدوه مطبقا على رقبته و لما رآهم فرّ هارباً، فإن لم يكن هو القاتل
فلماذا يهرب؟»

جلس سعيد يفكر في شرود و ذهول، واصطحب عادل إلى القسم
وقال له:

«للأسف يا عادل ستبقى معنا».

قالها سعيد ونظر إلى عادل لعل ردة فعله تخبره بشي، و لكن
عادل خيب أمله فلقد قال بهدوء:

«تحت أمرك و لكن من حقي أن أعرف لماذا؟»

تحرك سعيد من خلف مكتبه في حركة خاطفة حتى صار يقف خلف
عادل و اقترب من أذني عادل وهو يقول له بصوت خافت مليء بالغيظ:

«لماذا؟ ألا تعرف لماذا؟ لأنك تخفى شيئا».

حاول عادل مقاطعته و لكن سعيد لم يعطه الفرصة و استمر
يقول وهو يزداد عصبية:

«أنت تخفى شيئاً يا عادل، وإن لم تخبرني به فأنت بذلك شريك
فى الجريمتين اللتين وقعتا؛ بل و ستكون سببا في جرائم أخرى ستقع. يا عادل! أنا
الآن أخاطب ضميرك، بيدك الآن أن تنقذ أبرياء لا ذنب لهم، فقط أخبرني بما تعرفه
ربما تمنع جريمة أخرى».

اخترقت الجملة الأخيرة أذن عادل كصاروخ وزلزلته زلزالاً
رهيباً، فلم يكن في حسبانه أن جرائم أخرى قد تقع، وبدأ يتكلم بعد أن انهار على
المقعد:

«بالفعل لقد أخفيت عنك بعض الأمور؛ لكن هذا لا يعنى أنني
شاركت في أية جريمة، ولكن كنت أظن أن إخفاءها في صالح أخي، وسأخبرك بها الآن ربما
أساعد في منع جرائم أخرى».

«إذن أفهم من كلامك أن أحمد هو القاتل؟»

«بالطبع لا؛ ولكن هناك أحداً ما يقتل بيديه،
إنه لا يعدو أن يكون فاعلاً معنوياً للجريمة، وهناك فاعل آخر حقيقي يحركه، إن أحمد
أخي مجرد آلة في يد أحدهم يلهو به كيف يشاء، ويدفعه لارتكاب هذه الجرائم بغير
إدراك من أخي».

تساءل الضابط سعيد:

«من يا ترى يحرك أحمد؟»

قال عادل:

«ربما كان واقعاً تحت تأثير نوع من أنواع السحر الأسود»

«سحر أسود؟!»

كررها الضابط سعيد بتعجب، و قال لعادل بصوت مملوء
بالإشفاق:

«ولكن يا عادل كيف نثبت هذا؟ إن أحمد لو كان
واقعا تحت تأثير أي نوع من السحر، فهذا لا يعنى إلا شيئاً واحداً وهو أنه سيتحمل
المسئولية كاملة، فليس عندنا معامل تحلل السحر وتثبته لنا ولا وجود له في قوانيننا
ولا اعتراف به، إنني لا أتحدث معك الآن كضابط وإنما يمكنك أن تعتبرني صديقك».

ابتسم عادل ابتسامه شكر بائسة، فبادر سعيد بسؤاله:

«ولكن ما الذى يدفعك للقول بأن عادل واقع تحت تأثير
سحر؟»

«أحمد أخي كما تعلم لم يكن مصدر قلق لأحد و
لم يؤذ أحدا بالفعل؛ ولكنه كان معنا غريب التصرفات فكثيرا ما كان ينسحب عنا ويعيش
في عالم خاص به، و لقد بدأ يبدو غريب الأطوار هكذا بعد وفاة والدته، وأحيانا كان
يصاب بحالة من الاختناق، ثم يعيش بعدها في نوبة من الاكتئاب».



 

(5)

في هذه الأثناء كان أحمد يتجوّل على قدميه في المدينة،
يجوب شوارعها بلا هدف غير أنه يهرب، ولكنه لم يكن يدري مما يهرب، كان كل تفكيره
منصبا على الهروب وحسب، ربما يهرب من نفسه، وربما كان يهرب الى نفسه، كانت الأجواء
الممتعة في هذه المدينة الساحلية الجميلة تدعوه أن يكون صافى النفس رقيق المشاعر.

راح يسير في الطرقات بعد أن ترك سيارته وغادرها بلا سبب،
لم يعرف لماذا نزل منها، غير أنه شعر أنه لا بد أن يتركها.

يلمح على الشاطئ طفلاً جميلاً يسير بدون مرافق، يخشى
عليه من الغرق، يحاول الاقتراب منه ويشعر أن حبه يتملكه، يقلب ناظريه في المحيطين
لعله يجد أبويه أو أحدهما، لا يجد أحدا يهتم لأمر الطفل، يحدث نفسه ربما لو كانت
أمه موجودة لاهتمت به، تذكر أمه هو أيضا وشعر بالأسى لافتقادها، يقترب من الطفل
أكثر ويربت على كتف الطفل من الخلف بقوة.



 

(6)


نظر الضابط سعيد إلى عادل وهزّ رأسه متفهما، ومعطيا
إشارة لعادل ليستمر في الكلام عن حالة أحمد، واستمر عادل يقول:

«وبعد أن عانى من الاكتئاب في الفترة الماضية لاحظنا
عليه شيئا من الجمود العاطفي في تعاملاته، وكــان يفعل أشياءً غريبة ويقول إن هناك
من يدفعه لفعلها، وكثيرًا ما كان يقول بأنه يسمع من يسبه ويهينه، أصبح يفضل
العزلة، لم يعد له أصدقاء ترك أصدقاءه كلهم، لم يبق إلا صديق واحد واليوم فارقه
أيضا!»

«هل كان هناك أية خلافات بينهما في الفترة
الأخيرة؟»

نظر عادل للضابط سعيد بابتسامة ساخرة، وهو يفكر فى نفسه
أن هذا السؤال روتيني أكثر من اللازم، وأجابه باقتضاب:

«كان صديقه الوحيد!»

«هذا يزيد الأمر تعقيدا يا عادل، ولكن أخبرني
بما جرى بعد ذلك».

«بعد أن عاش أحمد في العزلة، فشل في عمله و لم يستمر
فيه، وبدأ في عمل غيره وفشل فيه أيضا، فلم يعد يستمر في أي عمل فترة من الزمن».

أطرق سعيد برأسه مفكراً، وأصبح يقلب الأمر على كل وجوهه،
بدا غير مرتاح لفكرة السحر الأسود هذه؛ فبادر سائلا عادل:

«لماذا لم تعرضوه على طبيب نفسى؟»

«إن والدى منذ فترة كان يتحدث عن هذا الأمر؛
ولكنني لا أعرف إن كانا قد ذهبا للطبيب».



 

(7)


ينظر له الطفل نظرة بريئة حانية ويبتسم، يتفحص أحمد عيني
الطفل في محبة.

و فجأة !

يختنق ..

تُسحب أفكاره من رأسه.. يوضع غيرها..

قوة ما تحركه.

يضغط على رأس الطفل في الماء، تدفعه الأمواج للأعلى وهو
يضغط على الطفل، ألقته الأمواج هو والطفل على الشاطئ، يحتضن الطفل بقوة ويضمه إليه
بشدة.

«إنه طفل صغير لا يحتمل ضمتك هذه».

سمع صوتا من خلفه يقول له هذه الكلمات، لم يلتفت، إنه
صوت القوة التي تأمره دائماً، يصرخ فيها:

«لا شأن لك بهذا. لا تتدخلي فيما لا يعنيك».

رد الصوت مملوءً بابتسامة خالطت الكلمات وبدت واضحة
فيها:

«كيف لا يعنيني؟ إنه طفلي».

ترك الطفل يسقط من بين يديه، وبدا الطفل و كأنه عائد
للحياة لتوّه، التفت أحمد للخلف.. رآها!

ليست القوة المعتادة، إنما امرأة حقيقية.. قال أحمد
بذهول وتوتر وهو لا يكاد يلتقط أنفاسه:

«طفلك؟!»

«نعم. وأنا أشكرك لأنك أنقذته من الغرق».

قالتها بصوت ممتلئ بالامتنان.

«غرق؟ ماذا حدث؟»

«يبدو أنك مرهق بعض الشيء. لقد شارف ابني على
الغرق وأنت جريت وراءه ونزلت البحر مسرعاً وقاومت الأمواج العالية التي جذبته إلى
داخل البحر، وكاد البحر يبتلعه لولا أنك تحركت في الوقت المناسب وأنقذته، لا أعرف
كيف يمكنني أن أرد جميلك هذا؟»

لا يزال أحمد مذهولا مما حدث، و لكنه قال لها:

«جميلي؟! لا عليك… المهم أنه ما زال حياً».

ولّى أحمد ظهره لها و مضى في سبيله غير المعلوم، مشوش
الفكر مضطرب الوجدان، يتساءل في نفسه والحيرة تستذئب عليه:

«ما هذا الذى يحدث معي؟ إنني لا أفهم شيئاً، كنت أظن
أنني أقتل الطفل فإذا بي أنقذه، وكيف حدث هذا و لم أدركه؟ لا، لقد أدركته ولكن
أدركته على غير حقيقته، يا ترى ماذا كان سيحدث لو لم تتدخل أم الطفل؟ إنها الآن
شاكرة لما فعلته من أجل ابنها، ولكنها لو انتظرت قليلا ربما كان رأيها قد تغير،
إنني لا أفهمني جيداً؛ بل لا أفهمني على الإطلاق، كيف أتصرف بهذه الطريقة؟ لا، لست
أنا من يتصرف إنها هي؛ هي التي تتصرف.. صاحبة الصوت البغيض الذى يسلبني قدرتي على
التحكم في نفسى، إنها هي التي تسيرني، هي التي تأمرني وتنهاني، أنا لعبة في يديها
تلعب بها كيف تشاء. كيف الخلاص منك أيتها القوة البغيضة؟ سأرحل قبل أن أسبب أضرارا
لآخرين، يكفى ما حدث حتى الآن، سأرحل للأبد».

«و لكن هل تظن أنني سأتركك؟»

ترددت الكلمات في أذنيه مخلوطة بقهقهة ساخرة مصطنعة فجة
ملأت قلبه غيظا وعزما على الفرار فانطلق يعدو في الشارع، ومن يراه يظن أن أحدا
يطارده، وربما كان ذلك حقيقيا بالفعل وليس محض ظن، فلقد تصادف جريه هربا من القوة
المتحكمة فيها، مع ملاحظة شرطيين له، وتعرفهما عليه وأنه هو الشخص نفسه بملامحه
وملابسه ذاتها الواضحة في الصورة المأخوذة له من كاميرا المراقبة في الأسانسير
والتي تم إرسالها إلى جميع أفراد الشرطة في المدينة.

قاما بمطاردته في اللحظة ذاتها التي عدا فيها، وتأكد
لديهما أنه هو القاتل المطلوب وبالأخص بعد أن جرى هربا منهما على ما ظنّا، وظلاّ
يطاردانه و هو يهرب من تلك القوة البغيضة.



 

(8)


في هذه الأثناء كان الضابط سعيد ووالد أحمد وعادل أخوه
يجلسون مع الطبيب النفسي الذى يتابع حالة أحمد، والذي لم يتفاجأ لما أخبروه بما
حدث، كأنه شيء متوقع.

قلب الطبيب النظر في وجوه ثلاثتهم وقال موجها كلامه
لوالد أحمد وتشبع صوته بنبرة اللوم والعتاب:

«ألم أقل لك إن أحمد ينبغي ألا يهمل في العلاج؟ ألم أقل
لك إنه لو أهمل في العلاج فمن الممكن أن يرتكب جرائم قتل مفرطة في الغرابة؟»

تساءل الضابط سعيد بصوت قوى:

«وهل أهمل أحمد في العلاج؟»

أجاب والد أحمد بصوت منكسر:

«هذا ما اكتشفته فقط اليوم».

تدخل عادل في الحوار وتكلم بطريقة جافة وبنبرة سريعة:

«هذا كله لا يعنينا الآن، لقد أخبرت والدى من قبل أنه من
الممكن أن يقتل، و قد كان؛ فهل يمكن أن تخبرنا بما يمكن أن يفعله أحمد بعد ذلك،
لعلنا نستطيع فعل شيء لمنعه؟»

لم يأبه الطبيب لطريقة عادل الحادة فهو يقدر الظرف الذى
هو فيه؛ ولكنه نظر نظرة متأملة، و بدا كأنه يقرأ الطالع، وغطت الغرفة في سكون
مهيب، وتعلقت أنظار الثلاثة به.

أخذ يقلب في رأسه كل الاحتمالات الممكنة، ليخلص في
النهاية إلى احتمال وحيد أكيد، وتنحنح وازدرد ريقه ثم بدأ يقول:

«مع الأسف، يمكنني أن أقول لكم إن ما أعرفه هو أن 50% من
مرضى الفصام يحاولون الانتحار،  و10 % منهم
ينهون حياتهم بالفعل».

انهار والد أحمد باكياً وأثناء محاولتهم تهدئته، رنّ
هاتف الضابط سعيد، وكان على الطرف الآخر أحد الشرطيين اللذين يطاردان أحمد.. أخبره
بمكانه وكان الظلام قد حلّ على المدينة الساحلية، ولا يزال الشرطيان يطاردان أحمد
غير متمكنين منه.

فلمّا علم الطبيب بالأمر هتف في الضابط سعيد:

«أخبرهم ألا يؤذونه».

أخبرهم الضابط سعيد بذلك، واستكمل الطبيب:

«إنه ليس بمجرم ، إنه برئ، إنه لا يدرك ما يحدث، ليس
مسئولا عن شيء مما يقع، إنه ليس بقاتل، هو لا يعرف ما يفعل».

قبل أن يتم الطبيب جملته كان عادل وسعيد قد نهضا يركضان
بسرعة فائقة، وكلاهما يتمنى شيئا واحدا هو ألا يصدق الطبيب النفسي فيما قال، أو أن
يكون أحمد من ال 50 % الذين يحاولون الانتحار فقط ولا ينجحون.

بينما أقعدت الصدمات المتلاحقة والد أحمد غير قادر على
الحركة.

«أين هو الآن؟»

تساءل عادل وهو يشهق في قوة، وأجابه سعيد وهو لا يكاد
يتنفس:

«لقد فرّ منهما باتجاه البحر، و لا يزالان
يبحثان عنه».



 

(9)


بحر هادئ جميل..

الأمواج هادئة ..

يقف أعلى صخرة..

ينظر لأقصى البحر فيشتاق للوصول إلى هناك..

ضوء القمر ينعكس على وجهه، سأرتمى في أحضانك أيها البحر
الحبيب.

وفجأة !

يختنق..

تسُحب أفكاره من رأسه.. يوضع غيرها..

قوة ما تحركه.

تعلو الأمواج و لا تهبط..

يعلو صدره ويهبط ..

الهواء يتلاشى..

يتبدد..

التنفس مستحيل .. سأرحل للأبد.

«أحمد!»

يلتفت خلفه بحركة مفاجئة، يبتسم ابتسامة مشوبة بالحذر،
يفكر قليلا في مصير صديقه، يفكر في مصير الأبرياء الذين قتلهم:

«لا بد أن تلحق بهم».

تلك القوة البغيضة تأمره.

«أحمد!»

الثعابين تتحرك في بطنه حركة دائرية كريهة.

يحدث نفسه بتحدٍ:

«لا بد أن أتخلص من كل هذه المعاناة، لا سبيل إلا
الارتماء في حضن البحر، أيها البحر افتح ذراعيك و تلقفني، سأقفز فيك».

تعالى صوته بالجملة الأخيرة وهو يقولها في نشوة عظيمة،
فتعالى صراخ عادل:

«أرجوك لا تفعل.. لا تفعل هذا، نحن نحبك يا أحمد».

نظر إليه أحمد كأنه يودعه، وقال في شرود ويأس:

«وأنا أيضاً».

وقف الضابط سعيد إلى جوار عادل دون حراك، فلم يكونا
يملكان غير الكلام، فهو يقف في معزل عنهما أعلى صخرة شاهقة الارتفاع، وسقوطه لن
يكون في الماء إطلاقا إنما على مجموعة من الصخور الأخرى، ونتيجة سقوطه حتمية هي
الموت.

بادر سعيد صارخاً هو الآخر:

«لا تؤذ نفسك فأنت لم تذنب».

أجابه أحمد بصوت يائس محبط:

«بعد كل ما فعلت وتقول إنني لم أذنب»

ثم بكى وازداد حزنا واكتئابا وهو يتساءل:

«كيف يكون هذا؟ كيف؟»

وفجأة!

القوة تناديه:

«لا تنصت لهما فهما يكذبان.. هيا البحر ينتظرك».

نظر لأخيه في أسى ثم التفت بعنف تجاه الصوت الخفي وقال:

«لم أقتل أحداً؛ بل أنت التي تقتلين».

تصاعد انفعاله وهو يكرر الجملة الأخيرة

صرخت فيه القوة القاتلة:

«أنا التي قتلتهم! وسأقتلك أنت أيضاً».

أجابها وابتسامة الفوز تزين وجهه:

«لن أعطيك الفرصة»

وتعالى صوته وهو يردد:

«سأرتمى في أحضان البحر، قبل أن تتمكني مني».

تعالت صرخات عادل وسعيد:

«لا تفعل. أرجوك لا تفعل».

أدار أحمد ظهره لهما وولّى وجهه قبل البحر، وهو يقول في
راحة تامة:

«وداعًا أيتها القوة التي تحكمت فيّ سنين.. وداعاً».

استعد
ليقفز وتحرك سعيد ومن قبله عادل في سرعةٍ رهيبة تجاهه واقتربا منه وهما يصرخان فيه
بالعودة.

**********

2003 م


#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

20. #قصة_قصيرة_عربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 28, 2023 1:43 ص


AuthorSamir Hittawy

****************************

 A miserable, depressed old man lies in a deep hole. I approach his face trying to identify him. He looks very much like me. He bears all my features, except that some wrinkles fill his face. I look into his tearful eyes and ask him gently: “Why so much regret?!”

He tries to move from the abominable hole, but it constricts him and presses on his ribs, so he is unable to move, he tries hard to speak, but the words seem unwilling to come out, so he tricks them into obeying him, and says in anger: “Look at yourself.”

I look at him incomprehensibly and ask him in astonishment: “What do I have to do with you?”

The old man shuts up and turns his face away, so I am overwhelmed with confusion, I tremble and be astonished, so I quickly turn the matter over in my mind, looking for a link between us.

Did I know him before? Have I met him one day? Did I promise him a promise and break it? Did I bump into him on the road one day and didn’t apologize to him? What is my relationship with this depressed old man?!

I did not find a logical answer.. So I turned to the other side to face him and look into his eyes again while I asked him sharply: “What is my relationship with you, man?! answer me»

He smiled carefreely and spoke in a tone of frustration, begging me: “Because you don’t ask my opinion about anything you do”

What is this intrusion? How can he impose himself on me with such insolence? Shall I stand at the corner of every road and ask him if he agrees with my going or if he has any objections? What is this man who hardly realizes that I am independent of him and that I have free will?!

Discontent appeared clearly on my features, so the old man realized what I was thinking, and added in a choking voice: “You are the reason for what I am in, you are the one who determines my fate.”

His strange expression shocked me, and I found my body shrinking from the shock, fading part by part, and dissipating in the air as if it had turned into vapor, then it flowed over the body of the old man and settled in it.

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 26, 2023 4:44 م


We wish you a pleasant reading…

Author: Samir Hittawy

All rights reserved to the author.
☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼☼

▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬ ▬

 Chapter one

As they were walking in the darkness along the bridge, he was surprised by “Hala” when she suddenly said:

“Hatem.. look!!”

He turned and saw an old man walking slowly along the edge of the bridge, dressed in scarlet brocade, and on his head a crown surmounted by a small crystal pyramid, in his right hand a scepter, the upper end of which was like a dog’s head, and the lower end like a thorn, and in his left a flame of purple light.

He stopped abruptly, turned towards them, and said in a deep, clear voice:

“[11] They defeated [11]”

He glimpsed their admiration and added, in a tinnitus voice:

“And [10] they defeated [11]”

And he added in a rustling voice:

“And [1] defeated [11]”

Hatem’s body trembled and his eyes opened when Hala whispered his name.

A minute of silence passed as they chewed the food patiently, immersed in daydreaming, until Hatem said in astonishment:

“I saw the same dream again.”

Hala noticed, so she stopped eating and looked up at him, saying in the same astonishment:

“Dreams which repeated contains a message!!”

“But I can’t understand this mysterious message.”


Hala was confused as to what to respond to, and she was exhausted from searching before about the meaning of the message of this strange dream, and everyone she told them about was unable to interpret it, so she preferred silence again, and Hatem returned to his wanderings, immersed in his thoughts once again.


After a while, Hatem got up from the oval dining table made of oak wood, took two steps towards the bathroom to wash his hands, then stopped and turned back, looking at Hala, saying:

“prepare for tomorrow’s journey; I have contacted Adam as I told you, and he is waiting to show us the place I told you about before.”

◙ ◙ ◙

After they traveled one hundred and fifty kilometers, the map led them to a winding road like a snake, the width of the road does not exceed three meters, on one side of the road there is a canal from which agricultural lands are irrigated, and on the other side are agricultural lands separated from the road by various trees.

unpaved bumpy road; Sudden incomprehensible potholes, the wheels of the car going up and down like an EKG, Hatem swore that he would have to change his car after the end of this trip.

Hala smiled as she said in a contrived tone of blame:

“If you had accepted the huge amounts of money offered to you, you would have owned a fleet of cars.”

Hatem sighed.

“Money does not prevent sadness or bring happiness, it does not prevent disease or give health, it does not prevent death or give life; Why should I care about it?

With feigned stubbornness, Hala said:

“But you have the right to benefit financially…”

He interrupted her, trying to end the conversation at this point:

“You are right”

She smiled despondently as she yelled at him with some violent pampering, trying to appear angry:

“This is you, and you will not change; Don’t you ever think about the future?!”

“On the contrary, I always think of it.”

She knew that he would not give her a comfortable answer, so she changed the course of the conversation, asking:

“Why did you choose this particular place?”

“I am walking behind my dream… I think this is the place where I saw the strange old man.”

He thought deeply then added:

“I hope there I can find the solution to that mysterious mystery.”

His wish was interrupted by the ringing of his phone.

“Adam! I think I’m close to the location you sent me.”

Adam waited for him on the “Ocean Bridge”. He warmly embraced him, as they had not met since the end of their university studies, and held his hands, trying to persuade him to postpone his journey until tomorrow and to stay with him at home today to taste the food of “Haja”, which he would inevitably become addicted to.


Hatem promised him that he would, but after they returned, while Hala wished that he would have responded to Adam’s request, not because she is not enthusiastic about solving the puzzle as much as she wants to taste Adam’s mother’s food and be inspired by some new cooking recipes.


Adam was reassured of the promise he seized from Hatem, so he rode with them and they set out on narrow crooked roads, Hala began watching the closely packed houses, this houses appeared as if it is supporting each other and consoling each other. Houses that are similar to each other in appearance, construction, and height, suggesting the unity of their inhabitants, and the unity of their concerns and aspirations.

They passed several quiet still villages, despite the presence of some simple, jumping movement with the growing glare of the sun for some farmers who drive their animals towards their lands, a doctor who starts his car engine and leaves it for some time until it prepares itself to walk on this road so that it does not suffer a psychological shock that stops it from working, some of the students who gathered on a microbus to take a long hard way to the university, and some of the men returning from the bakery, each carrying a sack of bread!


Hala’s eyes scan them, so sorrow creeps into her soul, as she remembered what she knew about the people of the countryside in the past; when they were growing their food with their own hands, cultivate it, then harvest it, eat from it, and sell what is left, what is the matter with them today rushing to buy bread from the bakery!


The smell of fish spread, and a hill of a small height appeared from afar, it was a compact group of tombs embracing each other, as if its inhabitants were all one family.

◙ ◙ ◙


Graveyards which do not rise from the ground except by about half a meter or less.

Hala’s eyes almost watered from this sight. Hatem read the emotion in her eyes as he caught a look towards this majestic place, and he felt in his heart a feeling calling him to respect this place and its people, so he wished If it were decorated these tombs and paved the way to them.

He sensed mysterious strange majesty , so he said in a trembling voice:

“I feel that this place has great people who are not famous among people.”

He greeted them with peace while passing them, and his car sank into thick dirt, so its movement slowed down, and the dust covered it from every side until its silver color turned into a dark grey.

“Is this the Atal?”

A spacious land, surrounded on each side by a four-meter-high bridge, behind it a small water drain, then several fish farms, followed by Burullus Lake.

With his car, he cut off the “Atal” land from the far west to the far east, turning right and left searching of that strange old sheikh who always visits him in his dreams.


The sun kissed his eyes gently as he walked over a part of the “Atal” land, which was drawed with player feets, and in which two planks were hammered, as if they were a goalposts.

“This is where they play ball.”

He passed the center circle, fortunately they are not playing now or they would curse him; As Adam told him.

A small building appeared near the edge of the eastern bridge, a room with an entrance hole without a door, with worn-out walls of a white color that time had washed away its whiteness and left it bare walls; Except for some simple veneers, so it looked like a lonely old man.

The place is desolate, and Hala’s distracted looks are enough to reveal her tension and anxiety.

Adam wondered:

“How long will it take?”

And when Hatim answered him by saying:

“nothing”

Adam laughed as if he had heard a joke, so Hatem defiantly confirmed his answer, saying:

“Literally nothing; I have finished”

Bewilderment possessed Hala and overwhelmed Adam, as he wondered in astonishment:

“Is that all?”

Hatem shook his head emphatically, then Adam stretched his lips and said with incomprehension and helplessness:

“so let’s go and eat the lunch that Hajja has prepared for us.”

Hatem smiled as he walked towards the room, saying:


“Not before I see what that old man has in store for me.”


Hala violently grabbed Hatem’s shoulder, so he turned towards her in amazement, she said angrily:

“Not before I understand what is going on. You told me that you have found the place you saw in your dream, and that if you reach it you will understand the message of the strange old man, and that you…”


She paused at this point, thought for a long time, and then asked:


“What do you expect to find inside?”


She softened her violent tone, asking gently, while Adam follows the situation with excitement and says with all seriousness:


“He will find nothing; We’ll just miss lunch.”


 Hatem smiled, and she slowly removed her hand from his shoulder  banging her head with regret, and nodded to agree entering as she walked beside him towards the room, and Adam followed them, saying with a sigh:

“Lunch is lost”


As soon as they entered the room all hope of finding any message or explanation evaporated.


The interior of the room bodes nothing of the sort; It is empty, there is nothing in it, even the sun does not enter it except for a glimmer at sunset from western entrance.


Hatem knelt disappointed over a pile of soil, so Hala sat next to him consoling, and Adam stood babbling:


“If anyone but you had asked me to enter this room, I would not have done it. Am I mad? It is a room with many scary stories hovering around it, but I am not afraid, are you looking for a corpse in it? What did that sheikh tell you? Why do you believe him? I think he is deceiving you, I think we must leave this room, you will not find anything, I know this very well, You are not the first one not to find… “

Hatem suddenly directed his gaze towards Adam, so he was confused and looked away from Hatem’s eyes, and he understood the meaning of his gaze, so he said:


“Deyaa. He came here before you and didn’t find anything.”


“deyaa!! Why didn’t you tell me this before?”


“I wanted you to come so I can see you.”


Hatem got up and asked:


“And what did Deyaa do here?”


“I do not know. I told you that I did not enter with him; But all I know is that he didn’t find what he was looking for.”


Hatem exchanged puzzled glances with Hala, and an examining glances at Adam, whose phone rang, and he said grimly:


“I wish we had remind of something important; Deyaa is ringing, I will not reply. Hello! Welcome, Welcome…”


Hatem indicated to him not to inform him of his presence, so Adam went out to complete his call, while Hala wondered:


“What was Deyaa looking for here?”


“I don’t know; But his coming here means that my dream was not in vain.”


“It also means that he did not come here in vain.”


Hala said thoughtfully and asked in confusion:


“Do you trust Adam?”


Adam picked up the question as he was about to enter the room and said laughing:

“I myself do not trust myself!!”


They all laughed and Adam added:


“Deyaa wants to meet you. I told him that you were searching in the room for the meaning of a strange Sheikh’s dream message. He said he would come immediately and…”


“How do you understand? Did I not tell you not to tell him I existed?”


“He told me he would help you. He wouldn’t be late. Four hours and he’d be here; I do not know how Deyaa will help you, because he does not like good for anyone. If he found an ant carrying a piece of bread, he would take it from it and put a piece of wood in its place.”


“Tell yourself”


Hatem said it with great anger, but he controlled himself, and looked at Adam with a look that meant, “It is your habit, you will not buy it!!”


Adam smiled, trying to calm Hatem down and said sympathetically:


“You must accept his presence.”


Hatem pushed his car keys towards Adam, saying with a smile filled with suppressed anger:


“We’ll wait for you here until you bring us lunch.”


Adam smiled.


“This is a happy chance, but I…”


Hatem interrupted impatiently:


“I know; Weak at driving, deal, don’t care, take your time”


Adam drove the car at a sudden high speed, leaving thick dust that filled the room, making Hatem and Hala remove it with their hands while they were coughing. Then Hatem said firmly:


“We must reach anything before he returns, and before Deyaa comes.”


She asked him surprised:


“Do you understand what goes on?”


“I do not want to understand; Just to search»


They roamed the room searching in all its corners. Hala’s hand grabbed something and called out to Hatem.


Scepter buried under the soil!!


He took it out and looked at it, then looked at Hala in astonishment, saying:


“My suspicions were confirmed. The strange old man in the dream symbolizes this old secluded room; And here is the bridge directly in front of us, similar to the bridge that old man used to walk on in my dream. And here is the scepter with the head of a dog and the tail of a thorn. I think the secret is here and the solution is here; It must be reached before Deyaa comes.”


Hatem suggested excavating the site from which they extracted the scepter.


He removed the dust, and his hands hit a solid object, so he asked Hala to give him the scepter, and he struck light blows with it on that solid object until he realized its beginning and end, and discovered that it was in the shape of a circle, and that he and Hala were standing exactly in the middle of this circle.


They heard Adam’s voice from outside talking to one of them. Hatem recognized the voice and knew that it was Deyaa’s voice. His old archrival.


Hatem stood leaning on the scepter, puzzled as to what to do. Should they leave the room as if they had found nothing? Or tell Deyaa about this circular body? Or what do they do?


Thinking took them for several seconds, and the voice approached them. Hala asked in distress:


“How did they come so fast? Didn’t Adam say that Deyaa would take four hours?”


Hatem smiled as he repeated sarcastically:


“Didn’t Adam say?! Adam!!”


Then he burst out laughing, indignant and annoyed, losing every trick.

 Adam and Deyaa’s feet Come near to them.

Out of his excessive rage, Hatem raised the scepter and hit it on the ground with an angry force.

The circular body split from the middle and swallowed both of them, and closed at the moment Adam and Diaa entered.


 They found the room as it was, just as Adam had left it half an hour ago; Except for one difference, which is that it is free from Hatem and Hala.


“Where are they?!”


Deyaa asked doubtfully, so Adam tensed and remained in his place, confused, so Deyaa left the room angrily, saying to one of his companions:


“They ran away”


“And what shall we do now?”


“We’ll go back to headquarters.”


“And leave them?”


Deyaa poked his left lip, smiled maliciously, and said confidently:


“They can’t get away”


Then he turned towards Adam, who was still standing in the room, shrinking to himself, and said to him threateningly:


“As for you, your reckoning is difficult.”


Adam’s body shrunk from panic, then languished when he heard the voice of Deyaa and his companions as they took off leaving.



The sun was in the middle of the “Atal” land, and Adam was running the car and leaving after he was tired of searching for Hatem and Hala until he began to doubt that he had seen them today.

but what about their car which he himself  is driving right now?

so he spoke to himself in a proper tone:

“They wasted the hearty lunch.”



To Be Continued
Wait for
Chapter Two 
Soon by Allah’s will

Samir Hittawy

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 25, 2023 7:42 ص

 

AuthorSamir Hittawy

He stood looking at the sun as it slowly removed the darkness from its path, thinking.

Perhaps if we woke up from our sleep one day and found the problems of life woke up early before us and before the light of day came, packed its things and gave us a look of pity while we were still sleeping there in meekness not wronger or wronged, then it imprinted a kiss on our forehead and shed a tear of parting Inflamed, and stood at our door gave one last farewell look, then turned its face away and shut the door behind and set off with her things under cover of darkness dispelled by a faint burst of light, trotted and ran till she was gone forever.

Perhaps if we woke up and found our problems did this and left, we would have left our whole life in order to search for it and we would have gone out in its wake, jogging and running, and we may not return until it returns or perishes before we reach it.

We interact with hardship, and problems until we mature, and perhaps we are in this like gold; That noble, precious reddish-yellow metal that is often extracted from the ground; was buried, treated, smelted; Refine, shine, maybe.

Samir Hittawy

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 24, 2023 11:49 م

 

الطّيرْ مَكَانُه في السّمَا

سَارِحْ يغنّي لِحَدّ صُوتُه ما يِتْنَبَحْ

 

والطّيرْ حَيَاتُه مُؤْلِمَه

عَايِشْ فِي ضَلْمَة وَبَرْضُه خَايفْ م الشّبَحْ

 

والطيرْ طَلِيقْ لكنّمَا

لمّا يُقَعْ في الحُبّ لازم يِنْدَبَحْ

****


وأنا يا حبيبتي طير وحبّك كان قَفَصْ

 

دلوقت قلبي بعد موتي فيكي

فوق سلم عينيكي… رَقَـصْ

 

رقصة المدبوحْ

 وأنا نِفْسِى أَبُوحْ

 باللّي في نِفْسِي

بَسْ لو قلبك سَمَحْ

سمير عبد العظيم حيطاوي

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 23, 2023 10:13 م

رغْم إنّي أصلاً

بَمِلّ أمَا تِبْدَأْ تُطُولْ أَيّ قَعْدَه

وَبَتْمَنّى تِخْلَصْ

 

لَكِنْ لَمّا بَبْقَى مَعَاكِي

وَأَلاقِي كَلامْنَا بِينْقَصْ

بَشُوفْلِي عَوَامِل مُسَاعْدَه

 

تخَلّي الْحِكَاية

بَعْد أمّا كَانِتْ بِتَوْصَلْ خَلاص للنّهايَة

بِتَرْجَعْ طَوِيلَة

بالظّبط زيّ حكايات أَلْف ليلة



 

(بلُوقِيا، وحاسب، والسندبادْ)

لفّيِتْ مَعَاكِي كِتِير فِي البلادْ

 

وَحَسّيتْ كَأَنّي أَنَا شَهْرَيَار

وحسّيتك انتي كَمَا شَهْرَ زَادْ

 

وكُنتي إنتي شَمس النّهار اللي ضيّكْ

مِنَوّرْ حَياتْنا ولا حدّ زيّكْ

ولا يِمْلَى عيني ولا قلبي يمْلِكْ

غير نورك انتي اللي غطّى و زادْ

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 23, 2023 10:06 م


عجوزٌ مكتئبٌ بائسٌ يقبع في حفرة عميقة، أقتربُ من وجهه محاولًا التعرف عليه، إنه يشبهني إلى حدٍ بعيد، يحمل كل ملامحي غير أن بعض التجاعيد تملأ وجهه، أنظر في عينيه الدامعتين وأسأله برفق: «لماذا كل هذا الندم؟!»

يحاول التحرك من الحفرة البغيضة إلا أنها تضيق عليه وتضغط على ضلوعه فيعجز عن الحركة، فيحاول جاهدًا أن ينطق ولكن الكلمات تبدو غير راغبة في الخروج فيتحايل عليها حتى تطيعه فينطق قائلًا في غضب: «انظر لنفسك»

أنْــظُــرُ إليه غير مستوعب وأسأله في دهشة: «وما شأني بك؟!»

يصمت العجوز ويشيح بوجهه بعيدًا فتغزوني الحيرة فأرتعد ويكبلني الذهول فأقلب الأمر في عقلي سريعًا باحثًا عن رابط بيننا؛ أكنت أعرفه من قبل؟ هل قابلته يومًا؟ هل وعدته وعدًا وأخلفته؟ هل اصطدمت به في الطريق يومًا ولم أعتذر؟ ما علاقتي بهذا العجوز المكتئب؟!

لم أجد إجابة منطقية.. فاستدرت إلى الناحية الأخرى لأواجهه وأعاود النظر في عينيه مجددًا وأنا أسأله في حدّة: «ما علاقتي بك أيها الرجل؟! أجبني»

ابتسم ابتسامة مثقلة بالهموم وتكلم بنبرة مفعمة بالإحباط، وهو يرجوني بتذلل: «لأنك لا تسألني رأيي في أي شيء تفعله؟»

ماهذا التطفل؟ كيف يفرض نفسه عليّ بهذه الوقاحة؟ هل سأقف عند ناصية كل طريق لأسأله إن كان موافقًا على سيري فيه أو لديه اعتراض؟ ما لهذا الرجل لا يكاد يدرك أنني مستقل عنه ولي إرادة حرة؟!

ظهر التبرم واضحًا على ملامحي، فأدرك العجوز ما أفكر فيه فأضاف بصوت مختنق: «أنت سبب ما أنا فيه، أنت من يحدد مصيري»

صدمتني عبارته الغريبة فوجدت جسدي ينكمش من الصدمة ويتلاشى جزءًا فجزءًا ويتبدد في الهواء كأنه تحول إلى بخار، ثم انساب على جسد العجوز فاستقر فيه.

سمير عبد العظيم حيطاوي


#قصة_سريعة 

1. #قصة

2. #قصص_قصيرة

3. #قصة_قصيرة

4. #أدب

5. #أدب_عربي

6. #رواية

7. #كتابات

8. #إبداع

9. #أدب_حديث

10. #قصص_مؤثرة

11. #حكاية

12. #خيال

13. #قصة_اليوم

14. #كتابة_إبداعية

15. #قصص_أدبية

16. #قصص_عربية

17. #قصص_واقعية

18. #قصة_حب

19. #حكايات

<

p style=”text-align: justify;”>20. #قصةقصيرةعربية

✍️ بواسطة: سمير حيطاوي | 🕒 مايو 23, 2023 9:49 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top