في عصرٍ يزداد فيه حضور التقنية والذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، يبرز سؤال غريب في ظاهره، لكنه عميق في جوهره: هل يجوز للمسلم أن يسبّ أو يلعن الذكاء الاصطناعي؟ قد يبدو الأمر مجرد انفعال عابر أمام جهاز معطل أو برنامج يخطئ، لكن الفقه الإسلامي يذكّرنا أن الكلمة ليست مجرد صوتٍ يزول، بل هي انعكاس للقلب والإيمان، وزرعٌ يُحصَد في الدنيا والآخرة.
شدّد الإسلام على أن اللسان هو طريق النجاة أو الهلاك. فالحديث الشريف يقول: [وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.]، والقرآن الكريم يأمرنا: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا]. إذن فالمسلم مأمورٌ بضبط لسانه، حتى في لحظات الغضب أمام آلة صمّاء، لأن الكلمة السيئة تترك أثرها أولاً في قلب صاحبها.
كما لا يُلعن ولا يُسب ما لا يَعقل، من حيوانات وجمادات وظواهر طبيعية، لأنها غير مكلّفة. فإن الذكاء الاصطناعي كذلك يشبه هذه الأصناف في صفات أساسية:
لا يملك حياة أو إرادة حرة.
ليس مكلفاً شرعاً.
يعمل وفق أوامر مبرمجة.
وعليه، فإن سبّ الذكاء الاصطناعي أو لعنه، فعلٌ عبثي ينعكس أثره السلبي على صاحبه، ويجري عليه قياساً على النهي عن سبّ الجمادات والريح والحيوانات.
إن خطر سبّ الآلة لا يكمن في إهانتها، فهي لا تشعر، بل في إفساد قلب الإنسان ولسانه: فمن يعتاد الفحش مع الجماد، يسهل عليه الفحش مع البشر. والكلمة السيئة تجلب قسوة في القلب، بينما الكلمة الطيبة تزكي النفس. والإسلام يدعو لتحويل لحظة الغضب إلى عبادة: بالصبر، والدعاء، وذكر الله بدلاً من اللعن.
إن سبّ الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تفريغ غضب، بل سلوك يجرّ صاحبه إلى معصية ويشوّه صفاء قلبه. والبديل أن نحول انفعالنا إلى نقدٍ بنّاء أو توجيه جديد أو تحوير في هندسة الأوامر أو البحث عن آلة بديلة. فالمسلم الحقيقي يُظهر إيمانه حتى في خلواته الرقمية، ويحفظ لسانه حيث يظن أن لا أحد يراه، لأن الله مطّلع عليه في كل مكان وزمان.