قصة سريعة — لحظة إفاقة
لحظةٌ عصيبةٌ.
يرقد في غرفة العزل بمستشفى الحميات بين الوعي والغيبوبة، يُصارع جهازه التنفسي حتى يتمكن من سحب نَـفَسٍ واحد لِتَـكُـفّ رِئَــتَــاهُ عن الصراخ استجداءً للهواء، محاولاتٌ مضنيةٌ أسفرت عن اصطياد نسمة هواءٍ عابرة، التقمها، تدحرجت بصعوبة من أنفه الملبد بالإفرازات اللزجة إلى حنجرته الجافّة حتى سقطت مُفتّتة في رئتيه المتشققتين. أفاق.
رؤيةٌ ضبابيةٌ، تنقشع شيئًا فشيئًا؛ رأى ذلك الطفلَ الذي يركض في الشوارع لاهيًا غير مكترث بشيء، ولا مثقلٍ بهمومٍ أو آمال، تمنّى لو أنه ظَلّ ذلك الطفلَ إلى الأبد.
شابٌ يخوض بحرًا هائجًا على متن قارب خشبي ضعيف تتقافز الأسماك من حوله وتدخل للقارب فيمسك بعضًا منها ويضيع البعضُ الآخر، كُلّما ضاعت سمكةٌ أغمض عينيه متحاشيًا النظر في عين ذلك الشاب، لم تَـبْـقَ سوى سمكةٍ وحيدة، وارتطم القارب بالشاطئ.
عجوزٌ يحاول صعود جبلٍ شاهقٍ وكُلّما ارتفع للأعلى خطوة خانته قدماه فهوى، لم يكف عن المحاولة ولم يصل إلى قمة الجبل والأمل يحدوه، كل شيء قد تغيّر، زال الجبل، وبقي العجوز يحاول السير جاهدًا في أرضٍ صخريةٍ تجرح قدميه فتنزفان آخر قطرة من دمه، نَـفِـدَ الهواءُ من رئتيه، وما زالت صورة تلك السمكة الأخيرة تتراقص أمام عينيه.