قصة سريعة — على حافة الموت

قصة سريعة — على حافة الموت
قصة سريعة— على حافة الموت
يبحث عنه في كل أرجاء الدنيا ولا أثر له، يتساءل في حيرةٍ شديدة: أين فررت مني؟ لا يمكن لإنسان أن يجد مهربًا مني، إنني الموت ولي ساعة دقيقة، ولحظة محددة، إذا حللت فيها لا أرتحل حتى آخذك معي، فأين أنت أخبرني؟
يدير الموت عينيه في المكان حتى تقع عليه، فينظر له ويقول في ظفر وفرح: ها أنت لقد ظفرت بك.
يقترب الموت منه لحظةً بعد لحظة، ينظر له ويبدو عليه تعجب شديد، ولسان حاله سؤال يطرحه: ما هذا؟ لا يمكنني أن آخذك معي، لا يمكن أن تموت.
ولماذا؟
يجيبه الموت: لأنك ميت.
كيف هذا؟ إنني على قيد الحياة، ما زلت أمشي، ما زلت أتكلم، صبرًا أيها الموت سأحضر لك أحد البشر ليخبرك أنني حي.
يا عزيزي لست بحاجة إلى هذا، إنني أعرفك أكثر منك ومن غيرك، إنني الموت وأنا أَعْرَفُ بالموتى والأحياء، وأنت استوفيت شروط الموت كاملة.
ماذا؟ شروط الموت؟ ماذا تعني؟
أعني أنّ لي شروطًا لا بد أن تستوفيها لتكون ميتًا، وهذه الشروط متوفرة فيك بكاملها…
الشرط الأول؛ «أن يكون يومك كأمسك وصباحك كمسائك، جمود وركود»…
الشرط الثاني؛ «لا تُضِيفُ شيئًا، وإنْ أُضِيفَ إليك»…
الشرط الثالث؛ «لو عادت الأيام»، ترددها كثيرًا، مع أن الأيام تعود يوميًا وأنت لا تفعل شيئًا.
الشرط الرابع؛ «الآخرون هم السبب»، فما إن تخطئ حتى تسارع باتهام غيرك.
الشرط الخامس؛ «سِرْ على غير هدى وإلى لا مكان»، أن تمضي العمر في طريق لا يؤدي لشيء.
إنك مُقِرٌ بأن شروط الموت متوفرة فيك، أليس كذلك؟
وبعد صمت طويل، قال له بثقة: أنت لست الموت.
كيف؟
أنت تفاوضني والموت لا يفاوض، تتأخر عن موعدك والموت لا يتأخر، تتحدث والموت لا يتكلم.
فأدرك الموت أنه ليس الموت وسقط مغشيًا عليه، ثم نهض متحولًا في هيئة أخرى، وقال متسائلًا: من أنا؟
أجابه بصوت هادئ: أنت قدري، أتيتني في صورة الموت عندما احتجتك، أبلغتني الرسالة قبل فوات الأوان.
أنت دائمًا تسبق الموت، لتحذرني، لتوقظني، لتدفعني نحو الحياة.
قال له القدر مبتسمًا: لقد ظننت نفسي الموت من فرط تقمصي، لكنني كنت أريد إنقاذك، اقرأ رسائلي، سجلها، سمّها “رسائل القدر”، واقرأها كل حين، ولا تـمُتْ وأنت على قيد الحياة، فالموت أحيانًا يسبق الحياة.
انصرف القدر، وبقي هو يتأمل… حتى شعر أن عينيه تؤلمانه، وبدأ يفتحهما…
ما هذا؟ أين أنا؟ ما هذه الأجهزة؟ لقد كنت أقود السيارة بالأمس… ثم حلّ بي شعور كركوب مرجيحة… مرة إلى الأعلى، ومرة إلى الأسفل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top