ماذا لو جلست مع نفسك؟
لا لتراجع حساباتك، ولا لتنهي شيئًا عالقًا…
بل فقط… لتجلس. بلا مهمة، بلا شاشة، بلا انتظار. تُطفئ العالم، لا لأنك قوي، بل لأنك تعبت.
ماذا لو جلست في صمت؟
ليس كمن ينسحب من ضوضاء الحياة، بل كمن يعود إلى بيتٍ لم يدخله منذ زمن. إلى الذات… تلك الغرفة الداخلية التي هجرتها، حتى صارت غريبةً عنك كغريبٍ عن وطنه.
ماذا لو سكت كل شيء؟
لو انطفأت المروحة، وسكتت أصوات الإشعارات، وغاب الضوء الأزرق للهاتف؟ أتراك تسمع شيئًا؟ أتسمع ذاك الصوت الخافت الذي ظل يهمس لسنوات؟ “أين ذهبتَ؟ لماذا تركتني؟ هل أنت من كنتَ عليه يومًا؟” ليس الصوت غريبًا… بل مألوف وقديم. أقرب إليك من نبضك، لكنه منفيّ منذ أن ملأت يومك كله بالضجيج.
ماذا لو نظرت إلى الداخل؟
هل ستعرف ملامحك؟ أم ستجد مرآة مكسورة، تعكس نصف ابتسامة، ووجعًا مكتومًا لم تُسمّه قط؟ أتراك ترى الطفل الذي كان يحلم؟ أم فقط الظلّ الذي يهرب من حلمٍ نسي اسمه؟ الداخل ليس وهمًا… هو الحقيقة التي أسكناها خلف زجاج الهاتف، وخلف تحديثات لا تُحدث فينا شيئًا.
ماذا لو لم تفتح الهاتف؟
ماذا لو امتدت يدك صباحًا، فلم تلمس الزرّ البارد في راحة يدك؟ هل تشعر بالذعر؟ هل تشعر أن شيئًا ما ينقصك… أم يعود إليك؟ كل إشعار غادرٌ أكثر مما يبدو. كل صورة… قناع. كل تفاعل سريع… تأجيلٌ لحقيقة لا نريد أن نراها. الهاتف؟ ليس جهازًا. بل ستار نرفعه كل يوم، لنغطي تلك الأسئلة التي نخاف أن تُكشَف.
ماذا لو لم تخف من الوحدة؟
هل تعلم أن أعمق الحِكم كُتبت في لحظات العزلة؟ وأن الأنبياء تأملوا في الخلاء قبل أن يُرسلوا؟ وأن الفلاسفة، كلهم، عرفوا أنفسهم قبل أن يكتبوا العالم؟ لكننا اليوم… صارت الوحدة شبحًا. لأننا نعلم… أننا إن جلسنا بصمت، ستُفتح أبوابٌ نُغلقها كل يوم.
ماذا لو عدت؟
عدت لا إلى ماضٍ تحنّ إليه، بل إلى ذاتك التي بقيت هناك، تكتب لك بخط النسيم رسائل لم تُفتح، وتقول لك، بصوتٍ خافت، لكنه صادق: “لقد كدتَ تنساني…”
ماذا لو جلست… عشر دقائق فقط؟
ليس لتُصلح العالم، بل لتسمع قلبك. لتنظر في مرآتك، دون تزيين، دون مؤثرات، لتسمع السؤال الذي لا إجابة له… لكن فيه كل البداية:
“هل هذه حياتي؟
هل أنا… أنا؟”
“هل هذه حياتي؟
هل أنا… أنا؟”
ماذا لو لم تهرب هذه المرّة؟
أطفئ كل شيء. واجلس. فربما، في هذا الصمت الظاهري، يولد صوتٌ جديد… هو أنت. كما لم تعرفك منذ زمن.