التنظيمات السريّة

التنظيمات السريّة: رمزية هدم هيكل الماسونية داخل النفس البشرية
التنظيمات السريّة: رمزية هدم هيكل الماسونية داخل النفس البشرية
المقدمة – رمزية الهدم الداخلي

سلطةٌ خفية، هرمية، غير معلنة، تحاول بسط نفوذها على هذا العالم.

التنظيم السري كيان مغلق يعمل في الظل، يُخفي أهدافه، ينشر أفكاره تدريجيًا، يحتكر المعرفة داخل دوائره الضيقة، يتّسم بالسرّية التامة في العضوية والطقوس، ويتدرّج أعضاؤه كما لو كانوا في سُلّمٍ تعليمي خفيّ، لا يصلون إلى القمة إلا بعد مراحل من التصفية والاختبار، والانتقائية الصارمة، لا ينضم إليهم إلا من يختارونه هم وليس كل من يريد الانضمام؛ وهذه الصفات تنطبق حرفيًا على منظماتٍ كالماسونية، تلك الشبكة الرمزية ذات الطابع الهرمي المتصاعد.

غير أن تساؤلًا يطرح نفسه ألا يوجد تنظيمٌ موازٍ لهذا النموذج الماسوني داخل النفس البشرية؟

تنظيمٌ باطني، هرمي، خفيّ، لا يُرى…

منظومة أفكار تتسلل إلى الداخل، تُعلي من شأن الأنا، وتبني عرشًا من الكبرياء على أنقاض التواضع.

ذلك التنظيم الداخلي يجب هدمه، بالتوازي مع هدم الهرم الماسوني.

التنظيم السري في جوهره ليس جماعة من البشر، بل كيان رمزي يمثل الكِبر والسلطة الزائفة.

وإخلاء سبيل لا تحكي عن الهروب من سجنٍ مادي فحسب، بل عن الانعتاق من سجنٍ رمزيّ، متجذّر في داخل النفس…

سجنٍ لا تراه، لكنه يتحكم بك.

النشأة التاريخية للماسونية

والماسونية وهي أشهر تنظيم سري في العالم، تُعتبر ظاهرة عالمية فريدة ومستمرة، تمتد جذورها عبر قرون، ولا تزال تثير فضول الباحثين وعامة الناس على حد سواء. وقد وصفها المؤرخ جاسبر ريدلي بأنها أقوى تنظيم سري في العالم، وهو وصف يبرر الحاجة إلى دراسة متعمقة وموضوعية لهذه الحركة.

بينما تكمن الإشكالية الرئيسية في فهم الماسونية في التناقض الجوهري بين الصورة التي تقدمها عن نفسها، كمنظمة أخوية عالمية تُعنى بالفلسفة والخدمة المجتمعية وتتبنى مبادئ الحب الأخوي، الحقيقة، الحرية، والمساواة؛ وبين الاتهامات الشديدة الموجهة إليها، والتي تصل إلى حد وصفها بأنها حركة يهودية سرية إرهابية تسعى إلى تدمير الأديان وفرض سيطرتها على العالم.

تُجمع المصادر التاريخية الأكثر موثوقية على أن الماسونية الحديثة تطورت من نقابات البنّائين الحرفيين (الماسون العمليين) التي ازدهرت في أوروبا خلال العصور الوسطى، إذ كانت هذه النقابات تجمعات مهنية تهدف إلى تنظيم حرفة البناء والحفاظ على أسرارها التقنية، مثل مبادئ الهندسة المعمارية المستخدمة في تشييد الكاتدرائيات القوطية الشاهقة، ولأجل الحفاظ على هذه الأسرار، استخدمت النقابات كلمات سر وإشارات وطقوسًا خاصة لتمييز أعضائها عن غيرهم، ومع مرور الوقت، بدأت هذه النقابات في قبول أعضاء «شرفيين» أو مقبولين من خارج حرفة البناء، كانوا غالبًا من النبلاء والمثقفين المهتمين بالفلسفة والعلوم، وقد أدى هذا التطور التدريجي إلى تحول التركيز داخل هذه التجمعات من الممارسة الحرفية العملية إلى التأمل الفلسفي والرمزي، مما مهد الطريق لظهور الماسونية الفكرية.

ويُعتبر تأسيس المحفل الأكبر الأول في لندن عام 1717 الحدث المفصلي الذي شهد ولادة الماسونية الحديثة بشكلها التنظيمي والفلسفي المعروف اليوم، فلم يكن ذلك الحدث مجرد توحيد لأربعة محافل قائمة، بل كان نقطة تحول أعلنت رسميًا عن هوية الماسونية الجديدة كمنظمة فلسفية وأخوية. وفي عام 1723، تم نشر «دساتير الماسونيين الأحرار» التي كتبها جيمس أندرسون، وهي الوثيقة التأسيسية التي حددت مبادئ الماسونية الحديثة. وقد تضمنت هذه الدساتير بندًا محوريًا نص على أن الماسوني لا يمكن أن يكون ملحدًا أحمقًا، وهو ما أصبح لاحقًا مصدر خلاف وانقسام كبير داخل الحركة.

تشيع الماسونية عن نفسها روايات أسطورية تُرجع أصولها إلى فترات تاريخية سحيقة، مثل بناء هيكل سليمان بإشراف المهندس حيرام أبي، أو إلى تنظيم فرسان الهيكل الذي نشط خلال الحروب الصليبية، أو حتى إلى كهنة مصر القديمة الذين شيدوا الأهرامات. بينما من منظور أكاديمي، تفتقر هذه الروايات إلى الأدلة التاريخية الموثوقة. والهدف من هذه الأساطير هو في المقام الأول تزوير التاريخ بإنشاء تاريخ مقدس رمزي يخدم أهداف المنظمة، فقد التجأت المنظمة إلى استخدام قصة بناء الهيكل لخدمة رمزية بناء الذات وتحسينها (الهيكل الداخلي للإنسان)، وأسطورة مقتل حيرام أبي إلى لخدمة رمزية مخاطر الجهل والتعصب والطمع، وضرورة انتصار الحقيقة في النهاية.

الانتشار في العالم العربي

وقد انتشرت المحافل الماسونية بسرعة في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا خلال القرن الثامن عشر. أما دخولها إلى العالم العربي، فقد ارتبط بشكل وثيق بالتوسع الأوروبي، حيث تأسس أول محفل في مصر أثناء حملة نابليون بونابرت عام 1798. وقد انضم إليها، لاحقًا، عدد من النخب العربية التي تأثرت بالأفكار الأوروبية، وقد وردت أسماء شخصيات بارزة ضمن قوائم أعضائها، وإن كانت الأدلة على انتمائهم الرسمي لا تزال محل نقاش بين المؤرخين.

وكثيرًا ما توصف الماسونية بوقوفها وراء الثورات الكبرى التي غيرت وجه العالم، مثل الثورة الإنجليزية (1640) والثورة الفرنسية (1789). والتحليل التاريخي المتوازن يُظهر أن العديد من قادة هذه الثورات، مثل جورج واشنطن في أمريكا، كانوا بالفعل أعضاء في الماسونية.

البنية التنظيمية والدرجات

ونلقي الضوء على البنية التنظيمية والهرمية للماسونية فيما يلي:

المحفل (The Lodge): المحفل هو الوحدة التنظيمية الأساسية في الماسونية، وهو المكان الذي يجتمع فيه الأعضاء بانتظام لممارسة طقوسهم ومناقشة شؤونهم. لكل محفل هيكل إداري خاص به، يترأسه «الأستاذ الأعظم» (Worshipful Master) ويعاونه مسؤولون آخرون مثل الحارسين (Wardens) وأمين السر وأمين الصندوق، ولكل منهم واجبات محددة تضمن سير العمل داخل المحفل.

الدرجات الرمزية (The Blue Lodge)

تتكون الماسونية الأساسية، والمعروفة باسم «المحفل الأزرق»، من ثلاث درجات رمزية معترف بها عالميًا، يمر بها العضو الجديد في رحلته:

درجة المبتدئ (Entered Apprentice): ترمز هذه الدرجة إلى ولادة الإنسان الروحية وبداية رحلته في البحث عن «النور» أو المعرفة الأخلاقية والفلسفية.

درجة الزميل (Fellow Craft): تمثل هذه الدرجة مرحلة الشباب والنضج الفكري، حيث يتم تشجيع العضو على التعلم واكتساب المعرفة وتطبيق المبادئ الماسونية في حياته.

درجة الأستاذ الماسوني (Master Mason): هي أعلى درجة في الماسونية الرمزية، وترمز إلى النضج الكامل والحكمة. تتمحور طقوسها حول أسطورة مقتل المهندس حيرام أبي، والتي تعلم العضو دروسًا حول الإخلاص، والموت، والخلود الروحي.

ما بعد درجة الأستاذ: عالم الطقوس العليا

خلافًا للاعتقاد الشائع، فإن الهيكل الماسوني ليس هرمًا واحدًا بسيطًا. فبعد الحصول على درجة الأستاذ الماسوني، يمكن للعضو أن يختار الانضمام إلى هيئات إضافية تُعرف بـ «الطقوس العليا»، والتي لا تمنح سلطة إضافية في المحفل الأزرق ولكنها تقدم تعاليم فلسفية أعمق. أشهر هذه الأنظمة هما:

الطقس الإسكتلندي القديم والمقبول (Scottish Rite): يتكون من 33 درجة، تهدف إلى استكشاف الفلسفة والدين المقارن والأخلاق بشكل موسع.

طقس يورك (York Rite): يتكون من عدة هيئات مستقلة، بما في ذلك المعبد الملكي والمجلس والفرسانية، ويركز بشكل كبير على الأساطير المرتبطة ببناء الهيكل الثاني وتراث فرسان الهيكل.

الإدارة والتنظيم – المحافل الكبرى

إن البنية التنظيمية للماسونية هي بنية فيدرالية وليست مركزية، فكل محفل محلي يتبع لـ محفل أكبر (Grand Lodge)، وهو هيئة إدارية مستقلة وذات سيادة كاملة على منطقة جغرافية معينة (مثل ولاية أمريكية أو دولة). لا يوجد محفل أكبر له سلطة على محفل أكبر آخر، والعلاقات بينها تقوم على مبدأ الاعتراف المتبادل وليس التبعية الهرمية.

ونتيجة لذلك فقد نشأت خلافات بين المحافل الماسونية، ومنها الخلاف التاريخي العميق والمستمر حتى اليوم بين المحفل الأكبر المتحد في إنجلترا (الذي يشترط الإيمان بإله) والمشرق الأكبر في فرنسا (الذي يقبل عضوية الملحدين منذ عام 1877).

الأهداف المعلنة

ومن العجيب أن الأهداف المعلنة الماسونية مثالية للغاية وتتمثل في السعي نحو جعل الرجال الطيبين أفضل! إذ تُعرّف الماسونية نفسها، في خطابها الرسمي، بأنها نظام أخلاقي، محجوب بالأمثولة، وموضح بالرموز. هدفها الأساسي المعلن هو جعل الرجال الطيبين أفضل، وذلك من خلال التركيز على مبادئ أخلاقية عالمية مثل الأخوة (Brotherly Love)، والإغاثة (Relief) المتمثلة في الأعمال الخيرية، والحقيقة (Truth).

«مهندس الكون الأعظم»: إشكالية المفهوم الإلهي.

من الشروط الأساسية للانضمام إلى معظم المحافل الماسونية حول العالم هو الإيمان بكائن أسمى، والذي يشار إليه بمصطلح مهندس الكون الأعظم. وقد صُمّم هذا المصطلح عمدًا ليكون شاملاً وغير طائفي، حيث يسمح لكل عضو، سواء كان مسيحيًا أو مسلمًا أو يهوديًا أو هندوسيًا، بتفسير هذا «الخالق» وفقًا لمعتقداته الدينية الخاصة، ولا شك في أن هذا المصطلح الواسع يمثل من ناحية مصدر قوة الماسونية، حيث يتيح لها استقطاب أعضاء من خلفيات دينية متنوعة، ومن ناحية مقابلة مصدر ضعفها، حيث تتهمها المؤسسات الدينية باللامبالاة الدينية أو بمحاولة خلق دين توفيقي جديد يضع جميع الأديان على قدم المساواة.

قاموس الرموز الماسونية

فإن الماسونية تعتمد بشكل كبير على الرمزية لنقل تعاليمها الفلسفية. وتلك الرموز، المستعارة غالبًا من أدوات البنّائين، تحمل تفسيرات متعددة، مما يخلق فجوة بين المعنى الداخلي للأعضاء والتأويل الخارجي لمنتقديها.

  • الزاوية القائمة والفرجار: الزاوية ترمز إلى الأخلاق والسلوك القويم (“تربيع أفعالنا”)، والفرجار يرمز إلى العقل وضبط النفس (“تحديد حدودنا”). التفسير الخارجي: السيطرة على العالم المادي والروحي أو الاتحاد الجنسي الرمزي بين الذكورة والأنوثة.
  • العين التي ترى كل شيء: ترمز إلى عين “مهندس الكون الأعظم” المراقبة والحقيقة المطلقة. التفسير الخارجي: المراقبة الشاملة، المتنورين، النظام العالمي الجديد.
  • الحرف G: يرمز إلى God (الله) وGeometry (الهندسة) كعلم إلهي. التفسير الخارجي: Gnosis (المعرفة الباطنية) أو معانٍ سرية أخرى.
  • الأرضية المرصوفة بالأبيض والأسود: ترمز لازدواجية الحياة (خير وشر، نور وظلام) والتوازن بينها. التفسير الخارجي: السيطرة على القوى المتضادة أو المعرفة الباطنية التي توحد الأضداد.
السرية والطقوس

فإن السرية في الماسونية لا تهدف إلى حماية أسرار كونية غامضة بقدر ما تهدف إلى تعزيز الروابط الأخوية بين الأعضاء وخلق شعور بالانتماء إلى مجموعة حصرية ومميزة. أما الطقوس، فهي ليست مجرد مراسم شكلية، بل هي بمثابة مسرحيات رمزية تهدف إلى تعليم دروس أخلاقية بطريقة مؤثرة ودرامية لا تُنسى، بدلاً من التلقين المباشر والمجرد. ذلك أن تجربة المرور بالطقوس بشكل جماعي تخلق رابطًا نفسيًا قويًا بين المشاركين.

الموقف الديني المناهض

الموقف الإسلامي: يُعد الموقف الإسلامي من الماسونية شديد الوضوح والرفض. ففي عام 1978، أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى تعتبر الماسونية منظمة يهودية الجذور والإدارة العليا، وصهيونية النشاط، وهي في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعها لتهديمها بصورة عامة وتهديم الإسلام بصفة خاصة. وتستند هذه الفتوى إلى عدة أسباب، منها: ارتباط رموزها وقصصها بالعهد القديم وهيكل سليمان، ومبدأها في قبول أعضاء من جميع الأديان مما يُعتبر تمييعًا للعقيدة الإسلامية وتوحيدًا للأديان، بالإضافة إلى سريتها التي تثير الشكوك حول أهدافها الخفية.

الموقف المسيحي: تاريخيًا، كانت الكنيسة الكاثوليكية من أشد معارضي الماسونية، حيث أصدرت العديد من المراسيم البابوية التي تحرم على الكاثوليك الانضمام إليها، معتبرة إياها خطيئة كبرى. وقد أكد البابا يوحنا بولس الثاني هذا الموقف عام 1983 بتصريحه الشهير: لا يمكن أن تكون كاثوليكيًا وماسونيًا في نفس الوقت. كما أن العديد من الكنائس البروتستانتية، مثل المجمع المعمداني الجنوبي في الولايات المتحدة، خلصت إلى أن تعاليم الماسونية تتعارض مع المبادئ الأساسية للمسيحية، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الخلاص وطبيعة الله.

الاتهامات السياسية ونظريات المؤامرة

حكومة العالم الخفية: نظرية المؤامرة الأكثر شيوعًا هي أن الماسونية تهدف إلى إقامة «نظام عالمي جديد» تكون فيه حكومة واحدة تسيطر على العالم. ويغذي هذه النظرية وجود عدد كبير من الشخصيات السياسية والاقتصادية النافذة ضمن صفوفها، مما يثير الشكوك حول أن القرارات العالمية الكبرى يتم اتخاذها في اجتماعاتها السرية.

الارتباط بالصهيونية: يُربط بين الماسونية والصهيونية بشكل متكرر في الأدبيات المناهضة لها. وتعود أسباب هذا الربط إلى استخدامها المكثف للرموز والقصص المستمدة من العهد القديم، وتركيزها الرمزي على إعادة بناء هيكل سليمان، والاتهامات بأنها يهودية الجذور والإدارة العليا.

المنظمات الواجهة: هناك ادعاء شائع بأن منظمات خدمية عالمية مثل نادي الروتاري ونادي الليونز هي في الحقيقة واجهات للماسونية، أُنشئت بهدف ممارسة أنشطتها بشكل علني وجذب أعضاء جدد تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي.

ويمكن القول إن التأثير الحقيقي للماسونية ناتج عن كونها شبكة علاقات قوية ومؤثرة تجمع بين أعضاء النخبة في مجالات السياسة والمال والأعمال، مما يسهل عليهم تنسيق مصالحهم بشكل غير رسمي.

الماسونية في العصر الرقمي

إذ تواجهها حالياً تحديات العصر الرقمي، فقد حوّل عصر الإنترنت «سرية» الماسونية من حصن منيع كان مصدر جاذبيتها وغموضها إلى عبء تسويقي كبير. ففي الماضي، كانت الأسرار والطقوس الماسونية تنتقل شفهيًا وتُحفظ بصرامة داخل جدران المحفل. أما اليوم، فيمكن لأي شخص البحث عبر الإنترنت والعثور على تفاصيل دقيقة حول هذه الطقوس والأسرار. وقد جعل هذا الواقع الجديد من الصعب على المنظمة تسويق نفسها للأجيال الجديدة على أنها تمتلك «أسرارًا خاصة». ونتيجة لذلك، باتت الماسونية مجبرة على إعادة تعريف هويتها العامة. وهذا ليس مجرد تغيير في استراتيجيات العلاقات العامة، بل هو تحول استراتيجي ضروري للبقاء، حيث يتم التركيز الآن بشكل أكبر على جوانب الأخوة والأعمال الخيرية والتنمية الشخصية، لأن جانب الأسرار لم يعد صالحًا كعامل جذب أساسي في عالم مفتوح.

وإدراكًا منها لهذه التحديات، بدأت العديد من المحافل الكبرى حول العالم في تبني سياسات شفافية نسبية. تشمل هذه المحاولات إنشاء مواقع إلكترونية رسمية، وفتح أبواب بعض المباني التاريخية للجمهور، ودعوة وسائل الإعلام لتغطية بعض الفعاليات غير الطقسية، والمشاركة بشكل أكثر فاعلية في الأنشطة المجتمعية، كل ذلك في محاولة لمواجهة الصورة النمطية السلبية وتحسين صورتها العامة.

وعلى الرغم من تراجع جاذبيتها كمنظمة سرية، لا تزال الماسونية ورموزها تحظى بحضور قوي في الثقافة الشعبية. فمن روايات التشويق العالمية مثل روايات دان براون، إلى أفلام هوليوود مثل سلسلة الكنز الوطني، حيث يستمر هذا الظهور في تعزيز الغموض والجاذبية المحيطة بالماسونية، مما يضمن بقاءها في الوعي العام، سواء كان ذلك بشكل إيجابي يصورها كحارسة للحكمة القديمة، أو بشكل سلبي يربطها بالمؤامرات العالمية.

الخاتمة

وفي النهاية يتضح أن الماسونية ظاهرة متعددة الأوجه ومعقدة للغاية. فهي في نظر أعضائها منظمة أخوية تهدف إلى التنمية الأخلاقية والخدمة المجتمعية. وهي في نظر العديد من المؤسسات الدينية كيان هرطقي يهدد العقيدة الصحيحة. وهي في نظر مؤيدي نظريات المؤامرة أداة للسيطرة والتآمر العالمي. إن طبيعتها السرية وتاريخها الطويل الممتد، والذي يمتزج فيه الواقع بالأسطورة، يجعلان من الصعب دائمًا الفصل التام بين الحقيقة الموثقة والخيال المتداول في قصتها. فهل هي تبث الرعب في النفوس لتفقد الشعوب قدرة المقاومة من خلال اليأس والقنوط؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top