رواية إخلاء سبيل: الفصل الثامن

🎧 يمكنك ترك الصوت يعمل في الخلفية أثناء تصفحك للهاتف أو حتى عند إغلاق الشاشة.
اقرأ، واسمع، واستمتع، واكتب مراجعتك في التعليقات…
إخلاء سبيل – ٨
رواية إخلاء سبيل
الفصل الثامن

أفاق آدم من نومه مثقلًا، بعد وجبة غداء دسمة، جلس على حافة السرير، واضعًا رأسه بين يديه، ناظرًا للأرض في ضجر، وكأنها تخفي بين ضلوعها الإجابة على تساؤله الملح: «أين ذهبا؟»

نهض ببطء، يجر جسده الذي ينوء بحملٍ ثقيل من الأفكار والقلق، يتردد داخله صدى الأسئلة بلا إجابات، يأتيه صوت أصحابه من الخارج، ينادونه للعب كرة القدم، فينزل الدرج متثاقلًا، وليس لديه طاقة للعب، إلا أنه رأى فيه مهربًا مؤقتًا من ذلك الحصار الذهني.

فوجئ بأبيه يقابله في الصالة بعناقٍ دافئ، كعناقِ غريبٍ قد عاد من بعد غياب، وفي غمرة تلك الأحضان أرخى آدم ذراعيه، وهَمْهَم في حيرة: «ما الذي غيّر أبي بهذه السرعة؟!»

فجأة، صدحت زغرودةٌ من خلفه، التفت بذعر فرأى أمّه في أوج نشاطها، تصدح بالزغاريد المتتابعة، خُيّل إليه لوهلة أنه في عرسه المؤجل منذ عشر سنوات.

ثَمَنُ الذَّهَب! عقدةُ تلك السنوات العشر، لم يتمكن من جمعه، وبالتالي لم يتمكن من إتمام زواجه؛ «ماذا جرى، هل عثرتما على كنز؟»، لم يَطُلْ استغرابه فهو يعرف تقلباتهما، ويتقبلها كما هي.

خرج إلى الشارع، فاستقبله أصدقاؤه بالتحيات والأحضان، كعادة قريتهم كلما تقابلوا، ووسط حفاوتهم كاد ينسى سيارة حاتم التي كانت تقبع أمام البيت، التفت بسرعة إلى حيث ركنها قبل نومه، لكن الموضع كان خاليًا.

اتقد التوتر في جسده كالجمر، وطغى على وجهه الذي احمرّ فجأة، وأحد أصدقائه يهمّ باحتضانه فلم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعه بعيدًا في غيظٍ مكبوت، وعاد مسرعًا إلى أبويه داخل البيت، يسألهما بصوت مخنوق: «أين السيارة؟!»

ردّ أبوه بابتسامة عريضة، ولوّح له بسلسلة وخاتم من الذهب، وكأنهما الجواب الذي يفسر كل شيء.

شعر بالأرض تهتز تحت قدميه، كاد يغشى عليه، ظنّ أبواه أن هذا من فرط فرحته، أما هو فلم يفكر في غير حاتم؛ «بأي وجهٍ أقابله وقد أضعت سيارته؟»

خرج مغضبًا ليصطدم بزغرودة من نوع آخر، أكثرَ حدّة، أطولَ مدّة، صادرةٍ من قلب وفاء، خطيبته الصابرة المحتسبة، نظر إليها وتأمّلها، تلك النظرة في عينيها تحمل أكثر من ترحيب، تلك الزغرودة من فمها لم تخرج عبثًا بالتأكيد، بل هي إعلانٌ عن حدث عظيم، لا بد أنها حققت حلمها القديم، لا بد أن عقدتهما قد انفكت والذهب تراجع، نطقت عيناها بكل شيء: «أخييييـيـرًا!»

ضحك كما لم يضحك من قبل؛ ضحكة ممزوجة بالمرارة والضياع، استغربتها وفاء، ولكن لم تأبه لها، فهي أدرى الناس به وبردود أفعاله الغريبة.

الجنون يحوطه من كل اتجاه. ترك وفاء وخرج سريعًا، لا يريد أن يفسد فرحتها، كما لا يحبذ أن يخدعها، تناثرت وراءه بعض الكلمات من أمه، وهي تهرول نحو وفاء، وتناقشها في موعد عرسهما المأمول.

انطلق مع أصدقائه إلى العتل؛ منهم من ركب التوكتوك، وبعضهم دراجات وموتوسيكلات، والبعض سبقوهم سيرًا.

حين اقتربوا من الملعب في وسط العتل، ألقى آدم نظرة حزينة حائرة باتجاه الغرفة؛ شيء ما يشده نحوها، يعاتبه على ما حدث، يعمق فيه شعورًا بذنبه في حق حاتم وهالة، تمنّى أن يكونا بخير، همس لنفسه: «هل غادرا الغرفة؟ أم ماذا جرى؟!»

حاول أن يندمج مع أصدقائه في اللعب، لعله يهرب من أفكاره المؤلمة، لم يستطع الإفلات من الصوت المتردد في نفسه مع كل خطوة: «ماذا حدث لحاتم وهالة؟»

راح يغوص في أجواء اللعب الساخنة، ذارعًا الملعب دفاعًا وهجومًا لنصف ساعة، دون أن يلمس الكرة، وكلما مرر له أحد أصدقائه الكرة لا ينتبه، فتُدَوّي صيحات زملائه: «آدم، الكرة!»

لم يكفُّوا عن الصياح ولم ينتبه، ظلت عيناه عالقتان هناك حيث الغرفة المعزولة.

•••

هبط أشرف بالهليكوبتر بالقرب من الغرفة المهجورة في العتل، نزل ضياء من الطائرة متخفيًا وراء قبّعة وبطاقة تعريف مزيفة لباحث أثري، وخلفه نادين الحكيم بهوية مزيفة أيضًا لباحثة أثرية، وإبراهيم طارق أخصائي سلامة، وأخيرًا بهاء الصياد مشرف سلامة.

تحركوا جميعًا بجدية نحو الغرفة، وكأنهم على وشك الكشف عن سر كبير، خلفت الهليكوبتر غبارًا كثيفًا عندما حطّت، فتوقف آدم عن اللعب وانشغل لبعض الوقت بمشاهدة الطائرة حتّـى توقف محركها وهدأ الغبار، مفكرًا في سبب هذه الزيارة المفاجئة، ومتحيرًا في طبيعة الزائرين وأهداف الزيارة، وبشكل مفاجئ ارتطمت الكرة برأسه، لتدخل المرمى وسط صيحات الدهشة والاحتفال من الجميع، حتى الفريق المنافس.

للمرة الأولى منذ بدء المباراة، يلمس آدم الكرة، وللمرة الأولى في حياته يحرز هدفًا.

1 فكرة عن “رواية إخلاء سبيل: الفصل الثامن”

  1. Pingback: رواية إخلاء سبيل: الفصل السابع | سمير حيطاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top