جلست والدة آدم في صالة المنزل، يعلو وجهها قلق عميق، تتأمل الساعة البادية في شاشة التلفزيون، أصابعها تعبث بقلق في طرف ثوبها، وتغالب شعورًا متزايدًا بالخوف. لقد تأخر آدم كثيرًا، ولم تعرف عنه شيئًا، منذ أن خرج مع الشيخ عبد الواحد.
بلهجة كلها قلق، قالت وهي تنظر إلى والد آدم، الذي كان جالسًا على الكنبة، واضعًا يده على جبينه: «آدم تأخر يا حاج!»
رفع والد آدم رأسه ببطء ونظر إلى زوجته، وعيناه تبديان قلقًا يحاول إخفاءه، ثم قال بهدوء مصطنع: «لم يكن صوابًا أن نتركه يذهب إلى العتل الليلة.»
زفرت الأم وقالت: «لابد أن نفعل شيئًا. هل سنتركه في العتل هكذا لا حس ولا خبر، ولا حتى شبكة محمول؟ أنتركه في ذلك المكان المقطوع وحده أكثر من ذلك؟»
التفت الأب إليها وقال بحزم: «ليس وحده، معه الشيخ عبد الواحد، ثم… ماذا سأفعل؟ هل أذهب للعتل الآن للبحث عنه؟ المكان واسع، والليل قد دخل، الغائب حجته معه، والصباح رباح.»
ردت أم آدم بغضب، وقد اشتد ارتعاش يديها بتوتر واضح: «حجته رباح؟ رباح ماذا؟! بل أنت الغائب عن الدنيا. انهض يا رجل وابحث عن ابننا. الولد على وشْك زواج، ونريد أن نفرح به.»
نهض الأب قائلًا بجدية: «معكِ حق. حتى لا يضيع علينا الذهب. الولد هذا لو مات أو حدث له شيء، البنت وفاء ستسرق الذهب ولن تعيده لي.»
بلهجة متهكمة قالت: «ذهب! قم يا رجل. قم هداك الله»
رد بلا مبالاة: «ها أنا واقف على حيلي منذ ساعة ماذا أفعل أكثر من ذلك؟»
توقفت عن اللعب بثوبها، واستقرت عيناها عليه بشدة، وملامحها تمزج بين الإحباط والقلق. فكرت للحظات، وتفتق ذهنها عن حل فقالت محفزة: «قمْ نادي على أهل البلد في ميكروفونات الجوامع، جمّع شباب البلد واذهبوا للبحث عنه في العتل. لا يوجد حل آخر.»
نهض والد آدم ببطء، وحرك كتفيه، كما لو كان يحاول أن يسقط حملاً ثقيلاً من فوق ظهره، ارتدى عباءته، وخرج من المنزل واتجه نحو بيت مسئول المسجد، الذي أفاق من نومه مثقلاً، ولم ينتظر ليسمع منه كل الحكاية، بل قذف له بمفتاح الجامع، وهو مازال مغمض العينين، وأغلق الباب ببساطة، ودخل ليواصل النوم، دون أن يدري أنه عند الفجر سيجوب بيته بحثًا عن المفتاح.
انطلقت خطوات والد آدم السريعة عبر الشوارع الضيقة، حتى وصل إلى المسجد. أخذ نفسًا عميقًا، ثم أمسك الميكروفون، وقال بصوت جهوري، تملؤه الرهبة والقلق: «يا أهل البلد! ابني آدم خرج مع الشيخ عبد الواحد وذهبوا إلى العتل ولم يعودوا حتى الآن. نريد شبابًا من البلد يذهب معنا إلى العتل للبحث عنهما. من يقدر أن يساعد فليأت عند بيتنا حالًا.»
تردد صدى النداء في أنحاء البلدة، وتعرف الناس على صوته، وبدأ الناس يتجمعون بسرعة عند بيته، في مشهد يعج بالحركة؛ بعضهم يركب دراجات نارية، والبعض الآخر أتى على توكتوك. ضج المكان بأصوات المحركات المتسارعة، والكلمات المتبادلة بين الشباب المتحمس.
وقف والد آدم عند باب بيته، ينظر إليهم وقد بدت على وجهه ملامح الارتياح، بينما أم آدم واقفة خلفه، تضم ذراعيها إلى جسمها بتوتر.
صاح واحد من الشباب وهو يزيد بنزين دراجته النارية قبل أن تتحرك: «نحن جاهزون يا حاج. سنذهب للعتل حالاً. لا تقلق.»
رد والد آدم بحماس، وهو يحاول جاهداً أن يخفي قلقه خلف ابتسامة واهية: «بارك الله فيكم يا شباب. توكلوا على الله.»
بدأوا يتحركون نحو العتل، واستدار والد آدم، ودخل إلى البيت بخطوات متثاقلة، أوقفته زوجته بنظرة متسائلة، وسألته باستهجان: «لماذا لم تذهب معهم؟!»
ردّ عليها بثقة وهدوء: «الشباب فيهم البركة.»
اعترضت بلهجة شديدة: «وماذا فيك أنت؟ لوح ثلج! ربنا يصبرني.»
تجاهلها ببرود واتكأ على الكنبة، ثم أطلق زفرة طويلة، وكأنه يحاول طرد القلق بعيدًا عنه، على الأقل لبضع دقائق.