رواية إخلاء سبيل الفصل الرابع والعشرون

إخلاء سبيل – الفصل ٢٤
الفصل الرابع والعشرون

سمع ضياء صوتًا قادمًا من أعلى، فاستشاط قلقًا، والتفت إلى إبراهيم وأمره بصوت حاد: «اسحب السلم من فتحة القرص الدائري على الفور.»

تردّد إبراهيم للحظة، ثم سأل بتوجس: «لكن… كيف سنخرج بعد أن ننتهي؟»

رد ضياء بغضب مكتوم: «لا شأن لك بذلك، سأتصرف لاحقًا… فقط نفّذ الأمر.»

هزّ إبراهيم رأسه غير مقتنع، ولكنه لم يجد بدًا من تنفيذ الأمر. وقف أسفل السلم، وجذبه بقوة بحركة متموجة، فبدأ السلم بالاهتزاز حتى انخلع من الحديدة المثبت بها في الأعلى، ثم سقط في الحفرة محدثًا ضجيجًا أثار انتباه آدم ورفيقيه، الذين وقفوا بالقرب من الفتحة مندهشين، يسلطون ضوء الكشاف عليها. لم يفهموا ماذا سقط في الحفرة، ولماذا سقط؟!

تبادلوا نظرات موحية بتوخي الحذر، حتى لا يسقطوا في هذه الحفرة الغامضة.

اقترب الشيخ عبد الواحد أكثر، وسلّط ضوء كشافه على الحفرة بحذر أكبر، لكن الضوء ارتطم بشعاع ليزري صادر من الأسفل، مما أتلف الكشاف وأطفأ نوره، فتملكتهم رعدة خوف، إلا الشيخ كان أكثرهم ثباتًا.

قال بصوت هادئ وعميق: «لا تخافوا… علينا أن نكون حذرين… ولكن في الوقت نفسه؛ لا بد أن ننقذ من هم بالأسفل.»

بدا على حالة التردد والخوف، وتساءل في نفسه: لماذا لا أهرب؟

قرأ آدم أفكاره، إذ تعود منه على الهروب عند أول إشارة للخطر، بادره بلهجة متوددة: «ألا تريد أن تعيد بغداد إلى الوجود؟»

أجفل حالة، وأخذت تدور في رأسه صور الحروب التي عايشها؛ العراق، لبنان، سوريا، ليبيا، اليمن، غزة.

أحس فجأة بأن هذه المهمة قد تكون فرصته للتعويض عن كل الخسائر، فالتفت إلى آدم وأومأ برأسه موافقًا.

ابتسم آدم وقال ممازحًا: «حسنًا، الآن اطمأننت… سأترككما تواصلان العمل وسأعود قريبًا.»

انتصف الليل، وهم يحاولون استكشاف تلك الحفرة، ويبحثون عن طريقة آمنة للنزول إليها، ظلّوا ينادون بأعلى صوت على من بالأسفل، لعل أحدًا يرد عليهم، إلا أن ضياء أمر رفاقه بالصمت التام، واستخدم جهازًا خاصًا به، أرسل به إشارةً ما.

ارتدّ صدى الصمت إلى الثلاثة بالأعلى، ظلوا حائرين بعض الوقت، حتى قطع الشيخ السكون بقوله: «سأذهب إلى المزرعة، لأحضر بعض الأدوات، حتى نتمكن من النزول إلى الأسفل»

فأصر آدم على مرافقته، قائلًا بمزاحه المعتاد: «رجلي على رجلك.»

فيما قرر حالة أن ينتظرهما في مكانه حتى يعودا.

جلس حالة وحيدًا في الغرفة المهجورة، يستعيد شريط ذكريات حياته، يقاتل في خياله ضد كل قوى الشر، يهزمها ويعيد الأرض المغصوبة، عادت فلسطين إلى حضنه، وبغداد عادت كما كانت دار السلام، توحدت الدول العربية، نهضت ونشرت السلام والعدل في الأرض، ظلّ على هذا الوضع، حتى سمع وقع أقدام بالخارج.

دخل آدم والشيخ إلى الغرفة، ناديا على حالة ولم يجبهما، فحزنا جدًا لغدره بهما، كيف يخلف وعده لهما؟ لماذا لم يستمر على توبته؟

همّا بتدلية حبل إلى الأسفل من الفتحة الدائرية، وفجأة صرخ آدم بصوت مخنوق، وقد تجمدت ملامحه تمامًا: «حالة!»

تقدم الشيخ عبد الواحد بخطوات حذرة، تفحص الجسد جيدًا؛ نظر بإشفاق إلى الدماء التي تغطيه، وقال بأسى بالغ: «لقد مات تائبًا!»

بكى آدم بكاءً شديدًا، ارتج جسده، وأخذ يردد، بصراخ حزين: «حالة مات! حالة مات يا شيخ عبد الواحد!»

قاطع الشيخ صرخاته بصوت ثابت حزين:«مات تائبًا يا آدم. غادر هذه الدنيا الفانية وهو تائب. أفلت من براثن الشيطان في اللحظات الأخيرة. نهنئه على هذا المصير، ونسأل الله أن يرزقه الفردوس الأعلى من الجنة.»

كان ضياء بالأسفل يتابع كل همسة يهمسان بها، سمع العبارة الأخيرة فانتفخت أوداجه، وقال بنبرة ساخرة مكتومة: «الجنة!»

نظر الشيخ إلى آدم بحزنٍ عميق، ثم سأله بصوت متردد: «ماذا نفعل الآن؟ هل نبلغ الشرطة؟»

انتفض ضياء بالأسفل، ولم يردّ آدم، فواصل الشيخ سائلًا: «أم ننتظر، ونواصل البحث؟»

هدأ ضياء بعض الشيء، فيما بدا آدم كأنه قد فقد السمع بموت حالة، فتدارك الشيخ: «ولكن، من الذي قتل حالة؟ علينا إبلاغ الشرطة.»

جزع ضياء مرةً أخرى، بينما أخرج الشيخ هاتفه على الفور، فاكتشف أنه خارج التغطية ولا يلتقط أي إشارة، حاول عدة مرات دون جدوى، فقال بتسليم: «إذن؛ نتوكل على الله، ونكمل بحثنا، ربما نستطيع إنقاذ صديقك إبراهيم ومن معه، وربما أيضًا عثرنا على حاتم وزوجته، ولكن علينا توخي الحذر الشديد، يبدو أن هذا المكان يخفي أكثر مما يظهر.»

ضحك ضياء ساخرًا، وقال لمن حوله: «هذا الشيخ ساذج جدًا.»

Scroll to Top