استفاق حاتم من غفوة عقله على صوت هالة، وقد ارتسمت على وجهه ملامح التعجب، فسألها باستغراب: «كيف تكون هذه المعادلة الرقمية وزنًا من أوزان الشعر؟!»
فأجابته ممهدة: «إنني أدرس الشعر منذ فترة كما تعلم.»
«نعم، إنكِ عجيبةٌ في الحقيقة، تتجهين أحيانًا لدراسة أشياء لا تمت لمجالك بصلة»
ابتسمت وقالت بثقة: «ولكن، أعتقد أنها تسعفنا دائمًا في وقت الحاجة.»
أومأ برأسه مؤيدًا، وبعد لحظة من التفكير، سألها: «إذًا، ماذا تقصدين بوزن بيت من الشعر، وما علاقته بهذه المعادلة؟»
أجابته بحماس: «دعني أوضح لك في البداية كيف تكون هذه المعادلة وزنًا من أوزان الشعر، رغم أنك تراها مجرد أرقام متتابعة. أولًا، الكتابة العروضية تختلف عن الكتابة العادية في أن ما يُنطق يُكتب، وما لا يُنطق لا يُكتب، والتنوين يكتب نونًا، والحرف المشدد يكتب حرفين؛ ساكن فمتحرك، وهكذا. مثلاً؛ قول المتنبي: الخيلُ والليلُ والبيداء تعرفني. يكتب عروضيًا هكذا: [ألْـخَـيْـلُـوَلْلَيلُوَلْـبَـيْـدَاءُتَــعْـــرِفُــنِي] حيث نقوم بتحويل كل حرف؛ إما إلى حركة أو سكون، وبالتالي في معادلتنا هنا، يمثل الرقم [١] حرفًا متحركًا، والرقم [٠] حرفًا ساكنًا. وهكذا باستخدام هذه الطريقة العروضية، يمكننا فك شفرة المعادلة، والوصول إلى الجملة المطلوبة، وأنا واثقة أن هذه الجملة هي طريق خروجنا من هنا، وإلا سنبقى محتجزين في هذا المكان، ولن يتم إخلاء سبيلنا منه، أو يتمكن ضياء من اختراق القرص الدائري ويقضي علينا.»
بدأت كلمات هالة تتردد في عقل حاتم ببطء، وكانت فكرة تحويل الأرقام إلى حروف، رغم غرابتها، قد بدأت تترسخ فيه تدريجيًا.
صمتت هالة لبعض الوقت، ثم نظرت في عينيه مباشرةً، وقالت: «إذًا، نحن نبحث عن بيت شعر، فيه عشرة أحرف منطوقة متحركة، وحرف واحد ساكن في منتصف الجملة تمامًا. يا ترى ما هو هذا البيت؟»
بدت صعوبة فهم المطلوب على تعبيرات وجه حاتم، انخفض حاجباه، ومُطّت شفتاه للأمام، وانغمس في التفكير، وبلا وعيٍ عضّ شفتيه، فأعاده ألم العضة للواقع، ليجد هالة في محاولات دؤوبة لتركيب الجُمل، على أمل الوصول إلى الحل، فتنحنح وسألها: «هل يُشترط أن يكون بيت الشعر معروفًا؟ أليس من الممكن أن يكون مجرد كلام موزون فحسب؟»
فكّرت قليلًا وقالت بغير اكتراث: «كلُّ هذا لا يهم الآن، المهم أن نصل إلى المعنى، الذي من المفترض أن يدور حوله بيت الشعر أو الجملة.»
أجاب حاتم بنبرة مثقلة بالتفكير: «آه… إنه أمر صعب للغاية. من أين سنأتي بالمعنى؟»
أجابته على الفور : «من معادلة الشيخ الغامض.»
بدأ الاثنان يغوصان سويًا في محاولات فك شفرة هذه المعادلة الغامضة. استغرقا في التفكير، محاولين استنباط معنى بيت الشعر المطلوب. يتبادلان الرأي حول كل فكرة منها ويتجادلان بشأنها. لم يقبل أي منهما بكل ما طُرِح من الآخر.
حاتم؛ لم يقتنع بأن بيت الشعر يجب أن يدور حول النور والظلمة، وهو الرأي الذي طرحته هالة بعد أن استنتجته من مشهد العجوز الذي كان يمشي في الظلام حاملاً شعلة.
وفي المقابل، رفضت هي محاولاته المتكررة لتوجيه الفكرة نحو «إنسان العصر الجديد» و«الإيزوتيريك»، و«حركة العصر الجديد»، و«الدرجات الثلاث والثلاثين».
إلا أنّ ذكر حاتم المتكرر للدرجات الثلاث والثلاثين، قد أعاد إلى ذهن هالة شيئًا غاب عنها، وهو أن الوزن ليس مجرد عشرة حركات وسكون واحد.
وإنما للمعادلة بقية؛ هناك أحد عشرة حركة أخرى على «الناحية المغلوبة» وبالتالي، فإن الجملة تتطلب ثلاثة وأربعين حركة وسكونًا واحدًا.
عند هذا النقطة، ازداد الأمر تعقيدًا.
الوصول إلى جملة بهذه المواصفات بات أشبه بمحاولة الصعود إلى المريخ بطائرة هليكوبتر.
دفع هذا التعقيد حاتم إلى الإصرار على رأيه، والتشكيك في صحة اقتراح هالة، بينما تمسكت هي بنظريتها ولم تتراجع، ومع كل محاولة لإثبات صحة نظريتهما، عجز كلاهما عن إيجاد مخرج من الغرفة بناءً على المعاني التي توصلا إليها.
شعر كلاهما بالإحباط، وفي لحظة من الصمت المشوب بالتوتر، أدركا معًا أن الحل قد لا يكمن في التمسك بإحدى النظريتين، بل في الجمع بين أفكارهما المتضاربة.