الفصل العاشر
«تسلُّل.» هتف بها حكم المباراة، دافعًا أصابعه في فمه مُطلقًا صفيرًا حادًا، وهو يقف في منتصف الملعب، رابطًا جلبابه الأبيض على وسطه يسند به كرشه، وبلا مبالاة يلغى ثاني هدف لآدم في تاريخه الكروي بداعي التسلل.
اعترض آدم بشدة: «نحن لا نلعب على التسلل!»، ثم جرى نحو الحكم بوجهٍ محمر من الغيظ، قائلاً في صرامة: «اخرج يا عديم الصافرة.»
استجاب الحَكَم في وداعة، وتوجّه نحو الجماهير وجلس بينهم، فسأله أحدهم باستغراب: «لماذا خرجت؟»، فأجابه الحَكَم ببراءة: «آدم طردني.»
انفجرت ضحكات الجميع، وقال أحد الجالسين بسخرية: «أول مرة في تاريخ كرة القدم، لاعب يطرد الحكم!»
•••
«لابد أن لهذه الكلمات معنى.»؛ تمتم حاتم لنفسه، وظلّ ينظر للصولجان في يده، وفي رأسه دوامة من الأفكار، وأخيرًا لمعت في ذهنه فكرة مختلفة: «يوسف عليه السلام؛ تذكرين رؤياه؟ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر، رآهم له ساجدين. أليس في ذلك إشارة إلى أنه الواحد الذي غلب الأحد عشر؟»
سألته في حيرة: «ولكن ماذا عن الشمس والقمر؟ أليسا جزءًا من العدد؟»
أجابها بثقة: «الشمس والقمر هما والداه، لكنهما لا يُحسبان مع الأحد عشر كوكبًا فهو قد غلب إخوته فقط.»
لمعت عينا هالة بالدهشة، وقالت ببطء وهي تستوعب الفكرة: «أفهم من هذا أن لهذه الرموز علاقة بالكواكب والنجوم؟»
تأمل حاتم الصولجان بعمق وأردف: «أو ربما لها علاقة بمكائد الإنسان ضد أخيه الإنسان! يوسف عليه السلام لم يعانِ من الكواكب في حد ذاتها، بل من أمرٍ سيء دبّره إخوته، وربما يجسد الصولجان ذلك الصراع القديم الجديد.»
ثم تابع بصوت خفيض، كأنه يخاطب نفسه: «على أي حال، هذا مجرد احتمال، وما زال السؤال عالقًا؛ من هم الـ 11 الذين غلبوا الـ 11، ومن هم الـ 10 الذين غلبوا الـ 11؟»
قاطعته حركة خشنة، صدرت عن القرص الدائري فوقهما، فرفعت هالة عينيها بفزع، ورمق حاتم القرص بنظرة متوجسة، بينما صاح ضياء من الأعلى بنبرة يملؤها التوتر والقسوة: «الوقت يمضي، لا بد من فتح الترس قبل زوال النهار!»
حاول إبراهيم تهدئته، وقال بنبرة واثقة: «نحن نبذل أقصى جهد.»، فنظر حاتم إلى هالة نظرة مطمئنة، وهو يهمس: «علينا أن نتحرك… لا وقت لدينا، فلنبحث عن أي منفذ، أي خيط يقودنا للخروج، قبل أن يفتحوا الترس، ويعثروا علينا.»
•••
في هذه اللحظة، ارتقى آدم في الهواء محاولًا ضرب الكرة برأسه بقوة، فاصطدم برأس لاعب آخر بقسوة، وسقط كلاهما أرضًا، فعلّق واحد من الجماهير ساخرًا: «تناطح الكبشان.»
غاب آدم عن الوعي للحظات، ثم أفاق على وقع صفعات متتابعة من اللاعب الآخر يحاول إفاقته، ففتح عينيه بصعوبة ونظر إليه بعينين ذاهلتين، وهمس بصوت منكمش مليء بالصدمة: «سأبلغ الشرطة!»
نهض باندفاع، وركض باتجاه ملابسه الملقاة على الخط الجانبي للملعب، يفتش فيها بجنون عن هاتفه المحمول، امتلأ الجميع بالدهشة، وهرعوا خلفه في محاولةٍ لتهدئته وإيقافه قبل أن يتخذ خطوة غير محسوبة قد يندم عليها.
صاح أحدهم وهو يلهث: «هل جُننت يا آدم؟ ما الداعي لكل هذا؟ ألست أنت من طرد الحكم؟ إذن فلتتحمل العواقب!»
لكنّ آدم لم يُلقِ بالًا لأحد، وواصل البحث بين طيات ملابسه المبعثرة حتى قبض أخيرًا على هاتفه، وبلمح البصر، خطفه أحد اللاعبين من يده وانطلق به بعيدًا، تاركًا آدم في ذهول فيما تعالت ضحكات الجميع.
•••
هتف إبراهيم بصوت مشحون بالتوتر، محفزًا الفريق: «أسرعوا، لم يعد أمامنا إلا ساعة!»
انحنى بهاء نحو القرص الدائري، وقبض على آلة القطع بالليزر بيدٍ ثابتة تخفي خلفها بعض التردد، وبدأ يوجه شعاع الليزر بحذر، محاولًا اختراق المعدن العتيق، ذي التصميم المقاوم لأي آلة قطع، أو محاولة اختراق، كحصن منيع.
تطايرت الشرارات في كل اتجاه، تشع وهجًا أحمرًا كأنه سرينة إنذار، لكنها لم تمنع بهاء من مواصلة عمله، بل شدّ قبضته أكثر على الآلة، ودفعها بقوة نحو المعدن المقاوم، كمن يقاتل من أجل النجاة، وليس مجرد طاعةٍ لأوامر ضياء، فيما طغى صوت آلة القطع على أنفاسهم المتلهفة لرؤية ما يخفيه القرص العنيد تحته من أسرار.
•••
في تلك اللحظة، تملّك حاتم قلق عارم، نظر لهالة باستجواب، وتساءل منخنقًا: «أين هاتفي؟»
أخذ يفتش جيوبه بيدين مرتجفتين، فلم يعثر على شيء، بدأت هالة تبحث فورًا في حقيبتها الصغيرة، تقلب محتوياتها بلهفة واضطراب، وارتسم على وجهها الإحباط، وتمتمت بصوت ضعيف: «لقد نسينا كل شيء في السيارة!»
تبادلا نظرات متوترة، وأدركا أنْ قد أحيط بهما، فهما عالقان تحت الأرض بلا وسيلة اتصال، وعدوهما يطاردهما، والوقت ليس في صالحهما.
تصاعدت ضربات قلب حاتم، في حين لم تتوقف أصوات الحفر في الأعلى، فمازال ضياء ورفاقه منهمكين في شق طريقهم إلى الأسفل بقوة وإصرار، والضوضاء الآتية من الأعلى تتصاعد معلنة اقترابهم.
Pingback: رواية إخلاء سبيل: الفصل التاسع | سمير حيطاوي