رواية إخلاء سبيل الفصل التاسع والعشرون

إخلاء سبيل — الفصل التاسع والعشرون
الفصل التاسع والعشرون

بمجرد أن داهم الضوء الجديد حاتم وهالة، وجدا أنهما في أسطوانة دائرية منحدرة تشبه النفق، لا تتسع إلا لشخص واحد. زحف حاتم أولًا، وتبعته هالة بصعوبة. جلسا داخل النفق يلهثان من التعب وقلة الأوكسجين. ووسط تلك اللحظات العصيبة، تفتق ذهن حاتم عن فكرة جديدة، فقال بصوت ضعيف ومنهك: «أرى أن خطَي تماس دائرة هذا النفق هما الأحد عشر المغلوبة!»

أومأت هالة باستنتاج سريع: «إذًا، لنحاول فتح نهاية هذا النفق.»

بدأت محاولاتهما المتكررة لزحزحة غطاء حديدي دائري يسد نهاية النفق. وبعد جهد كبير، تمكنا أخيرًا من فتحه. نظرا إلى الأسفل، فوجدا سلمًا يتدلى في فتحة النفق، لكنه لم يكن يصل إلى الأرض. نزل حاتم أولًا، وتبعته هالة، وعندما وصلا إلى نهاية السلم، اضطرا إلى القفز من ارتفاع مترين.

عندما لامست أقدامهما الأرض، وجدا أنهما في قاعة فسيحة يغمرها ضوء ساطع، تمتد بعرض عشرة أمتار، تزهو بالذهب والزخارف المزينة. النقوش على جدرانها مدهشة، خليط من الزخارف الفرعونية والرومانية والإسلامية والحديثة. انشغلا في تأملها بعض الوقت، مذهولَين بما يَريَان.

قالت هالة بدهشة: «ألوان النقوش زاهية كأنها نقشت للتو!»

عقّب حاتم: «المكان يبدو قديمًا وحديثًا في آن واحد، يجمع بين حضارات مختلفة؛ أشبه بمتحف سري لتاريخ البشرية.»

سرت فيهما قشعريرة، فقد تجاوزت غرابة المكان كل توقعاتهما. وبعد وقت من التأمل والتفكير، قطعت هالة الصمت بسؤال: «ماذا سنفعل الآن؟»

نظر إليها حاتم بحيرة، وكأنه لم يفكر في الخطوة التالية: «سنفعل؟!» حملت نبرته تعجبًا، كأنما كان يظن أن كل شيء قد انتهى، وأنهما فعلا ما بوسعهما ولم يعد هناك ما يمكن القيام به. لكنّ تساؤل هالة أخرجه من نشوته المؤقتة، وأعاده إلى أرض الواقع… فالأمر لم ينتهِ بعد.

قال وهو يستجمع شتات أفكاره: «سنبحث.»

قاما يتفحصان الجدران المزخرفة بتأنٍ. بدت لهما النقوش مليئة برموز غريبة، قد تخفي في طياتها مفاتيح حل اللغز. نظر حاتم نحو فتحة السلم التي نزلا منها للتو، وقال بقلق: «لقد أُغلقت علينا.»

حاولا مرارًا إزاحة غطاءها دون جدوى، فأدركا أن العودة لم تعد خيارًا.

تساءل بسخرية مريرة: «هل سنُدفن هنا؟» أدرك وقع سؤاله هذا على نفس هالة، فأتبعه بضحكة عالية، محاولًا التخفيف من حدته. غير أن هالة كانت في عالم آخر، منفصلة تمامًا عن الواقع. فقد سيطر اللغز الذي يحيط بهما على تفكيرها كليًا، وصار كل شيء آخر ثانويًا… حتى الموت نفسه.

أيقنا أن التفكير في العودة لن يجدي، فهذا الطريق لا يسمح بالتراجع؛ له اتجاه واحد فقط، ولا خيار أمامهما إلا الاستمرار في البحث عن حل.

وبعد تكرار فحص النقوش مرة تلو أخرى، لاحظ حاتم خطًا متتاليًا على الجدران المزخرفة: [11101111]

ظل يحاول فكّ رموز الخط، حتى تبين أنه بالتسلسل التالي: [11] يتبعه [11] ثم [10] يليه [11]. وهنا، أدرك أن هذا النقش يشكل المعادلة نفسها التي أوصلتهما إلى هذا المكان؛ إلا أنه لا يشكل المعادلة الكاملة، إذ ينقصه الجزء الأخير: [1] غلب [11]، والذي يفترض أن يكون: [111].

جلسا متجاورين، يفكران في حل هذا اللغز، وطريق الخروج من هذا المكان، الذي أيقنا أنه سيكون اكتشافًا أثريًا مدويًا، إن خرجا منه.

راودت حاتم فكرة طارئة فعرضها عليها: «إذا اعتبرنا أن السلم الأخير الذي نزلنا منه هو الواحد، فأين الأحد عشر التي يغلبها؟»

عصفت هالة ذهنها بحثًا عن إجابة مقنعة، وحاتم متكئ يمرر يده على أرضية القاعة المزخرفة، يتأمل النقوش والرسومات.

لمع نقش محفور في الأرضية، فأثار انتباهه: [11111011111]

أحصى الأرقام المنقوشة فوجدها أحد عشر رقمًا، فتساءل في ذهول: «هل يعقل أن تكون هذه الأحد عشر رقمًا هي المقصودة بأن الواحد غلبها؟ والسلم الأخير الذي نزلنا منه هو الواحد الذي يغلبها؟»

ردّت هالة بتأكيد: «يبدو لي أن هذا صحيح.»

قال حاتم بصوت خافت ونبرة متبرّمة: «ولكن… ما معنى كل هذا؟ ما الفائدة من ورائه؟ لماذا كل هذه المعاناة؟ لماذا نحن هنا؟ لابد أن هناك غاية وراء كل هذا. لا يمكن أن يكون الأمر عبثًا.»

ردّت هالة بنبرة استنتاجية: «معادلة العجوز تتكون من [11] رقمًا، وتدور حول الرقم [11]… يبدو أننا وصلنا إلى النهاية. هل تفهم شيئًا؟»

أشار حاتم بيده نافيًا، وقال: «دعيني أولًا أرسم خريطة دخولنا إلى هنا، ربما تفيدنا في الخروج، أو حتى للذكرى، إن كانت ستبقى لنا ذكرى!»

ثم أخذ حجرًا صغيرًا، ورسم على أرضية القاعة الشكل التالي:

ثم كتب المتوالية الرقمية التي توصلوا إليها، إلى جوار الرسمة:
[11111101111]

مكثا يتأملان الرسمة والمتوالية في صمت، محاولين استنباط أي معنى.

تمتم حاتم بكلمتين، لم تتبينهما هالة فسألته متعجبة: «ماذا تقول؟»

أعاد الكلمتين بصوتٍ مبهور: «الهرم الكريستالي.»

رمقته بنظرة متسائلة: «ماذا تعني؟»

أشار إلى الرسم على الأرضية، وحرك أصابعه على عدة خطوط بدت على شكل هرم، وقال شارحًا: «هذا الشكل، يشبه تمامًا الهرم الكريستالي… هناك نظريات كثيرة تتعلق بالأهرامات الكريستالية، ودورها كمصدر للطاقة. بعض معتقدات حركة العصر الجديد والإيزوتيريك ترى أن هذه الأهرامات قادرة على تركيز الطاقة الكونية، وتحويلها لأغراض الشفاء وتعزيز الوعي. بل إن هناك من يزعم أنها تعمل كمحولات للطاقة، تجمع الطاقة الكونية أو الكهرومغناطيسية وتحولها إلى طاقة كهربائية قابلة للاستخدام.»

تعلق نظرهما بالرسمة، والمتوالية الرقمية: [11111101111]، وتساءلت هالة بصوت حائر: «هل يا ترى توصلنا لمعنى اللغز؟»

لم يجبها حاتم، وتحرك على الفور، لعله يجد مخرجا من هذه الغرفة المزخرفة. نهض وحمل التحدي على عاتقه، جاب الغرفة يقلب عينيه في كل رموزها، ثم انحنى يمعن النظر في الأرضية اللامعة ذات البلاط المزركش، باحثًا عن أي شيء قد يهديه إلى مخرج.

توقف عند المتوالية المنقوشة، وشك للحظة أنها قد تكون هي نفسها المخرج، فراح يضغط عليها بكفه لعلها تنفتح.

بدت تصرفاته أقرب للجنون، فنظرت إليه هالة بقلق وقالت برجاء: «من فضلك اهدأ قليلاً، لا تتسرع.»

توقف ثم جلس مكرهًا، ساخطًا على الحلم، واللغز، وحتى الحل نفسه. وتمتم بمرارة: «ماذا لو لم يكن للغز أي علاقة بالخروج من هنا؟ ماذا لو كان ذلك العجوز يضلّلنا؟»

اعترضت هالة بإصرار: «ولكن… لقد صدقت كل كلمة قالها. كل رقم اتبعناه فتح بابًا، أو قادما إلى سُلّم، حتى وصلنا إلى هنا. وبالتالي رسالة العجوز لم تكذب، وتستحق أن نتبعها بدقة. وإن شاء الله، ستقودنا لمخرج.»

سألها بقنوط: «فأين هو هذا المخرج إذًا؟»

أجابته بابتسامة غريبة كسؤالها: «وهل لابد أن نجد مخرجًا؟»

امتعض وجهه، وسألها بدهشة وقلق: «ماذا تقولين؟ ما فائدة ذلك الحلم إن لم يدلنا على طريق الخروج؟»

ردّت بهدوء: «ربما يدلنا على شيء آخر… اكتشاف كبير مثلاً.»

صمتت لحظة تفكر فيما توشك أن تقوله, ثم أضافت بنبرة حذرة: «هذه الغرفة لا تبدو عادية، لا بد أن فيها كنزًا دفينًا. علينا أن نعرف ما هو… ونستخرجه.»

قال مترددًا: «ولو اتفقت معكِ، فماذا يكون ذلك الكنز؟»

ردت بتأمل: «لقد كان في حلمك شيخ، وصولجان، ومكان غامض، وتاج، وهرم كريستالي، ومعادلة غريبة. وقد وجدنا المكان في الواقع، وها هو الصولجان في يدك، وتقريبًا قمنا بحل المعادلة، فماذا تبقى؟»

أجابها ببطء: «تبقى أن نجد الشيخ نفسه، وأن نعثر على التاج والهرم الكريستالي.»

قالت بنبرة ثابتة: «أما الشيخ… فلا أعتقد أن في هذا المكان بشر. وربما كان الشيخ رمزًا وليس شخصًا حقيقيًا. وبالتالي لم يعد أمامنا غير البحث عن التاج والهرم.»

بعد أن حدّدا هدفهما الجديد، البحث، تناقشا في كيفية البحث، فقالت هالة: «الأرقام المنقوشة في الأرضية ليست عبثًا. أعتقد أنها تشير إلى مكان التاج والهرم الكريستالي.»

سألها بدهشة: «هل تعنين أن ما نبحث عنه موجود أسفل هذا النقش؟»

أجابته بتردد، وهي تشير نحو الجدار المقابل: «وربما… هناك، في الجهة المقابلة للنقش.»

جرّبا كل وسيلة ممكنة للتنقيب أسفل النقش، دون جدوى. توجها للجدار المقابل، وكررا محاولاتهما، بلا فائدة.

قال حاتم بيأس ظاهر: «لا جدوى!»

اعترضت هالة وفي عينيها لمعة أمل: «بل على العكس… اصبر، أتتني فكرة! عدد هذه الأرقام المنقوشة على الأرضية [11] رقمًا. ولاحظ هذه المرة؛ هي أرقام وليست حروفًا. أعتقد أننا الآن بحاجة إلى [11] رقمًا، ثم نضع كل رقم من الأرقام التي نتوصل إليها فوق واحد من هذه الأرقام المنقوشة.»

ابتسم بيأس أكبر: «أتظنين أنها حُلّت هكذا؟ لقد ازداد الأمر تعقيدًا! كنا نبحث عن جُمَل وكان الأمر صعبًا… ما بالك ونحن الآن سنبحث عن أرقام؟ أرقام بلا معنى، بلا وزن، بلا بناء لغوي. كيف سنجدها يا هالة؟ كيف؟!»

ردّت بثقة غريبة: «كما وجدنا ما سبق.»

Scroll to Top