الغرفة التي تضمهما ضيقة للغاية. الهواء ثقيل، بالكاد يستطيعان التقاط أنفاسهما. والظلام يطغى، فلا يريان حتى أيديهما. ومع ذلك، لا خيار أمامهما سوى البحث عن مكان الترس الجديد؛ أرغمهما الظلام على تمرير أيديهما بحذر على الجدران الباردة.
ارتطمت أصابع هالة فجأة بجزء بارز في الجدار. «هذا هو الترس!» هتفت بفرحة غامرة، وأزاحت يدها قليلاً ليتمكن حاتم من فحصه. مرر يده عليه مرتين، فتأكد أنه الترس بالفعل.
شعر بسعادة مؤقتة، قبل أن ينهمك في التفكير: «هل يعمل هذا الترس بالأرقام مثل السابق؟ لو كان كذلك، فالمهمة ستكون شاقة جدًا.»
وبالتجربة، اكتشف أن هذا الترس تجاوز المرحلة الأولى: مرحلة الأرقام؛ إذ يعمل مباشرة بنمط الحركة والسكون، أي بالشرطة المائلة والدائرة الفارغة. وحين تأكد من ذلك، تنهد بقليل من الارتياح.
ثم انكبّ على الترس، يديره يمينًا ويسارًا، متحسسًا بأطراف أصابعه العلامات، ليعرف إن كانت شَرْطةً أم دائرة. وبعد محاولات مضنية، أنهى الجزء الأول في اتجاه الشمال: ///○/○/○/○
ثم أدار الترس نحو الجنوب بحرص، فشكّل: ////////○
ثم نحو الشرق: /○///○
وأخيرًا، ناحية الغرب: /○/○/○/○
باغتهما ضوء شديد، فانغلقت أعينهما تلقائيًا، وبعد برهة من مناوبة فتح الجفون وإغلاقها، تمكنا أخيرًا من تمييز مصدر الضوء: ترس جديد مضيء.
وقفا أمامه مذهولين، يفحصانه بتركيزٍ وتأمل. استولت الدهشة على وجهيهما، فالترس هذه المرة يختلف تمامًا عن سابقيه، إذ لا يحتوي إلا على [11] موضعًا فقط، على عكس التروس السابقة، التي احتوت على [22] حرفًا متحركًا و[11] حرفًا ساكنًا. لم يعد هناك مجال لجملة طويلة، فالجملة هذه المرة ستكون محدودة ومحصورة في احتمالات ضئيلة.
وسط هذا الإحباط المتزايد، لاحظ حاتم أن وجه هالة -رغم تورمه من أثر السقوط السابق- بدأ يشرق بشيء من البهجة. ضاقت عيناه نصف المغمضتين بفعل الضوء الساطع، وسألها مستغربًا: «ما سر هذه السعادة؟ لا تبدو مناسبة لما نحن فيه من مأزق.»
أجابته بصوت خفيض، وكأنها توصلت إلى سر تخشى أن يصل لمسامع مطارديهم: «ألا تلاحظ أن الترس هذه المرة يحتوي أحد عشر موضعًا فقط؟»
رد مبتسمًا، وهو يشير إلى عينيه شبه المغمضتين: «في الحقيقة، لا ألاحظ أي شيء.»
بادلته الابتسام بارتياح، وأضافت: «أعتقد أن هذا يعني الكثير، أظن أن الترس الأول كان مرحلة [11] غلبوا [11]، والثاني [10] غلبوا [11]، أما هذا فهو [1] غلب [11]، أعتقد أنها المرحلة الأخيرة، وإذا استطعنا حل هذا اللغز، سيُخلى سبيلنا من هذا المكان.»
قال مبتسمًا، وهو يراقب حماسها المتقد: «أتمنى أن تكوني مصيبة.»
«مصيبة! ماذا تقصد؟» قالتها بتدلل، فتدارك بسرعة: «أقصد… محقة!»
ابتسمت بلطف، وبدآ يتشاركان الأفكار والاحتمالات، حول مضمون هذه الجملة، التي تمنّيا أن تكون ختامية.
توالت الاقتراحات، ومرت دقائق من النقاش المتحمس، حتى استقر رأيهما على فكرة محورية: إذا كانت الجملة السابقة تشير إلى أن الشيطان يخادع الإنسان، ويمنيه بالخلود، والإنسان في الأصل خالد، ولم يكن بحاجة لتصديق وعد الشيطان، فلابد أن الجملة الأخيرة تتعلق بالطريق إلى الخلود الحقيقي.
سألت هالة بنبرة تأملية: «ألم تكن بداية الحياة الأرضية بكل معاناتها، نتيجة للوعد الكاذب بشجرة الخلد؟»
أجابها حاتم مؤكدًا: «صحيح.»
«إذًا ستكون نهايتها بتحقيق الوعد الإلهي الحق: جنة الخلد.»
سأل حاتم: «ماذا تقصدين؟»
نظرت إليه بحماسة، واستطردت: «النهاية؛ الأجل المسمى.»
أومأ برأسه موافقًا، فتابعت بشغف: «أعتقد أننا كنا على حق تمامًا، عندما قلنا إن الـ [1] الذي غلب الـ [11] هو يوسف عليه السلام، لأن عدد آيات سورة يوسف [111] آية، وعدد أحرف: يوسف بن يعقوب [11] حرفًا، وبالكتابة العروضية أيضًا [11] حرفًا يُوسُفُبْنُيَعْقُوب /○//○//○/○○، وهو أيضًا الذي رأى أحد عشر كوكبًا يسجدون له!»
أخذ حاتم يفكر بعمق، فواصلت: «وكذلك، فإن عدد أحرف: يوسف الصديق [10] أحرف، وعند كتابتها عروضيًا تصبح يُوسُفُصْصِدْدِيقْ وهي [10] أحرف أيضًا؛ إذًا يمكن أن نقول إن يوسف عليه السلام هو الواحد الذي غلب الأحد عشر، وهو -بصفته صديقًا- المرموز له برقم [10] الذي غلب الـ [11]»
سكتت لحظات قبل أن تضيف: «وأعتقد أن الصدق له أهمية كبيرة في هذه المعادلة، ونقيض الصدق أيضًا. إذًا فهذا حل الفرض الأول والثاني من المعادلة: [1] غلب [11] و[10] غلبوا [11]»
ابتسم حاتم معجبًا بتحليلها العميق وقال: «رائع! إذًا المرحلة التالية تتعلق بالصدق والخداع، وربما هذه هي المعادلة الأخيرة، التي ستفتح لنا باب الخروج.»
ثم تدارك سائلاً: «ولكن، إذا افترضنا أن هذا صحيح، فما هي الـ [11] الغالبة؟ وما هي الـ [11] المغلوبة؟»
قالت بتفكر: «لابد أن نضع في اعتبارنا أن ما رأيته كان حلمًا، وكله رموز تحتاج إلى فك ألغازها. وقد أدركنا مفتاح الشفرة، وهو الإشارة إلى يوسف عليه السلام.»
حدّق حاتم في الأرض متأملًا: «تقصدين أن هذه الإشارة جاءت لتدلني على صراع بين غالب ومغلوب؟»
أومأت برأسها: «وربما أيضًا على الصدق مقابل الكذب… الحقيقة ضد الوهم.»
أمسك حاتم رأسه بيديه، يحاول ترتيب أفكاره، ثم قال: «ربما كان هذا صحيحًا، ولكن ماذا عن الـ [11] المغلوبة؟ هل هم حقًا إخوة يوسف عليه السلام؟ أم رمز لشيء آخر؟»
توقف عن الكلام بغتة، إذ تذكر شيئًا، ثم قال بتأمل: «بابل! كان بها (هاروت وماروت)، وعدد حروف اسميهما [10]، ومع حرف الواو يصبح العدد [11]، وهما معلما السحر، لذلك يمكن أن يكونا هما المقصودين بالـ [11] المغلوبة؛ لأننا نبحث عن حق غالب ووهم مغلوب… وكما قلت سابقًا، نحن على وشك الدخول إلى عصر الدجل والكذب والخداع والوهم، والذي يسميه أصحاب الإيزوتيريك عصر الوعي.
وهذا يعني أن السحر هو المغلوب -حتى ولو جاء عصر ظهوره وسيادته-، والذي تصدى للسحر هو النبي الخاتَم.»
قالت هالة مستنتجةً: «خاتم النبيين: عدد الأحرف [11]، وبالكتابة العروضية: [خاتمننبيين] /○//○//○/○○ [11] حركة وسكون!»
غرقا في صمت وتأمل. استجمع حاتم خيوط هذه الأفكار، وحاكها ببطء، ثم قال في شرود: «إذًا معنى حُلمي أن الصادق الأمين، هو الذي يواجه الكذب والخداع، إن لم يكن بنفسه فبمنهجه؛ القائم على رفض الخرافة، ونبذ الأوهام، والأخذ بالأسباب.»
فكر قليلًا، وقال مبتسمًا: «تخيلي! عدد آيات المعوذتين [١١] آية، وهذه إشارة قوية على صحة استنتاجي: النبي الخاتم ومنهجه سينتصران على السحر والوهم معًا.»
أومأت هالة برأسها مقتنعة، وقالت بحماس: «إذن لنستخدم هذه الجملة، ولنرَ ما سيحدث.»
أدار حاتم الترس باستخدام عبارة خاتمننبيين /○//○//○/○○
وفجأة، دهمهما ضوء جديد.