رواية إخلاء سبيل الفصل الثالث والعشرون

إخلاء سبيل – الفصل ٢٣
الفصل الثالث والعشرون

بعد أن هدأ ألم سقوطهما في الغرفة الضيقة الجديدة، وزال أثر الصدمة عنهما، عاد حاتم وهالة للتفكير مجددًا في معادلة الشيخ الغريب؛ «تَمَرَّدَ الشَّيْطَانُ وَأُخْلِيَتْ سَبِيلُهُ لِلأَجَلِ المُسَمَّى». تساءلا فيما بينهما؛ هل تستطيع هذه المعادلة إخلاء سبيلهما من الغرفة الغامضة الجديدة؟ أم أن لكل غرفة مفتاحها؟

تبادلا الأفكار، وبعد شد وجذب، وأخذ ورد، توصلا إلى استنتاجٍ مفاده أن الخروج من المتاهة التي وقعا فيها يتطلب حل ألغاز مرتبطة بمعادلة الشيخ، وأن الجملة قد تتغير في كل مرة، ولكن الأساس يظل قائمًا؛ وهو الوزن العروضي الذي سبق أن توصلوا إليه.

اقترح حاتم بجدية: «إذا كانت الجملة الأولى، التي تتحدث عن تمرد الشيطان وإخلاء سبيله إلى أجل مسمى، ترمز إلى إخلاء سبيل مؤقت حتى يوم القيامة، فإن منطق الأمور يقضي بأن العبارة التالية تتعلق بالخلود؛ لأن ما بعد اليوم الآخر هو الخلود الأبدي.»

حارت تساؤلات عميقة فيما بينهما، عن معنى الخلود، وكيف يمكن أن تكون العبارة التالية؟ وهل ستظل مرتبطة بالشيطان كما كانت الجملة السابقة؟

انتهيا إلى فكرة واحدة؛ نعم، لا بد أن تتعلق العبارة بالشيطان، مثل سابقتها. فقد باتا يبصمان بالعشرة أن كل شيء في هذه المتاهة الغامضة يوحي بأنهما عالقان في متاهة الشيطان، وما من سبيل للخروج إلا بحل الألغاز التي تواجههما.

تساءلت هالة بحيرة: «هل هذا يعني أن العبارة الجديدة تشير إلى خلود الشيطان؟»

فكّر حاتم بعمق، قبل أن يجيبها بصوت هادئ: «لا أظن ذلك.»

بدا الضيق على ملامحها، وهي تسأله بعصبية: «إذًا ماذا تعني؟»

كانت عصبيتها نتيجة مباشرة لكونهما محشورين تمامًا، في الغرفة المعتمة الضيقة، منسحقين في بعضهما.

استغرق في التفكير، وفي ظلام الغرفة لمعت عيناه، واشتعلت فكرة مفاجئة في ذهنه، فقال بنبرة متفائلة: «الخلود هنا لا يعني خلود الشيطان. بل هو خلود الإنسان. المصيدة الأولى التي نصبها الشيطان للإنسان ألم تكن مصيدة الخلود؛ عندما عرض عليه أن يدله على شجرة الخلد.»

شعرت هالة أن هذه الفكرة قد تكون المفتاح الجديد الذي يبحثان عنه، فقالت بأمل مشوب بالحذر: «إذًا هي جملة متعلقة بوعد الشيطان الكاذب للإنسان بالخلود.»

أومأ حاتم برأسه، مصدقًا على قولها: «هذا بالضبط ما نبحث عنه.»

توالت الاقتراحات، وتقافزت الجُمل في عقليهما، وتأرجحت أمام عينيهما، وتجسدت في كلماتهما، مرة بعد أخرى، حتى استقرا على جملة مبدئية: «الشّيْطَانُ يُمَنِّي الإِنْسَانَ بِالْخُلُودِ وَهُوَ كَــذُوبْ»

كتبا الجملة عروضيًا: «أششيطانيمننلإنسانبلخلودوهوكذوب»

وقاما بوزنها: /○/○/○///○/○/○/○//○//○/////○/○

وبالإحصاء، تبين أن عدد الأحرف المتحركة: [١٩]؛ بينما الساكنة: [١١].

وجود الرقم [١١] في المعادلة منحهما أملًا كبيرًا في أن تكون هذه المعادلة صحيحة، أو قريبة للصواب جدًا.

بعد ذلك، توالت الاقتراحات من جديد، حتى طرحت هالة فكرة مختلفة بعض الشيء، وتساءلت: «أليس الإنسان خالدًا بالفعل؟»

سألها حاتم في دهشة: «ماذا تقصدين؟!»

أجابت بنبرة تأملية: «أعني أن الإنسان مخلوق خالد بالفعل، أليس موته مجرد بداية لحياة جديدة أبدية لا نهاية لها؟»

ارتسمت على وجه حاتم ملامح التفكير العميق، ثم قال بتسليم: «معكِ حق تمامًا.»

ابتسمت هالة، وقالت بشيء من الثقة: «أنا دائمًا معي حق.»

بادلها حاتم الابتسام، تحت جنح الظلام، الذي كاد يضيء من توهج أفكارهما، وانكبّا معًا على فحص الفكرة بعمق؛ فإذا كان الإنسان خالدًا بالفعل، فما الذي كان يعده به الشيطان في البداية؟

جاء الجواب صادمًا: «لم يكن يعده بشيء، بل كان يُغرِّر به.»

الفكرة بصوت عالٍ: «إِنّ الشّيْطَانَ يُمَنِّي الإِنْسَانَ بِالْخُلُودِ وَهُوَ خَالِدْ».

كتبا الجملة عروضيًا: إننششيطانيمننلإنسانبلخلودوهوخالد

واستخرجا وزنها: /○/○/○/○///○/○/○/○//○//○/////○/○

وبالإحصاء، تبين أنها تتكون من [٢٠] حرف متحرك، و[١٢] حرف ساكن.

اختلّت المعادلة تمامًا، وبدا لهما أن الفكرة صحيحة، ولكن الصياغة ليست دقيقة، كررا المحاولات، ليقينهما بأن هذه الأكذوبة هي أهم ألاعيب الشيطان مع الإنسان، دائمًا يمنّيه بالخلود والملك الذي لا يبلى، وباستمرار يوهم كل مولود جديد من بني البشر أن هذه الحياة الفانية هي الباقية، ولا حياة بعدها.

وبعد محاولات عدة، توصلا إلى جملة أخرى: «خَدَعَ الشّيْطَانُ الْبَشَرَ بِشَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى»

كتباها عروضيًا: خدعششيطانلبشربشجرةلخلدوملكنلايبلا

واستخرجا وزنها: ///○/○/○/○////////○/○///○/○/○/○/○

أحصيا الأحرف: المتحركة [٢٢]، والساكنة [١١].

تمت المعادلة أخيرًا، فارتسمت الفرحة على وجهيهما، وتسللت السعادة إلى قلبيهما، وبدا ذلك في تهدج صوتيهما، وهما يتساءلان في لهفة عن مكان الترس الجديد، الذي قد يكون مفتاح خلاصهما.

Scroll to Top