رواية إخلاء سبيل: الفصل التاسع

🎧 يمكنك ترك الصوت يعمل في الخلفية أثناء تصفحك للهاتف أو حتى عند إغلاق الشاشة.
اقرأ، واسمع، واستمتع، واكتب مراجعتك في التعليقات…
إخلاء سبيل – ٩
رواية إخلاء سبيل
الفصل التاسع

في أعماق الغرفة السفلية المظلمة، بينما يتلوَّى حاتم وهالة من ألم السقوط المفاجئ، تسلّل إليهما صوتٌ مغلفٌ بنبرة تهديد خبيثة، فتمتمت هالة بقلق: «أليس هذا صوت ضياء؟»

أجابها حاتم بإيماءة صامتة، فهمست بصوت خافت مرتعش: «أيمكننا الاستعانة به ليخرجنا من هنا؟»

هز رأسه نافيًا، وقال بصوتٍ خفيض: «أنستجير من الرمضاء بالنار!»

اشتعل الغضب في أعماق هالة، لكنها كظمت مشاعرها، وتساءلت بغضبٍ مكتوم: «لماذا؟ ماذا سيفعل بنا أسوأ مما نحن فيه؟ الأكسجين بدأ ينفد من حولنا، هل سننتظر حتى يصبح هذا المكان مقبرة لنا؟»

تردد صدى كلماتها في ذهن حاتم؛ فتمتم: «مقبرة؟!»

نظرت إليه بعينين مرهقتين، وقالت بيأس: «نعم، مقبرة! أم ماذا تظن؟»

سمعا صوت ضياء يأمر نادين أن تناوله أداةً ما، ثم صوت هواءٍ مضغوط، أدركا في الحال أن ضياء يحاول شفط تراب الغرفة، تمهيدًا لشيء ينوي فعله.

نهض حاتم بحزم والتفت إلى هالة قائلاً بصوت صارم: «لا ينبغي أن يرانا؛ إنه عدوي اللدود، تذكري هذا جيدًا.»

رمقته هالة بنظرةٍ مشتعلة بمزيج من الغضب واليأس، وقالت بمرارة: «ولو؟ ماذا بيدنا؟ نحن محاصران هنا، مصيرنا الوقوع في قبضته لا محالة!»

ابتسم حاتم ابتسامة تحدٍّ جريئة، وقد لمعت عيناه بثقة غريبة، وهو يهمس بنبرة راسخة: «أو… يقع هو في قبضتنا.»

نظرت إليه بدهشة، وارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، وهي تهمس بتهكم خافت: «يعجبني تفاؤلك.»

نظر إليها بجدية: «ليس وقت سخرية، فكري معي في طريقة للخروج من هذا المأزق، كل ثانية تمر تحدث فارقًا، علينا أن نكون أذكى منه.»

في هذه اللحظة، نجح ضياء في إزالة كل ذرة تراب وسبخ من الغرفة، ووقف ينظر باستغراب للقرص الدائري، ثم سأل إبراهيم بحدة: «أين المفتاح؟»

تساءل إبراهيم بتوتر: «أي مفتاح؟!»

انفجر ضياء غاضبًا: «المفتاح. أيها الأحمق!»

سرعان ما أدرك خطأه، فحاول تلطيف الجو قائلًا بنبرةٍ ليِّنة: «إبراهيم، لم أقصد الإساءة.»

تنهد إبراهيم بعمق وقال بفتور: «لا عليك.»

تابع ضياء، محاولًا شرح الموقف: «أقصد مفتاح الغرفة السفلية… كان هنا… إنه ليس مفتاحًا عاديًا، بل صولجان واس، أتعرفه؟ صولجان فرعوني قديم، يرمز للقوة والسلطة، ربما تكون رأيته من قبل منحوتًا على جدران المعابد؛ طرفه العلوي على هيئة رأس حيوان وطرفه السفلي مثل الشوكة. هذا الصولجان كان هنا بالأمس، وقد استخدمته لفتح هذه البوابة والنـزول إلى الغرفة السفلية؛ ولكن أين هو الآن؟ هل هرب به حاتم؟»

تراجع قليلاً، وكأنما يفكر بعمق، ثم تابع بصوت غاضب ومتهور: «هذه كارثة! بدون الصولجان لن نتمكن من الوصول إلى الغرفة السفلية… لا، لن يحدث هذا، سنفعل أي شيء للوصول إليها، حتى لو اضطررنا لتفجير المكان بأكمله!»

تردد صدى كلماته بين جدران المكان، فاستقبل إبراهيم ونادين وبقية الفريق هذه العبارات بنظرات مشدودة وحماسة مكبوتة، كأنهم أمام قائد في لحظة مصيرية؛ إلا أن هذه العبارات نفسها وقعت على سمع حاتم وهالة كالصاعقة، فارتجف لسان هالة وهي تهمس بصوتٍ غلب عليه الفزع: «حتى فرصة المقبرة فقدناها!»

حاول حاتم أن يتمالك نفسه ويطمئنها، رغم الشك الذي بدأ يتسرب من ملامحه، فقال بصوت هادئ قدر الإمكان: «لا تقلقي… هذا هو خياره الأخير، لن يقوم بتفجير المكان الآن، أمامنا بعض الوقت.»

نظرت إليه هالة بعينين تائهتين، وهمست بيأس: «والحل؟»

نظر حاتم حوله كمن يبحث عن مخرج غير مرئي، ثم قال بنبرة جادة: «علينا إيجاد طريقة للخروج، وبسرعة؛ لا يمكننا البقاء هنا تحت رحمته.»

وبحركة مفاجئة، أمسك بالصولجان بين يديه، وقد عادت إليه صورة الشيخ الغامض، وكلماته العجيبة، فغمغم بها بتمعن، محاولًا فك شفرتها: «11 غلبوا 11 و10 غلبوا 11 و1 غلب 11»

انتبهت هالة من شرودها اللحظي وسألته: «هل تعتقد أن لهذه الكلمات معنى؟»

وقبل أن يجيب، ترددت صيحات ضياء في أرجاء الغرفة: «أزيلوا هذا القرص اللعين!»

بدأ صدى الطَّرْق والحفْر يرجُّ المكان، والصخبُ يزداد مع كل ضربة، حتى انثقب القرص ثقبًا صغيرًا، فتسلَّل من خلاله شعاع ضوء نحيل يخترق الظلام.

ذلك الثقب، على ضآلته، فتح لضياء ورفاقه منفذًا نحو هدفهم؛ وفي الوقت ذاته دقَّ ناقوس الخطر في قلب هالة وحاتم، وأنذرهما بقرب النهاية.

1 فكرة عن “رواية إخلاء سبيل: الفصل التاسع”

  1. Pingback: رواية إخلاء سبيل: الفصل الثامن | سمير حيطاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top