رواية إخلاء سبيل: الفصل السابع

🎧 يمكنك ترك الصوت يعمل في الخلفية أثناء تصفحك للهاتف أو حتى عند إغلاق الشاشة.
اقرأ، واسمع، واستمتع، واكتب مراجعتك في التعليقات…
إخلاء سبيل ٧
رواية إخلاء سبيل
الفصل السابع

جلس إبراهيم طارق شاردًا، تتقافز الأفكار في رأسه وتثقل كاهله المخاوف، يتساءل بصوت مضطرب وبنبرة تائهة كمن يحاول تجميع قطع أحجية معقدة:

«كيف؟! كيف استطاع حاتم معرفة مكان الهرم الكريستالي؟ من أين له بهذه المعلومة؟ ولماذا اليوم تحديدًا؟ في هذا التاريخ بالذات؟ من الذي دلّه على الموقع؟ هل تعرضنا للاختراق؟ أم أن هناك خائنًا بيننا؟ وكيف تمكن من الهروب؟ وكيف لم ترصده أجهزة الاستشعار؟ أين اختبأ؟»

تدفقت كلمات إبراهيم باندفاع، كمن يحاول الإمساك بخيوط سراب يتلاشى، بينما وقف ضياء بوجه شاحب يتأمل الفجوة الهرمية أعلى المسلة، وعقله غارق في بُعدٍ آخر، أبعد من أسئلة صديقه المتسارعة.

ثم تغيّرت ملامح وجهه تدريجيًا، وأخذت قسماته تتحول من حيرة مبهمة إلى عزم صارم، كصورة مبكسلة زال عنها الضباب. استدار ببطء، وعيناه تنبضان ببريق مفاجئ، وبنبرة حادة وحاسمة لا تسمح بالجدال، قال بعد أن أدار ظهره لإبراهيم:

«اجمع لي الأصدقاء.. جميعًا.. الآن!»

تراجع إبراهيم خطوة للوراء، محدقًا في ضياء بدهشة وارتباك، عاقدًا حاجبيه يحاول استيعاب هذا التحول المفاجئ. همّ بطرح سؤالٍ آخر، لكن قسوة صوت ضياء، وإشاحته بعيدًا عنه، كبحت كل فضولٍ لديه، فانطلق ينفذ الأوامر في صمت.

اجتمعوا في قاعة التأمل، حيث كانت تمارينهم المعتادة تبدأ بإغماض العينين، سعيًا نحو الصفاء الذهني. أما اليوم فإن الصمت ثقيل، والتوتر يعصف بهم كريحٍ خفية، كل منهم جلس يغوص في أفكاره المضطربة.

الأمر مختلف هذه المرة؛ ففي كل مرة كان ضياء يقودهم في ممارسة التمارين، يجلس بينهم، يغلق عينيه، يتنفس معهم، كواحدٍ منهم. أما الآن، فها هو يقف بعيدًا عنهم في منتصف القاعة وحده، منتصبًا كتمثالٍ صامت، يراقبهم وهم يغرقون في تأملهم، عيونهم مغمضة، يتوسلون إلى أنفسهم أن تمنحهم القوة الكافية لإنقاذ البشرية من مصيرها المجهول.

ومع مرور الوقت، رفع ضياء رأسه ببطء، عاقدًا ذراعيه حول صدره، مشيحًا بنظره نحو الشمال، مثبتًا عينيه على نقطة بعيدة بكبرياء لا يتزعزع، والجاكيت الأسود الطويل يتدلّى أسفل ركبتيه، سابغًا عليه هالةً من الغموض والعزلة.

وفي هذه اللحظة، بدوا كأنهم يتوسلون إليه هو، لا إلى أنفسهم كما يظنون، فقد حالت عيونهم المغمضة دون رؤيتهم المشهد على حقيقته. صار ضياء فوقهم، وهم يلتفون حوله في خضوع صامت.

ثم قطع الصمت فجأة، بصوت منخفض لكنه مشبع بيقين لا يقبل الشك: «لقد توصلت إلى الهرم الكريستالي الذي وعدتكم به.»

تهللت أساريرهم، وعيونهم ما زالت مغمضة، وكأنهم يتلقفون الكلمات بأرواحهم لا بآذانهم. شعر كل منهم بتيار من الحماس يتدفق في جسده، وكأن وعد الخلود بات أقرب من أي وقت مضى، حلمٌ مُغلّف باليقين الذي منحهم إياه ضياء، يخفق في صدورهم من جديد.

واصل ضياء حديثه، وكلماته تتسرب إلى قلوبهم كسيل جارف، عميقة ومشحونة بالعزم:

«الخرائط الأثرية تشير إلى وجود الهرم الكريستالي في غرفة مهجورة في مكان يُعرف في العصر الحالي باسم [العتل]، على بعد عشرين كيلومترًا من هنا. استكشفتُ الغرفة أمس، وتأكدت بنفسي من وجود الهرم الكريستالي تحتها. كنت عازمًا على بدء التنقيب فيها الليلة، إلا أن عدوًا لي سبقني إلى هناك في الصباح، ولقد فرّ هاربًا قبل أن أتمكن من مواجهته. لهذا جمعتكم اليوم لأبلغكم أن الوقت قد حان… استعدوا لخوض معركتنا المؤجلة. أمامنا ساعات قليلة ونحقق حلمنا.»

خيّم على القاعة صمتٌ تام، مشحونٌ بالترقب، والخوف، والأمل. كل واحد منهم يدرك أن هذه اللحظة ليست كسابقاتها. الحلم يقترب، والخلود بات قاب قوسين أو أدنى.

1 فكرة عن “رواية إخلاء سبيل: الفصل السابع”

  1. Pingback: رواية إخلاء سبيل: الفصل السادس | سمير حيطاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top