المستحيل ماضٍ، والأمل مستقبل، والممكن حاضر!
العلاقة بين الإنسان والزمن هي العلاقة بين ما لا يُدرك، وما يُرتجى، وما يُعاش.
فالماضي، إذ يُقال عنه إنه مستحيل، فلا يُقصد به مجرد ما وقع فحسب، بل مالم يعُد ممكنًا أيضًا.
لقد تحول الماضي إلى حدٍ زمني لا يُكسر، أشبه بدخانٍ قد تلاشى في الهواء… حتى وإن بدا قابلاً للتصحيح في الذاكرة، في الذاكرة وحدها، فإنه يظل في الحقيقة مستحيلاً تغييره.
أما الأمل فموطنه المستقبل، لأنه وعدٌ لم يُكتب بعد، هوةٌ صغيرة في جدار الزمن، يُطلّ منها الإنسان على ما يتمناه لا ما يضمنه، فالأمل ليس وعدًا بالتحقق، بل خيال يدفع الحاضر نحو الاحتمال.. إنه ليس نقيض اليأس فحسب، بل شرط الحركة والاستمرار، حتى لو ظلّ المستقبل مجهولًا.
ويبقى الممكن، وهو لبّ هذه المعادلة، الزمن الحاضر… الزمن الوحيد الذي يمكن تغييره، والعمل فيه، والتفاعل معه… إنه الميدان الذي تتصارع فيه القوى، وتُنتَج فيه القرارات، وتُصاغ فيه النتائج.
الممكن ليس حلمًا ولا ذكرى، بل هو الآن الذي يُراوغنا، والذي لا نكاد نلمسه حتى يتحول إلى ماضٍ، أو يُقذف إلى مستقبل.
هذا التوزيع للأزمنة يُعيد تعريف الإنسان بأنه أسير المستحيل؛ لأنه لا يستطيع محو ماضٍ يؤلمه… وهو راجي الأمل لأنه لا يملك ضمان المستقبل… ولكنه هو مالك الممكن، لأنه وحده قادر على تحويل اللحظة إلى معنى، والإرادة إلى أثر.
وما أدعو إليه إنما هو أن نُعيد ترتيب علاقتنا بالزمن… لا نبكي على المستحيل، ولا نُعلق حياتنا على أمل قد لا يأتي، بل نُنزل الممكن منزلة السيادة، ونعيش الحاضر لا بوصفه «الآن» فقط، بل بوصفه النقطة الوحيدة التي يمكن للحرية أن تتحقق فيها.