في عصر احتراق الوقت: تأملات في زمنٍ يُسرق من بين أيدينا

كأننا نعيش في أفران الزمن، فليست أيامنا تمرّ، ولكنها تحترق.
لا تمضي الساعات، بل تتبخّر كما يتبخر المطر على الإسفلت الساخن.
صرنا نشهد الوقت لا بوصفه مجرّد تقويم، بل كشيءٍ حيّ يُستهلك، يئنّ، ويتلاشى بصمت.

في الماضي، كان الناس يشعرون بالزمن من خلال المواسم، من خلال نُضج الثمار، أو تغيّر ظلّ الجدار مع شمس الظهيرة.
أمّا اليوم، فنقيسه بالمهام المؤجلة، بالإشعارات التي لا تنتهي، وبشعورٍ غامض أننا دائمًا متأخرون عن شيءٍ لا نعرف ما هو.

لقد تحوّل الزمن إلى سلعة: يُباع ويُشترى ويُضغط ويُستثمر.
لكننا نسينا أن الإنسان لا “يمتلك” الوقت… بل يسكنه.
فهل يعقل أن نحرق بيتنا بأيدينا، ونحن نحاول تحسين أثاثه؟

وهكذا نحرق السعف قبل أن يثمر.
نقتل الفكرة قبل أن تنضج.
ونتجاهل أن كل ما هو عميق… يحتاج وقتًا ليظهر.

الدهشة ماتت لأننا فقدنا التوقف.
فقط حين نُبطئ، نرى.
فقط حين نُصغي، نُدرك.

حين نتأمل ورقة تسقط، أو نَسمة تعبر وجوهنا، أو صوتًا لا فائدة منه سوى حضوره…
نكون قد انتصرنا، لحظةً واحدة، على احتراق السعف.


الزمن ليس عدوًا، بل معلم.
وكل لحظة تُهدر في العجلة، تُحرم من الحكمة.

فلنتعلم أن نُشعل نار الوعي، بدل أن نحترق بنار العجلة.
فلعلنا نُدرك، قبل فوات الأوان، أن أجمل ما في الوقت…
هو أنه يُمكن أن يُعاش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top