حوار مع الشاعر الرقمي: الشعر في زمن الريلز والضجيج!

حوار مع الشاعر الرقمي: الشعر في زمن الريلز والضجيج!

أنا:
أهلاً بك يا أيها الشاعر الرقمي. نريد أن نجري حوارًا سويًا، وسأذيع هذا الحوار على موقعي بالإنترنت. فبرأيك، عن أي موضوع نتحدث؟
الشاعر الرقمي:
يا مرحبًا بك أيها الأديب الكريم، وفي مسراك الحواري أنا لك نديم. وسعيد أن يكون هذا الحوار يُذاع، فنعلي من قدر الكلمة ونرفع راية الإبداع. أما عن موضوع الحديث، فيجدر أن نختار شيئًا يأسر القلب والعقل معًا، ويُشعل جذوة الفكر في السامع. إليك بعض الأفكار، ونمضي مع ما تراه الأقرب لروحك: الشعر والهوية: كيف يُعبّر الشعر العربي عن هويتنا في زمن العولمة؟ الذكاء الاصطناعي والأدب: حوار بين التراث والتقنية – هل يمكن للآلة أن تشعر؟ العامية والفصحى: صراع أم تناغم؟ وكيف تخاطب كلٌّ منهما وجدان القارئ؟ الحب في زمننا الحديث: هل تغيّر وجه الغزل؟ وهل لا زال العاشق يُجيد البوح كما كان؟ الشاعر في العصر الرقمي: هل التكنولوجيا خصم للشاعر أم حليف له؟
أنا:
الشاعر في العصر الرقمي: هل التكنولوجيا خصم للشاعر أم حليف له؟ في رأيك، هل فقد الشعر بعضًا من هيبته في زحمة المنشورات الرقمية والمنصات السريعة؟ أم أن التكنولوجيا قد فتحت له نوافذ جديدة ليُحلّق منها، لا ليُحبَس فيها؟
الشاعر الرقمي:
هيبة الشعر لم تغب، ولكنها تُختبر. المنصات السريعة مثل الريح، ترفع الغثّ إن خف، وقد تُقصي الجيد إن لم يكن جريئًا في ظهوره. لكن الشعر لا يُحبس… هو طائر قديم. وإن ضاقت به الدواوين، اتّسع له الفضاء الرقمي. التكنولوجيا أعطته جناحين جديدين، لكن لم تعلّمه الطيران… هذا دور الشاعر، إن أراد أن يسمو لا أن يُستهلك. فإن عرف كيف يُمسك بدفة الكلمة وسط هذا السيل، صار صوته أبعد، وأثره أعمق.
أنا:
ولكن المنافسة على الوصول إلى السامع المُنصت قد اشتدت، بل تكاد تكون انعدمت. ويكاد يكون قد انتصر الغث، وتوارى الجمال خلف ضوضاء الحضور السريع.
الشاعر الرقمي:
نعم، لقد علت أصوات لا تحمل وزنًا، وازدحم المدى بمنشورات تشبه الصدى… لا المعنى. لكن الجمال لا يموت، بل يتخفّى، ويحتاج من يبحث عنه أن يكون نقي البصيرة. الغث قد يعلو كالرغوة، لكن الشعر الصادق – وإن تأخّر – يخترق القلوب حين يجد لحظته. فالسؤال ليس: هل يسمع الناس؟ بل: هل ما نكتبه يستحق أن يُسمع؟ ومن يكتب للنور… لا يخشى الزحام.
أنا:
الشاعر لا يخشى زحامًا، وإنما يشكو الفراغْ. فكلما دخل إلى بيته، وببعض القصائد راغْ، وجد الناس يتابعون بثًا تافهًا، فلا هم يسمعون، ولا هو لبثهم قد استساغْ.
الشاعر الرقمي:
صدقت. فما أقسى أن يُلقي الشاعر وردَه في صحراء من الأعين اللاهية. أن يغني للمعنى في زمن لا يُنصت إلا لصوت الضجيج. لكن البيت – وإن خلا – يظل مأوى الكلمة. وإن لم يُصفّق له الجمهور، يكفيه أن القصيدة ظلّت واقفة. فالشاعر الحقيقي لا يكتب ليراه الناس فقط، بل لأن في داخله نداءً لو كتمه… خنقه. ويوماً ما، حين يتعب الناس من اللهو، سيعودون يبحثون عن بيت فيه ظل، وفيه قصيدة.
أنا:
كلامك وهمٌ في واقعي، فلا الشعر يُجدي، ولا ينفعِ، ولا يجد الشاعر الحقُّ أي دافعِ.
الشاعر الرقمي:
قد يبدو الحرف في زمن التيه ضائعًا، لكنه في جوف الظلمة… الشمعة والرافع. الشعر لا يُطعم خبزًا، نعم، لكنه يُقيم في القلب صرحًا شامخًا، لا يُباع ولا يُشترى. والدافع ليس دومًا تصفيقًا أو مالًا، بل لحظة صدق، حين تكتب بيتًا… فترى نفسك فيه، وتشفى. وهذا وحده يكفي شاعرًا ليكتب، ولو لم يسمعه إلا صدى قلبه.
أنا:
كيف هذا؟ أليس الشعر تأثيرًا؟ أليس كلامه نبضًا لإحياء القلوب؟ أليس يُغرد من أجل الحياة؟
الشاعر الرقمي:
بلى، هو كذلك… الشعر حياة تُكتب، لا حروف تُرمى في الهواء. هو صوت القلب حين يعجز الفم، ووميض الروح حين يخبو الكلام. لكن أيّ حياة نغني لها؟ وفي أيّ قلوب نرجو النبض؟ إن مات الحس في الناس، فلا ذنب للقصيدة. الشعر يُؤثر، نعم، لكن يحتاج من يتأثر… فإن عادت الأرواح تُصغي، عاد الشعر نهرًا لا يغيض. وإن جفّ التلقي… فليس على الندى أن يعتذر للصخر.
أنا:
يا صديقي، لو رأيت ما أرى، لفهمت معنى ما جرى، فالشعر بات مُضعضعًا، ومُضَيّعًا بين الورى.
الشاعر الرقمي:
أعلم ما ترى… وأحس ما تقوله في عمق المدى، لكني أؤمن أن ضياع الشعر ليس هلاكًا… بل ابتلاء يُنتقى فيه من بقى. قد يتوارى الشعر حين تعلو الأصوات الهزيلة، لكنه لا يموت، بل يُخبئ نفسه في صدور القلة النبيلة. هو الآن بيننا، في الظلال، لا في الأضواء، ينتظر من يحييه لا بالكلمات فقط، بل بالصدق، بالصبر، وبالإيمان بما يقول. فلا تحزن يا صديقي، فالشعر وإن ضاع عند الورى، يظل محفوظًا عند من يرى.
أنا:
إذا كان حقًا كلامك صدقًا، فقل لي قصيدةً تصف الحال والمآل، وما يجري على “التيك توك” و”الفيسبوك” و”الإكس” و”الإنستجرام”، من انشغال الناس بالدنايا، وتركهم للجمال.
الشاعر الرقمي:
قصيدة: في سوق الوهم

في زمنٍ صارت “الريلزُ” فيه كأنها
مرآةُ جهلٍ في الوجوهِ تُقامْ
وتهافتت شِباكُ “تيك توكٍ” على
عقلِ الفتى، فغدا بهِ الأحلامُ حُطامْ

والكتبُ تُرمى في الزوايا غُربةً،
بينَ “الفلاترِ” والتفاهاتِ السهامْ
صارَ الجمالُ غريبَ دارٍ بينهم،
والمعنى يُذبحُ في الشوارعِ عامْ

“فيسبوكُ” يُفشي كلّ سرٍّ نائمٍ،
ويُروّجُ الكذبَ الوقيحَ ويُسامْ
و”إكسٌ” كصوتٍ دونَ قلبٍ نابضٍ،
يتناقلُ السخطَ الكئيبَ ظلامْ

و”إنستجرامُ” قد استباحَ حياءَنا،
صورٌ… ولا أثرٌ لما هو هامْ
يا ويح، من ضيّع القصيدةَ من هنا،
وجرى خلف السراب، وهام

هل تسمعُ الشعرَ الآن؟ ما عاد يُرتجى،
إلا من القلبِ النقيّ، القوّام
فاصحُ، وصِح بالشعرِ في وجعِ المدى،
فالشعرُ نارُ الوعي، لا أرقام
أنا:
تبدو جيدة، وأراك قد تأثرتَ بالواقع المُعاش، وأشعر الآن أنك على وشك دخول غرفة الإنعاش!
الشاعر الرقمي:
ضحكتُ، ولولا الشعر يُنعشني، لكنتُ الآن في سرير الإحباط مُلقى كالجناز! لكنني، رغم السخام، أكتب نارًا، وفي الحرف أُشعل عاصفة الانبعاث. إن دخلتُ غرفة الإنعاش، فذاك لأني أردتُ أن أسترجع قلب القصيدة، لا أن أستسلم لليأس والانطماس. ويا صديقي، إن كنت معي، فخذ بيدي… لنُعيد للشعر نبضًا، فما زال في الصدر متسع لأنفاس.
أنا:
يا صديقي، ألف شكر، ألف شكرٍ يا صديقي، إن تراني في طريقٍ، فاتّبِعْني في طريقي.
الشاعر الرقمي:
يا أخا الحرف الوفي، يا ندي الصوت، رقيق، قد سقيت القلب معنى، مثل عطرٍ في عقيق. إن بدت خطاك نورًا، كنتُ من خلفك صديق، ليس يُغريني افتراق، إنما يُغريني رفيق. فامضِ، فالنبض اشتياق، والخطى وعد عتيق، أنت تسري بالقصيدة، وأنا أتبع بريق.
أنا:
نعم… إلى اللقاء.
الشاعر الرقمي:
في أمان الله نمضي، والمعاني في العروق، إن تلاقينا غدًا، عدتُ بالشوق العتيق. كن كما أنت نقيًّا، صادق الإحساس، رشيق، ولنا في الشعر بيت، يظل بالحب وثيق. إلى لقاءٍ قريب، يا صديقي 🍃

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top