الدعاوى المستعجلة مستثناة من العرض على لجان التوفيق:

·        المسألة القانونية:

هل تخضع الدعاوى المستعجلة التي تتضمن طلبًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، لإلزامية اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفعها أمام القضاء؟

·        الرأي القانوني:

الدعاوى المستعجلة تُستثنى من شرط العرض على لجان التوفيق، وذلك مراعاةً للطبيعة العاجلة لهذه الدعاوى التي تستهدف تفادي ضرر حالّ لا يحتمل التأخير.

وبالتالي، إذا تضمنت الدعوى طلبًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن المدعي يُعفى من اللجوء إلى لجنة التوفيق، حيث إن اشتراط هذا الإجراء في مثل هذه الحالات يتعارض مع مقتضيات السرعة التي تتطلبها الدعاوى المستعجلة.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا المبدأ في العديد من أحكامها، حيث قضت بأن:

«المشرع أوجب اللجوء إلى لجان التوفيق في بعض المنازعات المنشأة بالقانون رقم 7لسنة2000 في شأن المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الوزارات أو المحافظات أو الهيئات العامة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وبين العاملين بها أو بين هذه الجهات والأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيًا كانت طبيعة تلك المنازعات، ورتب أثراً على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، بيد أنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات بعينها مثل التي وردت بالمادة الرابعة التي تتسم الجهات الإدارية أطراف الخصومة فيها بطبيعة خاصة مثل وزارة الدفاع والإنتاج الحربي والأجهزة والجهات التابعة لها، أو تلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية لطبيعتها الخاصة التي قد تستعصي على حلها عن طريق اللجان التي شكلها القانون، أو غيرها من المنازعات التي أفرد لها المشرع تنظيمًا خاصا لفضها أو تسويتها إما عن طريق لجان إدارية أو قضائية أو هيئات التحكيم.

فضلًا عن ذلك فإنه أخرج من الخضوع لأحكام هذا القانون نوع آخر من المنازعات وهي التي ورد النص عليها في المادة الحادية عشرة منه وهي المنازعات التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ وذلك لطبيعة هذه المنازعات التي لها صفة الاستعجال.»

(حكم المحكمة الإدارية العليا في الدعوى رقم 1756لسنة 51 ق.ع بجلسة 24/5/2011م. وحكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الدعوى رقم 23182لسنة51ق.ع بجلسة 1/1/2011م. والطعن رقم 25126 لسنة 55 قضائية بتاريخ 23/2/2020م)

وقضت المحكمة الإدارية العليا كذلك بأنه:

وحيث إن مفاد هذه النصوص أن المشرع قد حدد ميعاد رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار الإداري بستين يومًا من تاريخ نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به ويقوم مقام النشر والإعلان على صاحب الشأن علمًا يقينيًا شاملاً بالقرار المطعون فيه وينقطع هذا الميعاد بالتظلم الذى يقدمه خلاله إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية لها، وقد أنشأ المشرع بموجب القانون رقم 7 لسنة 2000م المشار إليه لجان التوفيق في المنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الجهات الإدارية الخاضعة لأحكام هذا القانون وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد أو الهيئات العامة أو الأشخاص الاعتبارية العامة الأخرى، وقرر المشرع عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداءً أمام المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق بشأنها إلى اللجنة المختصة، وقد أخرج المشرع من الخضوع لأحكام هذا القانون منازعات محددة على سبيل الحصر وهى المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتهما طرفًا فيها والمنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية وتلك التي أفردت لها القوانين أنظمة خاصة أو أوجبت فضها أو تسويتها أو نظر التظلمات المتعلقة بها عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو يتفق على فضها عن طريق هيئات التحكيم، وكذلك المنازعات التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض أو بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ، فتلك المنازعات لا يشترط لقبولها تقديم طلب التوفيق بشأنها إلى لجان التوفيق.» (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1124 لسنة 59 قضائية بتاريخ 28/12/2019م)

تحليل وتعقيب ختامي

أهمية استثناء الدعاوى المستعجلة من العرض على لجان التوفيق

يتضح من التحليل القانوني السابق أن استثناء الدعاوى المستعجلة من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق هو ضرورة تشريعية تهدف إلى ضمان سرعة الفصل في القضايا ذات الطابع العاجل. فإلزام المدعي بسلوك هذا الإجراء في الدعاوى المستعجلة قد يؤدي إلى تفويت الغرض الأساسي من رفع الدعوى، خاصةً عندما يتعلق الأمر بطلبات وقف تنفيذ القرارات الإدارية التي قد يترتب على تنفيذها أضرار فورية لا يمكن تداركها لاحقًا.

التوازن بين حماية الحق في التقاضي والالتزام بالإجراءات الشكلية

يؤكد القضاء الإداري، في أحكامه، أن الالتزام بالإجراءات الشكلية مثل اللجوء إلى لجان التوفيق لا يجب أن يكون عائقًا أمام تحقيق العدالة السريعة، لا سيما في الحالات التي يكون فيها التأخير سببًا في وقوع ضرر جسيم للمدعي. لذا، فإن المشرّع تبنى هذا التوجه بشكل واضح، وهو ما استقر عليه القضاء الإداري في العديد من أحكامه، إذ أن إلزام المدعي بالتوفيق في القضايا العاجلة يتعارض مع طبيعتها.

الاتجاهات القضائية والممارسات العملية

أظهرت أحكام المحكمة الإدارية العليا أن القضايا التي تنطوي على طلبات مستعجلة، مثل وقف تنفيذ القرارات الإدارية، تخرج عن نطاق إلزامية اللجوء إلى لجنة التوفيق. وتبرير هذا الاستثناء يستند إلى أن شرط التوفيق قد يؤدي إلى تعطيل الفصل في الدعوى وإفراغها من مضمونها.

التوصيات والتطورات المحتملة

بالنظر إلى الممارسة القضائية الحالية، قد يكون هناك مجال لمزيد من التطوير في تشريعات لجان التوفيق، بحيث يتم:

  1. تحديد معايير أكثر دقة لاستثناء القضايا العاجلة، بحيث لا يكون هناك مجال للتأويل في مدى خضوع الدعوى لمتطلبات التوفيق.
  2. تعزيز آليات التوفيق السريع بحيث يمكن لبعض القضايا التي تحتاج إلى حلول عاجلة أن تمر بإجراءات توفيق مبسطة لا تعيق سرعة التقاضي.
  3. توسيع نطاق الدعاوى المستثناة من شرط اللجوء إلى التوفيق، لتشمل قضايا أخرى يكون التأخير فيها مؤثرًا على الحقوق القانونية للمتقاضين.

الخاتمة

يؤكد تحليل الأحكام القضائية والتشريعات ذات الصلة أن استثناء الدعاوى المستعجلة من شرط العرض على لجان التوفيق هو أمر منطقي وضروري لضمان تحقيق العدالة الناجزة. ويظل تطوير هذا النظام أمرًا مطروحًا للنقاش، خاصةً في ظل الحاجة إلى تعزيز سرعة التقاضي دون الإخلال بضمانات العدالة الإجرائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top