رواية – حبس انفرادي – الومضة الرابعة

 

[1]

الشخص نفسه الذي قابلاه قبل قليل بطوله الفارع وملامحه الحادة هو نفسه لم يتغير، ولكن ما تغير تماماً هو انطباعهما عنه، نظراتهما تكاد تنطق بالشك والريبة، ووضع جسديهما يوحي بأنهما متأهبان للاشتباك معه؛ بينما قابل هو تحفزهما بابتسامة ساخرة وهو يقول:

«أعتذر لكما.. في الحقيقة أنا لا أعرف إن كنتما قد حاولتما الخروج من هنا أم لا؛ لكنني متأكد من أنكما على الأقل لم تستطيعا فتح النوافذ أو استخدام الكهرباء بشكل كامل».

 ظلاّ صامتين غير مستوعبين فاتسعت ابتسامته أكثر وهو يضيف:

 «كل شيء في الشاليه مصمم ليعمل فقط ببصمة أصابع اليد، ولقد نسيتُ أن أعيد ضبطه ليعمل ببصمات أصابعك بدلاً من بصماتي».

 حلّ الهدوء عليهما قليلاً بعد أن عرفا السبب وراء عدم تمكنهما من الخروج، ولكنّ حاتم بادره قائلاً:

«أشكرك ولكن ما هذا؟!».

 قالها وقام برفع يده للأعلى وبها وثيقة الزواج ثم أعطاها له فتفحصها قليلا ثم قال:

 «كيف حصلت عليها؟ هذه وثيقة زواجي».

 نظـــــرا إليه والشك يقفز من عيونهما فتدارك:

 «آه هذه وثيقة زواجي الثاني».

 لم يعلقا على هذا بشيء ولكن حاتم أشار ناحية الباب الخلفي وهو يسأله:

 «وما هذه الحفرة؟».

 «أية حفرة؟! آه.. الحفرة.. ليست حفرة إنما سُلّم.

 في البداية كان مكان هذا الباب الخلفي جــدار، ثم قررت فتح باب في هذا الجدار بعد أن اشتريت الشاليه الملاصق وفكرت في أن أجعل هذا ممراً واصلاً بينهما ولكنني عدلت عن هذه الفكرة بعد أن قطعت شوطا في التنفيذ بتركيب هذا الباب وحفر الحفرة حتى تكون سُلّمًا أستطيع العبور منه إلى الشاليه الآخر ليفتح على باب موصل بالصالة هناك ولكنني فقدت الحماس لهذه الفكرة قبل أن أتمادى فيها أكثر».

 ابتلع حاتم كل هذا الشرح على مضض وبعد أن انتهى سأله:

 «ولكن من الذي كان يقوم بالحفر؟».

«بعض العمال».

صمت حاتم بعدها وفكر كثيرا هل يسأله أسئلة أكثر من هذه أم يكتفي بهذا؟! وفي النهاية طلب منه أن يعيد برمجة الشاليه حتى يستطيعوا استخدامه؛ فتوجه ناحية الباب الخلفي وقام بغلقه وأمسك رأس الأسد الذهبي بقبضة يــده فأضاء الباب كله بضوء برتقالي، ثم بدأت تظهر اختيارات بالأحمر، وكل اختيار محاط بدائرة لونها ذهبي؛  فضغط على نظام التشغيل الآلي ثم اختار ضبط البصمة ثم اختار حذف البصمة الحالية؛ واستدار إلى حاتم وطلب منه أن يقبض بيده على الأسد فـفـعـل، وضغط هو على تثبيت البصمة الجديدة ثم تأكيد ثم خروج؛ فعاد الباب لحالته الأولى؛ وانصرف مودعاً إياهما مكرراً اعتذاره عن هذا الخطأ غير المقصود.

تحرك حاتم سريعاً في كل الشاليه يُجرب البصمة ليتأكد من أنه يعمل بالبصمة فعلاً، فوجد كل شيء قد عاد طبيعياً، ووجد بعض المربعات البرتقالية المشابهة لكف اليد بدأت تظهر في أماكن ثابتة على الجدران؛ فضغط على أحدها بإصبعه فتحرك الجزء الملاصق للمربع من الجدار المُصمت وبرزت من داخله النافذة الزجاجية وظهر له اختيار فتح كامل فاختاره وبدأ الهواء يتدفق إلى الداخل.

 وبالضغط على مربع آخر تمكن من البدء في شحن هاتفيهما، وعندها تذكر ذلك الهاتف المحمول الصغير الذي وجده في السترة داخل الحفرة، فأخرجه ونظر له وهو يقلبه في يده فوجده هاتفا بسيطا ويبدو بلا أهمية كبيرة، أو لا يوجد به الإمكانات التي تؤهله لحمل شيء مهم؛ ولكنه يريد فقط أن يعرف من مالكه ولماذا تركه في هذا المكان؟ حاول فتحه فوجد بطاريته فارغة، حاول شحنه فلم يستجب.. راقبته هالة لدقيقتين قبل أن تقترح:

 «يمكنك أن تبحث عن كارت ذاكرة بداخله».

 بدأ يبحث عن أي منفذ يمكن أن تكون الذاكرة قد أدخلت من خلاله، فتوصل بالفعل إليها واستخرجها وهو يقول:

 «أتمنى أن تكون صالحة للعمل».

 وبعد خمسة دقائق وضع كارت الذاكرة في هاتفه وبدأ بتشغيله.

***

بمجرد أن تركهما ذلك الشخص خلفه وخرج من الشاليه انطلق تجاه الشاطئ وبدأت ملامحه الحادة تزداد حدّة وهو يجري مكالمة هاتفية.

«الأمر خطير للغاية؛ لقد توصلوا لأوراق لا أعرف من أين حصلوا عليها؛ وثيقة زواج خالد عبد الرازق الحقيقية، وتوصلوا للحفرة الخلفية؛ أخشى أن يكونوا خطراً علينا؛ فماذا تأمرني أن أفعل؟».

«لا شيء فقط قم بتعطيل نظام التشغيل مرة أخرى وراقبهما حتى النهاية؛ وأنت تعرف جيداً ما عليك فعله بعد النهاية».

[2]

لم يجد حاتم شيئا على الكارت أكثر من ملف «بي دي إف» وملف صوتي؛ قام بفتح ملف التسجيل الصوتي فبدأ يتسرب منه صوت شخص خائف يقول بحزنٍ وبصوتٍ مذعورٍ لاهث:

 {لم أكن السبب.. لم أكن السبب.. سامحوني.. سامحوني! لقد تم خداعي! [صوت نحيب].

لم يعد أمامي إلا هذا التسجيل على هذا الهاتف المتهالك سأدسه في ملابسي وأتمنى أن يستطيع أحدٌ العثور عليه [يحدث نفسه].

أنا المهندس خالد عبد الرازق أريد أن أخبر من يسمعني بأن كريم سامي هو من قضى على زوجتي وأبنائي؛ بالأمس تركتهم في هذا الشاليه بمفردهم بعد أن جاءتني رسالة من الشركة بأن لديّ اجتماع لابد أن أحضره في الثامنة صباحاً، تركتهم وسافرت ليلاً على وعدٍ بأن أعود اليوم، وصلت مقر الشركة في الموعد؛ لكنّي لم أجد لديهم علمٌ بالرسالة التي وصلتني ولا بأي اجتماعات اليوم؛ رجعت إلى هنا وجدتهم [صوت بكاء] .. ليتني لم أسافر.. ليتني بقيت معهم.

 كريم سامي هو السبب؛ بعد أن تنازل لي عن كل شيء قرر أن يقصيني من الشركة؛ هددته بفضح منظمته التي يعمل لحسابها فتخلص من زوجتي فاتن ومن أبنائي وسيتخلص مني؛ لقد وضعت الدليل على صحة كلامي في مكانٍ من الصعب أن يصل إليه كريم، خزينة حديدية صغيرة وراء الباب الخلفي.

 أرجو ممن يسمع هذا التسجيل أن يعيد لي حقي بأي شكل حتى لو بفضح كريم ومنظمته فقط.

 سأحاول أن أتصل بالشرطة على الفور، وأتمنى أن أتمكن من ذلك..[صرخة مكتومة]..

 [صوت الشرطي الذي يتلقى الاتصال يسأل عن فحوى البلاغ].

 صوت احتكاك جسد بالأرض يتم سحبه؛ ثم سكون لمدة طويلة وبعدها انتهى التسجيل}.

 ***

 «يبدو أنه بعد أن تخلص من خالد ألقاه في تلك الحفرة».

 قالها حاتم وبدأ في استعراض ملف البي دي إف المكون من صفحة واحدة.

لم يتبق إلا وقت قليل!

 تحطيم كل عقائد الإيمان!

 الملحد وسيلة!

 الترويج لداروين والدعاية لنظريته طريق بدأناه.

 التخلص من كل الذين يعرفون أكثر من الحد المناسب لسلامتنا.. كل إنسان لابد أن ينتهي يوماً بالموت والأفضل أن نعجل بهذه النهاية لمن يعوقون غرضنا.

 سيموتون أو يختفون بأسلوب لا يثير الريبة أو الشك فينا، ولن يستطيع أحد كشف لغز الاختفاء أو الموت أبداً.

 نحن بعيدون عن المشهد تماماً.

 نحن ذوو طبيعة ممتازة فوق الطبيعة البشرية.

 ستحل المادية والأرقام الحسابية محل الخالق.

تبادلا نظرة خوف خاطفة.

«أعتقد أن هذا هو الخطأ الذي ارتكبه خالد؛ عرف أكثر من اللازم وهدد هذه المنظمة؛ وأخشى أن نكون نحن أيضا قد ارتكبنا الخطأ نفسه».

 «لقد فهمت كل شيء؛ لقد تم استدراجنا بالفعل إلى هذا الشاليه وبالطريقة التي شرحتيها أنتِ من قبل؛ الإعلانات الإلحاحية التي دفعتني لحجز الشاليه؛ لقد تذكرت السبب!! أحيانا يفعل الإنسان أشياء ولا يُلقي لها بالاً فتكون عليه وبالاً؛ السبب هو المعلومات التي نشرتها في كتابي المنشور حديثاً [رحلة في أعماق الهرم] المتعلقة بالمنظمة السرية الغامضة التي لم أكن أعرفها؛ أكيد هذه المنظمة هي المقصودة في الورقة المقصوصة؛ وأكيد هي الموجودة في ملف البي دي إف؛ وهي التي تكلم عنها خالد؛ ولا بد أنه اكتشف معلومات كثيرة عنهم وحين هدد بكشفها اختفى؛ ألم يقولوا هذا؟ ألم يقولوا إنهم يتخلصون من كل من يعرف أكثر من المسموح به؟ ألم يقولوا إن موته سيكون طبيعيا أو على الأقل لن يثير الريبة والشك فيهم نهائيا؟ هكذا نحن في خطر حقيقي؛ هذا الشاليه مليء بالرموز الخاصة بهذه المنظمة؛ لابد أن نغادر هذا المكان فورا».

 «أرى أولاً أن تتواصل مع أحدهم بسرعة وتبلغه بما توصلت إليه وتستعين به أفضل، فالوقت ليس في صالحنا».

 «معك حق؛ ولكن من؟ أتصل بمن؟».

 استغرقا في التفكير لعدة لحظات إلى أن قالت هالة بلهفة:

 «الصحفي! ما اسمه؟».

 لم يلبث حاتم إلا أن أسرع بالبحث على الانترنت عن الخبر من جديد وقال لها:

 «إبراهيم.. إبراهيم طارق».

 قالها وأخذ يبحث عن رقم هاتف إبراهيم على الانترنت فلم يجده؛ فبحث عن رقم هاتف جريدة الأيام التي يعمل بها؛ واستطاع أن يتواصل مع الجريدة بالفعل ويحصل منها على رقــم إبراهيم.

 «أستاذ إبراهيم طارق؟».

 «نعم أنا؛ من حضرتك؟».

 «أنا الدكتور حاتم سليم».

 «عالم الآثار؟! أهلاً بحضرتك يا دكتور أنا سعيد بمكالمة حضرتك».

 «اسمعني يا إبراهيم لا يوجد وقت».

 «خيراً يا دكتور؟».

 «لقد سبق ونشرت مقالاً عن كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق؛ اسمعني المهندس خالد اختفى في شاليه في شاطئ مجاور لهضبة عجيبة في مطروح؛ يمكنك الوصول إليه بسهولة ابحث عنه على الانترنت؛ شاليه مميز على شكل هرم؛ واختفاؤه له علاقة بكريم سامي رجل الأعمال المعروف وبمنظمة سرية؛ الأمر خطير وأنا في هذا الشاليه الآن ومعرض للخطر؛ إن لم أتمكن من الخروج من هنا سأضع لك المستندات التي وقعت تحت يدي وراء الباب الخلفي، آمل أن تستطيع التصرف قبل أن يصيبنا مكروه؛ وسأرسل لك صور من المستندات فوراً على رقمك هذا؛ أتمنى أن تستطيع المساعدة بأسرع ما…».

 أحس حاتم أنه يحدث نفسه فهتف:

 «أستاذ إبراهيم هل تسمعني؟».

 لم يجبه إلا الفراغ والسكون فتيقن أن الاتصال انقطع حاول مجدداً أن يتصل به فلم يجبه إلا صوتُ الفتاة الآلي: «كيف يمكنني مساعدتك؟».

 أغلق الهاتف واستدار لهالة قائلاً:

 «انقطع الاتصال».

 «إذن هيا بنا».

 لم يُفلحا في مغادرة الشاليه؛ وكل المربعات المضيئة المثبتة في أماكنها على الجدران والمحملة بالاختيارات قد بدأت تختفي تدريجياً؛ فالتفت حاتم للباب الخلفي فوجد عبارة تظهر وتختفي  في منتصفه باللون البرتقالي الباهت [خطأ في النظام]، وبعد برهة اختفت تماماً كل مربعات التحكم.

[3]

بعد أن انقطع الاتصال لم يُهدر إبراهيم وقتاً طويلاً؛ بل قرر الذهاب إلى هذا الشاليه فوراً.

 اتصل بأصدقائه القدامى الذين عاود التواصل معهم منذ فترة ليست ببعيدة؛ كانوا متفقين على ضرورة قضاء بعض أيام الصيف في شرم الشيخ؛ ولم يكونوا قد حددوا ميعاداً لهذا بعد؛ لكنه تواصل معهم وأقنعهم بالذهاب إلى مطروح بدلاً من شرم الشيخ فوافقوا جميعاً على الذهاب إلى هناك غداً على أن يقوموا بإبلاغ أماكن عملهم برغبتهم في الحصول على إجازة؛ فقد أحبوا فكرة أن يفعلوا شيئاً غير متوقع وهو هوس ينتاب الإنسان من آن لآخر؛ أن يفعل الشيء غير المتوقع في التوقيت غير المتوقع أيضاً؛ ففي هذا متعة خاصة وقد قرروا تجربتها.

 بـدأ إبراهيم يبحث عن الشاليه على الانترنت؛ وجده مشغولاً ونهاية فترة الحجز الحالية [يوم الأحد 3/9/2023م]؛ و لا يمكن حجزه قبل هذا التاريخ.

 ضغط زر هاتفه المحمول فبرز تاريخ اليوم على يمين الشاشة [الثلاثاء 8/8/2023م]، الساعة [8.40م].

 «لا يمكنني الانتظار، الأمر لا يحتمل الانتظار؛ سأنشر خبراً عن كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق وزوجته وأبنائه؛ ولكن من الممكن أن يتم الاعتداء عليّ إن ألمحت إلى أنني أعرف سبب الاختفاء أو مكانه؛ أو على الأقل سأفقد وظيفتي بالجريدة؛ ولكن لا بل سأنشر وليكن ما يكون؛ صحيح من الممكن أن أصل إلى كشف هذا اللغز وربما يعيقني نشر هذا الخبر عن الوصول للحقيقة أو يعتبر بمثابة كشف أوراقي لكريم ولهذه المنظمة، ولكن من الممكن أيضاً أن يُقضى عليّ قبل أن أنشر الحقيقة كاملة؛ الأفضل أن أعيد طرح الموضوع على الرأي العام مرة أخرى وأجدد الحديث عنه؛ فإن لم أصل لحل اللغز أو تم التخلص مني فلا أقل من أن يثير هذا غباراً ربما يلفت أنظار أحدهم فيصل إلى الحقيقة كاملة يوماً ما».

 نشر إبراهيم الخبر على الموقع الخاص بالجريدة، وقد كان يملك النشر دون إذنٍ مسبق من أحد.

 [كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق]

 8:45 م.. الثلاثاء 8/8/2023م.

كتبه: إبراهيم طارق.

 رغم أن كل محاولات كشف لغز اختفاء المهندس خالد عبد الرازق باءت بالفشل؛ إلا أن ذلك لا يمنع من أنه ما يزال متاحا أمامنا اكتشاف حل هذا اللغز بأنفسنا، وقد أجريت تحقيقاً صحفياً موسعاً عنه، وأتمنى أن تتمكنوا من حل هذا اللغز بأنفسكم بعد قراءة هذا التحقيق والذي سأنشره لكم يوم الجمعة القادم.

 (جريدة الأيام 2023)

لم يكن إبراهيم قد أجرى تحقيقاً صحفياً بعد، فهو على وشك إجرائه؛ لذلك منح نفسه فرصة حتى يوم الجمعة القادم.

[4]

دخلت سكرتيرة رئيس تحرير جريدة الأيام عليه لاهثة مرتعدة، سألها في فزع:

 «ما بكِ؟».

 لم تنطق وكأن لسانها معقود؛ ولكنها ألقت بالهاتف المحمول في يده كأنها تريد أن تتخلص من هذه المصيبة بأسرع ما يمكن، التقطه رئيس التحرير بتردد ووجل وهو يسألها هامساً:

 «من؟».

 كانت الكلمات مذعورة داخلها، فلم تكن أية كلمة تجرؤ أن تخرج من فمها من فرط رعبها، عرف رئيس التحرير من ملامح وجهها المحتقن من الذي يحدثه، فصمّ أذنه استعداداً لتلقى كل عبارات التوبيخ المتاحة على هذا الكوكب، ولم يخب تقديره فقد تلقى توبيخاً لم يسمع به من قبل، تشرّب كلّ هذا بسكينةٍ ظاهرة ورضاً مفتعل، لا يملك سواهما، ولمّا أحسّ بهدوء عاصفة التوبيخ بدأ يفتح أذنيه تدريجياً ليستمع، فتلقفت أذناه صوت مالك الجريدة المهندس كريم سامي وهو يقول بانفعالٍ انفجاري:

«إن إعادة فتح هذا الموضوع سيسيء إلى مجموعة شركات النجم المضيء».

 ثم تلوّن صوتُه ليحمل هدوءًا مفتعلاً وهو يضيف:

 «خالد كان أحد أهم المهندسين لدينا، الكلام في هذا الموضوع ممنوع نهائيا ولا يتم إلا بعد الرجوع لمجلس إدارة المجموعة لتقدر حجم الضرر أو النفع الذي سيعود عليها منه».

 فقال له رئيس التحرير راغباً في تهدئته أكثر أو على الأقل الحفاظ على ما اكتسبه من هدوء:

 «إن إبراهيم قد طلب الحصول على إجازة وقد وافقت عليها، ولن أسمح له بنشر شيء عندما يعود».

 «إجازة؟ لماذا؟ وأين سيذهب؟».

 «أعتقد إلى شرم الشيخ، سمعته يقول هذا من قبل».

 كان رئيس التحرير يظنّ أن هذا الخبر سيهدئ من روع كريم لكنه على العكس اشتاط غضباً وسبه وأغلق الهاتف في وجهه.

 ارتبك كريم أيما ارتباك على غير عادته، فعلى الرغم من أنه شخص انفعالي إلا أنه يتسم بثقة لا محدودة في نفسه يحسده عليها الكثيرون، ويرون أنها كانت السبب في تخلصه من أزمته المالية التي مر بها في غضون شهر ديسمبر من العام الماضي، وأنه لولا ثقته هذه لكان قد أفلس منذ ذلك الحين.

 «كان يجب أن آمره بالتخلص من حاتم على الفور بدلا من تعطيل النظام الذي استغرق وقتا ويبدو أن حاتم استغله في إبلاغ إبراهيم».

 حدّث نفسه يلومها بعنف، ثم حاول استعادة ثقته في نفسه وفي قراراته فتدارك:

 «ولكن حاتم شخصية معروفة ولابد من التعامل بحكمة مع الأمر».

 ثم ظهر الاغتياظ على ملامحه وهو يضيف محدثاً نفسه:

 «ولكن لا مفر من التخلص منه أيضاً».

 ابتسم ولمعت عيناه وبدا منتشياً للغاية ثم قهقه بشدة وتلذذ وهو يدبر الطريقة التي سيتم التخلص بها من حاتم تماماً كما فعل مع خالد؛ وازدادت ضحكته انفجاراً لما تذكر خطة التخلص من خالد وهو يقول لنفسه:

 «كانت خطة في منتهى الروعة والدقة».

 عاد الحزن يطفو على وجهه من جديد وهو يفكر:

 «لقد وقعت في مشكلة أكبر الآن، فمَن إبراهيم طارق هذا الذي ظهر من العدم ويريد أن يفسد كل شيء؟ لا بد من التخلص منه أيضاً».

 ثم ازداد حنقا.

 «الأمر هذه المرة ربّما لا يمر بسلام، ولكن لا مفر من التخلص من الجميع».

[5]

رغم أن ما نشره إبراهيم لم يكن أكثر من مجرد خبرٍ عن اختفاء مهندسٍ مغمور؛ إلا أنه استقبل عدة مكالمات أوحت له بأهمية الموضوع وخطورته؛ ولعل أهمها المكالمة التي تلقاها بعد النشر بعشرة دقائق من رئيس تحرير الجريدة؛ يُعنفه فيها عمّا نشره ويبلغه أنه سيتحمل مسؤولية ما قام بنشره وحده؛ كان الخوف هو الشئ الوحيد الذي تلمسه إبراهيم من نبرة صوت رئيس تحرير الجريدة فتأكد أن الأمر ليس هيناً، وتأكد أيضاً أن إنسانا بحاجة إلى مساعدته، وأن هذا يستحق التضحية؛ مهما كلفه ذلك.

 ساءل نفسه:

 «ما جدوى المقالات الفكرية والفلسفية التي أكتبها إذا لم أكن قادراً على الوقوف بجانب من يحتاجني؟».

 أحسّ إبراهيم أن الأمر بات جدياً بشكل مخيف، أدرك أنه ربما لن يستمر في الحياة طويلا بعد أو قبل كشف هذا اللغز.

 ساءل نفسه مرة أخرى:

 «إلى متى يا إبراهيم؟!

 كنت دائماً تتعامل برفاهية الوقت، كان عندك يقين أنك ستستمر في الحياة، تفكيرك المنطقي هداك إلى أنك لن تموت إلا بسبب، وأنه لم يوجد سبب لوفاتك بعد؛ ولكن الآن أصبح هناك سبب بدأت بوادره تظهر؛ هل تتراجع أم تستمر؟

 ولكن إذا كنت سأموت فلا بـد قبل الموت أن أعلم من أنا ولماذا أنا؟ إذا كانت هذه مرحلة ستنتهي للأبد أم هي كما يقول المؤمنون بداية لحياة جديدة؟!

 طالما جاء الموت لا بد أن أعرف الحقيقة أو أحاول».

 تنهد تنهيدة طويلة وواصل مسائلا نفسه:

 «هل لا زلت تؤمن أنك وُلِدت من العدم للفناء؟ هل ما زلت ترى أنك أصغر من أن تُخلق لغاية معينة؛ وأنك ضئيل للدرجة التي لا يُلتفت معها إليك أو تكلف بمهمة ثقيلة؟

 هل ما زلت تؤمن أنك لست إلا نفاية ذرية هبت في الكون في غفلة دون غرضٍ أو غاية؟

 كيف هذا؟!

 كيف تكون حياتك كلها بلا غرض أو غاية بينما موضوع كهذا وجدت أن لك فيه دوراً ربما مهماً؟

 هل ما زلت مصرا على إنكار الخالق الذي أنشأك وكلفك بمهمة؟».

 ضمّ شفتيه وضغط شفته السفلى بأسنانه وواصل مفكراً:

 «لو كان الإنسان يبقى للأبد دون أن تنقطع حياته بما يسمى الموت لكان له حجة أن ينكر وجود الخالق؛ لأن بقاء الإنسان على الدوام قد يدل على أنه استطاع أن يتحكم في مصيره من تلقاء نفسه وأنه لا يحتاج لغيره؛ ولكن الإنسان ينتهي، ونهايته بالموت هي علامة له ليتفكر ويعرف أنه ليس المسيطر على كل شيء».

 أوشكت ظنونه وشكوكه أن تنهار أو تسقط في هوة سحيقة، أحس أنه يعد كشف حساب ختامي لحياته.

 أهم ما شغله في هذه اللحظة هو معرفة سبب وجوده.

 أخذ يجهز لرحلة الغد، تبادل اتصالات مع وائل ونادر ويوسف ومحمود؛ أكد عليهم ميعاد الغد.. الأربعاء.. وأبلغهم أنه سيحاول حجز شاليه الليلة فإن لم يتمكن فسوف يقومون بحجز شاليه من هناك بعد وصولهم.

حاول الاتصال برقم حاتم مرة أخرى؛ ليطمئن عليه أو منه.

 [لم يتم إرسال الاتصال]

 ظهرت له هذه الجملة على الشاشة كلما حاول الاتصال برقم حاتم.

 باتت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل؛ جعل يتصفح المواقع واحداً تلو الآخر بحثاً عن شاليه متاح في مكان قريب من موقع الشاليه المطلوب.

 أصابته صدمة ذهلته لما رأى الشاليه المطلوب نفسه متاحاً؛ شاليه الأسد الذهبي كما أحب أن يسميه.

 لقد كان مشغولاً منذ ساعات ولمدة تقارب الشهر!

 تساءل في نفسه عن السبب الذي جعله متاحاً للحجز الليلة.

 «إما أن الدكتور حاتم غادره أو …».

 لم يستطع أن ينطق الاحتمال الثاني فما زال لديه بعض الأمل في أن يستطيع إنقاذه وإنهاء كل شيء.

 الوقت ثقيل ويمر ببطء، جعل يتفحص هاتفه كل ثانيتين مرة؛ يبحث عن المستندات التي وعده حاتم بإرسالها قبل أن ينقطع الاتصال.

 «لو وصلت هذه المستندات سأتمكن من الإبلاغ عن الواقعة؛ فقط أحتاج دليل، ليته يتمكن من إرسالها».

 قرر أن يتصفح موقع الجريدة ليشاهد ردود الأفعال والتعليقات على خبر كشف لغز اختفاء خالد عبد الرازق الذي نشره منذ قليل؛ ولكنّه صُدم لما وجد خبراً جديداً قد غطى تماماً على الخبر الذي نشره فتيبس جسده وكأنه أصيب بشلل وعينه تنظر منذهلةً ناحية الهاتف المحمول.

 [العثور على المهندس خالد عبد الرازق]

 8:35م .. السبت 24/12/2022م.

 كتبه: أحمد جمعه.

 وردت أنباء بأنه تم العثور على المهندس خالد عبد الرازق في أحد المستشفيات الخاصة حيث كان يتلقى العلاج هناك منذ عدة أسابيع، وتبين أنه كان يعاني من فقدان مؤقت للذاكرة نتيجة تعرضه لحادثة سير، وصرح مدير المستشفى بأن المهندس خالد كان قد دخل المستشفى في حالة متدهورة مما اضطر المستشفى إلى قبول حالته وتحمل التكاليف الخاصة بعلاجه التزاما بمسؤولية إدارة المستشفى والأطباء العاملين فيها تجاه المرضى ذوي الحالات الخطرة؛ وهو البروتوكول الذي دأبت المستشفى على اتباعه، وذلك بجعل الأولوية لحالة المريض الصحية لا سيما الحالات الخطيرة وتقديمها على تكاليف العلاج التي من الممكن الحصول عليها بعد ذلك، وهو المنهج الذي اتبعته مع المهندس خالد رغم عدم إمكانية التعرف عليه وقت دخوله المستشفى وكذلك عدم وجود مرافقين له يتكفلون بنفقات علاجه؛ إلا أن إدارة المستشفى أصدرت قرارا بعلاجه على الفور.

 كما صرح أحد الأطباء المتابعين لحالته بأنه حاول جاهداً العمل على استعادة المريض لوعيه الكامل وأنه هو الذي أشرف على ذلك بنفسه إلى أن استعاد ذاكرته وتمكن من التعريف بنفسه وفور علمي أنه هو المهندس خالد عبد الرازق المبلغ باختفائه منذ ثلاثة أسابيع قمت بنشر الخبر على صفحتي الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي حتى يصل لأسرته، وبالفعل حضرت زوجته وتابعت حالته إلى أن خرج من المستشفى برفقتها.

 هذا، وقد عاد المهندس خالد إلى بيته حيث كان في استقباله زوجته وأبناؤه وبقية أسرته.

 وفي هذا الصدد تهنئ الجريدة أسرة المهندس خالد ومجموعة شركات النجم المضيء على عودته سالماً.

 [جريدة الأيام2022م]

 صدمه هذا الخبر الذي لا يعرف من أين جاء ولا كيف تم نشره؛ فهو يعمل بالجريدة ولم يقرأ شيئاً كهذا من قبل؛ ولكن التعليقات على هذا الخبر كثيرة جدا لدرجة أثارت استغرابه؛ وكثير من هذه التعليقات لأناس سعداء بظهور خالد، وكثير منها يوجه الشكر لإدارة المستشفى على عنايتها بمرضاها، وكثير منها يذكر مواقف حدثت معه في هذه المستشفى تحديداً وما لقيه فيها من حسن المعاملة والرعاية؛ لم يكد يفيق من صدمته بهذا الخبر حتى وجد خبرًا آخر.

 أنباء عن فقد الاتصال بعالم الآثار الدكتور حاتم سليم.

 12.20ص .. الأربعاء 9/8/2023م.

 كتبه: أحمد جمعه.

 في الوقت الذي يحتفي فيه الرأي العام بكتاب «رحلة في أعماق الهرم» للدكتور حاتم سليم؛ إذا بأنباء وردت من بعض قرائه تفيد بعدم مقدرتهم على التواصل معه.

 فيما صرح أحد المقربين منه بأن الدكتور حاتم قد ذهب في رحلة سياحية وأنه أبلغه منذ أيام برغبته في أن ينفصل عن الصخب بعض الشيء خصوصاً بعد صدور كتابه الأخير وحالة الجدل التي ثارت حوله وكثرة الاتصالات التي تلقاها في الفترة الفائتة.

 فيما تبنى أحد متابعيه وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي أسماه (#من_حقه_أن_يستريح) في إشارة إلى أن الدكتور حاتم وإن كان ملك قرائه ومعجبيه ومتابعيه فهو أيضا يحتاج لأن يرتاح قليلا حتى يجدد نشاطه.

 وعلى جانب آخر رفض كثير من متابعيه هذا الوسم وطالبوا بظهوره علناً ليعلن هذا بنفسه وأنشأوا وسماً أسموه (#يقولها_بنفسه)؛ بينما رجح البعض أنه منهمك في الإعداد لكتاب جديد.

 وتسود حالة من الجدل والترقب حول أي من الوسمين سيستجيب إليه الدكتور حاتم.

 [جريدة الأيام 2023م] 

[6]

اتصل إبراهيم بوائل وأخبره بما جرى.

 «إذن حاتم اختفى وخالد ظهر؟! الموضوع خطير للغاية هل أنت متأكد من هذا؟!».

 «نعم متأكد مثلما أنا متأكد من أنني أكلمك الآن؛ الخبر منشور على موقع جريدة الأيام يمكنك مراجعته؛ ولكن هل تعتقد أن الذي ظهر هو خالد فعلاً؟ ولماذا الآن بالتحديد؟».

 «الآن! ألم تقل إن خبر ظهوره منشور من العام الماضي؟».

 «نعم ولكن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها هذا الخبر ولا أعرف كيف هذا؟ طريقة نشره والتفاصيل توحي بالمصداقية لكنني ما زلت غير مصدق أشعر أن الأمر خطير للغاية».

 «الأمر خطير فعلاً؛ ولكن مع الأسف ليس لدينا دليل واحد على أي شيء؛ لابد أن نذهب إلى هذا الشاليه ونبحث عن المستندات التي تركها لك حاتم، ولو كان هناك شيء مما تقول لابد سنصل إليه».

 بنبرة يائسة قال إبراهيم:

 «أتمنى».

 واستمر وائل يقول:

 «ولكن! هل حدد لك مكانا بعينه؟!»

 «دكتور حاتم؟»

 «ومن غيره؟!»

 «ما أذكره من كلماته أنه ذكر شيئا عن باب خلفي وأسد».

 فقال وائل بعد برهة تفكير:

 «إذن عندما نصل ستدخل على الفور للبحث عن الباب الخلفي وسأتولى أنا البحث في بقية الشاليه لأتأكد من عدم وجود أحد به، أو ربما أجد شيئًا يفيدنا».

 «ولكن ماذا عن يوسف ومحمود ونادر؛ ألن نخبرهم بحقيقة الأمر؟».

 فكّر وائل في الأمر وقلّبه في رأسه مراراً وفي النهاية قال:

 «لا».

 ثم أضاف:

 «نحن أمام احتمالين الأول أننا لن نجد شيئًا في الشاليه وفي هذه الحالة سنقضي أيامنا هناك نستمتع وفي الوقت نفسه نراقب الأمر من قريب؛ والاحتمال الثاني أنه يوجد في الشاليه بالفعل جريمة أو عدة جرائم قد ارتكبت وأن إنساناً كحاتم ربما أصابه الآن مكروه، وإنسانا آخر كخالد قد أصيب بالفعل بهذا المكروه قبل أن يظهر إن كان هو الذي ظهر بالفعل؛ وفي الحالة الأخيرة لن يمانع واحد من أصدقائنا في أن يشارك معنا في إنقاذ حاتم وإعادة حق خالد الحقيقي.

 وأنا أرجح الاحتمال الثاني ولكن لا داعي لإثارة مخاوفهم من الآن؛ ورغم ذلك فهل تعتقد أصلاً أن أحدًا منهم سيمتنع عن مساعدتك أو يلومك حين يعرف حقيقة قصدك؟».

 اقتنع إبراهيم بوجهة نظر وائل واتفقا على ضرورة التحرك الفوري، وتولى إبراهيم مهمة تجميع الكل بسيارته، وانطلقوا إلى ذلك الشاليه رأساً.

 ***

 أجرى كريم سامي مكالمة هاتفية.

 «ماذا فعلت؟».

 «تماماً كما أمرتني؛ أخفيتهما في القبو السفلي؛ ولكنني لم أتمكن من إعادة الحفرة الموصلة إليه لطبيعتها».

 «لا عليك؛ سنحتاجها غداً».

 «هما الآن غائبان عن الوعي تماماً؛ وقمت بتسريب أنباء توحي باحتمالية اختفائهما، كما قمت بنشر خبر آخر عن ظهوري؛ أقصد ظهور خالد عبد الرازق؛ وفي انتظار الأوامر الجديدة».

 «جيد جداً؛ خبر اختفاء خالد كان ثغرة وكاد أن يفسد كل شيء، كان يجب أن نحذف هذا الخبر فور نشره أو على الأقل ننشر خبر ظهور خالد فور حلولك مكانه؛ ولكننا اعتمدنا على أن خالد لا يعرفه أحد؛ مهندس مغمور اختفى وظهر بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة من يهتم؛ ولكن حاتم مع الأسف… لولا تواصله مع إبراهيم ولولا قيام إبراهيم بنشر خبر عن كشف لغز اختفاء خالد عبد الرازق الليلة؛ ذلك  الخبر المشؤوم لكُنّا تخلصنا من حاتم وزوجته دون أن يشعر أحد كما كان مخططاً من قبل بدقة ودون دليل ولكن أعتقد أننا تداركنا هذا للتو؛ أليس كذلك؟».

 «بلى.. ولقد عالجنا هذه الثغرة تماماً؛ فها أنا أمارس العمل في المجموعة من بعد اختفاء خالد بشهر؛ الكل يعرف أنني هو؛ والكل يعرف أنني قضيت ثلاثة أسابيع وقتها في مستشفى خاص مملوكة للمجموعة طبعاً وبعد استعادة الذاكرة عدت للعمل؛ الخطأ الوحيد الذي وقعنا فيه وقتها فعلاً هو أننا لم نعلن خبر الظهور في حينه مثلما تم إعلان خبر الاختفاء، ولكن هذا الخطأ تم تداركه الآن، فعلى موقع الجريدة موجود خبر ظهوري أقصد ظهور خالد وهو منشور بتاريخ 24/12/2022م أي بعد اختفاء خالد بثلاثة أسابيع ويوجد على هذا الخبر آلاف التعليقات في تاريخ نشره نفسه لأناس سعداء بظهوري؛ كما تعلم  يمكننا تزييف الوعي تماماً بل يمكننا خلق وعي جديد لا أساس له.. والتكنولوجيا لعبتنا».

 «هذا حقيقي».

 «ولكن ماذا عن حاتم وزوجته؟ ماذا نفعل بهما؟ حاتم مشهور ومؤثر».

 «أعرف هذا جيداً؛ وهذا هو السبب الذي جعلني أطلب منك ألا تتخلص منهما نهائيًا في الوقت الراهن؛ وكذلك هو السبب نفسه الذي جعلنا ننشر خبر فقد الاتصال معه؛ مسألة جس نبض.. وسنرى كيف سيكون التحرك بعد ذلك وكيف سيكون رد فعلنا؛ ولكن لا تنسى أنه سيصل إليك غداً ضيوف جدد فماذا أعددت لهم؟».

 «كل شيء تحت السيطرة».

 «أريد بعض التفاصيل لأطمئن لأن عددهم كبير».

 «أعرف؛ وتحركاتهم كلها تحت سيطرتي؛ سأعد لكل واحد منهم شَرَكا آليا؛ ولكن لو فشلت الطريقة الآلية في القضاء عليهم سأضطر للتدخل المباشر».

 «وما هي الطريقة الآلية؟».

 «إذا حاول أحدهم استكشاف ما وراء الباب الخلفي ليحصل على المستندات التي تركها حاتم والتي يظن أنها مازالت موجودة هناك سيسقط في الحفرة مباشرة وسينبعث تلقائيا غاز أعصاب يقضي عليه فيها؛ وإذا حاول أحدهم الصعود للطابق العلوي فقد تمت إحاطة السلم من جانبيه بأسلاك كهرباء عارية، ومن الأعلى والأسفل كذلك، وبمجرد أن يلمس أحدها ستتكفل هي بكل شيء؛ كما أعددت فأراً اصطناعيا صغيراً مربوطا بسلك كهربي فور أن يقترب منه أحدهم سيقضي عليه؛ وأعلى الباب الأمامي شَـرَك إضافي عبارة عن جهاز مشع تخرج منه أشعة برتقالية حمراء تستطيع القضاء على أي شخص في ثوانٍ معدودات؛ وسأكون في غرفة التحكم أشرف على كل شيء بنفسي وأتحكم في هذه الفخاخ بالزر المناسب في الوقت المناسب؛ وإذا نجوا من كل هذا سأتدخل بنفسي مباشرة وأنهي كل شيء؛ ثم سأتولى التخلص منهم».

 «ممتاز.. هؤلاء من الأفضل التخلص منهم تماماً فلا أحد يعرف أنهم ذاهبون إلى مطروح؛ رئيس التحرير يقول إن إبراهيم ذاهب إلى شرم الشيخ وبالتالي لن تحوم أية شبهات حول الشاليه ولا حولنا؛ ولكن كُنْ على حذر وانتبه جيداً فلا أريد أخطاء ولا أدلة ضدنا».

 «اطمئن تمامًا».

 عاجل:

وفاة الأستاذ إبراهيم طارق الصحفي بالجريدة إثر تعرضه لحادث أليم.

5.45م الجمعة 11/8/2023.

تعرض الأستاذ إبراهيم طارق الصحفي بالجريدة ومجموعة من أصدقائه لحادث سيارة على طريق شرم الشيخ منذ قليل؛ وقد وافتهم المنية قبل وصولهم إلى المستشفى.

[جريدة الأيام 2023م]

العودة إلى الومضة السابقة (الثالثة)

الانتقال إلى الومضة التالية (الخامسة)


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *