فقد الشغف – مقال – سمير عبد العظيم حيطاوي

  


ما العمل حينما تفقد الشغف؟!

سؤال طرحه أحد الأصدقاء الفضلاء، وهو سؤال شائع في العصر الحالي، متكرر على ألسنتنا؛ كأنه حاجة من حاجاتنا، أو ضرورة من ضرورات حياتنا، والبحث عن الشغف مَثَلُه كمَثَل البحث عن الإلهام؛ ذلك الغامض الذي يُنَقّب عنه الشعراء والكتاب والأدباء، بعضهم قد لا يجد إلهامًا يجبره على كتابة قصيدة أو صياغة عمل أدبي، فيقعد ملومًا محسورا، والبعض لا ينتظر إلهامًا بل يوجده إيجاداً، فينهال إنتاجه غزيرا؛ وكذلك حالنا مع الشغف، إما أن نستسلم لغيابه وإما نحضره إلى الحياة رغم أنفه.

الشغف خدعة تروجها النفس، كغطاءٍ وسترٍ للقعود واليأس، وهي في الحقيقة تسويف ومطل، وإرجاء لما ينبغي أخذه بقوة، فما كان أمر الله ليحيى إلا أن يأخذ الكتاب بقوة، وقد آتاه الحكم صبياً وشرّفه وكلّفه بالنبوة، والأخذ والقوة والإيتاء كلها دلالات على أن المعتد به هو المبادرة وليس انتظار الشغف، وهناك خمسة من الرسل فُضّلوا بأنهم كانوا أولي عزم، وهذه إشارة إلى أن العزم هو المعول عليه لا الشغف، وهناك رسول الله وخاتم النبيين يخاطبه ربه أن يقوم فينذر، ويخبره بأنه سيتلقى قولاً ثقيلاً، وكل هذا يدل على أن أداء دوره النبوي الشريف قائم على المبادرة والعزم والتصميم، والمشقة والمعاناة في تبليغ الرسالة، والحزن لأجل من يدعوهم والضيق مما يمكرون، وكل هذا يوجب حمل النفس على أداء دورها.

وكذلك امتدح الله من زكّى نفسه، رغم أن فيها الفجور وفيها التقوى، ويبدو لي أن الشغف فيه بعض الاتباع للهوى، فلو انتظرنا الشغف لنقوم بأعمالنا ربما جعَلَنا هذا عرضة لهوانا، فإن كنا في حالة نفسية وجسمية تسمح بالعمل، وإلا فتمضي الأيام ونحن في بطالة.

وعلى الجانب المقابل نجد إبليس الذي عصى، وآثر العمى على الهدى، نجده لا يقف مكتوف الأيدي أمام الآدميين منتظراً شغفاً يحركه ليهديهم الى سبيل الضلال، بل قطع على نفسه عهداً متينًا بأن يضل الجميع وأن يقعد لهم في كل طريق، وأن يهيل عليهم الوعود كما يُهال التراب على الموتى، وجدّ السير في طريقه بكل قوة دون كلل، ودون انتظار.

والشغف هو حبٌ غير مدروس وانحياز غير مخطط، فها هي امرأة العزيز وصفها نساء مدينتها بأنها مشغوفة بيوسف حبًا، ومع ذلك كانت مخطئة؛ وهذا دليل على أن الشغف أحيانًا يقودنا إلى الاتجاه الخطأ، وليس معنى توافر شغفك بشيء أن تبادر إلى المضي خلفه، كما أن افتقارك للشغف لا ينبغي أن يتركك ضائعاً في الطريق بدون وجهة.

ومن كل ذلك؛ فإنّ الأَوْلى أن نعمد إلى تحديد هدف في الحياة، وأن نتثبت من مشروعيته، ثم نمضي وراءه بغير اكتراث بمشاعرنا التي تتقلب.

ومعنى هذا؛ أن نقود نحن شغفنا، لا أن نترك له قِيادَنا، أن نحرك نحن مشاعرنا في اتجاه ما نوقن أنه خير لنا، لا أن نقعد على قارعة الطريق نبيع وهماً وننتظر أن نتقاضى عنه شغفاً، فلا الوهم يجدينا، ولا الشغف يهدينا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top