· المسألة القانونية:
هل تُعفى الدعاوى المتعلقة بالقرارات التي لا يجوز طلب وقف تنفيذها، مثل القرارات التأديبية النهائية، وقرارات التعيين، والترقية، ومنح العلاوات، من شرط العرض على لجنة التوفيق لمجرد اقترانها بطلب وقف التنفيذ؟
· الرأي القانوني:
إن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى أمام القضاء، وفقًا للمادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000، يقتصر فقط على القرارات التي يجوز قانونًا طلب وقف تنفيذها وفقًا لقانون مجلس الدولة.
أما القرارات التي لا يجوز وقف تنفيذها، وهي القرارات التي يتعين التظلم منها وجوبًا قبل الطعن عليها، فلا يُعفى الطاعن عليها من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق، حتى لو تضمنت عريضة الدعوى طلبًا بوقف التنفيذ.
وبذلك، فإن رفع الدعوى مباشرة أمام المحكمة دون سلوك طريق التوفيق يجعلها غير مقبولة شكلاً، حتى وإن تضمنت طلبًا بوقف التنفيذ، وذلك تطبيقًا لصريح نص المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000م.
· الاتجاهات القضائية:
أكدت المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – هذا التفسير، حيث قضت بأن:
«يتعين تفسير عبارة طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ الواردة بالمادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000 والتي لا يلزم فيها اللجوء إلي اللجان التي نص عليها هذا القانون قبل إقامة الدعوى بأنها القرارات الجائز طلب وقف تنفيذها طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة فقط، أما غيرها من القرارات الإدارية التي لا يقبل طلب وقف تنفيذها ومنها القرارات النهائية للسلطات التأديبية التي لا يجوز وقف تنفيذها بحسبان أنه من الواجب التظلم منها قبل الطعن عليها مثل هذه القرارات يتعين اللجوء في شأنها إلي اللجان المختصة قبل اللجوء إلي المحكمة وإلا أضحت غير مقبولة ولو اقترنت بطلب وقف تنفيذها وذلك إعمالاً لصريح نص المادة (11) المشار إليها.»
(في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – في الدعوى رقم 23182 لسنة 51 ق.ع جلسة 1/1/2011م)
تحليل وتعقيب ختامي
أهمية تحديد نطاق الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق
يظهر من خلال النصوص القانونية وأحكام المحكمة الإدارية العليا أن الإعفاء من شرط العرض على لجنة التوفيق في المنازعات الإدارية ليس عامًا، بل يخضع لقيود واضحة تتعلق بطبيعة القرار المطعون فيه وإمكانية طلب وقف تنفيذه قانونًا. وبالتالي، فإن مجرد ورود طلب وقف التنفيذ في عريضة الدعوى لا يمنح المدعي حق تجاوز هذا الإجراء، إلا إذا كان القرار من النوع الذي يجوز قانونًا وقف تنفيذه وفقًا لقانون مجلس الدولة.
التوازن بين الإجراءات الشكلية والحقوق الموضوعية
يُعد اشتراط اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات قبل التقاضي أحد الوسائل التشريعية التي تهدف إلى تقليل عدد القضايا المعروضة على المحاكم، وتحقيق تسويات ودية عند الإمكان. ولكن، في المقابل، فإن تقييد الإعفاء من هذا الشرط ليشمل فقط القرارات القابلة لوقف التنفيذ وفقًا لقانون مجلس الدولة يفرض التزامًا دقيقًا على المتقاضين، مما يعزز الانضباط الإجرائي ويمنع التحايل على القواعد الشكلية.
الاتجاهات القضائية والممارسات العملية
حسمت المحكمة الإدارية العليا الجدل حول هذه المسألة بتفسيرها لعبارة “طلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ” الواردة في المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000، حيث أكدت أن هذا الإعفاء لا يشمل جميع القرارات، وإنما يقتصر فقط على القرارات التي يجوز قانونًا طلب وقف تنفيذها. وهذا يعني أن القرارات التأديبية النهائية، وقرارات الترقية، والتعيين، ومنح العلاوات، التي يتعين التظلم منها قبل الطعن عليها، لا تندرج ضمن هذا الإعفاء، ويتوجب على أصحاب الشأن سلوك طريق التوفيق قبل اللجوء إلى القضاء، وإلا كانت دعواهم غير مقبولة شكلاً.
التوصيات والتطورات المحتملة
من الناحية العملية، قد يكون هناك مجال لمزيد من التوضيح في التشريعات الإجرائية، وذلك عبر:
- إصدار لوائح تنفيذية تفصيلية توضح بشكل دقيق طبيعة القرارات التي تُعفى من شرط التوفيق، لتجنب أي التباس في التطبيق.
- تعزيز التوعية القانونية للمتقاضين والمحامين بشأن الفروق الدقيقة بين القرارات القابلة لوقف التنفيذ وتلك التي لا يجوز وقفها، لضمان الامتثال للإجراءات الشكلية وتفادي عدم قبول الدعاوى بسبب الأخطاء الإجرائية.
- النظر في تعديل القانون لإيجاد آلية مرنة بحيث يتمكن الطاعن من تقديم طلب التوفيق بالتزامن مع رفع الدعوى، في الحالات التي يكون فيها التأخير مؤثرًا على حقوقه القانونية.
الخاتمة
يتضح أن تفسير المحكمة الإدارية العليا للمادة 11 من قانون لجان التوفيق كان ضروريًا للحفاظ على التوازن بين متطلبات العدالة الإجرائية وضمان عدم التحايل على الإجراءات الشكلية. وهذا يؤكد أن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجان التوفيق ليس مطلقًا، بل يخضع لقيود واضحة يجب على المتقاضين إدراكها والالتزام بها لضمان صحة دعواهم أمام القضاء.