سؤال «من خلق الخالق؟» يُطرح كثيرًا في النقاشات حول أصل الوجود والسببية، لكن هل هذا السؤال منطقي فعلًا؟
في هذا التأمل الفلسفي، نضع منطق السؤال تحت المجهر:
هل يمكن أن تنطبق قوانين السببية، التي تخضع لها المخلوقات، على الخالق الذي يُعرَّف بأنه خالقها؟
منطق التساؤل:
يرتكز سؤال: «من خلق الخالق؟»، على مبدأ السببية:
«كلُّ موجودٍ يحتاجُ إلى موجدٍ، وكلُّ سببٍ يحتاجُ إلى مُسبِّب؛ فإذا كانت كل الأشياء بحاجةٍ إلى خالق، فلماذا لا ينطبق هذا المبدأ على الخالق نفسه؟ 🤔
أليس من المنطقي أن يكون له خالق سبقه؟ ألا يؤدي هذا إلى سلسلة لا نهائية من الخالقين؟»
مغالطة منطقية: ⚠️
رغم شيوعه، ينطوي هذا السؤال على مغالطة منطقية تُعرف بـ:
«المصادرة على المطلوب» (Begging the Question).
فمن يطرح هذا السؤال يكون قد افترض مسبقًا وجود «الخالق».
وبهذا يكون قد أقرّ بأنه خارجٌ عن منظومة السببية.
فإذا عاد وسأل: «ومن خلقه؟»
فقد وقع في تناقض: إذ يُطالب من عرّفه بأنه أصل الوجود، بأن يكون بدوره فرعًا في هذا الوجود❗
يطالب من أقرّ بكونه خارج سلسلة الأسباب، أن يخضع لتلك السلسلة❗
مَنْ رصّ صاحب المكتبة؟ أو من كتب الكاتب؟ 🧠📚
وتقريبًا للفكرة: 🔍
📖 تخيّل كتابًا في مكتبةٍ يرصّ صاحبها الكتبَ على الرّفوف؛ فإذا تساءلتْ الكتب:
«من رصَّنا هنا؟»
الجواب المنطقي:
«صاحب المكتبة.» 👤
أمّا لو سألت:
«ومن رصَّ صاحب المكتبة؟»
فالجواب سيكون:
«إنه إنسانٌ، لا ينطبق عليه ما ينطبق على الكتب؛ فهو لحمٌ ودم، والكتب ورقٌ وحبر، فلا يسري عليه فعل [الرصّ]… إنّه ببساطة خارج تلك المنظومة.. وهو ليس كتابًا مثلكم حتى يُوضع على الرف!»
وبالمثل؛ لو أن شخصيات رواية خيالية تساءلت:
«من كَتَبَنا؟»✍️
فهذا سؤال مفهوم.
لكن إذا سأل أحدهم:
«ومن كَتَب الكاتب؟»
فقد تجاهل أن الكاتب خارج الرواية، وليس شخصية داخلها. 🖋️ بل هو صانعها من خارجها.
النتيجة المنطقية:
القوانين التي تحكم الموجودات الحادثة – كالحاجة إلى مسبّب، والوجود داخل الزمن، والخضوع للتغيّر – لا يُمكن تطبيقها على من يُعرّف بأنه:
«خالق الوجود»
فالخالق ليس جزءًا من سلسلة الأسباب، بل صانعها الأول، وهو خارجٌ عن قانون السببية الزمانية الذي يحاول السائل أن يطبقه عليه من خارج نسقه. ⛔
🔚 وهكذا، يتبيّن أن سؤال: «من خلق الخالق؟» ليس سؤالًا منطقيًّا، بل سؤال ينقض منطقه بنفسه.
ويمكنك متابعة التأمل الثاني، لمزيد من التأملات والمناقشات حول السؤال المطروح.