اللعبة الأشهر:
كانت ومازالت حتى اليوم كرة القدم تعد اللعبة الأشهر والأكثر شعبية في تاريخ الألعاب الرياضية، فهي تستحوذ على اهتمام الغالبية الكبرى، ولا نعرف من أين تستمد كرة القدم هذه الأهمية ولا لماذا باتت تتمحور حياة الكثيرين حولها، هل تسليط الضوء الإعلامي حولها هو السبب، أم أن سببًا آخر يدفع الناس لمتابعتها
انتصارات خيالية:
هل الإنسان يبحث عن انتصارات تشبع غريزة الفوز لديه حتى ولو كانت في خياله، هل كرة القدم واحدة من هذه الخيالات التي تحقق للإنسان رغبته الدفينة في الفوز والانتصار، هل إذا فشلنا في تحقيق أنفسنا وبلوغ آمالنا وطموحاتنا الشخصية ننكفئ على الكرة نستلهم منها أملًا وطموحًا خياليًا، قد يكون كل هذا صحيحًا، ولكن ليس على إطلاقه فهناك العديد من الأسباب الأخرى كذلك.
غريزة الانتماء:
منها تلك المتعة التي يجدها متابع كرة القدم، وتلك الرابطة التي تربطه بمجموعة كبيرة من الناس يتابعون اللعبة نفسها التي يتابعها، ومجموعة أصغر منها يشجعون الفريق الذي يشجعه هو أيضًا، فالكرة تشبع فيه غريزة الانتماء، فالإنسان منتمٍ بطبيعته، ينتمي إلى أسرته، إلى مدينته، إلى دولته، إلى عقيدته، إلى أفكاره، وهكذا قد ندخل إلى كرة القدم من باب الانتماء.
الانغماس الكلي:
وكل هذا لا ضير فيه، بيد أن الضرر كله يأتي من الانغماس الكلي، والذي يذهب بعقل المتابع، كما تفعل الخمر بعقله تمامًا، فإذا بلغت كرة القدم في نفسيته إلى هذا الحد، فلا بد له من وقفة مع نفسه، لا بد أن يراجع مبادئه وأهدافه وأولوياته، فإذا فقد صديقه لأجل مباراة، أو فقد نفسه من أجلها فإنه ولا شك يكون مخطئًا في حق نفسه، يمكنك أن تتابع كرة القدم كما تشاء ولكن لا تدعها تأخذك من عالمك الحقيقي، من دنياك الأصلية، من أهدافك ومبادئك، شاهد وتابع واستمتع ولكن لا تنغمس حد الذوبان في ناديك وفريقك، بل افصل نفسك عن فريقك فور انتهاء المباراة بل وأثناءها، وتذكر دائمًا أن كرة القدم هذه لعبة والهدف منها متعة تقتنصها أو ترويح عن نفسك أو ترفيه يعينك على عملك أو مذاكرتك، أما أن تأخذك بالكلية فهذا ما لا يقول به عاقل، أمّا أن تتعصب لها ومن أجلها، وتعادي وتحب بناءً عليها، فهذه هي منطقة الخطر.
تغييب الوعي:
وما نراه اليوم هو استحواذ هذه اللعبة على اهتمام المجتمع العالمي كله أكثر مما تستحوذ عليه أهم قضاياه المصيرية، فهي نوع من تغييب الوعي، وإن كان الإنسان يحتاج لأن يغيب عن الوعي يوميًا بالنوم عددًا من الساعات فإنه فور نهوضه من نومه لا يُقْبَل منه أن يستمر طوال اليوم يتعامل بناءً على الأحلام التي رآها في منامه، يعامل الناس بغضب لأنه في حلمه تعرض لشيء أثار غضبه، أو يكره صديقه لأنه في حلمه شتمه، فهذا هو الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، وهكذا هي كرة القدم نوع من الخيال، لابد أن يظل محصورًا في هذا النطاق وحسب، لا يتعداه، لا تتعامل بناءً عليه، ولا يأخذ منك أكثر من المدة التي يستغرقها الحلم لينتهي.
المباراة حلم:
فالمباراة بالنسبة إليك حلم، وليست واقعًا، عشها كما تعيش في أحلامك، واستيقظ منها كما تستيقظ من الأحلام، إذا فاز فريقك بالطبع ستكون سعيدًا سعادة من رأى حلمًا سعيدًا، وإذا انهزم فريقك ستكون حزينًا حزن من رأى حلمًا حزينًا، وقِفْ عند هذا الحد لا تتخطاه.
عالم متكرر:
ومن الملاحظات الغريبة على عالم كرة القدم الخيالي هو أنه عالم متكرر ولا نملّ من تكراره، كلما انتهت مباراة كنا متحمسين لها حماسًا شديدًا جاءت أخرى بعدها لنتحمس لها من قبل أن تبدأ وننتظرها لأيام وأيام، بل ربما لأعوام، بالحماس نفسه والشوق ذاته واللهفة عينها، كأن الدنيا كلها تتمحور حول هذه المباراة.
دوامة:
وليس أدل على ذلك من أن جماهير النادي الأهلي فور انتهائهم من مباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا أصبحوا ينتظرون كأس العالم للأندية، وهكذا هو أمر يشبه الدوامة تأخذنا جميعًا في طريقها تدور بنا صعودًا وهبوطًا في حلقات مفرغة، وكما قلنا لا عَيْب أن نستمتع بقليل من الخيال، ولكن لنحذر الانغماس.
معسكر مغلق:
كذلك فإننا مطالبون نحن أيضًا بتحقيق أحلامنا كما نشاهد اللاعبين يحققون أحلامهم، مطالبون ببلوغ غاياتنا وآمالنا وصناعة واقعنا أو عالمنا الخيالي كما هم يصنعون، لماذا لا ننظر للأمر من هذه الزاوية؟ لماذا لا نستفيد من طريقة حياة اللاعبين الناجحين ونطبقها على أنفسنا؟ لماذا لا نستفيد من استراتيجياتهم وأسلوب حياتهم؟ كم ساعة يتدربون يوميًا، فلنعمل ونتدرب مثلما يتدربون، ماذا يفعلون عندما يقبلون على مباراة مهمة، معسكر مغلق، إذن نحن أيضًا بحاجة لمعسكرات مغلقة كلما كان لدينا أمر مهم، وهكذا يمكننا استنساخ طريقتهم وأسلوبهم لتحقيق أحلامنا، وساعتها قد تكون هذه هي أكبر فائدة ننالها من متابعتنا لهذه اللعبة.
سلمت أناملك