مقال – البحث العلمي .. أهميته وتطويره – المستشار سمير عبد العظيم حيطاوي

 

    لا ريب أن البحث العلمي له أولوية
وأهمية كبيرة، وله دور فعال في ارتقاء الدول وتقدمها، وبه تستطيع الدولة أن تطرح
نفسها على بساط المنافسة العلمية العالمية، وبغيره لا تنهض الدولة ولا يكون لها
مكانة، كما أنها بدونه تضحي غير ذات
مستقبل، وهو ما يتعين معه إيلاء البحث العلمي القدر الكافي من الاهتمام والعناية. 


    ولا يتأتى ذلك إلا بتطوير منظومة البحث العلمي، وذلك أمر ليس سهلًا على الإطلاق
ولكنه ليس مستحيلًا كذلك، ويمكننا أن نبني على ما لدينا من أسس علمية وبحثية
وتلافي آثارها السلبية وتنمية وتطوير نواحيها الإيجابية، ومن هذا المنطلق لابد من
الأخذ في الاعتبار أن أهم عنصر في منظومة البحث العلمي هو الباحث نفسه قبل أي شيء
آخر، والاعتناء به يعطينا الفرصة للاستفادة من إمكاناته وطموحاته. 

    

   وفي العصر
الحالي لسنا في حاجةٍ لابتعاثه في بعثات للخارج لتلقي العلم وتطوير البحث بقدر ما
نحن بحاجة إلى الاهتمام به داخل معاملنا وقاعات بحثنا، وبقدر ما نحن محتاجون فعلًا
إلى توفير البيئة البحثية المناسبة له حتى نستفيد من أبحاثه بعيدًا عن النمطية
والقيود والإجراءات والتعقيدات الإدارية التي تذهب بمعنى ومضمون البحث العلمي
أدراج الرياح، فكيف يعطينا الباحث فكرة مبتكرة وهو محصور ومحاصر بالروتين
والإجراءات، وكيف يمكن أن يطور لنا الباحث واقعنا ونحن نتحكم فيه، مرةً باختيار
موضوع بحث لا يوافق شغفه، ومرة بإشراف مشرف ليس لديه رغبة في التطوير، ومرة
بإخضاعه لامتحانات مملة عفا عليها الزمن.

 

    ومن العجيب أننا نرى أن التوجه العلمي الحديث
يقوم على تشجيع البحث والابتكار في مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية حتى
الجامعة ثم نفاجأ بالسير في عكس هذا الاتجاه عند التعامل مع الباحثين العلميين في
درجات الماجستير والدكتوراه، أليس الأولى أن يكون البحث العلمي هو الأساس لمنح هذه
الدرجات، ومن زاوية أخرى فإن الباحث المتحكّمَ فيه لا يمكن أن ننتظر منه شيئًا جديدًا لا فكراً ولا تطويرًا، ففاقد الشيء لا يعطيه، بالإضافة إلى أننا لا نستفيد من
أبحاثه ولا من مجهوداته التي تذهب سدى بعد تضييع عمر طويل في طريق نهايته هوة
سحيقة يسقط فيها ولا يخرج إلا بعد أن يجتذب إليها الباحثين الجدد واحدًا تلو الآخر. 


    وما من سبيل للخروج من هذا المأزق إلا بتطوير المنظومة، والذي نرى أنه يحتاج إلى
تدخل السلطة التشريعية بإحداث تعديلات جوهرية على قوانين الجامعات كلها، والتركيز
على مرحلة الماجستير والدكتوراه بالأخص وذلك بإعادة الأمور إلى نصابها بأن يتم
تعديل النصوص القانونية المتعلقة بمنح هذه الدرجات العلمية وجعل طريقة منحها خاضعة
لمجلس مستقل يرأسه وزير البحث العلمي، 
وتنضوي تحت رئاسته كل أقسام الدراسات العليا بكل الجامعات المصرية، ويتم
تشكيل لجنة للتظلمات يرأسها الوزير تختص بالنظر في كل تظلم يقدم من أي باحث في أي
مستوى سواء تظلم من المشرف أو من موضوع البحث أو من أية تعقيدات أو تأخر في إنهاء
إجراءات التسجيل أو المناقشة أو منح الدرجة وغيرها من المشكلات والمعوقات التي
تواجه الباحثين، كما يتم تشكيل لجنة أخرى تسمى لجنة المقترحات، تكون مهمتها تلقي
نتائج الأبحاث العلمية وملخصاتها وفرزها ثم صياغتها بشكل مناسب وتوجيهها تجاه
الجهة المنوط بها تنفيذ هذا المقترح، حتى يعطي البحث العلمي أثره في الواقع
العملي.

 

    فعلى سبيل المثال إذا كان موضوع الرسالة العلمية متعلقًا بعلم النفس أو الطب
النفسي وتوصل الباحث لنتائج وحلول يمكن من خلالها تقليل الجرائم الناتجة عن مرض
نفسي او سلوك غير سوي فيتم تقديم المقترحات التي توصل إليها إلى الوزارات المعنية
بهذا الأمر؛ كأن يتم توجيهها إلى وزارة التربية والتعليم مثلا لتقوم بدورها بوضع
هذه المقترحات في مناهجها للعام التالي إن لم يكن بتعميمها في العام نفسه؛ 
وإن
تعلق موضوع الرسالة بموضوع قانوني يتم مخاطبة مجلس النواب لمناقشة المقترح وتفعيله
إن كان ملائمًا، وإن تعلق بأمر اقتصادي أو إعلامي أو شأن ديني أو رياضي تخاطب الجهة
المعنية، وهكذا يكون قد تم تفعيل البحث العلمي وتعظيم أثره في الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top