قصة سريعة: أعقاب

قصة سريعة — بين أعقاب السجائر وشرائط قياس السكر
أعقاب
 أعقاب
كان يجلس إلى طاولةٍ خشبيّة في مكان مفتوح، والأفق من حوله متّسع، لكنّ نظره انحنى نحو الأرض، فرأى أشياء بيضاء صغيرةً تلمع.
وقع في نفسه أنها أعقابُ سجائر. فمرّت في خاطره صورة رجلٍ أنهكه الانتظار، يجلس ليحرق بعضه، كأنّ النار صارت لغة الراحة.
لكنْ حين دقق النظر، لم تكن أعقابًا، بل شرائط قياس السكّر.
تأمل المفارقة: هل الحياة والموت يتشابهان في الأثر؟ هل الفرق بين الصراع من أجل النجاة والانتحار ليس سوى وجهة نظر؟
شرائط السكر — تلك الأشرطة الضئيلة — هي في جوهرها أدوات مقاومة، شهقات خفية تقول: «أنا لا أستسلم» لكنها، حين تُرمى على الأرصفة، فإنها تُشبه بقايا التبغ… بقايا الضعف… بقايا بشرٍ تآكلوا.
تساءل في نفسه: هل تحوّل الإنسان إلى معادلة كيميائية تحاول النجاة فيزيائيًّا؟
ذلك الشريط المستعمل، ربما حمل قبل لحظات رقمًا ارتجف له صاحبه، أو اطمأن، أو استسلم قليلاً.
لكن ما إن انتهى دوره، حتى صار شيئًا عابرًا على الرصيف. كأنّ ما نقيسه من حياتنا لا يترك أثرًا فينا أطول من لحظة.
هل كانت يدٌ ما ترتجف حين استخدمته؟ هل فكّر صاحبه أنه يقيس جسده، بينما كانت روحه تحاول أن تلتقط أنفاسها في صمت؟ هل كان أحدهم في موعد مع نفسه، في صراع لا يراه المارّة؟
غريبة هي الأشياء التي نرميها. غريبةٌ في صِغَرها، وغريبة فيما تُخبئه من قصصٍ لا تُحكى.
غادر الطاولة، وعيونه تدمع، والشرائط ما زالت هناك، على الأرض، تلمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top