رواية – حبس انفرادي – الومضة الأولى

بدأتُ كتابةَ هذه الرواية في منتصف عام 2019

وفرغت من كتابتها في منتصف عام 2020

وتم نشرها لأول مرة في غضون

شهر نوفمبر من العام نفسه

○○○

إهداء

 إلى كلِّ بـاحثٍ عن الحقِّ

هذه الـروايـةُ قطرةٌ في بحرِ بحثك

أرجو أن تَــرويَ ظمــأكَ ولوْ إلى فِكْرةٍ واحدة

أرجو أن تُجيبَ ولو على تساؤلٍ واحدٍ يشغلُك 

أرجو أيضًا أن تستمتع بها 

وأرجو أن تـهتم لنفسك جيدًا في كل ومضة

والآن أوقِدَ شعلتك

واتْبَعْنِي

○○○

[1]

الأربـعـــاء
9/8/2023م

 شاليه
عجيب على البحر مباشرةً بالقرب من هضبة «عجيبة» بمطروح؛ لا يفصله عن البحر سوى
بضعة أمتار حتى لتكادُ الأمواج تلطم بابه الحديدي؛ شاليه يعاني من الوحدة
والانعزال بعض الشيء، فلا يوجد إلى جواره سوى بضع شاليهات تحت الإنشاء.

 وقفوا
أمامه يتأملونه؛ مجموعةٌ من الشباب في نهاية العقد الثالث من أعمارهم؛ كانوا صحبةً
في الجامعة، تقاذفتهم أمواج الحياة وفرقتهم الأيام ثم عاودوا التواصل مع بعضهم
البعض، وكان لمواقع التفاعل الاجتماعي الجديدة الفضل في ذلك. قرروا قضاء بعض أيام
صيفهم في شرم الشيخ؛ إلا أن أحدهم أصرّ على أن يستبدلوها بمطروح؛ فكرةٌ لاقت
قبولاً من الجميع خصوصًا بعد أن شوّقهم لزيارة متحف رومل، وحمام كليوباترا! ووعدهم
بزيارة متحف العلمين.

 مياه
زرقاء صافية وهدوء شديد، لن يُـزعجهم أحد في هذا المكان بالتأكيد؛ إنها الطمأنينة
النفسية التي يبحثون عنها؛ ورغم ذلك فإن منظر الشاليه من الخارج يبُثّ في نفس
الناظر إليه رهبةً لا يدري لها سبباً محدداً؛ ولكن ربّما شكله الهرمي الغريب هو
السبب؛ أو ربما الحجارة التي بُنِيَ منها، والتي اتخذت أشكالاً غريبة؛ فحجرٌ
يتلوّى على شكلِ ثعبان، وحجرٌ يوشك أن يـفـرّ هارباً كفأرٍ مذعور، وحجرٌ كأسـدٍ
فاغـر فاه كأنه يوشك أن يلتهمهم!

 هذه
الأحجار الغريبة لفتت انتباه «إبــراهـيـم» أكثر من الآخرين؛ فهو بطبعه مدقق، وقد
اشتعل الخوف فيه، ولكنّه أضمره في نفسه، ولم يُبده لرفقائه؛ فهو لا يمكن أن يظهر
بمظهر الخائف مطلقاً؛ فكيف يخاف وهو يؤمن بأن الخوف صنعه الإنسان؟ وكما يقول
دائماً «الخوف أكبر مقلب تاريخي عمله الإنسان في نفسه»، فكيف يخاف إذن وهو لا يؤمن
بالخوف؟ بل لا يؤمن بشيء على الإطلاق، أو بمعنى آخر يؤمن باللاشيء!

 أصدقاؤه
يصفونه بأنه «ملحد»؛ وهو الوصف الذي لا يروقه؛ ولكنّهُ اعتاده على أي حال.

 نَفض
إبــراهـيـم الخوف من رأسه، وابتسم للأسـد الموشك على ابتلاعه وهو يدخل الشاليه
حاملاً بعض الحقائب.

 الشاليه
من طابقين؛ ثلاثة غرف بالأسفل، واثنان بالأعلى.

 أنـهـوا
إدخال حقائبهم ومتعلقاتهم واحداً تلو الآخر، وأخـذ إبراهيم ووائل يتجولان في
الشاليه، وظهرا كأنهما يقارنان بينه في حقيقته وبين الصور التي شاهدوها على
الانترنت قبل أن ينجحوا في حجزه بصعوبة، وبدا عدم الرضا والتوجس على وجوههم؛ بينما
جلس نادر ومحمود ويوسف يتبادلون أطراف الحديث في الصالون الموجود بالطابق السفلي.

 صعد
وائل إلى الطابق العلوى، بينما وجد إبراهيمُ باباً موصداً في آخر الطابق السفلي من
الناحية العكسية لباب الشاليه الرئيسي الذي دخلوا منه والمطل على البحر مباشرة،
وفي وسط هذا الباب يوجد مقبض على شكل أسد مـصـغـر للأسد الذي رآه في واجهة
الشاليه، لونه ذهبي وعيناه لامعتان؛ دفعه فضولُه إلى محاولة فتح هذا الباب، حاول
أكثر من مــرةٍ دون جدوى إلى أن أصابه الملل فقرع الباب بيده في إحباط ويأس، أهاجت
ضرباتُ يده المتتالية على الباب الكثير من الغبار الذي يبدو متراكماً منذ مدة
طويلة، نفض الغبار من يـده كأنه يصفق، عاود الطرق مجدداً وكأنه يلهو، فبدأ الباب
ينفتح من تلقاء نفسه.

 وقف
إبراهيمُ مذهولاً مما جرى، وفي لحظة إقلاع الباب الأولى أصدرت مفصلاته أنيناً، وقع
في أذن إبراهيم كصوت السكين حين يتم حدُّ شفرته، شكّ إبراهيم إنْ كان الصوت صادراً
عن الباب أم من الداخل، توهّم إبراهيم أن هناك من يحدُّ شفرة سكينٍ بالداخل،
انتابه خوفٌ شديد؛ وتساءل في نفسه:

 «ألسنا
وحدنا في هذا الشاليه؟ فمن وراء هذا الباب؟!».

 كان
إبراهيم يُحلّل كــلّ كبيرةٍ وصغيرة، ولا يترك شيئا يمرُّ عليه دون أن يضع عليه
بصمته الفكرية.

 تقافزت
مقلتاه تلهفاً لرؤية ما وراء الباب، حال الظلام الشديد دون ذلك، شرع إبراهيم في
التغلب على خوفه، وبدأ يدخل من الباب، وما إن وضع قدمه اليسرى وراء الباب حتى أحسّ
بفراغٍ كبير، وبدا له أن ما وراء الباب هوةٌ سحيقة، وخُيّل إليه أنه إن دخل فسيسقط
من مكان مرتفع؛ ولكنه تساءل في نفسه:

 «أين
سأسقط؟ نحن في شاليه، أقصى ما يمكن أن يوجد هنا حفرة».

 ثم
ابتسم ساخراً وهو يحدّث نفسه:

 «ربما
تكون حفرة لدفن الموتى؛ هذا بافتراض أن الشاليه ما هو إلا وكر مجرمين يشبهون إلى
حـدٍ كبير أسطورة ريّا وسكينة؛ يستدرجون ضحاياهم بالحجز لهم فيه، ثم بعدها
يقتلونهم ويسلبون منهم أشياءهم الثمينة! ولكنّنا لا نملك ذلك الشئ الثمين الذي
يصلح أن يكون مطمعاً لأحد؛ ربما حفرة حفرها أحد المهووسين بالبحث عن الآثار أسفل
بيوتهم، وأغلبهم يموتون داخل هذه الحفر بعد أن ينهار عليهم البناء بأسره، كأنه
يعلن غضبه مما يفعلون».

 ابتسم
متعجباً:

 «آثار
على شاطئ البحر!».

 شجّع
نفسه ودخل فجأة إلى هذا المكان، وبدلاً من أن يسقط كما كان يظن، أحسّ بأنه يطير في
الهواء، أو يسبح، وليس حوله سوى فراغٍ مظلم، حاول أن يمشي فوجد قدميه معطلتين، أو
لا تقويان على حمله، ثم اكتشف أنه لم يعد بحاجة لقدميه بعد الآن؛ فلقد استطاع أن
يتحرك في هذا المكان بدونهما، وكأنه طافٍ على سطح الماء، ولكن دون ماء، ولا نور؛
إنما في ظلامٍ دامس.

 أحس
بخفّته وقدرته على الحركة بطريقة سلسة، والانتقال من مكان لآخر دون بذل جهـد أو
استنزاف طاقة، بـدأ يستكشف المكان من حوله، فوجئ حين وجـد نجمةً من تلك النجوم
التي كان يراها في السماء تمرّ بجواره؛ بل وجد نفسه في السماء نفسها بكل تفاصيلها؛
القمر أسفل منه، وكواكب المجموعة الشمسية كاملة تحيط به، بل بدأ يصعد للأعلى حتى
خرج من مجـرّة درب التبانة في لمحٍ البصر.

 تضاربت
مشاعرُه؛ سكينة وسلام، خوف وترقب، طمأنينة وهدوء، ينازعهما قلق جسيم، تذكر بعض
خبراته ومعلوماته السابقة فأدرك أنه بمفهوم الأرض ربما يُطلق عليه الآن لقب ميّت،
ولكن هل هذا حقاً هو الموت؟ هل سقط في حفرة عميقة أردته قتيلاً في الحال؟! أم أن
ذلك المجهول الذي كان يحد شفرة سكينه هو السبب؟! إنه يشعر بكل شيء، فكل شيء حقيقي
أكثر من الحقيقة ذاتها؛ هو على يقين من أنه في السماء، ولكنه ليس متيقناً إن كان
حياً أم ميتاً؟!

[2]

السُلّمُ
الخشبي الذي يربط الطابق العلوي بالسفلي ملتوٍ كأنه ثعبان، وبالأدق إذا أتيحت
الفرصة لرؤيته من مكانٍ بعيد بحيث تُرى صورة كلية فلن يُرى سوى هذا الثعبان القابع
على أحجار الشاليه من الخارج، هـو نفسه؛ ذيله بالأسفل وبالأعلى فمه وكأن بقية
الممر الواصل بين السلم والغرف العلوية هو لسانه.

وقف
وائل على أول درجة من درجات السُلّم، وبدا متأهباً للنزول، لكنّ شيئا استوقفه؛ إذ
خُيـّـل إليه أنه يرى ثعباناً فاغراً فاه، دقق النظر فإذا بكساء قشري لأحد
الثعابين الصغيرة ملقىً على الأرض، عاد إلى الخلف خطوتين، قطّب جبينه حتى كاد
حاجباه يتلامسان من فرط تركيزه، جـثـا على ركبتيه متأملاً، بدأ يُحدث نفسه بصوت
أقرب للتمتمة:

 «تصميم
السُلم غَريب!!».

 انتبه
لوضع جسده وهو مطرقٌ للأرض وكأنه يتكلم مع السُلّم فابتسم؛ خشي أن لو رآه أحد
أصدقائه فلن يسلم من سخريتهم طوال الدهر، نفخ كساء الثعبان الصغير فتبدد في الهواء
كأنه ما كان ثوب ثعبان إنما بعض بقايا ورقٍ محترق، انتفض واقفاً وخُيّل إليه للحظة
أن السُلم انتفض كانتفاضته؛ لكنه أزاح هذا التصور سريعًا من مخيلته بكل بساطة.

 أقدم
وائل على النزول، وهو يقلّب الأمر في رأسه، ويتعجب من مصمم هذا السلم، والسبب وراء
هذا التصميم. وضع قدمه اليمنى على أول درجة، فسمع صوتاً خافتا للغاية، شعر أنه سمع
هذا الصوت من قبل، ربما سمعه عند صعوده السلم أول مرة؛ صوتٌ يشبه فحيح ثعبان
مكتوم، استقرت قدمه على السُلم فأتبعها الأخرى، وبدأ في النزول وهو لا يُلقي بالاً
للصوت الذي سمعه، ولا لتلوّي السُّلم تحت قدميه، فالطبيعي أن مثل هذا السلم الخشبي
لا بد أن يصدر أصواتاً بمضي السنين؛ بل من حقه أن يعزف سيمفونية حزينة.

 ما
إن وصل وائل إلى منتصف السلم عند المنطقة الملتوية حتى ظنّ أن هذا السلم قد
ابتلعه، ابتسم من هذه الفكرة التي راودته وهو يتابع النزول إلى أن وصل لآخر درجة،
حاول حينها أن يضع قدمه على أرض الطابق السفلي فلم يستطع، أحسّ بوجود حاجز خفيّ
يمنعه من ذلك، عاود محاولة إخراج قدمه من السلم فلم يمكنه ذلك، كرّر هذا الأمر
أكثر من مرة دون فائدة، صعد مسرعاً للأعلى وفوجئ بعدم تمكنه من مغادرة السلم لا من
الأعلى ولا من الأسفل، أيقن أنه قد تم حبسه في هذا السلم، أخذ يُفكر في حلّ، أخرج
هاتفه المحمول من جيبه، اكتشف أنه ليس به إشارة، حاول الاتصال بالطوارئ فلم يستجب
الهاتف.

 راح
يصعد وينزل أكثر من مرة رغماً عنه وفي كل مرة يحاول الانفلات من السُلم حتى
أُجْهِد جسدُه من كثرة النزول والصعود على الرغم من عضلاته المفتولة ولياقته
البدنية العالية.

 أحسّ
أن جانبي السلم الخشبي بدءا يضيقان عليه ويتسعان، ينقبضان وينبسطان؛ أحس بدُوارٍ
أصاب رأسه، وعلى الرغم من قوة تحمله؛ إلا أنه لم يصمد سوى خمس دقائق، وخمس دقائق
كافية لأن يفقد الوعي تماماً أو إلى الأبد.

[3]

كان
كلّ هذا يجري بينما نادر ومحمود ويوسف ما يزالون جالسين في صالون الطابق السفلي،
لم يشعروا بشيءٍ مما حدث، فلقد دبّت خلافات كثيرة في الرأي فيما بينهم، ويبدو أن
عدم تواصلهم مع بعضهم البعض لسنوات قد أخفى عنهم بعض التغيرات التي طرأت على أفكار
كل منهم، وهو ما سبب اصطداماً واحتداماً للصراع الفكري والجدلي بينهما، فجلسوا
منهمكين في نقاشٍ ساخن أنهاه يوسف بقوله:

«لم
نأت إلى هنا لنتجادل ونتناحر، دعوا عنكم كل هذا واستمتعوا بأوقاتكم، دعونا نلهو
قليلا ونفــرغ رؤوسنا مما فيها».

 أجابه
محمود:

 «ألا
تسمع يا يوسف ما يقول؟ إنه ينكر وجود الجن!».

 احتدّ
نادر وبدا كأنّه يقفز من مكانه وهو يقول في عصبية:

 «لم
أنكر وجود الجن يا محمود من فضلك».

 ثم
أضاف بعد أن ارتسمت ابتسامة هازئة على شفتيه:

 «أنا
أنكر وجود كلّ ما لم أره، كلّ ما ألم أسمعه، ما لم ألمسه، ما لم أحسه، أو أتذوقه،
أو أشمه؛ أنكر وجود كل ما لا وجود له».

 كاد
محمود أن يتطاير من مقعده كأنّه حممُ بركانٍ ثائر، ثم تمالك نفسه ونظر ليوسف في
عتاب وهو يقول له:

 «أرأيت؟!».

 ثم
أضاف وهو ينظر لنادر من طرف خفي:

 «إنه
ينكر كل شيء يا يوسف! لم يبق إلا أن ينكر وجودي ووجودك!!».

 قالها
محمود وضحك وظنّ أن يوسف سيشاركه الضحك؛ فهو يعلم تماماً أن يوسف يشاركه الرأي
وينكر على نادر ما يقول؛ ولكنّ يوسف تفكر ملياً ووضع يده اليمنى أسفل ذقنه ونظر
لأعلى ناحية اليسار ثم قال:

 «عموماً
يا محمود هذا أمر يحتاج بحثاً وتدقيقاً».

 ذُهل
محمود من ردة فعل يوسف، وامتقع وجهه كأنه قد خُذل؛ بينما انتشى نادر بما قاله
يوسف، وفكّر في نفسه أن الحُجج التي ساقها طوال حديثهم لا بد أنها أقنعت يوسف أو
على الأقل أثارت بداخله الشكوك، ويرى نادر أن إثارة الشكوك تقود إلى الحقيقة.

 أطرق
محمود إلى الأرض في حزن؛ حاول يوسف أن يخرج بهم من هذا الجوّ المتوتر فاقترح أن
يخرجوا ليجلسوا أمام البحر؛ ربما تهدأ أعصابهم قليلاً، استجاب نادر ونهض على الفور
فقد أصبح مرتاحاً ليوسف، بينما بقي محمود في مقعده منكمشاً على نفسه وقال:

 «سألحق
بكما.. أو ربما أنام قليلاً».

 فقال
له نادر متودداً:

 «حاول
أن تلحق بنا، ولا تغضب مني يا صديقي فهذا هو أسلوبي في الحوار، لكني لا أقصد أن
أسخر منك».

 حرّك
محمود رأسه متفهماً.

 مضى
نادر ويوسف إلى الخارج، فتبعتهم نظرةٌ من محمود مِلؤُها الأسى، وظل جالساً يفكر في
الحوار الذي جرى بينه وبين نادر، وراح يعيد كل العبارات التي قيلت منه أو من نادر،
شعـر بعدم الرضا عن بعض العبارات التي قالها، فأحسّ بوخز في ضميره تسارعت معه
ضربات قلبه رغم أنه لم يبرح مكانه؛ أخذ يُعدّل – في مخيلته-  هذه العبارة ويحذف تلك، كان يظنّ أنه قادرٌ على
الجدال والمناظرة والإقناع، خاب ظنّه عندما أبدى يوسف رأيه متحيزاً لنادر، أيقن أن
نادر قد تغلب عليه في هذه المناظرة، أصابه يأس شديد؛ فقد كان يعتبر نفسه مالكاً
للحقيقة، مدافعاً عنها، والآن عجز عن الدفاع عن هذه الحقيقة، وعجز عن جذب يوسف إلى
جانبه، رغم أنه مؤمنٌ مثله، وقد خشي محمود أن هزيمته تكون قد تسببت في زعزعة إيمان
يوسف.

 رفع
محمود رأسه ليستنشق بعض الهواء علّه يهدأ قليلاً ويستطيع اللحاق بهما في الخارج؛
أخذ نفساً عميقاً للغاية حتى كادت رئتاه أن تنفجران من كمية الهواء التي دخلت
إليهما على غير العادة، ضغط على شفته السفلى بأسنانه حانقاً، ثم نهض واقفاً في
تحدٍ وقرّر الذهاب إلى نادر ومواصلة الحوار، لم يكد يتحرك من مكانه حتى لفت
انتباهه شيءٌ صغيرٌ جداً مـرّ من أمامه كلمح البرق دون أن يتمكن من تـبَـيُّـن
كُنهه، اتسعت حدقتا عينيه للحظة أملاً في التقاط صورته، فلم يستطع سوى أن يحدد
الاتجاه الذي ذهب منه هذا الشيء الصغير، فقرر أن يتبعه؛ فتحرك باتجاه الناحية اليمنى
من الشاليه حيث يوجد المطبخ والحمام، قطع الممر الموصل إليهما بحركةٍ سريعة في
ثوانٍ معدودة.

 قـرّر
البدء بالبحث في المطبخ، قلب المطبخ رأساً على عقب ولم يعثر على شيء، خلّف وراءه
الأواني مُلقاةً على الأرض محدثةً أصواتاً وجلبةً كأنهنّ يتعاركن.

 انتقل
إلى الحمام وتفحّص كل ركن فيه، فلم يصل لشيء، فاطمأن قليلاً.

 همّ
بمغادرة الحمام وهو يحرّك رأسه متعجباً وقد ارتفع حاجباه تلقائياً، وجعل يردد في
نفسه:

 «أين
هو هذا الشيء؟! أنا أكره الحشرات الصغيرة والحيوانات الصغيرة وكل ما هو صغير بذيل
أو جناحين، هذه الفوبيا الملازمة لي من الصغر».

 لم
تكد قدمه اليمنى تفارق عتبة باب الحمام، حتى سنحت منه التفاتة ناحية الباب، فوقف
مصدوماً ولم يتزحزح كأنّ قدماه قد التصقتا بالأرض بغراء، فاستدار بوجهه دون بقية
جسده، وأمعن النظر في باب الحمام الخشبي ذي النقوش الغريبة التي تشبه حساب
المثلثات، وكأن أحداَ كان يذاكر للتوّ على هذا الباب الذي كان مفتوحاً ومسنوداً
على حائط الحمام الداخلي.

 شَخصَ بصرُه، وثـُبّـتـت عيناه على الباب رغماً
عنه، وتمتم في هلعٍ بصوت متحشرج غير مسموعٍ ودون أن يخرج من جوفه حرف واحد من
مخرجه الصحيح:

 «لـــقــــد
وجــــــدتُـــه!».

 كان
ينبغي أن يكون سعيداً لأنه وجد ما كان يبحث عنه؛ ذلك الشيء الصغير؛ ولكن على عكس
المتوقع غــزا الفزعُ والألمُ وجهه.

 فـــأرٌ
مـــذعـــورٌ يــبــدو كأنه يـلــوذ بــالـفــرار.

 ليست
صورةً مرسومةً على باب الحمام، ولا نقشاً محفوراً فيه؛ إنه حقيقي بكل ما تحمل
الكلمة من معنى، يبدو كجزءٍ من تصميم الباب، ورغم ذلك فإن لونه رمادي بينما لون
الباب بُني، طولُه لا يتعدى خمسة عشر سنتيمتراً، وأغلب هذا الطول موجود في ذيله
الرفيع، الذي يبدو كأنه ســوط.

 ظــلّ
محمود واقفاً لا يستطيع الحركة؛ جسدُه متجه تجاه الممر الواقع خارج الحمام، ورأسه
موجه للوراء، وعيناه شاخصتان ناحية الباب، وعقله عاجز عن صياغة جملة واحدة أو حتى
كلمة، ولسانه فاقد للقدرة على النطق، وشفتاه ترتعشان.

 تـمــــــدّد
ذيـــلُ هذا الفأر المذعور.

 فارق
مكانه بالباب.

 ضربة
سوطٍ قوية!

 التفّ
حول رقبة محمود.

 اختنق..
احتقن وجهه.. وجحظت عيناه.

[4]

قاربت
الساعة على الثالثة وخمسة وثلاثين دقيقة فجراً بينما يوسف ونادر مازالا يجلسان على
الرمال أمام البحر مباشرة يتنعمان بالهدوء؛ هما في معزلٍ عن العالم وصخبه وضوضائه،
وحتى عـمّا يجري مع أصدقائهم داخل الشاليه.

 جعلا
يتبادلان أطراف الحديث؛ وبينما يوسف مستلقٍ على ظهره ناظراً للقمر، خُيل إليه أن
لونه أحمرٌ دموي، وهو في الحقيقة برتقالي مائلٌ للحُمرة، استرعى هذا الشكل الدموي
للقمر انتباه يوسف، فبادر بسؤال نادر عنه؛ فأجابه:

 «هذا
هو قمر الذئب الدموي العملاق».

 «وماذا
يعني هذا؟!».

 «لا
شيء؛ فقط خسوف كلي للقمر يحدث عندما يتعامد القمر مع الشمس والأرض، فيصطبغ باللون
الأحمر».

 «فقط
خسوف؟!».

 خرجت
كلمة خسوف من فم يوسف مصحوبة بتنهيدة طويلة كأنه اطمأن.

 ثم
استمر نادر قائلاً:

 «ولكن
البعض يربط بين هذا الحدث وبين أحداث مهمة قد تصاحبه؛ بعضهم يردد أقوالاً عن تغيير
جذري في الشرق الأوسط، بعض الشعوب تدّعي أن انتصاراتهم تحدث بالمزامنة له، وهناك
من يقول إن هذا الحدث يشير إلى نهاية العالم!!».

 «نهاية
العالم!».

 رددها
يوسف خلفه بتأمل ثم أضاف:

 «لا
أهتم لهذا الأمر كثيرا، ولا تعنيني نهاية العالم، فالشيء المؤكد هو أن الإنسان
نفسه ينتهي ومن الأفضل له أن يهتم لنهايته، والتي هي أقرب له من نهاية العالم».

 مضت
بعدها دقيقتان من الصمت ويوسف غارقٌ في تأملاته وهو ما يزال محدقاً في القمر
الأحمر، ثم استدار بغتةً واتكأ على يده اليسرى مواجها لنادر، وسأله:

 «ولكن،
لماذا لا تؤمن بالخالق يا نادر؟!».

 “الخالق؟!
الخالق يعني أنه هو من أنشأ شيئاً لم يكن موجوداً من قبل، فماذا أنشأ الخالق حتى
نؤمن به؟”.

 أجابه
يوسف:

 «أنشأني
وأنشأك».

 احتد
نادر:

 «هذه
مغالطة يا عزيزي، نحن نشأنا نتيجة تطور الكائنات الحيّة؛ تطوّرنا إلى أن وصلنا إلى
هذا الشكل الذي نحن عليه الآن، وهذا التطور استغرق ملايين السنين؛ فأين الخالق في
كل هذا؟».

 «سأسلم
معك بأننا تطورنا ولكن من أي شيء حدث هذا التطور؟».

 «بالطبع
من الخلية الأولى».

 «جميل…
إذن فيبقى السؤال كما هو من أين جاءت الخلية الأولى؟!».

 «تكونت
تلقائياً ودون تدخل من أحد».

 «ولكن
الخلية معقدة للدرجة التي يستحيل معها أن تتكون تلقائياً أو بطريقة عشوائية؛
فالخليّة الحيّة بشكلٍ عام يا صديقي رغم أنها متناهية في الصغر إلا أنّها عالمٌ
قائمٌ بذاته وهي تشبه مجموعة من المصانع بداخلها شفرة معلوماتية، وبرمجة واتصالات
وتعليمات وأوامر غاية في الدقة؛ فالخليّة الحيّة هي بناء أشد تعقيداً من كل الآثار
التي شيدها الانسان؛ فكيف لكلّ هذا النظام المُعقّد أن ينشأ بالصدفة؟».

 دقق
يوسف النظر في وجه نادر فرآه يتأمّل فيما يقوله مفكراً، فأتاح له قليلاً من الوقت
والصمت ليفكر فيما سمع، ثم أضاف بعد برهة:

 «وإذا
أحببت نفي هذا فلا مانع عندي؛ ولكن لابد أن تجيب على تساؤل آخر: هناك في الأمد
البعيد وقبل مليارات السنين كيف ومن أين أتت الغازات التي تفاعلت مع بعضها لتوجد
الخلية الأولى؛ الأمونيا والميثان والهيدروجين، وربما غازات أخرى؟ من أين أتى
الماء؟ من أين أتت الشحنة الكهربية الأولى المسماة بالبرق؟ بل لماذا تضافرت جهودهم
جميعا لإنتاج كائن حي؟ وكيف تراكبوا بالدقة المطلوبة لإنتاج أحماض أمينية بالقدر
اللازم لإنشاء بروتينات تصلح لإنشاء خلية، وأحماض نووية ريبية
RNA 
لازمة لوجود هذه الخلية؟ كيف حدث كل هذا؟ هل يمكن للصدفة أن تفسر هذا
التناغم العجيب؟».

 قرر
نادر أن يخرج عن صمته فتساءل:

 «ولكنْ!
ماذا لو استطاع العلماء صناعة خليّة حيّة من مجرد تفاعلات كيميائية وبدون تدخل؛
ألا يُعد هذا دليلاً على أنّ الخلية الأولى نشأت من مجرد تفاعلات كيميائية أيضًا
ولا وجود للخالق وقتها؟».

 «بل
العكس هو الصحيح؛ فلو استطاع العلماء إيجاد خلية حية من مجرد تفاعل مواد كيميائية
دون تدخل؛ فإن هذه التجربة ذاتها التي قاموا بها ستكون هي السبب في وجود هذه
الخلية الحية؛ وبالتالي فإن من سيقوم بإجراء هذه التجربة وتحضير مكوناتها وتهيئة
الظروف المناسبة لتفاعلها مع بعضها سيكون هو الذي صنع هذا الكائن الحي؛ وبالقياس
على ذلك فلابد أن يكون التفاعل الكيميائي الأول الذي حدث على الأرض وراءه صانع».

 بدا
نادر شديد التركيز، وانطبع ذلك على وجهه حيث تدلى حاجباه للأسفل بشدة، ومُـطّت
شفتاه للأمام وضُيّقت عيناه حتى كادتا تنغلقان، فظهر وجهه وكأنه يتضاءل من فرط
تركيزه، وبعد فترة صمت وسكون قال:

 «ولكن!
يمكنني أن أقول لك يا يوسف من أين أتت الغازات والماء والبرق في البداية؛ بل
يمكنني أن أقول لك من أين أتى الكون نفسه والتي هي كلها جزء منه”.

 «جميل
جداً… ومن أين أتى الكون؟».

 «من
لا شيء! كل هذا الكون الذي تراه نشأ من الفضاء الفارغ دون أن يقوم أي أحد
بإيجاده».

 قالها
نادر ببساطته المعهودة ولكن رده هذا لم يُثـر حفيظة يوسف إنما فقط سأله مستفهماً:

 «ولكن
هل تظن أن إجابتك هذه أنهت المسألة؟! بالعكس لقد أضافت سؤالا جديداً هو: هل الفضاء
الفارغ هذا كان ساكنا أم كانت فيه حركة؟».

 «أعتقد
أنه كان ساكناً بلا حركة».

 ابتسم
يوسف وهو يقول:

 «يا
صديقي!  إذا كان الفضاءُ الفارغ في بدايته
ساكناً كما تقول بينما الكون الذي نراه الآن متحرك بل يعج بالحركة؛ إذن فقد تحول
الفضاء الفارغ الساكن في زمنٍ ما من السكون إلى الحركة وهنا سؤال يطرح نفسه: من
أين جاءت الحركة الأولى؟ ومن الذي قام بها؟».

 تحيّر
نادر برهةً من الزمن وبدا مشتتاً وكأن أفكاره تتلاطم كموج في ظلمات بحر بداخله
بركان يفور؛ ثم نطق بحذر وترقب:

 «ربما
كان ذلك الفضاء الفارغ فيه حركة في ذاته».

 «إذن
لم يكن فضاءً ولم يكن فارغاً! يا صديقي في الحالتين الحقيقة واحدة سواء نشأت حركة
من سكون أو كانت الحركة موجودة ذاتياً في الفضاء الفارغ؛ ففي الحالتين يبقى
التساؤل كما هو: من أين جاءت هذه الحركة؟».

 أطرق
نادر إلى الرمال التي اكتست تماماً بلون برتقالي مائل للحمرة؛ وبدأ يتسلل إلى نفسه
شعور بعدم منطقية فكرته؛ عصر ذهنه كثيراً حتى يحصل على أية إجابة مقنعة لهذ
التساؤل فلم يجد إلا إجابة واحدة «الخالق»؛ ولكنه هـــزّ رأسه بعنف كأنه يريد أن
يطرد هذه الفكرة منها؛ ثم رفع رأسه قليلا ونظر إلى يوسف فوجده ما يزال منتظرا
إجابته؛ فقرر أن ينهي الحوار عند هذا الحد بقوله:

 «الآن
لا أعرف، ولكن يوماً ما سأعرف».

 تبسّم
يوسف وهو يمازحه قائلاً:

 «(احذر
جزيرة يوماً ما) لقد ذكرتني الآن يا صديقي بتلك الجزيرة الخيالية في البحر التي
يسميها الكاتب الإنجليزي دينيس ويتلي بجزيرة يوماً ما؛ حقاً لقد كان ستيف تشاندلر
على حق في كتابه مائة طريقة لتحفيز نفسك عندما قال إن الكثيرين يعتقدون أن مباراة
الحياة لا نهاية لها؛ وأنا واحد من هؤلاء. فهل تظن أنك واحد منهم أيضاً؟».

 «ربما».

 قالها
نادر وهو يشاركه التبسم؛ ولكنّه تبسم مجهد بعد يومٍ شاقٍ من السفر والسهر والحوار
الطويل. رغب كلاهما في الراحة، فنهضا ليدخلا إلى الشاليه ليرتاحا قليلا قبل أن
يدركهما ضوء النهار الذي بات وشيكا، وقد بدا ذلك واضحاً على القمر الدموي الذي بدأ
يحزم أمتعته ويرحل.

 وقف
كلاهما وبدءا في مـطّ جسديهما لتجري فيهما الدماء بعد جلسة طويلة، وأثناء ذلك
استرعى شكل الشاليه انتباه نادر وكأنه لم يره من قبل؛ فللمرة الأولى ينتبه إلى أن
الشاليه ذو شكل هرمي، أو كأنه نسخة مصغـّـرة من أحد أهرامات الجيزة الثلاثة، أو
ربما هو أحدهم فــرّ من الحر الشديد وجاء يمضي بعض الوقت على شاطئ البحر، ابتسم
نادر لهذه الفكرة.

 ولكنّه
أيضاً فهم في هذه اللحظة التساؤل الذي طرأ على ذهنه بعد أن قرأ وصف الشاليه على
الانترنت وهم في طريقهم إليه «لماذا بالطابق السفلي من الشاليه يوجد ثلاثة غرف
والمطبخ والحمام والصالون، بينما الطابق العلوي لم يكن فيه سوى غرفتين فقط»، أدرك
عندها أن هذا راجع إلى أن تصميم الشاليه على شكل هرم يجعله واسعا من الأسفل ضيقا
من الأعلى.

 دارت
هذه الأفكار برأس نادر في لحظة سريعة، وانتشى لأنه وجد الإجابة، ولكنها أثارت
بداخله سؤالا آخر «لماذا بُني الشاليه على شكل هرم بالأساس؟» لم يجد إجابة مناسبة
فأرجأ التفكير في هذا الأمر من شدة إرهاقه وتعبه، ثم خطا هو ويوسف خطوات ثقيلة نحو
الشاليه، وتركت أقدامهما علامات وآثار عميقة في الرمال حتى اقتربا من باب الشاليه،
وللمرة الأولى كذلك يلاحظ نادر الأسد والثعبان والفأر المذعور على واجهة الشاليه،
فسأل يوسف عنهم؛ ولكن يوسف كان مرهقا للدرجة التي منعته من الإجابة أو التفكير أو
أن يظن حتى أن هذا أمراً يستحق الاهتمام.

 دلف
نادر ويوسف إلى داخل الشاليه، وجدا هدوءًا مبالغاً فيه، كل الأنوار مطفأة، كل
أجهزة الكمبيوتر المحمول كذلك، وكل الهواتف المحمولة أيضاً؛ ولكنه هدوء طبيعي.

 فقال
يوسف لنادر ساخراً:

 «يبدو
أن إبراهيم ومحمود ووائل يغطون في نوم عميق».

 ابتسم
نادر وقال له:

 «ما
رأيك أن نوقظهم ثم ننام نحن؟».

 «وماذا
سنقول لهم بعد أن نوقظهم؟ أنت تعلم أنهم مرهقون ولو أيقظناهم لأوسعونا ضربا من
الذي يحبه قلبك».

 «أنا
مستعد. سأقول لهم استيقظوا حتى تناموا وسأهرب على الفور».

 فكّر
يوسف في الأمر فوجد أنهما اللذان سيخسران من هذا المقلب، فهما لم يناما بعد وفي
شدة الإرهاق؛ بينما الآخرون قد ارتاحوا ولو قليلاً، فنهاه عن ذلك وقال له:

 «لا
مانع لديهم من معاقبتنا بمنعنا من النوم حتى المساء القادم».

 طرح
نادر الفكرة من رأسه، وأشعل ضوء كشاف هاتفه المحمول، وشرع يتحرك تجاه الغرفة التي
سينام بها، ويوسف كذلك؛ إلا أنهما للحظة سمعا ثلاث طرقاتٍ خفيفةً على باب الشاليه،
استدارا وتبادلا نظرة حائرة متسائلة لم ير كلاهما فيها سوى عينَيْ صديقه على ضوء
الكشاف؛ ولكنهما تحركا ناحية الباب سويا، وفتح يوسف الباب ونظر فلم يجد شيئاً،
فهمّ بإغلاق الباب لولا أن نادر أوقفه وقال:

 «لا
بد أن أحداً طرق الباب… الصوت واضح جدًا، سأخرج لأرى من هذا».

 «سآتي
معك».

 خرجا
سوياً من الباب يمشيان بقوة كأنهما ما كانا يريدان النوم منذ ثوانٍ، وكأن روحا
جديدة بُـثّـت فيهما؛ نظر يوسف للرمال بدقة وصوّب كشاف هاتفه تجاهها فتبين له أنه
لا يوجد أثر أقدام سوى آثار أقدامهما، فازدادت حيرتهما مما يجري.

 قررا
دخول الشاليه، وبعد أن صعدا درجات سُلم الشاليه التي لا تتعدى الثلاث درجات وقفا
وأصابهما الذهول؛ فآثارُ أقدامهما على الدرجات مضيئة، والذي صدمهما أكثر أنها
مضيئةٌ بلون برتقالي مائل للحمرة، ظنّا للحظة أنها آثار دماء؛ إلا أنهما تمعّنا
فيها جيداً فبدت لهما واضحة، تبادلا نظرة خاطفة وقالا في صوت واحد:

 «القمر
الدموي!».

 ثم
صمتا برهةً من الوقت… انحبست أنفاسهما… حاولا التحرك من مكانيهما دون أن
يُفلحا… بـدأ اللون البرتقالي المائل للحمرة يغزو جسديهما في آن واحد تلونت
رجلاهما به أولاً ثم اكتسى به سائر جسديهما.

 تبادلا
آخر نظرة كلها هلع… وكلاهما يرى عينَيْ صديقه برتقالية حمراء ولا يستطيع أن يفعل
شيئاً ولا يدري ماذا أصابهما.

 أصبحا
عبارة عن كتلة برتقالية حمراء ثابتة أمام باب الشاليه.. عينا كليهما في عين
صديقه.. جسداهما متخشبان.. كأنّهما قد تم تحنيطهما للتوّ.. أو ربّـمـا تم تحنيطهما
بالفعل.


الانتقال إلى الومضة التالية (الثانية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *