· المسألة القانونية:
إذا أقام المدعي دعواه وجاءت طلباته الختامية مقصورة على طلب الحكم بصفة مستعجلة باستمرار صرف الجهة الإدارية راتبه له (على سبيل المثال)، أو طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار دون أن يضمن العريضة طلب وقف تنفيذ هذا القرار ظنًا منه أن طلب الحكم بصفة مستعجلة هو بمثابة طلب وقف تنفيذ القرار، فإنه يكون مخطئًا لأن حقيقة طلباته هذه أنه يحث المحكمة أن تسارع إلى إصدار حكمها في موضوع المنازعة.
ومن ثم فإن مثل هذه الدعوى لم تتضمن طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ، فهل تكون مستثناة من وجوب العرض على لجان التوفيق أم لا؟
· الاتجاهات القضائية:
· الاتجاه الأول: طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار ليس طلب وقف تنفيذ، وبالتالي يجب اللجوء إلى لجنة التوفيق.
أكدت المحكمة الإدارية العليا في هذا الاتجاه أن طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار لا يُعد طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ، وإنما هو مجرد تعبير عن رغبة المدعي في سرعة الفصل في الدعوى، وهو أمر يختلف جوهريًا عن طلب وقف التنفيذ الذي يتطلب توافر ركني الجدية والاستعجال وفقًا لنص المادة (49) من قانون مجلس الدولة.
وبناءً عليه، إذا لم يضمن المدعي طلبًا صريحًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه يظل ملزمًا باللجوء إلى لجنة التوفيق، وإلا اعتُبرت دعواه غير مقبولة شكلاً.
وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن:
«المشرع قصد كشرط جوهري لقبول طلب وقف التنفيذ أن يكون وارداً في صحيفة دعوى الإلغاء ذاتها, وهذا الشرط الشكلي يستوي في المرتبة مع الشرط الموضوعي وهو أنه يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، إذ وردت صياغة المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بالنسبة إلى الشرطين على حد سواء وذلك للأهمية والخطورة التي تنتج في نظر المشرع عن وقف تنفيذ القرار فأراد أن يحيطه بضمانة توافر الشرطين الشكلي والموضوعي معاً – أساس ذلك : تطبيق – الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه, إذ جاءت طلبــاته الختامية مقصورة على الحكم له بصفة مستعجلة بإلغاء القرار المطعون فيه, فمن ثم فإنه ما كان يجوز لمحكمة أول درجة أن تحكم للطاعن بما لم يطلبه أو أن تكيف دعواه بأنها تتضمن طلبا لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لمجرد أن المذكور طلب الفصل فى دعواه بصفة مستعجلة وذلك على اعتبار أن طلب الطاعن أمام محكمة الدرجة الأولى الحكم لـه بصفة مستعجلة بإلغاء القرار لا يعدو أن يكون إفصاحا من المذكور عن رغبته فى حث المحكمة على أن تصــدر لصالحه حكماً فى موضوع المنازعة على وجه السرعة, وهو أمر جد مختلف عن الحكم بوقف التنفيذ ذلك أنه من المسلم به إنه يجوز لأى من الخصوم أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكمها فى موضوع المنازعة على وجه السرعة , ويخضع الطلب فى هذه الحالة لتقدير المحكمة التى يكون لها أن تستجيب لطلب الخصم إذ ما قدرت أن ظروف الدعوى تسمح أو تستلزم ذلك .
[طعن رقم 10486 لسنة 50 ق.ع – الدائرة الأولى – موضوع – جلسة 19 – 2 -2005م]
وقضت كذلك بأنه:
إقامة الدعوى دون عرض النزاع قبل رفع الدعوى، وأن موضوعها ليس من المسائل المُستثناة من وجوب العرض على لجان التوفيق في المُنازعات وفقًا لأحكام ذلك القانون، سيما وأن الطلب المُستعجل المُقدم من الشركة بصحيفة الدعوى لم يتضمن وقف التنفيذ وإنما حث المحكمة على سُرعة الفصل في الدعوى فقط (بصفة مُستعجلة بوقف سريان الحماية المُقررة للعلامة التجارية) الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى شكلًا لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000م.
الإدارية العليا – الدائرة الخامسة – موضوع – الطعن رقم 19353 لسنة 70 ق | تاريخ الجلسة 2 / 7 / 2024
· الاتجاه الثاني: يمكن قبول الدعوى شكلاً إذا تضمنت طلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار، ولكن بشروط.
في هذا الاتجاه، رأت المحكمة الإدارية العليا أنه يمكن اعتبار طلب الحكم بصفة مستعجلة كأنه طلب بوقف التنفيذ، ومن ثم إعفاء الدعوى من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق، ولكن بشرط أن يتوافر في الدعوى طابع الاستعجال، وأن يقوم المدعي بتصحيح طلباته الختامية ليشمل طلب وقف التنفيذ بوضوح.
وفي هذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن:
حيث إن المشرع قد استلزم بموجب نصوص القانون رقم 7 لسنة 2000م ضرورة اللجوء إلى لجان التوفيق قبل ولوج طريق القضاء، فإن المستقر عليه أن اقتران طلب إلغاء القرار بطلب وقف تنفيذه يهيئ لصاحب الشأن اللجوء مباشرة إلى القضاء المختص دون اشتراط سابقة اللجوء إلى هذه اللجان، حسبما ورد به نص المادة الحادية عشرة من هذا القانون سالفة الذكر.
ومن حيث إنه تطبيقا لما تقدم، وكان الثابت من مطالعة صحيفة الدعوى المطعون في حكمها، طلب الطاعن في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة إلغاء القرار المطعون فيه، ونظرًا لمقصود الطاعن سرعة الفصل في الدعوى تفاديًا لطرح الأرض التي يدعي ملكيتها للبيع بالمزاد من قبل الهيئة المطعون ضدها، وهو ما يتسم دائما بطابع الاستعجال لخطورة ما يترتب عليه من نتائج يتعذر تداركها، فإن الأمر لا يخرج عن اتجاه إرادة الطاعن إلى تضمين طلباته طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ تبين له بعد ذلك وقوعه في خطأ بشأن هذا الطلب، فقد بادر بتصحيح هذا الوضع، وقدم مذكرة بدفاعه بجلسة التحضير المشار إليها استعرض فيها وقائع النزاع، واختتمها بطلب الحكم صراحة بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من أثار، وهو ما يعد طلبا عارضا تضمن تصحيحا للطلب الأصلي وتعديلا له لمواجهة ظروف تبينت بعد رفع الدعوى، ومن ثم فإن طلبات الطاعن الختامية تكون قد تحددت في طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه، وتضحى دعواه على هذا النحو مستثناة من شرط اللجوء إلى لجان التوفيق، متعينا الحكم بقبولها شكلا.
[حكم المحكمة الإدارية العليا، الدائرة الثالثة، موضوع، الطعن رقم 19752 لسنة 58 قضائية، بجلسة 10/4/2018م]
· التعليق والتحليل:
يتضح من الأحكام السابقة أن المحكمة الإدارية العليا استقرت على أن الإعفاء من شرط اللجوء إلى لجنة التوفيق في حالة رفع الدعوى بطلب الحكم بصفة مستعجلة بإلغاء القرار مرهون بثلاثة شروط جوهرية:
قصد المدعي: أن يكون هدفه من طلب الحكم بصفة مستعجلة هو سرعة الفصل في الدعوى.
طبيعة المنازعة: أن تكون من الدعاوى المستعجلة بطبيعتها، بحيث يؤدي التأخير في الفصل فيها إلى ضرر يتعذر تداركه.
الطلبات الختامية: أن يقوم المدعي بتصحيح طلباته الختامية، ويضيف إليها طلبًا صريحًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وبناءً على ذلك، فإن المحكمة الإدارية العليا في حكمها الأخير لم تتغاضَ عن خطأ المدعي في عدم طلب وقف التنفيذ، وإنما قبلت دعواه شكلاً فقط بعد قيامه بتعديل طلباته الختامية وإضافة طلب صريح بوقف التنفيذ.
أما إذا لم تكن الدعوى بطبيعتها مستعجلة، ولم يقم المدعي بتصحيح طلباته الختامية لتشمل طلب وقف التنفيذ، فإنه يظل ملزمًا باللجوء إلى لجنة التوفيق، وإلا حُكم بعدم قبول دعواه شكلًا. وبناءً عليه، فإن الحل الأمثل للمدعي الذي يرغب في تجنب اللجوء إلى لجنة التوفيق هو أن يضمن عريضة دعواه طلبًا صريحًا بوقف التنفيذ منذ البداية، تفاديًا لأي إشكالات تتعلق بعدم القبول الشكلي.