• عدم اللجوء للجنة التوفيق في المنازعات غير المستثناة يترتب عليه عدم قبول الدعوى:

·        المسألة القانونية:

هل يُشترط اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى في المنازعات غير المستثناة، وما أثر عدم الالتزام بهذا الإجراء على قبول الدعوى أمام المحاكم؟

·        الرأي القانوني:

استهدف المشرّع من خلال القانون رقم 7 لسنة 2000 وضع آلية لتسوية المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، وذلك عبر لجان التوفيق التي تختص بالنظر في النزاعات المدنية والتجارية والإدارية، بما يضمن تحقيق العدالة الناجزة دون اللجوء المباشر إلى القضاء.

وقد جعل القانون اللجوء إلى هذه اللجان إجراءً إلزاميًا وليس اختياريًا، حيث نصت المادة الحادية عشرة منه على أنه لا تُقبل الدعوى أمام المحاكم في المنازعات الخاضعة لهذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وانقضاء المواعيد القانونية المحددة لإصدار التوصية أو عرضها دون قبول.

إلا أن المشرع استثنى بعض المنازعات من هذا الشرط، كما ورد في المادة الرابعة من القانون، ومن بينها:

✅ المنازعات التي تكون وزارة الدفاع أو أحد أجهزتها طرفًا فيها.

✅ المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية.

✅ المنازعات التي تخضع لأنظمة خاصة أو يُشترط فضّها أمام لجان قضائية أو تحكيمية.

وبناءً على ذلك، فإن عدم التزام المدعي بهذا الإجراء، في الدعاوى غير المستثناة، يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً، باعتباره شرطًا جوهريًا يسبق رفع الدعوى، وليس مجرد إجراء تنظيمي.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت المحكمة الإدارية العليا على أن حق التقاضي مكفول، إلا أن مباشرته يجب أن تتم وفقًا لما قرره المشرّع من إجراءات ومواعيد. وإذا اشترط القانون اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى، فإن هذا الشرط يُعد طريقًا واجبًا لا يجوز تجاوزه، لأنه يهدف إلى تخفيف العبء عن القضاء وتمكين أصحاب الشأن من تسوية النزاعات بطريقة ميسرة.

وفي هذا، قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:

«وحيث إن المستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع قرر إنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وفيما عدا المنازعات المستثناة بحكم القانون والوارد النص عليها حصرا في المادتين (4، 11) من هذا القانون فقد أوجب المشرع قبل اللجوء إلى القضاء تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة، ومن ثم فإن اللجوء إلي لجنة التوفيق في بعض المنازعات ليس طقسا في ذاته، ولم يفرضه المشرع عبثا، وإنما أوجبه لرغبة قصدها وغاية أرادها، تتمثل في تقليل حجم المنازعات التي تطرح على القضاء الإداري، بالفصل فيها من قبل اللجان المشكلة طبقا لهذا القانون، ومؤدى ذلك أنه يشترط أن يكون الطلب المقدم إلى لجنة التوفيق سابقا على تاريخ إقامة الدعوى كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتكبد مشقة القضاء وإجراءاته، ومن ثم يترتب على عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات أو اللجوء إليها بعد تاريخ رفع الدعوى الحكم بعدم قبولها لإقامتها بغير الطريق الذي رسمه القانون.»

(أحكام المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 5332 لسنة 53 ق عليا – جلسة 27/5/2010م، و952 و31314 لسنة 56 ق عليا – جلسة 14/9/2010م، و11713 و11795 لسنة 60 ق عليا – جلسة 15/3/2015م، و9025 لسنة 56 ق عليا – جلسة 19/3/2016م، و27504 لسنة 60 ق عليا – جلسة 28/1/2018م).

وحيث إنه عن الطلب الثانى ، فإن المشرع فى القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق فى بعض المنازعات التى تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها وتعديلاته ، أوجب على ذوى الشأن تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة قبل اللجوء إلى القضاء ، طالما أن المنازعة ليست من المنازعات المستثناة من العرض على تلك اللجنة طبقاً للقانون. الإدارية العليا – الدائرة الثانية – موضوع – الطعن رقم 89058 لسنة 96 ق | تاريخ الجلسة 31 / 7 / 2024

تحليل وتعقيب ختامي

من خلال استعراض الأحكام القانونية والتوجهات القضائية، يتضح أن اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفًا فيها، هو إجراء جوهري لا يمكن تجاوزه، إلا في الحالات التي نص عليها القانون صراحة ضمن الاستثناءات. ويترتب على عدم الالتزام بهذا الشرط الإجرائي الحكم بعدم قبول الدعوى أمام المحكمة، نظرًا لكونه شرطًا سابقًا على رفع الدعوى وليس مجرد إجراء تنظيمي يمكن تصحيحه لاحقًا.

أهمية هذا الشرط في تحقيق العدالة الناجزة

يهدف هذا التنظيم القانوني إلى تحقيق عدة مصالح جوهرية، من أبرزها:

  1. تخفيف العبء على المحاكم: من خلال إتاحة الفرصة لتسوية النزاعات بشكل ودي قبل اللجوء إلى القضاء.
  2. توفير الوقت والجهد للمتقاضين: عبر إيجاد حلول سريعة وفعالة، بدلًا من الدخول في إجراءات تقاضي قد تستغرق وقتًا طويلًا.
  3. ضمان حسن سير العدالة: من خلال إلزام أطراف النزاع بسلوك المسار المحدد قانونًا قبل اللجوء إلى المحكمة.

التوازن بين الحق في التقاضي والالتزام بالإجراءات الشكلية

رغم أن الدستور والقوانين تكفل حق التقاضي للجميع، إلا أن هذا الحق يجب أن يُمارس وفق القواعد التي يضعها المشرّع. ويعد اشتراط اللجوء إلى لجنة التوفيق قيدًا إجرائيًا لا ينتقص من هذا الحق، وإنما يضع إطارًا يضمن تحقيق المصلحة العامة والتوازن بين سرعة الفصل في المنازعات وتقليل الضغط على المحاكم.

الاتجاهات المستقبلية والتعديلات المحتملة

في ظل التطورات التشريعية المستمرة، قد يكون هناك توجه مستقبلي لإعادة تقييم نظام لجان التوفيق، سواء من خلال:

  • توسيع نطاق الاستثناءات بحيث تشمل أنواعًا جديدة من المنازعات التي لا يكون التوفيق فيها مجديًا.
  • تحديد مهل زمنية أكثر مرونة لتقديم طلبات التوفيق، بما يتيح للمتقاضين فرصة أكبر للامتثال لهذا الإجراء.
  • تعزيز دور لجان التوفيق من خلال منح توصياتها قوة قانونية أكبر، مما يقلل الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم.

الخاتمة

ختامًا، يتأكد لنا أن عدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات غير المستثناة يترتب عليه عدم قبول الدعوى أمام المحاكم، وفقًا لما استقر عليه القضاء الإداري. ويجب على المتقاضين الالتزام بهذا الشرط قبل رفع دعواهم، ضمانًا لحماية حقوقهم الإجرائية ومنعًا لأي إطالة غير مبررة في الإجراءات القضائية.

يظل هذا الموضوع محل اهتمام واسع، لا سيما مع استمرار التحديات المتعلقة بفعالية هذا النظام، ومدى تحقيقه للأهداف المرجوة، مما قد يستدعي مستقبلاً مراجعات تشريعية لضمان تحقيق التوازن بين تسوية المنازعات والحق في التقاضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top