الشاعر الرقمي يتخيل: ماذا لو كتب شعراؤنا الكبار عن الريلز؟
مقدمة
مرحبًا بكم من جديد في عالم “الشاعر الرقمي”!
في حوار سابق نشرناه، ناقشنا كيف يرى “الشاعر الرقمي” حال الشعر العربي وسط ضجيج السوشيال ميديا والمنصات السريعة.
واليوم، نأخذكم في رحلة تخيلية ساحرة…
ماذا لو كتب شعراؤنا الكبار عن هذا الواقع الرقمي؟
أمل دنقل
لم تعد القصائدُ تُغني…
ولا الشوارعُ تحفظُ خطى العشاقْ
كلُّ شيءٍ للبيعِ
حتى الفرحُ
حتى الموتُ
حتى دموعُ الأطفالِ… صارت إعلانًا مدفوعًا.
يمدُّ “التيك توك” لسانَهُ…
لوجهِ الزمنِ القديم،
تغسلُنا “الفلاترُ”
نغرقُ في زُبدِ الصورِ،
وننسى ملامحَنا الأصلية.
في “فيسبوك”،
نكتبُ أنَّ القمرَ جميلٌ…
ثم نغلقُ النافذةَ
وننامُ كأنَّ الليلَ بلا قمر!
“إنستجرام”…
مقابرُ ملونةٌ،
كلُّ شاهدِ قبرٍ فيها
صورةٌ مأخوذةٌ من زاويةٍ أفضلْ…
أيتها القصيدة:
لا تبحثي عن منبرٍ
كلُّ المنابرِ
تُذاعُ منها الإعلاناتْ.
يا أيها الشعرُ،
لا تطرقْ هذه الأبوابَ…
فالأبوابُ مفتوحةٌ
لمن يبيعُ صوتهُ
بأرخصِ الأثمانْ!
امرؤ القيس
قِفا نبكِ من ذِكرى حسابٍ مضلَّلِ
بـ”تيكٍ” و”فيسٍ” قد غدونا بمعزلِ
رأيتُ وجوهَ القومِ ترقصُ عابثًا
كأنّ عقولَ القومِ ماءٌ بمنهلِ
تجاذبهمُ التيهُ السريعُ فلم يزلْ
يُديرهمُ حولَ الهباءِ المؤملِ
وفي “إنستجرامٍ” قد تعرّى حياؤهمُ
فصاروا كأشباحِ الدُمى المتبدلِ
كأنّ الزمانَ استحالَ مسخرةً
يضيعُ بها الماجدُ وابنُ المفضلِ
ألا ليت شعري! أينَ ذاكَ الذي مضى؟
وأينَ قلوبُ القومِ من عهدِ أوّلِ؟
فلا الكتبُ تُروى، لا القصائدُ تُرتجى
ولا نايُ طيرٍ في الربى بالمُجمَّلِ
بكتْ قصائدُنا بدمعٍ مدامعٍ
على زمنٍ قد صارَ مثلَ المذبّلِ
عنترة بن شداد
هلّا رأيتَ اليومَ حالَ القبائلِ؟
ضاعَ الرجاءُ ونامَ صوتُ النائلِ
لعبَتْ “تيك توكٌ” بالعقولِ ضحالةً
وغدتْ قلوبُ الناسِ دونَ شمائلِ
وسرى “فيسبوكٌ” في الحياةِ كظلمةٍ
تُنسي الفتى عهدَ الفخارِ الأوائلِ
وغدتْ “إنستجرامُ” تطاردُ عزةً
وتبيعُ عرضَ المجدِ فوقَ منادِلِ
لكنني، إن خانَ قومي عزتهم
أبقى أنا… أسدَ الوغى والقوائلِ
أطوي الدجى بسلاحيَ المشتاقِ للـ
نصرِ المنيفِ، وصبرِ قلبِ الباسلِ
المتنبي
إذا غاضَ ماءُ الحرفِ أينَ الزلالُ؟
وأينَ رؤوسُ الفخرِ بعدَ النِضالِ؟
وأينَ القوافي؟ أينَ بحرُ بلاغتي؟
وأينَ جبالُ العزمِ فوقَ الجبالِ؟
رأيتُ “تيك توكَ” يلهو بعاقلٍ
ويُغرقُ وعياً في بحارِ الضلالِ
وفي “فيسبوكٍ” صارتِ الأرضُ زيفَها
تُزيِّنُ وجهَ الكذبِ للأغفالِ
و”إنستجرامٌ” عرضُ لهوٍ مُبهرٍ
يزينُ ما لا يُحسنُ الإفضالِ
فيا شعرُ قُم!
واعتلِ ظهرَ سيفِنا،
فنحنُ لنا عهدٌ بفتحِ المحالِ
ولا خيرَ في قَومٍ رأوا الزيفَ مُرغمًا
فساروا لهُ خلفَ الرغيفِ الخالي
إيليا أبو ماضي
أبنيتُ دارًا فوقَ ماءِ سرابِ؟
وأقمتُ عرشًا فوقَ طينِ ترابِ؟
أبصرتُ قومًا يلهثون وراءَ ما
لا يُرتجى… في زحمةِ الألبابِ
“تيك توك” قد علّقوا به عقولَهم
مثلَ الذبابِ على خيوطِ عُبابِ
و”الفيس” قد صارَ المرايا كاذبًا
يبدي ابتسامَ اللحدِ للأصحابِ
و”إنستجرامُ” صبغَ الأرواحَ بالأ
لونِ المزيفِ، دونَ أيِّ خضابِ
فبكيتُ حُسنَ الطهرِ في أيامِنا
وبكيتُ ذاكَ الحرفَ في الأحقابِ
يا ويحَ قلبٍ ضلَّ يسعى هائمًا
في سوقِ تفاهاتِ الهوى المُرتابِ
لكني، وإن ضاعتْ دروبُ قصيدتي،
سأظلُّ أزرعُ زهرةً بترابِ.
فاروق جويدة
ضاعَ الطريقُ على يديكَ
فكلُّ شيءٍ قد هَوى…
كانت لنا الأيامُ ضحكةَ عاشقٍ
واليومَ أضحتْ… مأتما
كُنا نغني للحياةِ… ونرتوي
واليومَ نرسمُ صمتَنا
في صورةٍ… في رِيلزِ وهمٍ عابرٍ
نلهو وننسى مَن أنا!
ضاعت خطانا في الزحامِ،
فلا عيونٌ ترتوي…
ولا قلوبٌ ترتقي…
ولا زمانٌ قد وفى.
تيك توكُ…
يا صورةً مسروقةً
ماذا صنعتَ بأمنياتِ قلوبِنا؟
فيسبوكُ…
يا وهماً كبيراً عالقاً
صارتْ به الأحلامُ خواءً… مرعبا!
ما عاد فينا مَن يُحبُّ بعمرهِ،
ما عاد فينا مَن يقولُ: أحبُّكمُ…
بصدقِ روحٍ لا تُخافُ ولا تُرى…
ضاع الطريقُ على يديكْ،
ضاع الزمانُ معَ الهوى…
وضللَتنا الريحُ… والذكرى طوتْ
أيامَنا…
حافظ إبراهيم
رثيتُ شبابَ الحرفِ لما تهاونا
وجادَ على تيهِ الزمانِ ففانا
رأيتُ القلوبَ الغُرَّ قد ضلَّ رشدُها
وسارتْ وراءَ اللهوِ حُسرى عَمانا
“تيك توكُ” قد أغرى الصغارَ بباطلٍ
وغشى العيونَ ببرقِه فاستكانا
و”الفيسُ” قد سوَّى النفوسَ مهازلًا
وغدا الحديثُ به كذوبًا بهتانا
و”إنستجرامُ” مَعرِضٌ لغرورِهم
صُوَرٌ بلا روحٍ، وخدْعٌ عيانا
أيا أمةً كانت مثالَ حضارةٍ
أضاعكِ لهوُ العابثينَ زمانا!
فيا شعرُ قُمْ…
واصرخْ بقلبٍ نابضٍ:
أنقذ بني الإنسانِ مِنْ تيهِ هوانا!
نزار قباني
في زمانِ “التيك توك”…
ضاعَ الجسدُ الحقيقي…
واستبدلناهُ بظلٍّ مرتعشٍ،
يمضي… ويُنسى.
في زمنِ “الإنستجرام”،
صرنا نصورُ أحزاننا
ونكتبُ تحتها:
“أجملُ لحظةٍ في حياتي…”
في “الفيسبوك”،
نبكي…
ونبتسمُ للصورةِ ذاتها،
ثم ننصرفُ
دون أن نقرأ دموعنا.
أيها الحبُّ،
أيها الشعرُ،
أيها الحنينُ القديمُ،
لماذا هربتَ من الشاشاتِ البيضاء،
وتركتنا نُمارسُ عشقنا
مع صورٍ لا تتنفسُ؟
كنا قبلكمْ…
نكتبُ قصائدنا على جدرانِ القلبِ،
وننتظرُ…
أن تردَّ علينا امرأةٌ حقيقيةٌ،
بزهرة.
اليومَ…
تردُّ علينا
بصورةِ كوب قهوة،
وفلترٍ فوقَ العيونِ!
صلاح جاهين
يا ولاد… يا ولاد… ده الزمان اتشقلب!
اللي كان بيغني عالعود… دلوقتي بيتقلب
بقينا نرُصّ الفلتر فوق الوشوش
ونبيع الهوا… ونشتري حلم كدب!
تيك توك يا تيك توك… يا لعبة م اللاشي
كبرنا بيك ومابقاش فـ عيونا شي
نرمي ضحكتنا فوق فيديو ونمشي
ونقول عايشين… واحنا في الأصل ميتين!
وفيسبوك يا خويا…
بقينا نحكي الهم في بوست مسكين
ونرمي عتابنا في لايك حزين
وانستجرام يا بهجة وشجن،
صور… وصور… وخيال من ورق،
ولا حُب حي، ولا كلمة حق!
يا دنيتنا يا لعبة أطفال كبار،
كبرنا وخفنا… وصغرنا في القرار!
فؤاد حداد
يا دنيا ريح
يا ريلز يا وشوش بتجري
زي السحاب،
بتعدّي فوق الأرض… ولا تسيب أثر
يا زحمة تيك توك ويا ليل الفيسبوك،
فين الكلام اللي بيشبه البشر؟
صور كتير
ولادنا فيها
واقفـين ولا ماشيين
مش عارفين
ضحكة مزوّقة،
دمعة مخنوقة،
وحب… من غير قلبين!
يا زمن الصور والفلتر الغشّاش
فين القلوب اللي كانت بتعشق ببلاش؟
فين الجدعان اللي كانوا يقولوا “لا”،
ويرسموا النصر فوق الجراح؟
يا نَفَس الحلم…
لا تهرب منّي
خليك هنا
وسط الحروف، والشارع، والمراية اللي مكسورة
خلينا نكتب على الحيطان
“لسه فينا ناس بتحب النور
ومش هاتموت في العتمة المغرورة”…
سيد حجاب
بقينا نعيش فـ صور متلوّنة
نضحك فـ وشّ الريح… ونمشي مهمومين
بنرسم البسمة عالـ ملامح حزينة
ونقلب الوشوش… زي ورق مجانين
“تيك توك” ينده علينا… نلبّي!
والجدعنة بقيت لايك وكلمتين
“فيسبوك” كشكول مليان حواديت،
حواديت ناقصة… ما تكملش سطرين
و”إنستا” زيّ البراويز الفاضية،
جمال مصنّع… بلا عينين!
يا ناس،
كان الحلم شُباك مفتوح عالحقول،
بقينا نحلم فـ شاشة… مربّعة… وساكتين!
انتظروا الموضوعات القادمة بإذن الله!
رحلة “الشاعر الرقمي” لم تنتهِ هنا…
سنواصل استكشاف أحلام شعرائنا في زمننا الرقمي المعاصر.
تابعونا دائمًا لكل جديد!
هل ترغب في تقييم أداء الشاعر الرقمي؟
فهرس قصائد الشاعر الرقمي
اكتشف المزيد من عوالم الشاعر الرقمي!
استمتع بقراءة جميع موضوعات “الشاعر الرقمي” الملهمة والمتجددة.
تصفح كل الموضوعات