(3) من خلق الخالق؟ التأمل الثالث: ومن خلق السؤال؟

السؤال

وقف السائل على قارعة الطريق في عام 2025م؛ يحمل في يده هاتفًا ذكيًّا، وعلى لسانه سؤالٌ قديم:

«من خلق الخالق؟»

سؤال يتردّد كصدى صوت في كهف بلا جدران.

نظر لهاتفه واتصل بصديقه الذي يهتم بهذه التساؤلات، وأخبره بما يفكر فيه، فقال له صديقه:

«إن أردت أن تطرح سؤالك بصدق، فلا تطرحه وأنت واقف فوق عام 2025م، بل اترك كل شيء، واخرج بذهنك من هذا الزمن. دع كل المفاهيم، والأفعال، والمعارف، والعلاقات… واذهب إلى حيث لا زمان، ولا خلق، ولا سؤال.»

أغمض عينيه، وتخيّل أنه هناك.

هناك… في الأزل.

نظر بجانبه فلم يجد أي أحد غيره.

فكّر في نفسه:

«لا أحد غيري هنا،

فهل يمكنني أن أخلق شيئًا؟

إذا لم أخلق شيئًا، فهل يمكنني أن أسأل: من خلقني؟»

جاءه الجواب من داخله، بسيطًا ومُقنعًا:

«لا… لأنني لم أتمكن من خلق شيء، فلن أفهم ما هو الخلق أصلًا؛ فكيف سأفهم السؤال عن الخلق؟»

ثم واصل تفكيره:

«وإذا استطعتُ أن أخلق، فأنا من أوجد فعل الخلق ذاته.

وإذا كنت أنا من فعّل هذا الفعل، فأنا لست مخلوقًا به،

بل أنا الذي أبدع واستحدث من العدم فعل الخلق.»

في تلك اللحظة، أفاق من تخيله على سؤال طرحه صديقه:

«من أول من ردّ على الهاتف في التاريخ؟»

فأجابه: «شخص ما.. لا أعرف اسمه.»

فقال له صديقه: «لا يهم.. ولكن من اتصل به؟»

قال: «ربما جراهام بيل… أو أنطونيو ميوتشي، لست متأكدًا.»

فسأله صديقه مجددًا: «أيًا كان…

ولكن؛ مَن اتصل على المتصل الأول؟»

ساد الصمت.

ثم أجاب السائل أخيرًا:

«لا أحد.

لأن أول من اتصل… هو من أوجد الفعل ذاته،

وقبله لم يكن هناك اتصال،

ولم يكن أحد يعرف أنه يمكن لشخص أن يتصل بشخص آخر.»

انتهت المكالمة… ومعها انتهى السؤال.

لم يعُد يسأل: «من خلق الخالق؟ ولا مَن اتصل على المتصل الأول؟»

بل صار يسأل نفسه:

«ومن خلق السؤال؟!»

تأملاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top