• التقدم بطلب التوفيق بعد رفع الدعوى وأثره:

·        المسألة القانونية:

هل يجوز رفع الدعوى أمام المحكمة دون اللجوء أولًا إلى لجنة التوفيق المختصة، ثم خلال سير الدعوى تصحيح هذا الإجراء بتقديم طلب التوفيق؟ وهل يؤثر ذلك على قبول الدعوى من الناحية الشكلية؟

·        الرأي القانوني:

أوضح المشرع في القانون رقم 7 لسنة 2000، وأكدت المحكمة الإدارية العليا في أحكامها، أن اللجوء إلى لجنة التوفيق قبل رفع الدعوى هو إجراء جوهري إلزامي، وليس مجرد إجراء تنظيمي يمكن تصحيحه لاحقًا.

فالمشرع لم يترك مجالًا لتدارك هذا الإجراء أثناء سير الدعوى، بل قرر جزاءً صريحًا يتمثل في عدم قبول الدعوى ابتداءً إذا لم يسبقها تقديم طلب التوفيق. وهذا يؤكد أن احترام مسار التوفيق ليس مسألة شكلية، بل هو شرط لقبول الدعوى أمام القضاء، يُراد منه استنفاد الحلول البديلة قبل اللجوء إلى المحكمة.

وبناءً على ذلك، فإن تقديم طلب التوفيق بعد إقامة الدعوى لا يصحح المخالفة ولا يعفي من جزاء عدم القبول، مما يترتب عليه رفض الدعوى شكلًا لعدم استيفاء المتطلبات القانونية اللازمة لرفعها.

·        الاتجاهات القضائية:

أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا على هذا المبدأ، حيث قضت بأن:

«ومن حيث إنه باستقراء النصوص المتقدمة يبين أن المشرع في سبيل تحقيق العدالة الناجزة التي تيسر لذوي الشأن الحصول على حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولتخفيف العبء عن القضاة، أصدر القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تنشأ بين الجهات الإدارية الواردة بالمادة الأولى والعاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وذلك أيا كانت طبيعة هذه المنازعات، ورتب أثرا على عدم الالتزام باللجوء إلى تلك اللجان هو عدم قبول الدعاوى التي تقام مباشرة أمام المحكمة، وأخرج عن الخضوع لأحكامه منازعات بعينها أوردها تفصيلا بالمادتين الرابعة والحادية عشرة …. ومن ثم يتعين على صاحب الشأن في المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل اللجوء إلى المحاكم أن يتقدم بطلب التوفيق إلى اللجنة المختصة خلال المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء.

ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع أوجب على المدعي اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة بشأن منازعته المدنية أو التجارية أو الإدارية وذلك قبل ولوجه سبيل التقاضي؛ ليعرض عليها أمر منازعته لتتولى فحصها وإصدار التوصية المناسبة في موضوعها في ضوء أحكام القانون الواجب التطبيق، عسى أن تستجيب جهة الإدارة إلى طلب المدعى أو أن يقتنع الأخير بأن مظنة حقه لا سند لها من القانون فيعدل عن مخاصمة جهة الإدارة قضاء، فإن أنكرت هذه الجهة حق المدعى أو لم تنزل توصية اللجنة في نفسه منزلة اليقين كان له اللجوء إلى القضاء وولوج سبيله استدعاء لحقه في التقاضي الذي كفله له الدستور، ومن ثم فإذا تنكب المدعي السبيل الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر ولجأ مباشرة بدعواه إلى المحكمة، فقد رتب المشرع جزاء قانونيا على ذلك مقتضاه عدم قبول هذه الدعوى جزاء وفاقا لإغفاله اتباع هذا السبيل.

كما جرى قضاؤها بأنه مع صراحة نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 والتي نصت على أن لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها، فإن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق المقرر في هذا القانون، مثل عدم سابقة التظلم الوجوبي المنصوص عليه في المادة (12) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، حيث أوجب المشرع على ذوي الشأن حتى تقبل طعونهم بالإلغاء في القرارات النهائية للسلطات التأديبية أن يتظلموا منها قبل رفع الدعوى إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئة الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم، وكذا الدفع بعدم اللجوء إلى لجنة التوفيق في المنازعات أو لجان فحص المنازعات التي أنشئت بالتطبيق لنص المادة (157) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وأن هذا الدفع هو في حقيقته دفع ببطلان الإجراءات، إذ إنه موجه إلى إجراءات الخصومة وشكلها وكيفية توجيهها، وبهذه المثابة يعد من الدفوع الشكلية.

(حكمها الصادر في الطعن رقم 80577 لسنة 65 ق. عليا – جلسة 19/6/2021)

وفي ضوء ما تقدم، وإعمالا للقاعدة الأصولية في التفسير من أنه لا اجتهاد عند صراحة النص، وأن إعمال النص خير من إهماله، فإنه يتعين التقيد بصريح نص المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000 سالف الذكر، والالتزام بالفهم السليم لها، والتطبيق الصحيح لحكمها، والتي نصت في إفصاح جهير وصريح لا يجوز تأويله على محمل آخر من أنه لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول كإجراء شكلي جوهري يتعين مراعاة اتخاذه قبل سلوك طريق الدعوى القضائية، بحسبانه هو الأصل في استخلاص ذي الشأن لحقه ورفع الظلم عنه، دون أن يتحمل مشقة القضاء وإجراءاته، وقد حدد المشرع بعبارات صريحة النتيجة المترتبة على مخالفة هذا الإجراء وهى عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة.

ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه، فإنه يغدو الاتجاه الأول في أحكام المحكمة الإدارية العليا بعدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى هو الأولى بالترجيح.

فلهذه الأسباب: حكمت المحكمة بترجيح الاتجاه الوارد في أحكام المحكمة الإدارية العليا، الذي من مقتضاه عدم قبول الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وذلك إذا تم اللجوء لهذه اللجان بعد تاريخ إقامة الدعوى، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدى ما تقدم.»

[المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – الطعن رقم 39225 لسنة 66 ق | تاريخ الجلسة 3 / 12 / 2022م]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top